حكم الشك في عقد نية القضاء وتغييرها إلى تطوع بعد طلوع الشمس

حكم الشك في عقد نية القضاء وتغييرها إلى تطوع بعد طلوع الشمس

ما حكم الشك في عقد نية القضاء وتغييرها إلى تطوع بعد طلوع الشمس؟ حيث سألني بعض الأصدقاء أنَّ عليه قضاء يومٍ من شهر رمضان، ولكنه شَكَّ هل نَوى صيام هذا اليوم قبل الفَجْر أو لا، وكان ذلك الشك بعد طلوع الشمس، فحصل منه أن نَوَى صوم هذا اليوم تطوعًا، فهل يصح ما فعله؟

ينبغي على مريد صوم القضاء تبييت نية الصيام من الليل، فإن أَصْبَح مِن غير أَنْ يُبَيِّت النِّية، فلا يجوز أن ينوي صيام قضاء ما عليه من رمضان في صباح اليوم الذي يريد الصيام فيه، وله إن أصبح أن ينوي صوم نافلةٍ مِن غير أَنْ يُبَيِّت النية تقليدًا لمن أجاز ذلك من الفقهاء، والصوم صحيحٌ مجزئٌ بهذه النية التي عَقدَها الصائم بعد صلاة الفجر لصوم التَّطوُّع، شريطةَ أن لا يتقدَّمها مُفسِدٌ للصوم من أكلٍ أو غيره.

التفاصيل ....

المحتويات

 

أنواع الصيام من حيث الحكم التكليفي

الصيام على أنواعٍ من حيث الحكم التكليفي، فمنه: الصيام الواجب كرمضان، وصوم النذر، وصوم الكفارة، ومنه: النَّفْل الراتب، وهو ما له زمنٌ معينٌ، كصيام يوم عرفة، وعاشوراء، وستةٍ من شوال، ومنه: النَّفْل المطلق، وهو ما ليس له زمن معين. ينظر: "شرح النووي على مسلم" (7/ 115، ط. دار إحياء التراث العربي).

الشك في عقد نية القضاء وتغييرها إلى تطوع بعد طلوع الشمس

الوقتُ في غيرِ رمضانَ يَسَعُ أَنوَاع الصومِ مِن نَذرٍ وكفارةٍ وقضاءٍ ونفلٍ، وإِنَّما جُعِلَت النِّيَةُ للتَّميِيزِ بين هذه الأَنواع، والأصل أنَّه يشترط في قضاء الواجب أو النَّذْر أو الكفَّارة الجَزمُ بالنية وتعيينها وتبييتها، بأن ينوي قبل الفجر أنَّه صائم غدًا عن رمضان، أو عن قضاء رمضان، ولا يشترط هذا في صوم النَّفل.

كما اشترط الفقهاء لنية الصوم أَنْ تكون جازمةً وسالمةً من التَّردُّد، والسبب في احتياج نية الصوم إلى التَّعيين والجزم هو المنع من التَّردُّد والشَّك، خاصة فيما يتعلق بالصوم الواجب، كصوم القضاء والنذر والكفارة، فلا بد فيه من تعيين النية، كمن كان عليه قضاء أيام من رمضان فنوى صومَ غدٍ ثم تَردَّد بين نية القضاء والتطوع.

كما نصَّ الفقهاء على وجوب تعيين النية في الصوم الواجب -ومنه صوم القضاء كما في صورة السؤال-، وأَنَّ التَّردُّد فيها يجعل الصوم غير مجزئٍ عن الواجب ولا يُسْقطه عنه، كما أفاده نَصُّ الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (2/ 85، ط. دار الكتب العلمية)، والإمام الحَطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" (2/ 419، ط. دار الفكر)، والإمام النووي الشافعي في "المجموع" (6/ 297، ط. دار الفكر)، والعلامة ابن مفلح الحنبلي في "الفروع" (4/ 453، ط. مؤسسة الرسالة).

فعلى هذا لا يصح صوم القضاء إلَّا بنيةٍ جازمةٍ مُعيِّنةٍ لما سيصام؛ لحديث أم المؤمنين السيدة حفصة رضي الله عنها، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَلَا صِيَامَ لَهُ» أخرجه النسائي في "السُّنَن".

فلو دخل الفجر دون هذا التعيين والجزم فلا يجوز عقد نية القضاء، لكن يصح عقد نية التَّطوُّع في هذه الحالة أخذًا بما عليه جمهور فقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة من أنَّ صوم النافلة يصح فيه انعقاد النيَّة بعد طلوع الفجر، وقَيَّده الحنفية بوقت الضحوة الكبرى إلى ما قبل نصف النهار، وقَيَّده الشافعية بالزوال، وأطلق الحنابلة القول في أيِّ وقت من النهار، وقد اشترطوا جميعًا أن لا يتقدَّمها مفسدٌ للصوم مِن أكل أو غيره.

نصوص الفقهاء في هذه المسألة

قال الإمام أبو البركات النَّسَفي الحنفي في "كنز الدقائق" (ص: 219، ط. دار البشائر الإسلامية): [وصَحَّ صوم رمضان وهو فرض، والنذر المعين وهو واجب، والنفل، بنيَّةٍ من الليل إلى ما قبل نصف النهار] اهـ.

والمقصود بنصف النهار: "من وقت طلوع الفجر إلى وقت الضحوة الكبرى، لا إلى وقت الزوال"، كما نقله العَلَّامة الـمَرْغيناني الحنفي في "الهداية" (1/ 116، ط. دار إحياء التراث العربي) عن محمد بن الحسن الشَّيْبَاني.

وقال الإمام الشِّيرازي الشافعي في "المهذب" (1/ 332، ط. دار الكتب العلمية): [وأَمَّا صوم التطوع فإنَّه يجوز بنيَّة قبل الزوال] اهـ.

وقال الإمام موفق الدِّين ابن قُدَامة الحنبلي في "المغني" (3/ 113، ط. مكتبة القاهرة): [قال: (ومَن نوى صيام التطوع من النهار، ولم يكن طَعِم، أجزأه) وجملة ذلك أَنَّ صوم التطوع يجوز بنيَّة من النهار] اهـ.

وقال أيضًا في "الكافي" (1/ 440، ط. دار الكتب العلمية): [وفي أيِّ وقتٍ نَوَى من النهار أجزأه في ظاهر كلام الخرقي؛ لأنه نوى في النهار، أشبه ما قبل الزوال. واختار القاضي أنه يجزئ بنية بعد الزوال؛ لأنَّ النية لم تصحب العبادة في معظمها، أشبه ما لو نوى مع الغروب] اهـ.

وصحة عقد نية التَّطوُّع في هذه الحالة استدلالًا بما ثَبت عن سَلَمة بن الأكوع رضي الله عنه، أَنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بَعَث رجلًا يُنادِي في الناس يوم عاشوراء: «إنَّ مَن أَكَل فَلْيُتِمَّ أو فليَصُم، ومَن لم يَأكُل فلا يَأكُل». متفق عليه، واللفظ للبخاري.

ومعنى الحديث كما أفاده الإمام محيي الدين النَّووي في "شرح صحيح مسلم" (8/ 14): أنَّ مَن نَوَى الصوم في هذا اليوم فليتم صومه، ومَن لم ينو الصوم ولم يأكل أو أكل فليُمْسِك بقية يومه؛ وذلك رعاية لـحُرْمةِ الوقت.

الخلاصة

بناء على ذلك: فينبغي على مريد صوم القضاء تبييت نية الصيام من الليل، فإن أَصْبَح مِن غير أَنْ يُبَيِّت النِّية، فلا يجوز أن ينوي صيام قضاء ما عليه من رمضان في صباح اليوم الذي يريد الصيام فيه، وله إن أصبح أن ينوي صوم نافلةٍ مِن غير أَنْ يُبَيِّت النية تقليدًا لمن أجاز ذلك من الفقهاء.

وفي واقعة السؤال: صيامُ صديقكَ صحيحٌ مجزئٌ بهذه النية التي عَقدَها بعد صلاة الفجر لصوم التَّطوُّع، شريطةَ أن لا يتقدَّمها مُفسِدٌ للصوم من أكلٍ أو غيره.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا