يشيع في الدراسات الفقهية الاستدلال بقاعدة: "للإمام تقييد المباح"، فما معنى هذه القاعدة؟ وهل هي على إطلاقها؟
المحتويات
من القواعد الفقهية المستقرة أن تصرف الحاكم على محكوميه منوطٌ بالمصلحة، والمراد بالمصلحة أي: الشرعية المعتبرة أو المرسلة بضوابطها، لا الملغاة، والمصلحة تكون لعموم من تحته لا لفرد بعينه؛ ولذا وجب على ولي الأمر، وكذا نوابه، قصد مصلحة عموم المسلمين وتقديم المصالح الأخروية على الدنيوية، فللإمام تدبيرُ كثيرٍ من الأمور الاجتهادية وفق اجتهاده الذي توصل إليه بعد النظر السليم والبحث والتحرِّي واستشارة أهل العلم الأمناء وأهل الخبرة العدول مع مراعاة الضابط الكلي، وهو "المصلحة".
فله أن يُحدث من الأقضية بقدر ما يَحدث من المشكلات، فمتى كانت هناك مصلحة عامة جامعة لشرائطها، فإن تصرف الإمام بناءً على ذلك تصرفٌ شرعيٌّ صحيحٌ ينبغي إنفاذه والعمل به، ولا يجوز التحايل للتخلص منه، ويجب على الرعيَّة السمع والطاعة حينئذٍ، أما إن كان تصرفه على وجهٍ غير شرعيٍ فلا طاعة له حينئذٍ؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ» متفق عليه.
وأخرج الإمام مسلم أيضًا عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ»، ولذا استقر الرأي عند أهل السنة أن الحاكم المسلم لا يجوز الخروج عليه وإن كان ظالمًا، وأن الخروج جائزٌ إذا أظهر كفرًا بواحًا؛ لنا من الله فيه برهانٌ.
يقول الإمام الخادمي في "بريقة محمودية" (1/ 62، ط. مصطفى الحلبي): [قال في الفتاوى: وكل مأمور بإطاعة من له الأمر إنْ على الشرع فبِها، فإن لم يكن على الشرع فإن أدى عصيانُه إلى فساد عظيم فيُطيع فيه أيضًا؛ إذ الضرر الأخف يُرتكب للخلاص من الضرر الأشد والأعظم.. والمفهوم من الفقهية أن كل مباحٍ أَمَرَ به الإمامُ لمصلحةٍ داعيةٍ لذلك فيجب على الرعية إتيانه] اهـ.
ويقول الإمام ابن حجر في "التحفة" (3/ 71، ط. دار إحياء التراث العربي): [الذي يظهر أن ما أمر به ولي الأمر مما ليس فيه مصلحة عامة لا يجب امتثاله إلا ظاهرًا فقط دفعًا للأذى، بخلاف ما فيه ذلك؛ يجب باطنًا أيضًا] اهـ.
مقولة أن "للإمام تقييد المباح" لم ينص عليها من ألَّف في القواعد والضوابط الفقهية، فهي من المعاني المستنبطة التي تؤخذ من الضابط الكلي السابق -يعني المصلحة-.
والمباح هو: ما استوى فيه جانب الفعل والترك، فلا ثواب في فعله ولا عقاب في تركه.
وعلى ذلك: فمعنى هذه المقولة أن للإمام وضع قيودٍ للمباح بما يراه محققًا للمصلحة العامة، كما أن له الأمر والإلزام به، وكل ذلك نابعٌ من السلطات المخوَّلة للإمام، لكن تقييد الحاكم للمباح يدخل فيما له فعله أصالةً بحيث يحق له التصرف فيه بسياسته واجتهاده؛ كأن يكون متعلقًا بشؤون الدولة الخاصة بها كالشؤون المتعلقة بالجيش، أو تنظيم المرافق والأموال العامة، أو تحديد أساليب ووسائل معينة لتنفيذ ما أنيط بالدولة من واجبات، وعلى ذلك فليس له إلزام الناس بأكل طعامٍ أو شرب شرابٍ معين، وليس من سلطاته إصدار مراسيم تحدد صفات المرأة التي يحق لها الزواج؛ كأن يمنع من زواج المتعلمة بغير المتعلم، أو غير ذلك مما لا تقتضيه المصلحة، بخلاف ما تقتضيه؛ كأن يمنع من زواج الصغيرة قبل البلوغ، أو يتدخل بتحديد الأسعار بيعًا وشراءً لضبط السوق إذا اختل أمره، وغير ذلك مما هو من قبيل السياسة الشرعية التي تُقَدَّم فيها المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.
كما أنه ليس للحاكم أن يمنع من جنس المباح كليةً، بأن يمنع من الأكل والشرب مطلقًا، أو يمنع من تعدد الزوجات، فمثلًا لو أصدر ولي الأمر قانونًا يمنع التعدد مطلقًا لا يقبل منه وإن زعم أن من وراء هذا مصلحة عامة أو نحو ذلك، إلا إذا ربط هذا المنع بحالة طارئة يرى فيها أن المنع أصلح وأوفق، فليس في ذلك ما يصادم الشرع، والدليل على هذا زجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعض صحابته لما أرادوا عدم أكل اللحم وعدم النوم على الفراش وعدم تزوج النساء؛ فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ سَأَلُوا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَنْ عَمَلِهِ فِي السِّرِّ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا آكُلُ اللَّحْمَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ. فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، فَقَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا؟ لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» رواه مسلم في "صحيحه". فالمنع يكون في الأفراد لا في الأجناس، كما أن المنع في هذه الأفراد يتغير بتغير المصلحة.
ولذلك يقول ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (28/ 76، ط. مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف) -عند كلامه على التسعير-: [منه ما هو ظلم لا يجوز، ومنه ما هو عدل جائز. فإذا تضمن ظلمَ الناس وإكراهَهم بغير حق على البيع بثمن لا يرضَوْنه، أو مَنعَهم مما أباحه الله لهم: فهو حرام. وإذا تضمن العدل بين الناس مثل إكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل، ومَنعَهم مما يَحرُم عليهم من أخذ زيادة على عِوَض المثل: فهو جائز، بل واجب] اهـ.
وقد يقيِّد الحاكم بعض الأمور لا على وجه الإلزام بل اختيارًا للأفضل وللأولى، ولا يدخل ذلك في التقييد الممنوع، ومثاله ما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ حيث قيَّد حكم إباحة الزواج من الكتابيات، فمنع من ذلك كبار الصحابة وأهل القدوة فيهم حتى لا يقتدي المسلمون بهم في ذلك فتروج سوق الكتابيات وتكسد سوق المسلمات، كما أن كثيرًا منهن لسن عفيفات، فالزواج منهن قد يفضي للزواج بالمومسات، وتقييد عمر رضي الله تعالى عنه لهذا الأمر ليس على سبيل المنع منه أو التحريم ولكن على سبيل اختيار الأفضل والأولى في حق أهل القدوة، وإلا لو خالفه في ذلك أحد من كبار الصحابة لم يعاقبه على المخالفة، ثم هو في الوقت نفسه تقييد ليس على سبيل العموم وإنما تقييد خاص بفئة معينة؛ فقد روى البيهقي والطبري بسندهما عن شقيق قال: "تزوج حذيفة يهودية، فكتب إليه عمر رضي الله عنه: خَل سبيلها. فكتب إليه: أتزعم أنها حرامٌ فأخلي سبيلها؟ فقال: لا أزعم أنها حرام، ولكني أخاف أن تعاطوا المومسات منهن".
وقد علَّق الإمام ابن جرير على ذلك في "جامع البيان" (4/ 716، ط. دار هجر) فقال: [وإنما كره عمر لطلحة وحذيفة رضي الله عنهم نكاحَ اليهودية والنصرانية حذارًا من أن يقتدي بهما الناس في ذلك، فيزهدوا في المسلمات أو لغير ذلك من المعاني، فأمرهما بتخليتهما] اهـ.
مما سبق: يعلم أن مقولة: "للإمام تقييد المباح" وإن لم ينص عليها في كتب القواعد، إلا أنها صحيحة المعنى، موافقةٌ لما ذكروه من فروع الفقه وأحكام الشريعة الإسلامية، غير أن ذلك ليس على إطلاقه، بل له تقييد المباح في حدود اختصاصه برعاية المصلحة العامة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما الرأي الشرعي فيما يأتي:
أولًا: هل يستحق المريض عقليًّا الذي لا يستطيع الحصول على حقوقه شيئًا من الزكاة؟
ثانيًا: إذا وُجد طفل معاق في أسرة غنية، ولكنه محروم من حقوقه ومن الإنفاق عليه لرعايته وعلاجه. فهل يُصرَف له من الزكاة؟
ثالثًا: هل يجوز صرف الزكاة في شراء الأجهزة الطبية لذوي الهمم، وتوفير سيارة لنقلهم من منازلهم للمؤسسات التي ترعاهم؟
ما حكم الشراء الوهمي لمنتجات بعض التجار لزيادة رواج بضاعتهم وأخذ عمولة على ذلك؟ حيث أعمل على موقع على الإنترنت، لمساعدة التجار على إظهار السلعة بسرعة على مواقع بيع السلع، حيث نقوم بشراء وهمي لمنتجاتهم، حيث إنه كلما زادت مبيعاتهم تظهر أسرع؛ لكي يراها الناس بسرعة، ونأخذ عمولة على ذلك، فما الحكم؟
يقول السائل: خلقنا المولى سبحانه وتعالى مختلفين، ووجَّه الشرع الشريف اهتمامه وعنايته بكل فئة من فئات المجتمع، ومن هذه الفئات (ذوي الهمم)؛ فنرجو من فضيلتكم بيان اهتمام الشرع الشريف ورعايته لهم بتخفيفه عنهم في جانب التكليفات، وبيان حقوقهم بصفة خاصة.
يقول السائل: بعض الناس يقوم بالسخرية والاستهزاء من أصحاب الاضطرابات والمشاكل النفسية عن قصد؛ وذلك كـ(مرضى التَّوحُّد)، مما يُسبّب لهم مشاكل نفسية كثيرة. فما حكم الشرع فيمَن يقوم بهذه الأفعال؟
ما حكم نشر آيات من القرآن على مواقع التواصل وترشيح صديق يكمل بعد وهكذا؛ فقد انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي وضع آية من آيات القرآن الكريم، واختيار أحد الأشخاص لنشرها بين أصدقائه، ويختار هو صديقًا غيره لينشرها، ومن يختار يختار غيره (تحت شعار: لا تجعلها تتوقف عندك)، وذلك كشبكة متواصلة لنشر هذه الآية أو الدعاء بقصد عموم الذكر بين الناس في شهر رمضان، فما حكم فعل ذلك؟
ما حكم إلقاء الكمامة الطبية في غير الأماكن المخصصة لها؟ حيث يعمد كثير من الناس في هذه الأوقات خلال استعمالهم الكمامات الطبية لحمايتهم من انتشار "فيروس كورونا المستجد" إلى إلقاء الكمامة بعد استعمالها في الشوارع العامة في غير الأماكن المُخَصَّصة لها مما يزيد من مخاطر انتشار الفيروس، فما حكم إلقاء الكمامة بعد استعمالها في الشوارع العامة؟