تقوم إحدى الجمعيات بعرض صكوك الأضاحي على المتبرعين في كافة أنحاء الجمهورية، ونقوم بالذبح والتوزيع نيابة عنهم، وجزء من هذه الأضاحي يتم ذبحه داخل جمهورية مصر العربية أيام التشريق، ويتم التوزيع فور الذبح، والجزء الآخر من الأضاحي يتم ذبحه خارج مصر في أيام التشريق، ثم يتم نقلها بعد أيام التشريق إلى مصر وتوزيعها على فقراء المسلمين؛ لأن تكلفة نقلها حيةً أكبرُ من تكلفة نقلها لحمًا بعد ذبحها، مما يعود بالفائدة على زيادة أعداد الأضاحي، فتزداد نسبة المستفيدين منها من الفقراء والمحتاجين. فهل يجوز توزيع لحوم الأضاحي التي تم ذبحها أيام التشريق خارج مصر بعد انقضاء أيام التشريق ووصولها إلى مصر؟
لا مانع شرعًا من نقل لحوم الأضاحي إلى مصر بعد ذبحها خارجَها في أيام النحر والتشريق ولو أدَّى ذلك لتأخير توزيعها بعد أيام التشريق، لا سيما إذا تحقق بذلك مصلحة الفقراء بزيادة عدد الأضاحي والمستفيدين منها.
المحتويات
شرعت الأضحية شكرًا لله تعالى على نعمه، ومن تمام ذلك مراعاة مقاصدها وأحكامها، ومن مقاصدها إراقة الدماء، وقد قيد الشرع ذلك بوقتٍ لا تجزئ الأضحية إلا فيه، وهو من بعد صلاة العيد حتى غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق، قال تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: 2].
كما أن من مقاصدها التوزيع من لحومها على الفقراء والمساكين؛ قال تعالى: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ [الحج: 28]، ولم يقيد الشرع الشريف هذا التوزيع بوقت معين، بل جعل الأمر في ذلك راجعًا لمصلحة الفقراء؛ ولأجل ذلك نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق الثلاث للحاجة لذلك، ثم نسخ الحكم عندما زالت الحاجة.
فعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلَا يُصْبِحَنَّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَبَقِيَ فِي بَيْتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ»، فَلَمَّا كَانَ العَامُ المُقْبِلُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، نَفْعَلُ كَمَا فَعَلْنَا عَامَ المَاضِي؟ قَالَ: «كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا؛ فَإِنَّ ذَلِكَ العَامَ كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ، فَأَرَدْتُ أَنْ تُعِينُوا فِيهَا» رواه البخاري.
نص الفقهاء على جواز الإنابة في ذبح الأضحية إذا كان الوكيل مسلمًا، ولم يشترطوا أن يكون الذبح ببلد المضحِّي؛ إذ ليس في الشرع ما يدل على اشتراط ذلك، بل إنهم صرَّحوا بجواز الذبح في غير بلد المضحِّي؛ سواء كان الذابح هو المضحِّي أو نائبه أو وكيله.
قال الشيخ برهان الدين بن مازه الحنفي في "المحيط" (5/ 665، ط. دار إحياء التراث العربي): [الرجل إذا كان في مصرٍ وأهلُه في مصرٍ آخرَ، فكتب إليهم أن يضحوا عنه، فإنه يُعتَبَرُ مكانُ الذبيحة، فينبغي أن يضحوا بعد صلاة الإمام في المصر الذي يُذْبَحُ فيه] اهـ.
وقال العلامة ابن قاسم العبادي الشافعي في "حاشيته" على الغرر البهية (5/ 170، ط. المطبعة الميمنية): [قال في "الروض": ونقلُها عن بلدها كنقل الزكاة اهـ وهو المعتمد وإن نازع الإسنوي فيه، فالمراد بالفقير: فقيرُ بلدها، وينبغي أن يُعلَم أن المراد ببلدها: بلدُ ذَبْحِها. وقد ظن بعض الطلبة أن شرط إجزاء الأضحية ذبحُها ببلد المضحِّي؛ حتى يمتنع على من أراد الأضحية أن يوكِّل مَن يذبحُ عنه ببلد آخر، والظاهر أن هذا وَهَمٌ؛ بل لا يتعين أن يكون الذبح ببلد المضحِّي، بل أيّ مكان ذبح فيه بنفسه أو نائبه، من بلده أو بلد أخرى أو بادية: أجزأ] اهـ.
فإذا ما أناب الإنسان غيره بالأضحية عنه في بلد غير بلده، ورغب في تفريق لحمها على فقراء بلده جاز له ذلك، ولا حرج عليه إن تأخر وصول لحمها عن أيام التشريق لمسافة الطريق وأمور النقل إن كان في ذلك مصلحة الفقراء، لأن أحد أهم مقاصد الأضحية: مصلحة الفقير؛ فكانت مراعاتها معتبرة.
قال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (9/ 454، ط. مكتبة القاهرة): [الذبح أحد مقصودي الأضحية، فلا يسقط بفوات وقته؛ كتفرقة اللحم، وذلك أنه لو ذبحها في الأيام، ثم خرجت قبل تفريقها، فرَّقها بعد ذلك] اهـ.
وقال الإمام ابن الصلاح في "فتاويه" (2/ 710، ط. مكتبة العلوم والحكم): [مسألة: إذا وجب أضحية معينة فذبح يوم النحر ولم يفرق اللحم حتى تغير، قال أصحابنا: يتصدق بقيمته ولا تجب إعادة الأضحية؛ لأن إراقة الدم قد حصلت، بقي نفع المساكين] اهـ.
لم يشترط الشرع الشريف تفريق لحوم الأضاحي قبل انتهاء أيام التشريق، بل أباح إمساكها لما بعد ذلك إن كان من وراء ذلك مصلحة مرجوة، وأهم المصالح في ذلك: إطعام الفقراء.
فروى الإمام مسلم في "صحيحه" عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا، وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ».
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ، ثُمَّ بَدَا لِي أَنَّ النَّاسَ يَبْتَغُونَ أَدَمَهُمْ، وَيُتْحِفُونَ ضَيْفَهُمْ، وَيَرْفَعُونَ لِغَائِبِهِمْ، فَكُلُوا وَأَمْسِكُوا مَا شِئْتُمْ» أخرجه الإمام أحمد وأبو يعلى في "مسنديهما"، والضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة".
قال العلامة القاري في "مرقاة المفاتيح" (4/ 1255، ط. دار الفكر): [(فأمسكوا) أي: لحومها مطلقًا، فالأمر للرخصة، وهو الظاهر من إطلاق الحديث] اهـ.
وروى الإمام البخاري في "صحيحه" عن عبد الرحمن بن عابس، عن أبيه، قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: "أنهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تُؤكَلُ لحوم الأضاحي فوق ثلاث؟" قالت: "ما فعله إلا في عام جاع الناس فيه، فأراد أن يطعم الغني الفقير، وإن كنا لنرفع الكُرَاع، فنأكله بعد خمس عشرة"، قيل: ما اضطركم إليه؟ فضحكَتْ، قالت: "ما شبع آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم من خبزِ بُرٍّ مأدومٍ ثلاثةَ أيامٍ حتى لحق بالله".
وإذا كان النهي عن إمساك اللحم بعد أيام التشريق إنما جاء لمصلحة الفقراء، ثم جاءت الرخصة بالإمساك، فإن هذا يقتضي أنه إذا كان في تأخير التوزيع مصلحة للفقراء؛ بزيادة أعداد الآخذين منهم، أو بزيادة القدر الذي يأخذونه من اللحم: فإن التأخير أَوْلَى مِن باب أَوْلَى.
وبذلك جاءت نصوص المذاهب الفقهية المعتمدة:
قال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" (24/ 10، ط. دار المعرفة): [والنهي عن إمساك لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام قد انتسخ بقوله عليه الصلاة والسلام: «فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ وتَزَوَدُوا»؛ فإن القربة تنادي بإراقة الدم، والتدبيرُ في اللحم بعد ذلك -من الأكل والإمساك والإطعام- إلى صاحبه، إلا أنه للضيق والشدة في الابتداء نهاهم عن الإمساك على وجه النظر والشفقة ليتبع موسرهم على معسرهم، ولَمّا انعدم ذلك التضييق أذن لهم في الإمساك] اهـ.
وقال الإمام اللخمي المالكي في "التبصرة" (4/ 1566، ط. وزارة الأوقاف قطر): [أمر الله سبحانه وتعالى في الهدايا أن يُؤكَل منها، ويُتصدّق، فقال عز وجل: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ [الحج: 28]، وقال: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ [الحج: 36]. وأبان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الضحايا كذلك، فقال: «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ أَنْ تُمْسِكُوا مِنْ لحُومِ نُسُكِكُمْ بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا»، فأباح الإمساك بعد ثلاث، وأثبت الصدقة فلم ينسخها، فقال: «ادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا»] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع شرح المهذب" (8/ 418، ط. دار الفكر): [يجوز أن يدخر من لحم الأضحية، وكان ادخارها فوق ثلاثة أيام منهيًّا عنه، ثم أذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه، وذلك ثابت في الأحاديث الصحيحة المشهورة. قال جمهور أصحابنا: كان النهيُ نهيَ تحريمٍ، وقال أبو علي الطبري: يحتمل التنزيه، وذكر الأصحاب على التحريم وجهين: في أن النهي كان عامًّا ثم نسخ، أم كان مخصوصًا بحالة الضيق الواقع تلك السنة فلما زالت انتهى التحريم؟ وجهين، على الثاني: في أنه لو حدث مثل ذلك في زماننا هل يُحكم به؟ والصواب المعروف: أنه لا يحرم الادخارُ اليومَ بحالٍ] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (9/ 449، ط. مكتبة القاهرة): [ويجوز ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث، في قول عامة أهل العلم] اهـ.
فالأمر بإمساك اللحوم أو تفريقها منوط بحاجة الناس إليها، فإذا كانت الحاجة والمصلحة تتحقق إذا تأخر توزيعها عن أيام التشريق جاز ذلك.
على ذلك: فيجوز لهذه الجمعية نقل الأضاحي إلى مصر بعد ذبحها خارجَها في أيام النحر والتشريق ولو أدَّى ذلك لتأخير توزيعها بعد أيام التشريق، ما دام ذلك يحقق مصلحة الفقراء بزيادة عدد المستفيدين منها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم الأخذ من الشعر والأظافر لمن أراد أن يضحي؟ فأنا أريد أن أضحي هذا العام إن شاء الله بأضحية أقوم على تسمينها من الآن، وقد سمعت من أحد الشيوخ أن الإنسان الذى عقد العزم على أن يضحي لا يجوز له فى العشر الأوائل من ذي الحجة أن يأخذ من أشعاره ولا أظفاره ولا شعر لحيته ... إلخ تأسيًا بالمُحرم. والسؤال هنا: هل يجوز لى وقد عقدت العزم إن شاء الله على أن أضحي أن أقوم بحلق ذقني أو لحيتي في هذه الأيام العشر؟ وهل يؤثر ذلك في ثواب الأضحية؟ وإذا كنت أعمل بالشرطة أو ما شابهها فهل يكون عذرًا لي في حلق ذقني أم أنه مخالفة للقرآن والسنة؟ أرجو الإفادة رحمكم الله.
ما حكم إعطاء الجزار من الأضحية؟ فقد اشتركنا جماعة في ذبح عجل كأضحية، واتفقنا مع الجزار على أجرة معينة، فذَبَحَ الأضحية وأخذ حق الذبح، وأخذ أيضًا الرأس والرجلين، ثم اكتشفنا أنه لا يحق له أخذ شيءٍ من الأضحية، فرجعنا له نطالبه بما أخذ فقال بأنه قد باعها لينتفع بثمنها، فما حكم ما أخذه الجزار من الأضحية بهذه الطريقة، وهل يؤثر ذلك على قبول الأضحية؟ وهل لنا أن نسترد هذه الأموال من الجزار؟ أفيدونا أفادكم الله.
نود إحاطتكم علمًا بأننا -نحن المسلمين- في بولندا نجد صعوبات في مسألة الذبائح وشرعيتها سواء أكانت الدواجن أم الأبقار والعجول؛ ولذلك وجدنا شركة بولندية تود التعاون معنا في هذا الأمر.
وسؤالنا: هل يكفي أن نذكر اسم الله مع بداية السلخ مع صباح كل يوم بنية جميع الذبائح؟ كما نود إفادتكم بأن الدواجن بعد الصعقة الكهربائية تستيقظ ولا تموت، وقد رأينا هذا بأم أعيننا، وذلك بعد مرورها بالحوض المائي المكهرب. وحتى يطمئن جميع المسلمين على هذا الأمر نود كتابة كلمة "حلال" على التعبئة من الخارج، وذلك بعد حصولنا منكم على الفتوى الرسمية.
ما حكم اشتراك الولد مع والده في الأضحية بشاة واحدة؟ فهناك رجلٌ يريد أن يشترك مع والده في الأضحية بشاةٍ واحدةٍ، على أن يدفع كلُّ واحدٍ منهما نصفَ الثمن ويكون له نصفُها، فهل تجزئ عنهما تلك الأضحية على هذا النحو؟
ما حكم العقيقة عن المولود الذكر بشاة واحدة؟ وهل يُشترط في العقيقة عنه أن تكون بشاتين؟
ما حكم ذبح الأضحية في غير بلد المضحي؟ فرجلٌ اعتاد أن يضحي بشاة، لكنه عجز هذا العام عن شرائها بسبب غلوِّ الأسعار، وقد أشار عليه أحد الأشخاص أن يوكل من يذبح له في بعض الدول الإفريقية التي ترخص فيها أسعار الماشية؛ لكون المبلغ الذي معه يكفيه للأضحية في إحدى هذه الدول، فهل يلزمه ذلك، وهل يختلف الحكم لو نذرها؟ وهل يوجد فرق بين الأضحية والعقيقة في ذلك، أرجو الإفادة وجزاكم الله خيرًا.