حكم استعمال بخاخ الفم للصائم في رمضان

حكم استعمال بخاخ الفم للصائم في رمضان

ما حكم استخدام بخاخ الفم حال الصيام؟ فأنا أُعاني من تقرحات شديدة بالفم، وأرشدني الطبيب إلى استخدام بخاخ الفم عدة مرات أثناء اليوم، فهل يؤثر استخدامهما على صحة صومي؟

استعمال بخاخ العلاج الموضعي بالفم لا يُفسد الصيام، حتى وإن وجد الصائم طعم الدواء في فمه؛ لأنه لا يتجاوز حدود ظاهر الفم، ولا يتصور وصول السائل المستخدم بالبخاخة إلى الجوف؛ لكونه يخرج منها على هيئة قطرات صغيرة جدًا تتشربها مسام الفم فور رشها عليها وليست على هيئة المائع الذي يجري إلى الحلق نزولًا إلى الجوف.

التفاصيل ....

المحتويات

 

بيان ضابط الحلق ظاهرًا وباطنًا عند الفقهاء وأثر ذلك على الصيام

تَقَرُّحَات الفَمِ واللِّثَةِ: هي فقدان أو تآكل لجزء من الأنسجة الرقيقة التي تُبَطن الجزء الداخلي مِنَ الفَمِ والذي يُسمَّى "الغشاء المخاطي"، وهي مِنَ الأمراض التي تسبب ألمًا بالغًا، وتحدث غالبًا إما لضعف في المناعة، أو لحصول التهابات فيروسية أو بكتيرية أو فطرية في منطقة الفم. ينظر: "صحة الفم والأسنان" للدكتور حبيب يوسف (ص: 59، المطبعة الأدبية).

ويتوقف الحكم بمدى صحة أو فساد صوم الصائم حال استخدامه الأدوية التي يوصي بها الأطباء لعلاج الأنسجة الملتهبة، والتئام الشقوق والجروح الحاصلة في الفَمِ واللِّثَةِ، ومنها "بخاخ الفم"، على تصور حقيقة عملها ومدى نفوذها إلى الجوف الذي هو محل الإفطار من عدمه.

والبخَّاخة مصوغة على اسم الآلة بوزن فَعَّالة، وبوزن فَعَّال كذلك؛ فيقال: بَخَّاخَة، وهي أداة الرش وآلته، وجمعها: بَخَّاخات، وقد يُستعمل بَخَّاخ أيضًا، وأصله الفعل الثلاثي المجرد "بَخَّ" بمعنى: نَثَرَ ورَشَّ، يقال: بَخَّ السائلَ بَخًّا: نثره رشًّا متفرقًا بكميات قليلة، ومنه: بخَّ الدواءَ؛ أي: رشه على الموضع المراد إيصاله إليه. ينظر: "المعجم الوسيط" لمجمع اللغة العربية بالقاهرة (مادة: بخَّ، ط. مكتبة الشروق الدولية، الطبعة الخامسة).

ويظهر من واقع عمل بخاخة الفم أنَّ استخدامها في حالة التَّقَرحات الحاصلة بالفمِ لا يُجاوز الموضع الذي تُرش عليه، وحدود الفم مِن مبدأ الشفتين إلى الحلق، وظاهر إطلاق المالكية في أبواب الصيام لمصطلح "الحلق" يفيد شموله لمخارجه كلها أدناها وأوسطها وأعلاها الذي هو الهمزة والهاء.

قال العلامة الزرقاني المالكي في "شرحه على مختصر خليل" (2/ 363، ط. دار الكتب العلمية): [ظاهر قوله (أو حَلْق) شموله لمخارجه كلها أدناها وأوسطها وأعلاها الذي هو الهمزة والهاء.. ولم أر لأصحابنا فيه نصًّا. قاله عج في "كبيره"] اهـ.

وقال العلامة العدوي المالكي في "حاشيته على شرح الخرشي لمختصر خليل" (2/ 249، ط. دار الفكر): [(قوله: أو حلق إلخ) ظاهره شموله لمخارجه كلها: أدناها وأوسطها، لم نر في ذلك تفصيلًا؛ أي: أو وصل المتحلل فقط إلى حلقٍ، وأما وصول غيره له ورَدُّه فلا يجب الفطر، والحاصل أن: ما وصل للحلق ورجع لا يوجب القضاء إلَّا إن كان مائعًا، لا جامدًا ورُد بعد وصوله لحلقه فلا شيء فيه] اهـ.

بينما جرى معتمد فقهاء الشافعية والحنابلة إلى تحديد ظاهر الفم بوسط الحلق، وهو مخرج حرف الحاء والعين، وما بعده كمخرج الهاء والهمزة من الباطن، وهو المختار للفتوى.

قال الإمام النووي الشافعي في "روضة الطالبين وعمدة المفتين" (2/ 362، ط. المكتب الإسلامي) بحثًا: [إن الغزالي جعل مخرج الحاء المهملة من الباطن، والخاء المعجمة من الظاهر، ووجهه لائح؛ فإن المهملة تخرج من الحلق، والحلق باطن، والمعجمة تخرج مما قبل الغلصمة، لكن يشبه أن يكون قدر مما بعد مخرج المهملة من الظاهر أيضًا. قلتُ: المختار أن المهملة أيضًا من الظاهر، وعجب كونه ضبطه بالمهملة التي هي من وسط الحلق، ولم يضبطه بالهاء أو الهمزة، فإنهما من أقصى الحلق. وأما المعجمة، فمن أدنى الحلق، وهذا معروف مشهور لأهل العربية] اهـ.

قال العلامة عثمان شطا الدمياطي الشافعي في "إعانة الطالبين" (2/ 257، ط. دار الفكر): [(قوله: وهو) أي: حد الظاهر. (قوله: مخرج الحاء المهملة) أي: على المعتمد، وعليه: فما بعد ذلك هو الباطن، وهو مخرج الهمزة والهاء، وما فوق ذلك كله ظاهر، ومنه مخرج الخاء المعجمة.

قال في "النهاية": ثم داخل الفم والأنف إلى منتهى الغلصمة والخيشوم، له حكم الظاهر بالنسبة للإفطار باستخراج القيء إليه، أو ابتلاع النخامة منه، ولعدم الإفطار بالنسبة لدخول شيء فيه وإن أمسكه، وبالنسبة للنجاسة فإذا تنجس وجب غسله، وله حكم الباطن بالنسبة للريق، فإذا ابتلعه لا يفطر] اهـ.

وقال العلامة المرداوي في "تصحيح الفروع" (5/ 16-18، ط. مؤسسة الرسالة): [قوله: "وإن بصق نخامة بلا قصد من مخرج الحاء المهملة ففي فطره وجهان، مع أنه في حكم الظاهر، كذا قيل، وجزم به في "الرعاية" انتهى؛ يعني: جزم بما قاله المصنف كله. أحدهما لا يفطر بذلك، "قلت": وهو الصواب؛ بل هذا مما لا شك فيه، والوجه الثاني يفطر "قلت": وهو ضعيف جدًّا] اهـ.

وقد تقرر أنَّ الواصل إلى ظاهر الفمِ لا يؤثر في صحة الصيام ما لم يصل إلى الحلقِ، لأنَّ "للفمِ حكم الظاهر"، ويستدل على ذلك بمشروعية المضمضة للصائم، والتي هي إدارة للماء في داخل الفم ثُمَّ مجه، وبما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أنَّه وضع على فمهِ كسرة خبزٍ وهو صائم، وقال «الْإِفْطَارُ مِمَّا دَخَلَ» وكل ما لم يتجاوز الظاهر من الفم فلا يُعدُّ مِنَ الداخل، فعن عائشة رضي الله عنها أنَّها قالت: "دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ هَلْ مِنْ كِسْرَةٍ؟» فَأَتَيْتُهُ بِقُرْصٍ فَوَضَعَهُ عَلَى فِيهِ وَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، هَلْ دَخَلَ بَطْنِي مِنْهُ شَيْءٌ؟.. إِنَّمَا الْإِفْطَارُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ» أخرجه أبو يعلى في "المسند".

حكم استخدام بخاخ الفم حال الصيام ونصوص الفقهاء في ذلك

استخدام بخاخة الفم لمعالجة ما في الفم من تقرحات والتهابات لا يخرج عن الحد الظاهر منه، قياسًا على المضمضة التي يُشرع للصائم فعلها ولا تؤثر على صحة صومه ما لم يصل شيءٌ منها إلى جوفه عمدًا، ولا يتصور سبق وصول السائل المستخدم بالبخاخة إلى الجوف؛ لكونه يخرج منها على هيئة قطرات صغيرة جدًا تتشربها مسام الفم فور رشها عليها وليست على هيئة المائع الذي يجري إلى الحلق نزولًا إلى الجوف، والصوم في هذه الحالة صحيح ولو وَجَدَ الصائمُ لها طعمًا في فَمِه.

وعلى ذلك تواردت نصوص فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة:

قال الإمام السَّرَخْسِي الحنفي في "المبسوط" (3/ 93، ط. دار المعرفة): [وإذا ذاق الصائم بلسانه شيئًا، ولم يدخل حلقه: لم يفطر؛ لأنَّ الفطر بوصول شيء إلى جوفه ولم يوجد، والفم في حكم الظاهر؛ ألَا ترى أنَّ الصائم يتمضمض فلا يضره ذلك] اهـ.

وقال العَلَّامة سِراج الدِّين الْغَزْنَوِيُّ الحنفي في "الغرة المنيفة" (ص: 26، ط. مؤسسة الكتب الثقافية): [والفمُ له حكم الظاهر من وجهٍ وحكم الباطن من وجهٍ، بدليل أنَّ المضمضة لا تفسد صومه، وكذا لو بلع بُصَاقَه لا يَفسد صومه أيضًا عملًا بالشبيهين] اهـ.

وقال العَلَّامة الحطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" (1/ 135، ط. دار الفكر): [داخِلُ الفم له حكم الظاهر] اهـ.

وقال الإمام النَّووي الشافعي في "روضة الطالبين" (2/ 357، ط. المكتب الإسلامي): [داخل الفم والأنف إلى منتهى الغلصمة والخيشوم له حكم الظاهر من بعض الوجوه، حتى لو خرج إليه القيء وابتلع منه نخامة، أفطر، ولو أمسك فيه شيئًا لم يفطر.. وله حكم الباطن من حيث إنه لو ابتلع منه الريق لا يفطر، ولا يجب غسله على الجُـنُب] اهـ.

وقال الإمام ابن قُدَامَة الحنبلي في "المغني" (3/ 123، ط. مكتبة القاهرة): [الفم في حكم الظاهر لا يبطل الصوم بالواصل إليه] اهـ.

ولا يؤثر في صحة الصوم ما قد يجده الصائم من طعم للدواء، لأنه يدخل دخولًا أوليًّا فيما قرره فقهاء الحنفية مِن عدم فساد صوم مَن ذاق شيئًا من الأدوية أو مصها ولو عامدًا؛ بجامع أن محلَّ عملِ كلٍّ الفم دون دخول شيءٍ مِن عينها في جوفه.

قال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" (3/ 67، ط. دار المعرفة): [مَن ذاق شيئًا من الأدوية المُرَّة يجد طعمه في حلقه، فهو قياسُ الغبار والدخان] اهـ.

وقال الإمام الكاساني في "بدائع الصنائع" (2/ 99): [ولو مص إهليلجة فدخل الماء حلقه، قال: لا يفسد صومه، ذكره في "الفتاوى"] اهـ.

وقال العلَّامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار" (2/ 396، ط. دار الفكر): [(قوله: كطعم أدوية) أي: لو ذاق دواء فوجد طعمه في حلقه، زيلعي وغيره. وفي "القهستاني": طعم الأدوية وريح العطر إذا وجد في حلقه: لم يفطر؛، كما في "المحيط". (قوله: ومص إهليلج) أي: بأن مضغها فدخلَ البصاق حلقه ولا يدخل من عينها في جوفه لا يفسد صومه؛ كما في "التتارخانية" وغيرها] اهـ.

والإهليلج: عِقِّيرٌ مِنَ الأَدوية طعمه مُرٌّ، وهو عبارة عن شجر ينْبت فِي الْهِنْد وكابل والصين، وثمرُهُ على هَيْئَة حب الصنوبر الْكِبَار؛ كما في "لسان العرب" (2/ 392، ط. دار صادر)، و"المعجم الوسيط" (1/ 32، ط. دار الدعوة).

الخلاصة

بناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فاستعمال بخاخ العلاج الموضعي بالفم لا يُفسد الصيام، حيث إنه لا يتجاوز حدود ظاهر الفم، حتى وإن وجد الصائم طعم الدواء في فمه.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا