حكم اقتداء المرأة وهي في بيتها بإمام التراويح عن طريق مكبرات الصوت

حكم اقتداء المرأة وهي في بيتها بإمام التراويح عن طريق مكبرات الصوت

ما حكم اقتداء المرأة وهي في بيتها بإمام التراويح عن طريق مكبرات الصوت؟ فأنا أسكن بجوار المسجد، وتسمع والدتي الإمام في صلاة التراويح من خلال مكبرات الصوت، فهل يجوز أن تصلي وهي في المنزل بصلاة الإمام في المسجد؟ علمًا بأنها تسمع صلاته بشكلٍ كاملٍ.

يجوز شرعًا للمرأة أن تقتدي بإمام المسجد في صلاة التراويح من بيتها وصلاتها صحيحة ما دامت على علمٍ بصلاة الإمام وانتقالاته، سواء بسماعه مباشرة أو من خلال مكبرات الصوت، ويمكنها متابعة حركات الإمام، فإذا حدث عارض كانقطاع التيار الكهربائي أو نحو ذلك فحينئذٍ تنقطع المتابعة للإمام، ويجب على المرأة أن تنوي المفارقة وتكمل صلاتها بنية الانفراد.

التفاصيل ....

المحتويات

 

حكم صلاة التراويح للنساء

صلاة التراويح في شهر رمضان المُعظَّم من السنن المؤكدة في حقِّ الرجال والنساء على السواء، سنَّها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقولِهِ وفعْلِهِ؛ زيادةً في الأجر وتعظيمًا للثواب، فعن أبي بكرٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ الله افْتَرَضَ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ وَسَنَنْتُ لَكُمْ قِيَامَهُ، فَمَنْ صَامَهُ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"، وابن ماجه والنسائي في "السنن".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقدَّمَ مِنْ ذَنْبهِ» متفقٌ عليه.

فضل صلاة الجماعة

من المعلوم أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حثَّ على صلاة الجماعة ورغَّب فيها؛ فقال عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه الشيخان: «صلاة الجماعة تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً»، وقال صلى الله عليه وآله وسلم فيما أخرجه الترمذي من حديث أنس رضي الله عنه: «مَن صلَّى لله أربعينَ يومًا في جَماعة يدركُ التكبيرةَ الأولى كُتِبَ له براءتان: براءةٌ منَ النار، وبراءةٌ منَ النفاق».

حكم اقتداء المرأة وهي في بيتها بإمام التراويح عن طريق مكبرات الصوت

من المقرر شرعًا لصحة اقتداء المأموم بإمامه في صلاة الجماعة أن يكون هناك إمكانية لمتابعة المأموم لإمامه بأن يكون على علمٍ بانتقالاته بسماعٍ أو رؤيةٍ.

وحصول الاقتداء بالإمام مقصِدٌ أساسيٌّ للشرع الشريف في صلاة الجماعة، ولا بد للمأموم حتى يحققه مِن أن يَعْلَم انتقالات الإمام في الصلاة بسماع صوت تكبيراته بوضوح، فاحتاج في حال عدم سماعه صوتَ الإمام إلى من يُبلغه، فزالت لهذه الحاجة الكراهةُ المتعلِّقةُ برفع الصوت في الصلاة من غير الإمام؛ نظرًا لما تقرِّره القاعدة الأصولية من أن: "الكراهة تزول لأدنى حاجة"، وارتقى الحكم إلى الاستحباب لكون الاقتداء بالإمام مقصودًا للشرع الشريف، ولذلك اتفق الفقهاء على استحباب التبليغ عند الحاجة.

وصنَّف العلَّامة الشهاب الحموي الحنفي في ذلك رسالتين هما: "تنبيه ذوي الأفهام على حكم التبليغ خلف الإمام"، و"القول البليغ في حكم التبليغ"، قال فيها (ص 16-17، ط. دار البشائر): [ما ادَّعاه بعض الناس من عدم اعتبار تبليغ المبلغ، وأنَّه لا بدَّ من رؤية الإمام أو سماعه، باطلٌ مُخالفٌ لإجماع الصحابة والتابعين ومَن بعدهم من الأئمة المجتهدين، والله الهادي إلى سلوك المتقين] اهـ.

والقصد من التبليغ: إعلام المأموم بحركات الإمام وتنقلاته، وهذا يقتضي جواز حصوله بأيِّ وسيلة ممكنة، حتى نص بعض الفقهاء -كالإمامين: الماَزِرِيِّ واللَّقانيِّ المالكيَّيْنِ- على جواز تبليغ الصبي والمرأة والمُحْدِث.

قال الشيخ الدسوقي في "حاشيته على الشرح الكبير" (1/ 337، ط. دار الفكر): [(قوله وجاز مُسَمِّع) ظاهِرُهُ: ولو قصد بتكبيره وتحميده مجرد إسماع المأمومين.. (قوله وجاز اقتداء به) ظاهِرُه: ولو كان صبيًّا أو امرأةً أو مُحدِثًا... وهو مبنيٌّ على أن المُسَمِّع علامةٌ على صلاة الإمام... واختار هذا القول الماَزِرِيُّ واللَّقانيُّ كما قاله شيخنا] اهـ بتصرف، وهو ظاهر في أنَّ المقصودَ بالتبليغ هو وصولُ الصوتِ إلى المأموم لا غير، بأيِّ وسيلة كانت، ممن تصح صلاته أو لا تصح.

ومن الوسائل الحديثة لتحقيق هذه الغاية استخدام مكبر الصوت أو "الميكروفون"؛ لأنه آلة تنقل الصوت، وتزيد من مدى انتقاله وارتفاعه مثل الصدى، لا أنها تُنْشِئ صوتًا مختلفًا آخر.

وقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية في الصحيح والمالكية -في غير الجمعة- والحنابلة في رواية إلى صحة اقتداء مَن كان خارج المسجد بإمامه، سواء كان ذلك في المنزل أو غيره، وسواء كانت الصلاة فرضًا أو نفلًا، بشرط علمه بصلاة الإمام، سواء كان ذلك عن طريق رؤية الإمام أو رؤية من خلفه أو سماع صوته؛ لكي يتحقق الاتباع والمتابعة.

قال الإمام محمد بن الحسن الشيباني في "المبسوط" (1/ 197، ط. دار الفرقان): [قلت أَرَأَيْت رجلًا صلى مَعَ الإِمَام وَبَينه وَبَين الإِمَام حَائِط؟ قَالَ: يجْزِيه] اهـ.

وقال بدر الدين العيني الحنفي في "البناية شرح الهداية" (2/ 354، ط. دار الكتب العلمية): [وفي "الذخيرة": قال الحلوائي: يجوز كما لو صلى بمنزله تحت المسجد وهو يسمع التكبير من الإمام أو المكبِّر] اهـ.

وقال العلامة ابن عابدين الحنفي في "حاشيته على الدر المختار" (1/ 587، ط. دار الفكر): [وفي "التتارخانية": وإن صلَّى على سطح بيته المتصل بالمسجد، ذكر شمس الأئمة الحلواني أنه يجوز، لأنه إذا كان متصلًا بالمسجد لا يكون أشد حالًا من منزل بينه وبين المسجد حائط، ولو صلى رجلٌ في مثل هذا المنزل وهو يسمع التكبير من الإمام أو المكبِّر يجوز فكذلك القيام على السطح] اهـ.

وجاء في "المدونة" (1/ 175-176، ط. دار الكتب العلمية): [وقال مالك: لو أنَّ دورًا محجورًا عليها صلَّى قومٌ فيها بصلاة الإمام في غير الجمعة فصلاتهم تامةٌ إذا كان لتلك الدُّورِ كُوًى أو مَقَاصِيرُ يرون منها ما يصنع الناس والإمام، فيركعون بركوعه ويسجدون بسجوده فذلك جائزٌ، وإنْ لم يكن لها كُوًى ولا مَقَاصِيرُ يرون منها ما تصنع الناس والإمام إلا أنَّهم يسمعون الإمام فيركعون بركوعه ويسجدون بسجوده فذلك جائزٌ] اهـ.

وقال الإمام الخرشي المالكي في "شرحه على مختصر خليل" (2/ 37، ط. دار الفكر): [(ص) ومُسَمِّعٌ واقتداءٌ به أو برؤيته وإنْ بدارٍ. (ش) أي: وجازت صلاة مُسَمِّعٍ والاقتداء به بصوت الـْمُسَمِّع، والأفضل أن يرفع الإمام صوته ويستغني عن الـْمُسَمِّع فإنه من وظائف الإمام، وكما يجوز الاقتداء بصوت الـْمُسَمِّع وأولى صوتُ الإمام يجوز الاقتداءُ برؤية الإمام أو المأموم وإن كان المقتدي في الأربع بدارٍ والإمامُ خارجها بمسجدٍ أو غيره في غير الجمعة، فاشتمل كلامه على أربع مراتب، فقوله "ومُسَمِّعٌ" على حذف مضافٍ؛ أي: وجازت صلاة مسمعٍ... وفي قوله: "واقتداءٌ به" مسامحةٌ؛ لأن الاقتداء إنَّما هو بالإمام أي: وجاز للمقتدي أن يعتمد في انتقالات الإمام على صوت المسمع] اهـ.

وقال الإمام أبو البركات الدردير المالكي في "الشرح الكبير" (1/ 337-338، ط. دار الفكر، ومعه "حاشية الدسوقي"): [(و) جاز (مُسَمِّعٌ) أي اتِّخَاذُهُ وَنَصْبُهُ لِيُسَمِّعَ المأمومين برفع صوته بالتكبير فيعلمون فعل الإمام، (و) جاز (اقتداءٌ به)؛ أي الاقتداء بالإمام بسبب سماعه، والأفضل أن يرفع الإمام صوته ويستغني عن الـْمُسَمِّع، (أو) اقتداءٌ (برؤيةٍ) للإمام أو لمأمومه، (وإن) كان المأموم (بدار) والإمام بمسجدٍ أو غيره] اهـ.

قال الإمام الدسوقي المالكي مُحَشِّيًا عليه: [(قوله وإن بدارٍ) راجعٌ للأمرين قبله؛ أي وإن كان المقتدي في الأربع بدارٍ والإمامُ خارجها كان بمسجدٍ أو غيره كان بينهما حائلٌ أم لا. قال اللخمي: إذا أراد من في الدَّار التي بقربٍ من المسجد أن يُصَلُّوا بصلاة المسجد جاز ذلك إذا كان إمام المسجد في قِبْلَتِهِمْ يسمعونه ويَرَوْنَهُ، ويكره إذا كان بعيدًا يرونه ولا يسمعونه؛ لأنَّ صلاتهم معه على التخمين والتقدير، وكذلك إذا كانوا على قُربٍ يسمعونه ولا يرونه لحائلٍ بينهم؛ لأنهم لا يَدْرُونَ ما يحدث عليه وقد يذهب عليهم عِلْمُ الركعة التي هو فيها، فإن ترك جميع ذلك مضت وأجزأتهم صلاتهم اهـ. ونقله أبو الحسن وأقره، وبه تعلم أن المراد بالجواز هنا: مُطلقُ الإذن الشامل للكراهة. اهـ بن] اهـ. ورمزه "بن" يدل به على العلامة محمد بن الحسن البناني (ت 1194هـ).

وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 152-153، ط. مكتبة القاهرة): [فإن كان بين الإمام والمأموم حائل يمنع رؤية الإمام، أو مَنْ وراءه، فقال ابن حامد: فيه روايتان: إحداهما: لا يصح الائتمام به. اختاره القاضي؛ لأن عائشة قالت لنساء كن يصلين في حجرتها: لا تصلين بصلاة الإمام، فإنكن دونه في حجاب. ولأنه يمكنه الاقتداء به في الغالب. والثانية: يصح.. ولأنه أمكنه الاقتداء بالإمام، فيصح اقتداؤه به من غير مشاهدة، كالأعمى، ولأن المشاهدة تراد للعلم بحال الإمام، والعلم يحصل بسماع التكبير، فجرى مجرى الرؤية، ولا فرق بين أن يكون المأموم في المسجد أو في غيره، واختار القاضي أنه يصح إذا كانا في المسجد، ولا يصح في غيره؛ لأن المسجد محل الجماعة، وفي مظنة القرب، ولا يصح في غيره لعدم هذا المعنى، ولخبر عائشة.

ولنا: أن المعنى المُجَوِّزَ أو المانع قد استويا فيه، فوجب استواؤهما في الحكم، ولا بد لمن لا يشاهد أن يسمع التكبير، ليمكنه الاقتداء، فإن لم يسمع، لم يصح ائتمامه به بحال، لأنه لا يمكنه الاقتداء به] اهـ.

ومِمَّا يدل على مشروعية ذلك وصحته أنَّه قد أجاز جماعة من العلماء سلفًا وخلفًا صلاةَ المأموم خلف الإمام إن كان بينهما حائطٌ أو ساتر، سواء أكان في المسجد أم خارج المسجد:

فقد بوَّب الإمام البخاري في "الصحيح" بابًا أسماه باب: "إذا كان بين الإمام وبين القوم حائط أو سُترة" وقال عقبه: "قال الحسن: لا بأس أن تُصلي وبينك وبينه نهر. وقال أبو مِجْلَزٍ: يأتم بالإمام وإن كان بينهما طريق أو جدار إذا سمع تكبير الإمام".

ثُمَّ ساق حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يُصلي من الليل في حجرته، وجدار الحجرة قصير، فرأى الناس شخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقام أناس يصلون بصلاته، فأصبحوا فتحدثوا بذلك، فقام الليلة الثانية، فقام معه أناس يصلون بصلاته، صنعوا ذلك ليلتين أو ثلاثًا حتى إذا كان بعد ذلك جلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يخرج، فلما أصبح ذكر ذلك الناس فقال: «إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْكُمْ صَلاةُ اللَّيْلِ».

وروى الإمام أحمد في "المُسند"، ومسلم في "الصحيح"، وأبو داود والنسائي في "السنن"، وأبو عوانة في "المستخرج"، وابن حبَّان في "الصحيح"، والطبراني في "المعجم الكبير"، والبيهقي في "السنن الصغرى" و"الكبرى" و"شعب الإيمان" وابن أبي شيبة في "مسنده" عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "احتجر حجرةً، وكان يُصلي فيها، ففطن أصحابه، فكانوا يصلون بصلاته".

وعن القاسم بن محمد أنَّ أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كانت تصلي بصلاة الإمام في بيتها وهو في المسجد.

وعن هشام بن عروة قال: "جئت أنا وأبي مرة، فوجدنا المسجد قد امتلأ، فصلينا بصلاة الإمام في دارٍ عند المسجد بينهما طريق".

وعن صالح بن إبراهيم: أنه رأى أنس بن مالك رضي الله عنه صلى الجمعة في دار حميد بن عبد الرحمن بصلاة الوليد بن عبد الملك وبينهما طريق. أخرج هذه الآثار عبد الرزاق في "المصنف".

وروى أبو عبد الله الفاكهي في "أخبار مكة" أنَّ ابن عباس رضي الله عنهما صلى في حجرة ميمونة رضي الله عنها بصلاة الإمام.

وقد تحدث العلماء وشراح الحديث في دلالة هذه الأحاديث وبينوا مَن أخذ بها ومَن لم يأخذ بها من الصحابة والسلف والفقهاء:

قال الإمام ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (2/ 350- 351، ط. مكتبة الرشد): [اختلف العلماء في الإمام بينه وبين القوم طريق أو حائط، فأجازته طائفة، رُوِيَ ذلك عن أنس بن مالك، وأبي هريرة، وسالم، وابن سيرين، وكان عروة يُصلِّي بصلاة الإمام وهو في دار بينها وبين المسجد طريق، وقال مالك: لا بأس أن يُصلِّي وبينه وبينه طريق أو نهر صغير، وكذلك السفن المتقاربة يكون الإمام في إحداها تجزئهم الصلاة معه. وقال عطاء: لا بأس أن يُصلِّي بصلاة الإمام مَنْ علمها. وكرهت ذلك طائفة: رُوِيَ عن عمر بن الخطاب إذا كان بينه وبين الإمام طريق أو نهر أو حائط فليس معه، وكره الشعبي وإبراهيم أن يكون بينهما طريق، وزاد إبراهيم: أو نساء.

وقال الكوفيون: لا تجزئه إلا أن تكون الصفوف متصلة على الطريق، وهو قول الليث، والأوزاعي، وأشهب صاحب مالك، وكذلك اختلفوا فيمن صلى في دار محجور عليها بصلاة الإمام، فأجازه عطاء، وأبو حنيفة في الجمعة وغيرها، وبه قال ابن نافع صاحب مالك، وجوزه مالك إذا كان يسمع التكبير إلا في الجمعة خاصة، فلا تصح صلاتها عنده في موضع يمنع منه في سائر الأوقات، ولا تجوز إلا في الجامع ورحابه.

وقال الشافعي: لا يجوز أن يُصلِّيَ في موضع محجور عليه في الجمعة وغيرها إلا أن تتصل الصفوف] اهـ.

الواجب على المأمومين إذا تعذر متابعة الإمام أثناء الصلاة

إن حدث ما يقطع متابعة المأموم للإمام؛ كانقطاع التيار الكهربائي أو نحو ذلك من العوارض فلا يجوز الائتمام به حينئذ؛ لتعذر العلم بحال الإمام على المأموم، فعلى المأموم في هذه الحالة أن ينوي المفارقة في هذا الوقت، ويتم ما تبقى له من صلاته منفردًا.

والأصل في ذلك ما  أخرجه الإمام البخاري -واللفظ له- ومسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: "أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَأْتِي قَوْمَهُ فَيُصَلِّي بِهِمُ الصَّلَاةَ، فَقَرَأَ بِهِمُ البَقَرَةَ، قَالَ: فَتَجَوَّزَ رَجُلٌ فَصَلَّى صَلَاةً خَفِيفَةً، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاذًا رضي الله عنه، فَقَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الرَّجُلَ؛ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا قَوْمٌ نَعْمَلُ بِأَيْدِينَا، وَنَسْقِي بِنَوَاضِحِنَا، وَإِنَّ مُعَاذًا صَلَّى بِنَا البَارِحَةَ، فَقَرَأَ البَقَرَةَ، فَتَجَوَّزْتُ، فَزَعَمَ أَنِّي مُنَافِقٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «يَا مُعَاذُ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ -ثَلَاثًا-، اقْرَأْ: ﴿وَٱلشَّمۡسِ وَضُحَىٰهَا﴾، وَ﴿سَبِّحِ ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى﴾، وَنَحْوَهَا».

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (2/ 194-195، ط. دار المعرفة): [وسائر الروايات تدل على أنه قطع القدوة فقط ولم يخرج من الصلاة، بل استمر فيها منفردًا، قال الرافعي في "شرح المسند" في الكلام على رواية الشافعي عن ابن عيينة في هذا الحديث: "فتنحى رجل من خلفه فصلى وحده"، هذا يحتمل من جهة اللفظ أنه قطع الصلاة وتنحى عن موضع صلاته واستأنفها لنفسه، لكنه غير محمول عليه؛ لأن الفرض لا يقطع بعد الشروع فيه. انتهى؛ ولهذا استدل به الشافعية على أن للمأموم أن يقطع القدوة ويتم صلاته منفردًا] اهـ.

وبنحو ذلك صرَّح طوائف من أهل العلم في الجملة:

قال الشيخ الدردير المالكي في "الشرح الكبير" (1/ 336، ط. دار الفكر): [(و) جاز (اقتداء ذوي سفن) متقاربة ولو سائرة (بإمام) واحد يسمعون تكبيره أو يرون أفعاله أو من يسمع عنده، ويستحب أن يكون في التي تلي القبلة، (و) جاز (فصل مأموم) عن إمامه (بنهر صغير) لا يمنع من سماع الإمام أو مأمومه أو رؤية فعل أحدهما (أو طريق)] اهـ.

وقال العلامة الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (1/ 494، ط. دار الكتب العلمية): [(و) الثاني من شروط الاقتداء: أنه (يشترط علمه)، أي: المأموم (بانتقالات الإمام)؛ ليتمكن من متابعته، (بأن يراه) المأموم (أو) يرى (بعض صف، أو يسمعه، أو مُبَلِّغًا)، وإن لم يكن مصليًا، وإن كان كلام الشيخ أبي محمد في "الفروق" يقتضي اشتراط كونه مصليًا، ويشترط أن يكون ثقة كما صرح به ابن الأستاذ في "شرح الوسيط" والشيخ أبو محمد في "الفروق"، وإن ذكر في "المجموع" في باب الأذان أن الجمهور قالوا: يقبل خبر الصبي فيما طريقه المشاهدة، أو بأن يهديه ثقة إذا كان أعمى أو أصم أو بصيرًا في ظلمة أو نحوها] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 171): [وإن أحرم مأمومًا، ثم نوى مفارقة الإمام وإتمامها منفردًا لعذر جاز؛ لما روى جابر رضي الله عنه.. ولم يأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الرجل بالإعادة، ولا أنكر عليه فعله، والأعذار التي يخرج لأجلها، مثل: المشقة بتطويل الإمام، أو المرض، أو خشية غلبة النعاس، أو شيء يفسد صلاته، أو خوف فوات مال أو تلفه، أو فوت رفقته، أو من يخرج من الصف لا يجد من يقف معه، وأشباه هذا، وإن فعل ذلك لغير عذر ففيه روايتان: إحداهما: تفسد صلاته؛ لأنه ترك متابعة إمامه لغير عذر، أشبه ما لو تركها من غير نية المفارقة. والثانية: تصح؛ لأنه لو نوى المنفرد كونه مأمومًا لصح في رواية، فنية الانفراد أولى، فإن المأموم قد يصير منفردًا بغير نية، وهو المسبوق إذا سَلَّم إمامه، وغيره لا يصير مأمومًا بغير نية بحال] اهـ.

وكذلك يمكن قياس هذه المسألة على نظائر لها في باب الإمامة، منها إذا أحدث الإمام فإن للمأمومين أن يكملوا فرادى إن لم يكن هناك استخلاف، والجامع بينهما هو تعذر الائتمام.

قال العلامة الخرشي المالكي في "شرحه على مختصر خليل" (2/ 36): [(ص) واقتداء ذوي سفن بإمام. (ش) يريد أنه يجوز لأهل السفن المتقاربة أن يقتدوا بإمام واحد إن كانوا بحيث يسمعون تكبيره ويروا أفعاله، وسواء كانوا في المرسى أو سائرين، على المشهور؛ لأن الأصل السلامة من طُرُوِّ ما يفرقهم من ريح أو غيره، فلو فرقهم الريح استخلفوا، وإن شاءوا صلوا وحدانا، فلو اجتمعوا بعد ذلك رجعوا لإمامهم إلا أن يكونوا عملوا لأنفسهم عملًا فلا يرجعوا إليه ولا يلغو ما عملوا، بخلاف مسبوق ظن فراغ إمامه فقام للقضاء؛ فتبين خطأ ظنه فإنه يرجع ويلغي ما فعله في صلب الإمام، فلو استخلفوا ولم يعملوا عملًا فلا يرجعوا أيضًا، وقد خرجوا من إمامته؛ لأنهم لا يأمنون التفريق ثانيًا، قاله عبد الحق] اهـ.

قال الشيخ العدوي مُحَشِّيًا عليه: [قوله: (إلا أن يكونوا عملوا لأنفسهم) أي: كركوع لا كقراءة، فهم على مأموميتهم فيتبعونه وجوبًا، وإن كان هو قد عمل بعدهم عملًا، ويجتمع لهم حينئذ البناء والقضاء، والحاصل -كما كتبه بعض شيوخنا- أنهم إذا عملوا عملًا، أو استخلفوا وإن لم يعملوا شيئًا؛ لا يرجعون إليه، وإن رجعوا بطلت صلاتهم، وإن لم يعملوا شيئًا ولم يستخلفوا وجب رجوعهم إليه، وإن لم يرجعوا بطلت صلاتهم] اهـ.

وقال العلامة البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (1/ 385-386، ط. دار الكتب العلمية): [(فإن لم يستخلف الإمام) الذي سبقه الحدث (وصلوا) أي: المأمومون (وِحدانا) -بكسر الواو- أي: فرادى (صح) ما صلوه، (وكذا إن استخلفوا) لأنفسهم مَن يتم بهم الصلاة؛ فيصح كما لو استخلفه الإمام)] اهـ.

الخلاصة

بناء على ما سبق وفي واقعة السؤال: فإنَّه لا حرج شرعًا على والدتك في اقتدائها بإمام المسجد في صلاة التراويح من بيتها وصلاتها صحيحة ما دامت على علمٍ بصلاة الإمام وانتقالاته، سواء بسماعه مباشرة أو من خلال مكبرات الصوت، ويمكنها متابعة حركات الإمام، فإذا حدث عارض كانقطاع التيار الكهربائي أو نحو ذلك فحينئذٍ تنقطع المتابعة للإمام، ويجب على والدتك أن تنوي المفارقة وتكمل صلاتها بنية الانفراد.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا