حكم العتيرة " ذبيحة شهر رجب "

حكم العتيرة " ذبيحة شهر رجب "

ما حكم العتيرة "ذبيحة شهر رجب"؟ فقد اعتاد والدي على القيام بالذبح في شهر رجب من كل عام، ويقوم بتوزيع ذبيحته كاملة على الفقراء والمساكين، ولكن ذكر له أحد الأقرباء أن ذلك لا يجوز، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الذبح في شهر رجب. فهل هذا صحيح شرعًا؟

ما اعتاده والدك من الذَّبح في شهر رجب هو أمرٌ مستحبٌّ ومُرَغَّبٌ فيه شرعًا، وهو قربةٌ لله تعالى، كما أنَّ توزيعه للذَّبيحة كاملةً يوصف بالحرصِ على كمال الأجر والثواب من الله سبحانه، وإخلاصِ العمل له.

وما ورد من النَّهي عن ذبح العتيرة  إنما هو عما كان من أمر الجاهلية من الذَّبح لغير الله تعالى، أو هو محمولٌ على نفي الوجوب عنها، أو أنها ليست كالأضحية في الاستحباب أو في ثواب إراقة الدم.

التفاصيل ....

المحتويات

 

فضل الأشهر الحرم ومضاعفة الثواب والعقاب فيها

اقتضت حكمة الباري سبحانه وتعالى تفضيل بعض الأزمنة والشهور على بعض؛ فَمَيَّزَ الأشهر الحرم على سائر الشهور، ومن رحمته بعباده أن جعل لهم فيها مواسم للخيرات، وحثهم فيها على اغتنام الأوقات والإكثار من الطاعات؛ رجاءَ رحمته، وابتغاءَ ثوابه، كما حذرهم من المعصية وظلم النفس فيها، فجعل عقوبةَ المعصية فيها مضاعفةً، كما جعل الأجر والثواب على الطاعات فيها مضاعفًا؛ فقال سبحانه: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ [التوبة: 36].

وقد كانت العرب تحترم هذه الشهور وتعظمها؛ اتباعًا لملة سيدنا إبراهيم عليه السلام؛ وقد بلغوا من شدة تعظيمهم لها أن اختصُّوها ببعض القربات، كما حرَّموا على أنفُسهم فيها سفك الدماء؛ فكان الرجل منهم يلقى قاتل أبيه في هذه الأشهر ولا يتعرَّض له بالأذى، حتى جاء الإسلام فأقرهم على تعظيمها.

قال فخر الدين الرازي في "مفاتيح الغيب" (16/ 41، ط. دار إحياء التراث العربي): [وأما قوله: ﴿مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ فقد أجمعوا على أنَّ هذه الأربعة؛ ثلاثةٌ منها سرد؛ وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، وواحدٌ فرد؛ وهو: رجب، ومعنى الحُرُمِ: أنَّ المعصية فيها أشدُّ عقابًا، والطاعة فيها أكثر ثوابًا، والعرب كانوا يعظمونها جدًّا حتى لو لقي الرجل قاتل أبيه لم يتعرَّض له] اهـ.

وقال الإمام البيضاوي في "أنوار التنزيل وأسرار التأويل" (3/ 80، ط. دار إحياء التراث): [﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ﴾ أي: مبلغ عددها. ﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾ معمول عدة؛ لأنها مصدر. ﴿اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ في اللوح المحفوظ، أو في حكمه، وهو صفةٌ لاثني عشر، وقوله: ﴿يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ متعلقٌ بما فيه من معنى الثبوت أو بالكتاب إن جعل مصدرًا. والمعنى: أن هذا أمر ثابتٌ في نفس الأمر مذ خلق الله الأجرام والأزمنة. ﴿مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ واحدٌ فَرْدٌ؛ وهو رجب، وثلاثةٌ سَرْدٌ: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم. ﴿ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ أي: تحريم الأشهر الأربعة هو الدين القويم دين إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام، والعرب ورثوه منهما. ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ بهتك حرمتها وارتكاب حرامها، والجمهور على أن حرمة المقاتلة فيها منسوخة، وَأَوَّلُوا الظلم بارتكاب المعاصي فيهن فإنه أعظم وزرًا؛ كارتكابها في الحرم وحال الإِحرام] اهـ.

وعن أبي بكرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وَذُو الحِجَّةِ، وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ» متفق عليه.

قال الإمام ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (6/ 14، ط. دار الرشد): [العرب كانت تحرم الشهور الأربعة، وكان هذا ممَّا تمسكت به من ملة إبراهيم] اهـ.

مظاهر تعظيم العرب لشهر رجب

إذا كانت العرب قد عرفت منزلة الأشهر الحرم وما لها عند الله من شأنٍ وفضلٍ فعظَّموها، غير أنهم كانوا يبدِّلون ويغيِّرون فيها على حسب أهوائهم، إلا شهر رجبٍ؛ إذ ميَّزوه بمزيدٍ من التعظيم؛ فلم يغيِّروه عن مكانه، ولم يكن يَسْتَحِلُّهُ أحدٌ منهم، وما ذاك إلا لمعرفتهم بما لهذا الشهر من فضلٍ كبيرٍ، وشأنٍ عظيمٍ عند الله تعالى.

قال شرف الدين الطيبي في "شرح مشكاة المصابيح" (6/ 2014، ط. مكتبة نزار الباز): [قوله: «وَرَجَبُ مُضَرَ» عطف على قوله: «ثَلَاثٌ»، وليس بعطف على قوله: «وَالمُحَرَّمُ»، وإنما أضافه إلى مُضر؛ لأنها كانت تحافظ على تحريمه أشدَّ مِن محافظة سائر العرب، ولم يكن يَسْتَحِلُّهُ أحدٌ مِن العرب] اهـ.

وقال بدر الدين العيني في "عمدة القاري" (18/ 266، ط. دار إحياء التراث العربي): [قوله: «وَرَجَبُ مُضَرَ» إنما أضيف رجب إلى مضر التي هي القبيلة؛ لأنهم كانوا يعظِّمونه، ولم يغيِّروه عن مكانه، ورجب: مِن الترجيب وهو التعظيم] اهـ.

ومن مظاهر تعظيم العرب قبل الإسلام لشهر رجب: أنْ جعلوا فيه ذبيحةً تُذبح في كل عام تُسمَّى بـ"العتيرة"، ومنهم من كان ينذر النذر أو يوجب على نفسه حقًّا في ماله ويعلق أجله والإتيان به بشهر رجب؛ لما له مِن شأنٍ عظيمٍ ومنزلةٍ رفيعةٍ عندهم.

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (9/ 598، ط. دار المعرفة): [العتيرة المُنَذَرُ كانوا ينذرونه، من بلغ ماله كذا أن يذبح من كل عشرة منها رأسًا في رجب، وذكر ابن سيده: أنَّ العتيرة: أنَّ الرجل كان يقول في الجاهلية: إنْ بَلَغَ إِبِلِي مائةً عَتَرْتُ منها عتيرةً، زاد في "الصحاح": في رجب] اهـ.

وقال الإمام المناوي في "فيض القدير" (1/ 455، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [كان الرجل منهم إذا بلغت إِبِلُهُ مائةً نحر بَكْرًا في رجبٍ لصنمه يسمونه الفرع، فنهى المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم عن الذبح للصنم، وأمر بالذبح لله] اهـ.

وأول مَن سَنَّ العتيرة أو الذبح في شهر رجب: (بُورَا بن شُوحَا)، وهو مِن أجداد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد سيدنا عدنان.

قال الإمام الطبري في "تاريخ الرسل والملوك" (2/ 274، ط. دار التراث) في ذكر نسب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد جده سيدنا عدنان: [ابن بورا؛ وهو بوز، وهو عترُ العتائر، وأولُ مَن سَنَّ العتيرة للعرب، ابن شوحا وهو سعد رجب] اهـ.

حكم العتيرة ( ذبيحة شهر رجب )

لقد كان الصحابةُ رضوانُ الله عليهم يسألون النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن كل شيءٍ كانوا يفعلونه في الجاهلية حتى يبيِّن لهم الحلال منه والحرام، وعندما سُئِل صلى الله عليه وآله وسلم عن العتيرة في حجة الوداع: نهى عمَّا كان فيها من الذبح لغير الله، وبيَّن أنها تكون في كل شهور العام؛ فعن نُبَيْشَةَ الهذلي رضي الله عنه قال: نادى رجلٌ رسول الله صلى الله عليه وَآله وسلم فقال: يا رسول الله، إنَّا كُنَّا نَعتِرُ عَتِيرَةً في الجاهليَّة في رجبٍ؛ فما تأْمرنا؟ قال: «اذْبَحُوا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَيِّ شَهْرٍ مَا كَانَ، وَبَرُّوا لِلَّهِ، وَأَطْعِمُوا» أخرجه الأئمة: ابن ماجه والنسائي في "السنن"، وأحمد في "المسند".

قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (13/ 137، ط. دار إحياء التراث العربي): [قال الشافعي رضي الله عنه: الْفَرَعُ: شيءٌ كان أهل الجاهلية يطلبون به البركة في أموالهم؛ فكان أحدهم يذبح بكر ناقته أو شاته فلا يَغْذُوهُ؛ رجاء البركةِ فيما يأتي بعده، فسألوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنه، فقال: «فَرِّعُوا إِنْ شِئْتُمْ» أي: اذبحوا إن شئتم، وكانوا يسألونه عما كانوا يصنعونه في الجاهلية خوفًا أن يُكْرَهَ في الإسلام، فأعلمهم أنه لا كراهة عليهم فيه، وأمرهم استحبابًا أن يَغْذُوهُ، ثم يحمل عليه في سبيل الله، قال الشافعي: وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «الْفَرَعُ حَقٌّ» معناه ليس بباطل، وهو كلامٌ عربيٌّ خرج على جواب السائل، قال: وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ» أي: لا فرَع واجبٌ ولا عتيرة واجبةٌ، قال: والحديث الآخر يدل على هذا المعنى؛ فإنه أباح له الذبح، واختار له أن يعطيه أرملةً أو يحمل عليه في سبيل الله، قال: وقوله صلى الله عليه وآله وسلم في العتيرة: «اذْبَحُوا لِلَّهِ فِي أَيِّ شَهْرٍ كَانَ» أي: اذبحوا إن شئتم، واجعلوا الذبح لله في أيِّ شهرٍ كان، لا أنها في رجبٍ دون غيره من الشهور] اهـ.

وقال الإمام المناوي في "فيض القدير" (1/ 455): [«اذْبَحُوا لِلَّهِ» أي: اذبحوا الحيوان الذي يحل أكله إن شئتم، واجعلوا الذبح لله، «فِي أَيِّ شَهْرٍ ما كَانَ» رجبًا أو غيره، «وَبَرُّوا» بفتح الموحدة وشد الراء؛ أي: تَعَبَّدُوا، «لِلَّهِ، وَأَطْعِمُوا» بهمزةِ قَطْعٍ؛ أي: الفقراء وغيرهم] اهـ.

ما ورد في السنة النبوية بخصوص ذبح شيء لله في شهر رجب

جاءت الأحاديث النبوية الشريفة صريحةً في استحباب الذبح تقربًا إلى الله تعالى في شهر رجب.

فعن مِخْنَفِ بن سُلَيمٍ رضي الله عنه قال: كنَّا وقوفًا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعرفة، فقال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَّةً وَعَتِيرَةً، أَتَدْرُونَ مَا الْعَتِيرَةُ؟ هِيَ الَّتِي يُسَمِّيهَا النَّاسُ الرَّجَبِيَّةَ» رواه الأئمة: ابن ماجه والترمذي وأبو داود في "السنن"، والبيهقي في "السنن الكبرى".

وعن حَبيب بن مِخْنَفٍ رضي الله عنه قال: انتهيتُ إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم عرفة، قال: وهو يقول: «هَلْ تَعْرِفُونَهَا؟» قال: فما أدري ما رجعوا عليه، قال: فقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ أَنْ يَذْبَحُوا شَاةً فِي كُلِّ رَجَبٍ، وَكُلِّ أَضْحَى شَاةً» رواه الأئمة: أحمد في "المسند"، وعبد الرزاق في "المصنف"، والطبراني في "المعجم الكبير".

وعن لَقِيطِ بن عامرٍ العُقَيلِيِّ رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، إنَّا كنَّا نذبح ذبائح في الجاهليَّة في رجبٍ، فنأكل ونُطعِم مَن جاءنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا بَأْسَ بِهِ» رواه الأئمة: النسائي في "السنن" واللفظ له، وأحمد في "المسند"، وابن أبي شيبة في "المصنف"، والطبراني في "المعجم الكبير"، والدارمي في "المسند".

وعن الحارث بن عمرو رضي الله عنه، أنَّ رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع: يا رسول الله، الفرائع والعتائر، قال: «مَنْ شَاءَ فَرَّعَ، وَمَنْ شَاءَ لَمْ يُفَرِّعْ، وَمَنْ شَاءَ عَتَرَ، وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَعْتِرْ، فِي الْغَنَمِ أُضْحِيَّةٌ» رواه الأئمة: أحمد في "المسند"، والنسائي في "السنن"، والحاكم في "المستدرك"، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الحافظ الذهبي.

مذهب جمهور الفقهاء في حكم العتيرة (ذبيحة شهر رجب)

مذهب جمهور الفقهاء؛ من الشافعية، والإمام أحمد في رواية، وابن سيرين، وأهل البصرة، على استحباب العتيرة في شهر رجب؛ تقربًا إلى الله تعالى، وتعظيمًا لهذا الشهر الحرام، وإظهارًا لما له من الفضل في الشرع الحنيف.

قال الإمام النووي في "المجموع" (8/ 446، ط. دار الفكر) في ذكر ذبيحتَيِ الفرَع والعتيرة: [الصحيح الذي نصَّ عليه الشافعي واقتضته الأحاديث: أنهما لا يُكرهان، بل يُستحبَّان؛ هذا مذهبنا] اهـ.

وقال الإمام الشوكاني في "نيل الأوطار" (5/ 166، ط. دار الحديث): [أحاديث الباب يدل بعضها على وجوب العتيرة؛ وهو حديث مخنف، وحديث نبيشة، وحديث عائشة رضي الله عنهم، وحديث عمرو بن شعيب، وبعضها يدل على مجرَّد الجواز من غير وجوب؛ وهو حديث الحارث بن عمرو، وأبي رزين، فيكون هذان الحديثان كالقرينة الصارفة للأحاديث المقتضية للوجوب إلى الندب] اهـ.

وقال برهان الدين ابن مفلح في "المبدع" (3/ 278، ط. دار الكتب العلمية): [نقل حنبلٌ عن أحمد: يُسْتَحَبُّ العتيرة، وحكاه أحمد عن أهل البصرة، ورُوي عن ابن سيرين؛ لما تقدم من قوله عليه السلام: «عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ أَضْحَاةٌ وَعَتِيرَةٌ»] اهـ.

المراد من النهي في قول النبي عليه السلام: «لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ»

أمّا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ»؛ فالمراد منه النهي عن الذبح لغير الله عزَّ وجلَّ، أو يراد منه بيان أنَّ العتيرة غير واجبة، أو أنَّ الثواب فيها أقل من الثواب في الأضحية.

قال الإمام النووي في "المجموع" (8/ 445): [قال الشافعي: والعتيرة هي الرجبية، وهي ذبيحةٌ كانت الجاهلية يتبررون بها في رجب، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا عَتِيْرَةَ» أي: لا عتيرة واجبة] اهـ.

وقال في "شرح صحيح مسلم" (13/ 137): [الصحيح عند أصحابنا وهو نص الشافعي: استحباب الفرع والعتيرة، وأجابوا عن حديث: «لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ» بثلاثةِ أوجُهٍ: أحدها: جواب الشافعي السابق أنَّ المراد نفي الوجوب، والثاني: أن المراد نفي ما كانوا يذبحون لأصنامهم، والثالث: أنهما ليسا كالأضحية في الاستحباب أو في ثواب إراقة الدم، فأما تفرقة اللحم على المساكين فبرٌّ وصدقةٌ، وقد نص الشافعي في "سنن حرملة": أنها إن تيسرت كلَّ شهرٍ كان حسنًا؛ هذا تلخيص حكمها في مذهبنا] اهـ.

وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب" (1/ 550، ط. دار الكتاب الإسلامي): [والمنع راجعٌ إلى ما كانوا يفعلونه من الذبح لآلهتهم، أو أنَّ المقصود نفي الوجوب، أو أنَّهما ليسا كالأضحية في الاستحباب، أو في ثواب إراقة الدم، فأمَّا تفرقة اللحم على المساكين: فصدقة] اهـ.

وقال الإمام الشوكاني في "نيل الأوطار" (5/ 167): [المراد بقوله: «لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ» أي: لا فرع واجب ولا عتيرة واجبة.. ويمكن أن يجعل النهي مُوجَّهًا إلى ما كانوا يذبحونه لأصنامهم فيكون على حقيقته، ويكون غير متناول لما ذبح من الفرَع، والعتيرة لغير ذلك ممَّا فيه وجه قربة. وقد قيل إنَّ المراد بالنفي المذكور نفي مساواتهما للأضحية في الثواب أو تأكيد الاستحباب] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك: فإن تعظيم الأشهر الحرم والإكثار من الخير فيها هو دأب الصالحين، وسنةٌ متبعةٌ عن المرسلين، وأقرَّها خاتم النبيين، واختصاص شهر رجب بمزيدٍ من التعظيم وفعل الخير وذبح العتيرة -وهي الذبيحة التي تذبح في شهر رجب- هو أمرٌ مستحبٌّ شرعًا؛ لما تواردت عليه النصوص، وأما ما ورد من النَّهي عنها إنما هو عما كان من أمر الجاهلية من الذَّبح لغير الله تعالى، أو هو محمولٌ على نفي الوجوب عنها، أو أنها ليست كالأضحية في الاستحباب أو في ثواب إراقة الدم؛ كما سبق بيانه.

وفي واقعة السؤال: ما اعتاده والدك من الذَّبح في شهر رجب هو أمرٌ مستحبٌّ ومُرَغَّبٌ فيه شرعًا، وهو قربةٌ لله تعالى، كما أنَّ توزيعه للذَّبيحة كاملةً يوصف بالحرصِ على كمال الأجر والثواب من الله سبحانه، وإخلاصِ العمل له.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا