كيفية دفن التوائم الملتصقة

كيفية دفن التوائم الملتصقة

ما حكم فصل التوأمين الملتصقين عند دفنهما في حالة موتهما معًا؟ وما حكم فصلهما عند الدفن في حالة موت أحدهما وبقاء الآخر حيًّا؟

إذا مات التوأمان الملتصقان معًا فإنهما يُغسَّلان ويُكفَّنان معًا ويُدفنان في قبرٍ واحدٍ، وإذا مات أحدُهما دون الآخر تحتم حينئذٍ اتخاذ وسائلِ الفصلِ الممكنة طبيًّا بينه وبين الحي بما لا يكون فيه تمثيلٌ بالميت ولا إضرارٌ بالحي، ووفق ما تقرره المعايير الطبية في هذا الشأن.

التفاصيل ....

المحتويات

 

من دلائل إعجاز الله تعالى وقدرته في خلقه

من آيات الله تعالى المعجزة الدالَّة على عظيم قدرته التي لا تُحدُّ، وعلى كثيرِ نعمتِه التي لا تُحْصَى ولا تُعَدُّ: اختلافُ مخلوقاته أنواعًا وأحوالًا؛ قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ﴾ [الروم: 22].

قال الإمام الطَّبَرِي في "جامع البيان" (20/ 87، ط. مؤسسة الرسالة): [يقول تعالى ذِكْره: ومن حججه وأدلته أيضًا على أنه لا يُعجزه شيء.. بقدرته التي لا يمتنع معها عليه شيءٌ أراده ﴿وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ﴾ يقول: واختلاف منطق ألسنتكم ولغاتها ﴿وَأَلْوَانِكُمْ﴾ يقول: واختلاف ألوان أجسامكم ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ﴾ يقول: إن في فعله ذلك كذلك لَعِبَرًا وأدلة لخلقه الذين يعقلون أنه لا يُعْيِيه إعادتهم لهيئتهم التي كانوا بها قبل مماتهم من بعد فنائهم] اهـ.

ومن دلائل إعجاز الله تعالى وقدرته في خلقه أن خَلَقَ جسديْن ملتصقَيْنِ يعيشان جميعًا كحياة الجسد الواحد، وهذا الأمر وإن كان من النوازل إلا أنه قد تواردت نصوص العلماء والمؤرخين في ذكر حالات له قد حصلت في مختلف العصور، منذ عصر الصحابة رضي الله عنهم، وكيف تعاملوا مع ما يتعلق بهما من أحكامٍ شرعية، ومن ذلك ما عليه مدار مسألتنا من كيفية دفن التوأم الملتصق إذا ماتا معًا، وكيفية دفن أحدهما إذا مات دون الآخر.

كيفية دفن التوأمين الملتصقين إذا ماتا معا

فأما الحالة الأولى: وهي كيفية دفن التوأمين الملتصقين إذا ماتا معًا، فهل يجب فصلهما حتى يستقل كلٌّ منهما بقبرٍ؟ وإذا لم يمكن فصلهما، كيف يوجهان للقبلة إن كان التصاقهما من الظهر؟

الأصل في الدفن أن يُفرَد كلُّ إنسانٍ بقبرٍ مستقلٍّ تكريمًا له ورعاية لحرمته، إلا في حال الضرورة الحاكمة بالجمع بين أكثر من ميتٍ في قبر واحد، إلا أن النظر الفقهي في ضرورة انفصال التوأمين الملتصقين اللذَيْنِ قدَّر اللهُ أن يعيشا حياتهما معًا دون أن ينفصلا، يُنْزِلُهما في حال وفاتهما معًا منزلة الجسد الواحد، فيُدفنان معًا في قبرٍ واحدٍ دون حاجةٍ إلى تعريضهما لجراحات الفصل وما يلزم عنها من كشطٍ أو بَتْرٍ في جسد كلٍّ منهما أو أحدِهما؛ ذلك أنَّ الضرورة الحاصلة بكونهما في أصل خلقتهما ملتصقين أولى من غيرها من الضرورات التي يجوز بها دفن أكثر من واحدٍ في قبرٍ ممن قد انفردت أجسادهما بأصلِ الخلقة.

واستصحاب أحكام الأصل هو الذي عليه جماهير الفقهاء، حيث نصوا على "أنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ" كما في "تبيين الحقائق" للعلامة الزَّيْلَعِي الحنفي (4/ 30، ط. الأميرية)، و"المعيار المعرب" للعلامة الوَنْشَرِيسِي المالكي (1/ 348، ط. دار الغرب الإسلامي)، و"الإحكام في أصول الأحكام" للعلامة الآمِدِي الشافعي (4/ 128، ط. المكتب الإسلامي)، و"المغني" للإمام ابن قُدَامة الحنبلي (10/ 63، ط. مكتبة القاهرة)، كما أنَّ الثابت في جميع أحكام الشريعة الإسلامية أنها قد جاءت مراعيةً لأحوال الناس يسرًا أو عسرًا، بحيث تتماشى هي مع ما عليه أحوالهم فتتغيَّر بتغيُّرها، ولم تُلْزِمهم عنت تغيير ما درجوا عليه وعاشوا به حتى يمتثلوا لها، تجنُّبًا للحوق المشقة أو الحرج بهم.

وقد تواردت النصوص فيما نقله غيرُ واحدٍ من الفقهاء والمؤرخين في ذِكْر وقوع مثل هذه المسألة، وأن الفتوى فيها كانت بدفنهما معًا كما هما على حالهما دون حاجةٍ إلى إجراء عملية للفصل بينهما، وعلى أن يُقرع بينهما فيمن يُقدم للقبلة منهما.

ومن ذلك ما أورده الإمام ابن الجَوْزِي في "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" (14/ 151-152، ط. دار الكتب العلمية) أنَّ: [بعض بطارقة الأرمن أنفذ في سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة إلى ناصر الدولة رجلين من الأرمن ملتصقين بينهما خمس وعشرون سنة سليمين، ومعهما أبوهما، وأن الالتصاق كان في المعدة، ولهما بطنان، وسرتان، ومعدتان، وأوقات جوعهما وعطشهما تختلف.. قال أبو محمد: وأخبرني جماعة أنهما خرجا إلى بلدهما، فاعتلَّ أحدهما ومات وبقي الآخر أيامًا حتى أنتن، وأخوه حيٌّ لا يمكنه التصرف، ولا يمكن الأب دفن الميت إلى أن لحقَتِ الحيَّ علَّةٌ من الغم والرائحة، فمات أيضا فدُفنا جميعا] اهـ. وقد أورد هذه الواقعة الإمام ابن كثير في "البداية والنهاية" (11/ 285، ط. دار إحياء التراث العربي)، والعلامة شمس الدين يوسف أبو المظفر الشهير بـ "سبط الجَوْزِي" في "مرآة الزمان في تواريخ الأعيان" (17/ 352، ط. دار الرسالة العالمية).

وقال العلامة الشَّبْرَامَلِّسِي في "حاشيته على نهاية المحتاج" (3/ 7، ط. دار الكتب العلمية): [فائدة: قال في "بسط الأنوار": قلت لو أنَّ شخصين ولدا معًا ملتصقين.. وإن ماتا معًا وكانا ذكرين أو أنثيين غُسِّلَا معًا وكُفِّنا معًا وصلينا عليهما معًا ودُفِنَا، هذا القول الظاهر] اهـ.

ولا يُعترض على القول بدفنهما معًا باحتمال كونهما ذكرًا وأنثى فيكون مآلُ ذلك دفن رجل وامرأة معًا في قبرٍ واحد؛ ذلك أنه قد أكد أهل الاختصاص من الأطباء استحالة وجود توأم ملتصق من نوعين مختلفين؛ ذلك أن التفسير العلمي لتكوينهما أن بويضة واحدة قد لقحت بحيوان منوي واحد ثم انقسمت انقسامًا غير تام إلى خليتين فأدى ذلك إلى اكتمال خلقتهما وهما متصلان.

حكم فصل التوأمين الملتصقين في حالة موت أحدهما وبقاء الآخر حيا

أما في حالة موت أحدهما وحياة الآخر، فالحاصل حينئذٍ أنه يتحتم فصلهما لضرورة دفن الميت منهما؛ لإيفائه حقه في التكريم والصيانة، مع ما في ذلك من الحفاظ على حياة الحي من أن تهلك جرَّاءَ التصاقه بجسدٍ ميت يعتريه من أحوال التغيير ما لا يتحمله إنسانٌ حيٌّ مفارق له، فكيف بمَن هو ملاصقٌ؟، وهو ما أشارت إليه وقائع حدثت في زمن الصحابة والتابعين، وكان يعمل بالوسائل المتاحة في ذلك الوقت، وقد تطور الطب تطورًا كبيرًا بحيث لم يعد لهذه الوسائل القديمة محل في العمل بها مع هذا التقدم الطبي المعاصر.

فقد روى سعيد بن جبير عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث قال: أُتي عمر بن الخطاب بامرأة قد ولدت ولدًا له خلقتان بدنان وبطنان وأربعة أيد ورأسان وفرجان، هذا في النصف الأعلى، وأما في الأسفل فله فخذان وساقان ورجلان مثل سائر الناس.. فعاش بعدها ثلاثة أيام ومات، فجمع عمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فشاورهم فيه، قال بعضهم: اقطعه حتى يبين الحي من الميت وتكفنه وتدفنه، فقال عمر: إن هذا الذي أشرتم لعجب أن نقتل حيًّا لحالِ ميتٍ. وضَجَّ الجسد الحي فقال: الله حسبكم، تقتلوني وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأقرأ القرآن؟! فبعث إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: يا أبا الحسن، احكم فيما بين هذين الخلقين، فقال علي: الأمر فيه أوضح من ذلك وأسهل وأيسر، الحكم أن تغسلوه وتكفنوه مع ابن أمه يحمله الخادم إذا مشى فيعاون عليه أخاه فإذا كان بعد ثلاث جفَّ فاقطعوه جافًّا ويكون موضعه حيًّا لا يألم، فإني أعلم أن الله لايُبقي الحي بعده أكثر من ثلاث يتأذى برائحة نتنه وجيفته، ففعلوا ذلك فعاش الآخر ثلاثة أيام ومات، فقال عمر رضي الله عنه: يا ابن أبي طالب فما زلتَ كاشف كلِّ شبهة وموضح كلِّ حكمٍ" ذكره العلامة المتقي الهندي في "كنز العمال" وأورده السيوطي في "الجامع الكبير".

والقول بضرورة فصلهما هو ما نُقِل عن الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، وذلك فيما ذكره العلامة عبد القادر القُرَشِي في "الجواهر المضية في طبقات الحنفية" (2/ 485، ط. دائرة المعارف النظامية) بقوله: [وولدت امرأة ولدين ظهرهما متصل فمات أحد الولَدَين قال علماء الكوفة يُدفنان جميعًا، وقال الإمام يُدفن الميت ويتوصل بالتراب في قطع الاتصال ففعلوا فانفصل الحي وعاش وكان يسمى بمولى أبي حنيفة رضي الله عنه] اهـ.

ويُراعى في عملية الفصل بينهما في هذه الحالة وفق التطور الطبي المعاصر:

أولًا: ألَّا يقوم بهذه العملية إلا أهل الاختصاص من الأطباء الأكفاء.

ثانيًا: أن يراعى عدمُ التمثيل بالميت، وعدمُ الإضرار بالحي إن أمكن ذلك.

ثالثًا: أنه في حالة اشتراكهما في عضوٍ واحدٍ، فإنه يترجح الحفاظ على حياة الحي بنزعه من الميت واستقلال الحي به.

الخلاصة

بناءً على ذلك: فإذا مات التوأمان الملتصقان معًا فإنهما يُغسَّلان ويُكفَّنان معًا ويُدفنان في قبرٍ واحدٍ، وإذا مات أحدُهما دون الآخر تحتم حينئذٍ اتخاذ وسائلِ الفصلِ الممكنة طبيًّا بينه وبين الحي بما لا يكون فيه مُثْلَةٌ بالميت ولا إضرارٌ بالحي، ووفق ما تقرره المعايير الطبية في هذا الشأن.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا