ما حكم قضاء الفوائت جماعة؟ لأني قد يفوتني فرض من الفروض الخمسة فأقضيه بعد وقته، فهل يجوز لي أن أصلي هذا الفرض المقضي في جماعة؟
يجوز لمن فاتته صلاةٌ مفروضةٌ أن يقضيها في جماعة؛ إمامًا كان أو مأمومًا، بشرط أن تتوافق الصلاتان في الأفعال الظاهرة؛ فإن اختلفت الأفعال الظاهرة؛ كمكتوبة وكسوف أو جنازة لم يصح الاقتداء في ذلك؛ لمخالفة النظم وتعذر المتابعة.
المحتويات
من المقرر أن الفرائض الخمس أوجبها الله سبحانه وتعالى على كل مسلمٍ مكلَّف في أوقات محددة؛ فقال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء: 103]، ويأثم المسلم بتأخير الصلاة عن وقتها لغير عذر، وقد أخرج الشيخان -بسنديهما- عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا، لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ؛ ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه: 14]».
من المعلوم أيضًا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حث على صلاة الجماعة ورغَّب فيها؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم فيما أخرجه الشيخان: «صَلَاةُ الجماعة تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً»، وقال صلى الله عليه وآله وسلم فيما أخرجه الترمذي من حديث أنس رضي الله عنه: «من صَلَّى أَرْبَعِينَ يَوْمًا الصَّلَوَات فِي جمَاعَة لَا تفوته فِيهَا تَكْبِيرَة الْإِحْرَام كتب الله لَهُ براءتين: بَرَاءَة من النِّفَاق، وَبَرَاءَة من النَّار».
لما كان للصلاة في جماعة هذا الفضل العظيم أجمع الفقهاء على أنه يجوز لفئة من المسلمين فاتتهم إحدى الصلوات الخمس -غير الجمعة- أن يقضوها جماعة إذا اتحدوا في عين الصلاة المقضية كظهر أو عصر أو غيرهما، واستدلوا على ذلك بما أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: عَرَّسْنَا مع نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ، فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ»، قَالَ: فَفَعَلْنَا، ثُمَّ دَعَا بِالْمَاءِ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْغَدَاةَ.
فدل الحديث على أنه صلى الله عليه وآله وسلم قضى صلاة الفجر الفائتة جماعةً بأصحابه.
قال العلامة النفراوي المالكي في "الفواكه الدواني" (1/ 207، ط. دار الفكر): [الجماعة بفرض غير الجمعة سنة، سواء كان الفرض حاضرًا أو فائتًا] اهـ.
وقال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (1/ 154، ط. دار الكتب العلمية): [وكذا إذا فاتت الجماعة صلاة واحدة قضوها بالجماعة بأذان وإقامة] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع شرح المهذب" (4/ 189، ط. دار الفكر): [وأما المقضية من المكتوبات فليست الجماعة فيها فرض عين ولا كفاية بلا خلاف، ولكن يستحب الجماعة في المقضية التي يتفق الإمام والمأموم فيها؛ بأن يفوتهما ظهر أو عصر] اهـ.
وقال العلامة البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (1/ 262، ط. دار الفكر): [ويسن أن يصلي الفائتة جماعة إن أمكن ذلك؛ لفعله صلى الله عليه وآله وسلم] اهـ.
ونقل الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (4/ 189، ط. دار الفكر) عن القاضي عياض أنه قال: [لا خلاف بين العلماء في جواز الجماعة في القضاء إلا ما حُكي عن الليث بن سعد من منع ذلك. اهـ، قال: وهذا المنقول عن الليث إن صح عنه مردود بالأحاديث الصحيحة وإجماع من قبله] اهـ.
قد ذهب الحنفية والمالكية إلى وجوب اتحاد الصلاة بين الإمام والمأموم سببًا وفعلًا ووصفًا لصحة الاقتداء؛ واستدلوا بقوله عليه الصلاة السلام فيما أخرجه الشيخان: «إنما جُعلَ الإمَامُ ليُؤتمَّ بِهِ فلَا تَختَلِفُوا عَلَيهِ»؛ قالوا: فلا تصح صلاة ظهر مقضية خلف إمام يُصلي ظهرًا مؤداة أو يصلي عصرًا مقضية أو مؤداة؛ قال الشيخ الدردير في "الشرح الكبير" (1/ 339، ط. دار الفكر): [وثاني شروط الاقتداء مساواة من الإمام ومأمومه في عين الصلاة، فلا تصح ظهرًا خلف عصر ولا عكسه، فإن لم تحصل المساواة بطلت وإن كانت المخالفة بأداءٍ وقضاءٍ كظهرٍ قضاء خلف ظهرٍ أداء] اهـ.
وقال العلامة الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (1/ 138، ط. دار الكتب العلمية) عند كلامه على الاقتداء بالإمام في الصلاة: [وأما شرائط الركن فأنواع، منها: الشركة في الصلاتين، واتحادهما سببًا وفعلًا ووصفًا؛ لأن الاقتداء بناء التحريمة على التحريمة، فالمقتدي عقد تحريمته لما انعقدت له تحريمة الإمام، فكلما انعقدت له تحريمة الإمام جاز البناء من المقتدي، وما لا فلا، وذلك لا يتحقق إلا بالشركة في الصلاتين] اهـ.
وقال الحنابلة بصحة ائتمام من يصلي صلاة معينة مقضية بمن يؤديها؛ فيصح ائتمام من يقضي ظهرًا بمن يؤدي ظهرًا، قال العلامة البهوتي في "كشاف القناع" (1/ 484، ط. دار الكتب العلمية): [يصح ائتمام من يقضي الصلاة بمن يؤديها... ويصح ائتمام قاضي ظُهرِ يومٍ بقاضي ظُهرِ يومٍ آخر] اهـ.
واكتفى الشافعية بتوافق نظم صلاة الإمام والمأموم في الأفعال الظاهرة، فلا يشترط اتحاد الصلاتين عينًا ولا وقتًا، وعلى ذلك يصح اقتداء من يقضي الصلاة بمن يؤديها؛ كمن يقضي الظهر بمن يؤدي العصر، نظرًا لاتفاق الفعل في الصلاة وإن اختلفت النية؛ فإن اختلف فعلهما؛ كمكتوبة وكسوف أو جنازة لم يصح الاقتداء في ذلك؛ لمخالفته النظم وتعذر المتابعة معها.
قال الإمام النووي في "منهاج الطالبين" (ص: 42، ط. دار الفكر): [وتصح قدوة المؤدي بالقاضي والمفترض بالمتنفل وفي الظهر بالعصر وبالعكوس، وكذا الظهر بالصبح والمغرب وهو كالمسبوق، ولا تضر متابعة الإمام في القنوت والجلوس الآخر في المغرب، وله فراقه إذا اشتغل بهما، ويجوز الصبح خلف الظهر في الأظهر؛ فإذا قام للثالثة فإن شاء فارقه وسلم وإن شاء انتظره ليسلم معه] اهـ.
قال الإمام الماوردي في "الحاوي الكبير" (2/ 316، ط. دار الكتب العلمية) عن مذهب الشافعية في هذه المسألة: [وهذا أوسع المذاهب] اهـ.
واستدل الشافعية على جواز الاقتداء مع اختلاف نية الإمام والمأموم إذا اتفق نظم الصلاة بما أخرجه الشيخان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كَانَ مُعَاذٌ يُصَلِّي مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وآله وسلم ثُمَّ يَأْتِي قَوْمَهُ، فَيُصَلِّي بِهِمْ".
ووجه الدلالة من هذا أن معاذًا كان يؤدي فرضه خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم يصليها بقومه، فتكون لهم فريضة وله نافلة؛ فجازت الصلاة رغم اختلاف نية الإمام والمأموم.
وأجابوا عن استدلال القائلين بعدم صحة الاقتداء مع اختلاف النية بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنما جُعلَ الإِمَامُ ليؤتمَّ بِهِ» بأن المراد: ليؤتم به في الأفعال لا في النية. ولهذا قال صلى الله عليه وآله وسلم -بعد ذلك-: «فإذا كبَّر فكَبِّرُوا وإذا سَجَدَ فاسْجُدُوا... إلى آخر الحديث».
ويُعلم مما سبق أن اتفاق الفقهاء قائم على أصلِ جواز قضاء الفوائت جماعة، ثم إنهم اختلفوا؛ فقال بعضهم باشتراط اتحاد عين الصلاة ووصفها وسببها حتى تصح الجماعة، وقال البعض بجواز اقتداء من يقضي الصلاة بمن يؤديها إذا اتَّحد وقتها؛ كظهر مقضية بظهر مؤداة، وذهب الشافعية إلى عدم اشتراط شيء من ذلك إلا اتفاق الأفعال الظاهرة بين الصلاتين، ومن ثَمَّ فيجوز عندهم قضاء الصلاة الرباعية جماعة خلف من يصلي صلاة ثنائية أو صلاة ثلاثية.
فإذا جلس الإمام في الصلاة الثلاثية للتشهد فإنه مخير بين أمرين:
الأول: أن يجلس مع الإمام للتشهد، فإذا سلم الإمام قام إلى الرابعة.
الثاني: ألَّا يجلس معه للتشهد، وإنما ينوي المفارقة وينهض إلى الرابعة مباشرة.
بناءً على ذلك: فإنه يجوز لمن فاتتهم صلاةٌ مفروضةٌ أن يصلوها جماعةً بإمام منهم، فإن كان واحدًا فيجوز له أن يصليها إمامًا أو مأمومًا مع غيره سواء كان يصلي قضاءً أو فرضًا حاضرًا أو نفلًا، بشرط أن تتوافق الصلاتان في الأفعال الظاهرة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
رجل يعمل في شركة برامج إسلامية دولية، وجاءته رسالة عبر شبكة الإنترنت من إحدى الدول الأوربية والتي تضمنت أنه يعمل منذ أول أبريل حرس سلاح في الجيش، وتحتم عليه طبيعة عمله عدم أداء الصلوات في ميعادها، إذ إنه لا يستطيع إلا تأدية صلاة العشاء وصلاة الفجر في ميعادهما، وسوف يستمر على هذا النظام حتى شهر أكتوبر. والسؤال: هل يجوز أن يصلي جميع الفروض مع العشاء جمع تأخير؟
ما حكم التغيب عن الجمعة خوفا من الإصابة بكورونا؟ ففي ظل انتشار "فيروس كورونا المستجد" واتجاه دول العالم إلى ضرورة التعايش مع ظروف هذا الوباء، ودراسة الأجهزة المعنية في الدولة آلية وضوابط العودة التدريجية لصلاة الجمعة؛ فهل يجوز لـمَنْ غَلَب على ظنه الإصابة بهذا الفيروس أن لا يحضر لصلاة الجمعة؟ وهل عليه إثم في ذلك؟
ما حكم الالتفات اليسير في الصلاة لمن يقوم بالحراسة بسبب الخوف؟ فأنا أعمل في مهنة الحراسة الليلية لإحدى الشركات، وأقوم بأداء صلاة الصبح في مكان العمل، وفي بعض الأحيان يحدث مني التفات يسير دون قصد بسبب الخوف على المكان الذي أقوم بحراسته، فما حكم الشرع في ذلك؟ وهل هذا يُبْطِل الصلاة؟
ما أثر تركيب درنقة جراحية على الوضوء؟ فهناك شخصٌ أجرى عملية استئصال كيسٍ دهنيٍّ، وتم تركيب درنقةٍ جراحيةٍ له؛ فهل خروج الدَّم من موضع الجرح ونزوله في هذه الدرنقة ينقض الوضوء شرعًا؟
ما حكم الاستغناء عن مسجد صغير بعمارة سكنية بعد بناء مسجد كبير أمامه؟ حيث يقول السائل: اشتريت منزلًا تقع فيه عيادتي ومسجد صغير، والسائل يرى أن في المسجد عيوبًا وهي: إزعاج المصلّين وقت الصلوات من المرضى الصاعدين والهابطين من وإلى العيادة، ووقوف الإمام خلف الجزء الأكبر من المصلين في صلاة الجمعة؛ حيث إن المسجد صغير ويصلي بعض الناس بالخارج، ويوجد ساكنين أعلى المسجد يمارسون حياتهم الطبيعية. علمًا بأني سأقوم بإنشاء مسجد أكبر أمامه؛ لإحلاله محل المسجد القديم الذي أنوي استغلاله لتوسعة العيادة، ولن أقترب من المسجد القديم إلا بعد تمام بناء المسجد الجديد، وبدء إقامة الصلوات فيه؛ فما حكم الشرع في ذلك؟
من هو الإمام الذي يؤم المصلين في الصلاة؟ وهل هناك أمور شرعية ودنيوية مكلف بها غير إمامة المصلين؟ وهل كلمة واعظ تكفي لتعريفه؟