حكم فك الشهادة مع التعويض عن خسارة الأرباح - الفتاوى - دار الإفتاء المصرية - دار الإفتاء

حكم فك الشهادة مع التعويض عن خسارة الأرباح

حكم فك الشهادة مع التعويض عن خسارة الأرباح

ما حكم فك الشهادة مع التعويض عن خسارة الأرباح؟ فأمي تمتلك شهادة استثمارٍ في أحد البنوك، وأنا أحتاج لبعض المال، فعرضتُ على والدتي أن تفك هذه الشهادات وتعطيني قيمتها أقضي بها حاجتي، على أن أقوم برد القيمة في وقت محدد، فهل يوجد مانع شرعي من أن أعطيها قدر الأرباح التي فقدتها نتيجة فك الشهادة قبل مدتها علما بأنه لا يوجد اتفاق بيننا على ذلك؟

إن ما يرغبُ فيه السائل من الاتفاق مع والدته على فكِّ شهادة الاستثمار التي تملكها قبل موعدها، وإعطاء قيمتها له على أن يردَّ قيمتها الفعلية، لا مانع منه شرعًا وهو من قبيل القرض الحسن، كما أنه لا مانع شرعًا من إعطائها الأرباح التي فقدتها نتيجة الفك المبكر، جزاءً للإحسان بالإحسان، وردًّا للجميل مع الإنعام، ومكافأة على المعروف بمزيد إتمام.

التفاصيل ....

المحتويات

 

حكم فك الشهادة مع التعويض عن خسارة الأرباح

المعاملة المسؤول عنها والتي يعرض فيها الابن على والدته أن تفك الشهادات التي تمتلكها قبل مضي المدة المحددة لذلك مِن تاريخ إصدارها، على أن يقوم برد القيمة إليها مع إضافة نسبة الأرباح التي فقدتها نتيجة الفك المبكر ودون اتفاق بينهما على ذلك من قبيل عقد القرض، لما فيها من دفع المال وتمليكه للمقترض مع رد بدله على وجه الإرفاق والتقرب إلى الله تعالى؛ إذ القرض عند الفقهاء يطلق على "دفع المال على وجه القربة لله تعالى لينتفع به آخذه ثم يرد له مثله أو عينه"؛ كما في "كفاية الطالب الرباني"، للإمام أبي الحسن المنوفي المالكي (2/ 164، ط. دار الفكر).

والقرض من الأمور المندوب إليها، التي يثاب صاحبها عليها؛ حيث إنَّه من جملة الخير المأمور به في مثل قوله تعالى: ﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الحج: 77].

كما أنَّه نوع من أنواع التعاون على البر، وتنفيس الكربات، وقضاء الحاجات، وإقالة العثرات، والتيسير على المعسرين، وهذه الأمور وغيرها قد دعا الشرع إليها وأمر بها؛ قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: 2]؛ قال الحافظ ابن كثير في تفسير الآية الكريمة من "تفسيره" (2/ 12، ط. دار طيبة): [يأمر تعالى عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات، وهو البر، وترك المنكرات وهو التقوى] اهـ.

وقد روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَن نَفَّسَ عن مسلم كُرْبةً مِن كُرَبِ الدُّنيا، نَفسَ الله عنه كُرْبةً من كرب يوم القيامة، ومَن يَسَّرَ على مُعْسِرٍ، يَسَّرَ الله عليه في الدُّنيا والآخِرَة، ومَن سَتَر على مسلمٍ، سَتَرَ الله عليه في الدُّنيا والآخرة، واللهُ في عَونِ العبد ما كان العبدُ في عَونِ أخيه».

والقرض في كثيرٍ من صوره فيه تنفيس للكربة عن الغير، وتيسير على المعسرين، ويتحقق به الستر للمُعْوِز، وفيه إعانة للمقترض، فهو بذلك من متناولات الحديث الشريف ومشتَمَلاته.

واتفق الفقهاء على أن القرض المندوب إليه والذي يستحق أن يوصف بالقرض الحسن هو ما يُعطيهِ الشَّخصُ المُقرِضُ مِنَ المالِ ونحوِهِ قُرْبةً وإرْفَاقًا للشَّخصِ المقترِضِ دونَ اشتراطِ زيادة، لِيَرُدَّ إليْهِ مِثلهُ؛ وقد عبَّر عن حقيقته الإمام الطاهر ابن عاشور بقوله في "التحرير والتنوير" (27/ 377، ط. الدار التونسية): [القرض الحسن: هو القرض المُسْتَكْمِلُ محاسِنَ نَوْعِهِ من كَوْنِهِ عن طِيب نفسٍ وبشاشةٍ في وجه الْمُسْتَقْرِضِ، وخُلُوٍّ عن كل ما يُعَرِّضُ بالْمِنَّةِ أو بتضييق أجل القضاء] اهـ.

حكم اشتراط الزيادة على القرض

إذا كان الشرعُ الشريفُ قد رغَّبَ في القَرْضِ الحَسَنِ وأجزل الثواب للمُقْرِضِ، وحثَّ على قضاء حوائج الناس وتفريج كروبهم، فإنَّه أيضًا قد نهى عن استغلال حوائج الناس وإيقاعهم في الحرج الذي يدفعهم لارتكاب المحظور؛ لذا كان الأصل في القرض ألَّا يَجُرَّ للمقرِض نفعًا، وأن يكون غير مشروط بزيادةٍ على أصله، وأن يكون على سبيل الترفُّق لا التربُّح؛ لأنَّه من عقود التبرعات لا المعاوضات. ينظر: "بدائع الصنائع" للإمام الكاساني الحنفي (7/ 395، ط. دار الكتب العلمية)، و"الكافي" للحافظ ابن عبد البر المالكي (2/ 728، ط. مكتبة الرياض الحديثة)، و"المجموع" للإمام النووي (13/ 170، ط. دار الفكر)، و"المغني" للإمام ابن قُدَامَة الحنبلي (4/ 240، ط. مكتبة القاهرة).

فإذا اشترطت الزيادة في القرض حرم وخرج عن موضوعه وتحول من الإرفاق إلى الاستغلال ومن القرض الحسن إلى الربا، قال العلامة ابن المُنْذِر في "الإجماع" (ص: 136، ط. مكتبة الفرقان، ومكة الثقافية): [وأجمعوا على أن المسلِّف إذا شرط عند السلف هدية أو زيادة فأسلف على ذلك أن أخذه الزيادة ربا] اهـ.

وقال الإمام ابن قُدَامة الحنبلي في "المغني" (4/ 240): [وكلُّ قرضٍ شُرط فيه أنْ يزيدَهُ فهو حرامٌ بغير خلاف] اهـ.

ومِن ثمَّ، فلا يجوز الاتفاق على أَخْذِ قرضٍ مقابل ردِّه بزيادةٍ أو نفعٍ -على سبيل الشرط، سواء كان النفع بشرطِ زيادةٍ على أصله، أو نحو ذلك مِن المنافع.

والأصل في ذلك كله: ما رواه الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" عن الإمام علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَهُوَ رِبًا».

وهذا الحديث يَرتقي بشواهده، فقد رَوَاه الإمام البَيْهَقِي في "السنن الكبرى" بمعناه موقوفًا على عددٍ مِن الصحابة الكرام، منهم: عبد الله بن مسعود، وأُبَي بن كعب، وعبد الله بن سلَام، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم، ورواه أيضًا الإمامان: أبو بكر بن أبي شَيْبَة وعبدُ الرزاق في "مصنفيهما" عن جَمْعٍ مِن التابعين.

قال العلامة ابن حجر الهيتمي في "تحفة المحتاج" (5/ 47، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [وجَبَر ضَعْفَهُ: مَجِيءُ معناه عن جَمْعٍ مِن الصحابة] اهـ.

والمعنى في المنع من اشتراط الزيادة على القرض: أن القرض عقد إرفاق وقربة، والغرض منه معونة المقترض وتفريج كربته؛ بمنحه منافع المال المُقرَض مجانًا مدة من الزمن، فإذا شَرَط صاحبه فيه الزيادة أخرجه بذلك عن موضوعه، ولذا لم يجز أن يكون سبيلًا للاسترباح وتنمية رأس المال المقرَض؛ كما في "المغني" للإمام ابن قدامة (4/ 240).

وأما الزيادة الحاصلة في حالة عدم الاشتراط فهي مِن قبيل الإحسان في قضاء الدَّيْن، وهو أمرٌ مندوبٌ إليه ومُرَغَّبٌ فيه؛ لكونه شكرًا للمردود عليه، جزاءً للإحسان بالإحسان، ومقابلة بالإكرام، وردًّا للجميل مع الإنعام، ومكافأة على المعروف بمزيد إتمام، وكلها معانٍ أمر بها الشرع الشريف، وحثَّ عليها، ورغَّب في امتثالها، وأرشدنا إليها النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم قولًا وعملًا، قال الله تعالى: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾ [الرحمن: 60].

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ صَنَعَ إِلَيْكمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كافَأْتُمُوهُ» أخرجه الأئمة: البخاري في "الأدب المفرد"، وأبو داود والنَّسَائِي في "السنن"، والحاكم في "المستدرك" وقال: [هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه] اهـ، ووافقه الذهبي في "التعليق".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ سِنٌّ مِنَ الإِبِلِ، فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ: «أَعْطُوهُ»، فَطَلَبُوا سِنَّهُ، فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ إِلَّا سِنًّا فَوْقَهَا، فَقَالَ: «أَعْطُوهُ»، فَقَالَ: أَوْفَيْتَنِي أَوْفَى اللهُ بِكَ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ خِيَارَكُم أَحْسَنُكُم قَضَاءً» أخرجه الإمام البخاري في "الصحيح".

وعن أبي رافع رضي الله عنه: أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم اسْتَسْلَفَ مِنْ رجلٍ بَكْرًا، فَقَدِمَتْ عليه إِبِلٌ مِن إِبِلِ الصدقةِ، فأَمَرَ أبا رافعٍ أنْ يقضيَ الرجلَ بَكْرَهُ، فرجع إليه أبو رافع، فقال: لَمْ أَجِدْ فيها إلا خِيَارًا رَبَاعِيًا، فقال: «أَعْطِهِ إِيَّاهُ؛ إِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً» أخرجه الإمام مسلم في "الصحيح". والبَكر: هو الصغير من الإبل. والرَّبَاع: هو ما دخل في سن السابعة.

قال الإمام النووي في "شرحه على صحيح مسلم" (11/ 37، ط. دار إحياء التراث العربي): [وفيها: أنَّهُ يُسْتَحبُّ لمنْ عليهِ دينٌ مِنْ قرضٍ وغيره أنْ يردَّ أجودَ مِنَ الذي عليهِ، وهذا مِنَ السُّنَّةِ ومكارمِ الأخلاقِ، وليسَ هو مِنْ قرضٍ جرَّ منفعةً فإنَّهُ منهيٌّ عنهُ؛ لأنَّ المنهيَّ عنه: ما كانَ مشروطًا في عقدِ القرضِ] اهـ.

ويصدق على هذه الزيادة إضافة لسابقه حُسْن القضاء الداخل في مفهوم حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «رَحِمَ اللهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى» أخرجه الإمام البخاري في "الصحيح".

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن ما ترغبُ فيه من الاتفاق مع والدتك على فكِّ شهادة الاستثمار التي تملكها قبل موعدها، وإعطاء قيمتها لك على أن تَردَّ قيمتها الفعلية، لا مانع منه شرعًا وهو من قبيل القرض الحسن، كما أنه لا مانع شرعًا من إعطائها الأرباح التي فقدتها نتيجة الفك المبكر، جزاءً للإحسان بالإحسان، وردًّا للجميل مع الإنعام، ومكافأة على المعروف بمزيد إتمام.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا