هل هناك فرق بين مفهوم الوطن في الفقه الإسلامي ومفهومه المقرر حاليًا في ظلِّ نظام الدولة الحديثة؟
الوطن لغة: المَنْزِلُ تقيم به، وهو مَوْطِنُ الإنسان ومحله، والجمع أَوْطان، وأَوْطانُ الغنم والبقر: مَرَابِضُها وأَماكنها التي تأْوي إليها. ووَطَنَ بالمكان وأَوْطَنَ: أَقام. وأَوْطَنَهُ: اتخذه وَطَنًا، يقال: أَوْطَنَ فلانٌ أَرض كذا وكذا، أَي اتخذها محلًّا ومسْكَنًا يقيم فيها. انظر: "لسان العرب" (13/ 451، ط. دار المعارف).
فالوطن: هو الأرض التي يعيش عليها مجموعة من الناس وينتسبون إليها نسبة تشبه نسبتهم لآبائهم وأجدادهم وقبائلهم، فيقال: فلان بن فلان المصري نسبة إلى مصر، أو المكي نسبة إلى مكة المكرمة وهكذا، وحب الوطن معنًى فطري غريزي نابع من شعور الإنسان بالانتماء إليه وحنينه إلى المكان الذي ترعرع فيه وأصبحت له فيه ذكريات تربطه بمن نشأ بينهم من أهل وأحباب، وفي هذا يقول الشاعر:
مآربُ قضّاها الشبابُ هنالكا وحبَّبَ أوطانَ الرجال إليهمُ
عهودُ الصبا فيها فحنوا لذلكا إذا ذكروا أوطانهم ذكَّرَتْهُمُ
ويذكر العلامة الزمخشري هذه الغريزة الفطرية في كتابه "أساس البلاغة" (2/ 343، ط. دار الكتب العلمية) فيقول: [كلّ يحب وطنه وأوطانه وموطنه ومواطنه] اهـ.
وفي اصطلاح الفقهاء ينقسم الوطن إلى ثلاثة أقسام: وطن أصلي، ووطن مستعار، ووطن سُكنى. وبعضهم قسمه إلى وطن قرار ووطن مستعار، وقد اهتم الفقهاء ببيان معنى الوطن وأقسامه لارتباط معناه بمسائل السفر والصيام والجمعة وجمع الصلوات وقصرها وغير ذلك من الأحكام الشرعية المرتبطة بالأوطان.
يقول العلامة علاء الدين الكاساني في "بدائع الصنائع" (1/ 103، ط. دار الكتب العلمية): [الأوطان ثلاثة: (وطن أصلي): وهو وطن الإنسان في بلدته أو بلدة أخرى اتخذها دارًا وتوطن بها مع أهله وولده، وليس من قصده الارتحال عنها بل التَّعَيُّش بها. (ووطن الإقامة): وهو أن يقصد الإنسان أن يمكث في موضع صالح للإقامة خمسة عشر يومًا أو أكثر. (ووطن السكنى): وهو أن يقصد الإنسان المقام في غير بلدته أقل من خمسة عشر يومًا. والفقيه الجليل أبو أحمد العياضي قسّم الوطن إلى قسمين وسمَّى أحدهما وطن قرار، والآخر مستعارًا] اهـ.
وينبني على هذا التقسيم للأوطان معرفة ترتيبها قوة وضعفًا، وتأثير كل قسم في الآخر أو تأثره به عند التعارض، فيعرف أي النسبتين ناقضة وأيهما منقوضة بالنسبة لما يتعلق بهما من أحكام شرعية، ويوضح العلامة الكاساني أحكام نقض الأوطان؛ فيقول في "البدائع" (1/ 103-104): [فالوطن الأصلي ينتقض بمثله لا غير، وهو أن يتوطن الإنسان في بلدة أخرى وينقل الأهل إليها من بلدته، فيخرج الأول من أن يكون وطنًا أصليًّا، حتى لو دخل فيه مسافرًا لا تصير صلاته أربعًا، وأصله أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمهاجرين من أصحابه رضي الله عنهم كانوا من أهل مكة وكان لهم بها أوطان أصلية، ثم لمَّا هاجروا وتوطنوا بالمدينة وجعلوها دارًا لأنفسهم انتقض وطنهم الأصلي بمكة، حتى كانوا إذا أتوا مكة يصلون صلاة المسافرين... ثم الوطن الأصلي يجوز أن يكون واحدًا أو أكثر من ذلك بأن كان له أهل ودار في بلدتين أو أكثر... ولا ينتقض الوطن الأصلي بوطن الإقامة ولا بوطن السكنى؛ لأنهما دونه...(ووطن الإقامة) ينتقض بالوطن الأصلي؛ لأنه فوقه، وبوطن الإقامة أيضًا؛ لأنه مثله، والشيء يجوز أن ينسخ بمثله، وينتقض بالسفر أيضًا؛ لأن توطنه في هذا المقام ليس للقرار ولكن لحاجة، فإذا سافر منه يستدل به على قضاء حاجته فصار معرضًا عن التوطن به، فصار ناقضًا له دلالة، ولا ينتقض وطن الإقامة بوطن السكنى؛ لأنه دونه فلا ينسخه. (ووطن السكنى) ينتقض بالوطن الأصلي، وبوطن الإقامة؛ لأنهما فوقه، وبوطن السكنى؛ لأنه مثله، وبالسفر لما بينا] اهـ.
فالنسبة إلى الوطن بما يترتب عليها من أحكام عند الفقهاء يمكن أن تتبدل وتتغير وتنتقض وتعود مرة أخرى، كما يمكن أن تتعدد إلى أكثر من وطن أصلي بحسب ما يكون للإنسان في كل وطن من أهل وديار وأملاك.
ومما استند إليه الفقهاء في ذلك ما ذكروه من أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمهاجرين من أصحابه رضي الله عنهم كانوا من أهل مكة وكان لهم بها أوطان أصلية، ثم لما هاجروا وتوطنوا بالمدينة وجعلوها دارًا لأنفسهم انتقض وطنهم الأصلي بمكة، فكانوا إذا أتوا مكة يصلون صلاة المسافرين؛ حتى قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين صلى بهم: «يَا أَهْلَ مَكَّةَ، أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ، فَإِنَّا قَوْمٌ سفرٌ» رواه أبو داود في "سننه"، وأحمد في "مسنده"، والطبراني في "المعجم الكبير" واللفظ له.
والوطن في عصرنا هذا يطلق ويراد به الدولة الحديثة التي لها حدود جغرافية معلومة، وتضم شعبًا ينتمي إلى هذه الحدود الجغرافية ويستوطنها خاضعًا لسلطة حكومة منوط بها إدارة شؤون البلد وتحقيق مصالح الرعية بما تمتلكه من أنواع السلطة الثلاثة؛ سلطة تشريعية لسن القوانين المنظمة للعلاقات بين الأفراد والجماعات والمؤسسات، وسلطة تنفيذية، وسلطة قضائية.
ويسمى الانتماء لهذه الدولة الحديثة بـ"الجنسية"، فكل من يحمل جنسية دولة فهو من مواطنيها سواء كان يقيم داخلها أو خارجها، ومن الممكن أن تسقط هذه الجنسية لأسباب كثيرة، كما يمكن أن يحمل المواطن أكثر من جنسية بحسب القوانين والشروط التي تشترطها كل دولة.
وقد يجتمع المفهوم الفقهي لمعنى الوطن مع مفهومه القانوني للدولة الحديثة، بأن يكون للإنسان مثلًا زوجتان في دولتين مختلفتين يحمل جنسيتهما، فتكون كل دولة منهما وطنًا له شرعًا وقانونًا.
وقد يتعارض المفهومان ويفترقان كما لو تزوج مواطنة في دولة لا يحمل جنسيتها؛ فحيث تقيم زوجته يكون وطنًا له شرعًا، أما قانونًا فلا يعتبر من المواطنين حتى يحمل الجنسية.
ومما سبق: يتبين بعض الفوارق الجوهرية بين مفهوم الوطن بالاعتبار الفقهي ومفهومه بالاعتبار القانوني المستمد من مفاهيم الدولة الحديثة، كما تبين إمكانُ اجتماع المفهومين واتحادهما وإمكانُ تعارضهما وافتراقهما.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما هي الشائعات؟ وما هي خطورتها؟ وما هي العوامل التي تُسَاهم في سرعة انتشارها؟ وكيف نتصدَّى لها؟
ما حكم الاستغاثة بالأنبياء والصالحين والسفر لزيارة قبور الصالحين والحلف بغير الله؟ حيث انتشرت مجموعة من الشباب الذي يأتي بفتاوى متطرفة لا أصل لها في الفقه السليم المعتدل، وللأسف فإن العديد من الناس البسطاء ينجرفون وراء هذا التيار، رغم أن لدينا خطباء معتدلين في قريتنا لا يوافقون على هذه الفتاوى المتطرفة.
وإيمانًا منا بدوركم المحوري في الدعوة، وحرصكم على أن يكون شباب مصر خيرًا لبلدهم نرجو من سيادتكم الرد على هذه الفتاوى المرفقة بهذا الخطاب حتى يتم تصحيح هذه المفاهيم الخاطئة.
وهذا نص هذه الفتاوى:
السؤال الأول: هل الاستغاثة بالأنبياء والأولياء والصالحين الأموات أو الغائبين كفر أكبر؟
الجواب: الاستغاثة بالأنبياء والأولياء والصالحين الأموات أو الغائبين شرك أكبر يخرج مَن فعل ذلك من ملة الإسلام؛ لقوله سبحانه: ﴿وَمَن يَدۡعُ مَعَ ٱللهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ لَا بُرۡهَٰنَ لَهُۥ بِهِۦ فَإِنَّمَا حِسَابُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦٓۚ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلۡكَٰفِرُونَ﴾ [المؤمنون: 117]، وقوله عز وجل: ﴿ذَٰلِكُمُ ٱللهُ رَبُّكُمۡ لَهُ ٱلۡمُلۡكُۚ وَٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ مَا يَمۡلِكُونَ مِن قِطۡمِيرٍ ۞ إِن تَدۡعُوهُمۡ لَا يَسۡمَعُواْ دُعَآءَكُمۡ وَلَوۡ سَمِعُواْ مَا ٱسۡتَجَابُواْ لَكُمۡۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَكۡفُرُونَ بِشِرۡكِكُمۡۚ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثۡلُ خَبِيرٍ﴾ [فاطر: 13-14].
السؤال الثاني: هل تجوز نية السفر إلى زيارة قبور الأنبياء والصالحين مثل نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وغيره؟ وهل هذه الزيارة شرعية أم لا؟
الجواب: لا يجوز شد الرحال لزيارة قبور الأنبياء والصالحين وغيرهم، بل هو بدعة، والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى»، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ». وأما زيارتهم دون شد رحال فسنة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «زُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمُ الْآخِرَةَ» أخرجه مسلم في "صحيحه".
السؤال الثالث: هل يجوز الحلف بغير الله؟ وما حكم من يقول: "والنبي تعمل كذا"؟ وهل يدخل هذا في الحلف بغير الله؟
الجواب: كل ذلك حرام وشرك؛ لأنه لا يجوز الحلف بغير الله؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «أَلَا إِنَّ اللهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» متفق عليه، وفي رواية لأبي داود والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَأُمَّهَاتِكُمْ، وَلَا تَحْلِفُوا بِاللهِ إِلَّا وَأَنْتُمْ صَادِقُونَ»، ولما رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ».
ما هو مدلول الجهاد في الإسلام؟ وهل يقتصر على الحرب والقتال أم أن له معاني أخرى؟
هل هناك فرق بين مفهوم الوطن في الفقه الإسلامي ومفهومه المقرر حاليًا في ظلِّ نظام الدولة الحديثة؟