هل يجوز لمن علّقَ طلاق زوجته علي أمرٍ ما أن يرجعَ فيه؛ كأن يقول لها: إن ذهبتِ إلى كذا فأنت طالق، ثم يسمح لها بالذهاب بعد ذلك؟
نعم، يجوز للزوج الرجوع في ذلك؛ فالمعمول به في الديار المصرية إفتاءً وقضاءً أن مثل هذه الصيغة من التعليق بالطلاق هي "حلف أو يمين بالطلاق" لا يقع به طلاقٌ أصلًا؛ سواءٌ ذهبت الزوجة أو لم تذهب.
المحتويات
المعمول به في الديار المصرية إفتاءً وقضاءً: أن الطلاق المعلَّق لا يقع به طلاق إذا كان بغرض الحمل على فعل شيء أو تركه؛ سواءٌ وقع المعلَّق عليه أم لا؛ وذلك أخذًا بمذهب جماعة من فقهاء السلف والخلف في ذلك.
فقد جاء في المادة الثانية من قانون الأحوال الشخصية رقم (25) لسنة 1929م ما نصه: [لا يقع الطلاق غير المُنَجَّز إذا قُصِدَ به الحملُ على فعل شيء أو تركه لا غير]، وجاء في المذكرة الإيضاحية لهذا القانون: "التعليق إن كان غرض المتكلم به التخويف أو الحمل على فعل شيء أو تركه، وهو يكره حصول الطلاق ولا وطر له فيه، كان في معنى اليمين بالطلاق، وإن كان يقصد به حصول الطلاق عند حصول الشرط؛ لأنه لا يريد المقام مع زوجته عند حصوله، لم يكن في معنى اليمين. واليمين في الطلاق وما في معناه لاغٍ.. وأخذ في إلغاء الطلاق المعلق الذي في معنى اليمين برأي الإمام علي، وشريح، وعطاء، والحكم بن عتيبة، وداود وأصحابه، وابن حزم".
فغرض هذه المادة: هو التفريق بين تعليق الطلاق الذي هو في معنى اليمين، والتعليق الذي ليس في معناه، وأن الأول غير واقع والثاني واقع. والفرق بينهما: معنى الحلف في الأول (حيث يُسَمَّى عند الفقهاء أيضًا "الحلف بالطلاق" و"اليمين بالطلاق")، ومحض التعليق في الثاني، وقد عمد القانون إلى النوع الأول فألغاه، وأوقع النوع الثاني.
على أنَّ جمهور الفقهاء الذين أوقعوا التعليق بنوعيه: الحلف بالطلاق، ومحض التعليق من غير حلف، يقيدون وقوع الطلاق المعلق بالحالة التي صدر من أجلها، والسبب الحامل عليه؛ فلم يوقعوا الطلاق إذا انتهت الحالة التي حصل بسببها تعليق الطلاق؛ اعتبارًا بدلالة الحال على المقال، وأن للقرينة والباعث والسياق أثرًا في فهم المراد من التعليق، واعتبار الْبِرِّ وَالْحِنْثِ، فيما يُعْرَف "بيمين الفور" عند الحنفية، أو "بساط اليمين" عند المالكية، أو "السَّبَب الْمُهَيِّج لليمين" عند الحنابلة.
فعند الحنفية:
يمين الفور: هي كل يمينٍ خرجت جوابًا لكلامٍ، أو بناءً على أمرٍ، أو نحو ذلك، وقد تقيَّدت بالحال الذي وقعت فيه، وهو ما يُعرفُ بدلالة الغرض من هذه اليمن وما حُمِل عليه:
قال العلامة السمرقندي في "تحفة الفقهاء" (2 /294، ط. دار الكتب العلمية): [يمين الفور وهي: كل يمين خرجت جوابًا لكلامٍ، أو بناءً على أمرٍ، فتتقيد بذلك بدلالة الحال؛ كمن قال لآخر: تعال تغدَّ معي، فقال: والله لا أتغدى، ولم يتغدَّ معه وذهب إلى بيته وتغدَّى: لا يحنث في يمينه؛ استحسانًا، خلافًا لزفر. وكذلك إذا أرادت امرأة إنسان أن تخرج من الدار فقال لها: إن خرجت فأنت طالق فتركت الخروج ساعة ثم خرجت لا يحنث، ويتقيد بتلك الحال، ولهذا نظائر] اهـ.
وقال العلامة الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (3/ 47، ط. دار الكتب العلمية): [وإن أرادت المرأة أن تخرج وقد أخذت في ذلك، أو العبد، أو أراد الرجل أن يضرب عبده وقد نهض لذلك فقال: أنتِ طالق إن خرجت، أو قال المولى: أنت حرٌ إن خرجت، أو قال رجلٌ للضارب: عبدي حرٌّ إن ضربته، فكفوا عن ذلك: فقد سقطت اليمين؛ حتى لو خرج المحلوف عليه بعد ذلك، أو ضرب الرجل عبده لا يحنث الحالف؛ لأن غرضه من هذه اليمين المنعُ من الخروج في الحال، أو الضرب، فتقيدت بالحال بدلالة الغرض، فتزول اليمين بزوال الحالف، فلا يتصور الحنث بالخروج بعد ذلك، وهذه من مسائل يمين الفور] اهـ.
وقال العلامة ابن نُجيم في "البحر الرائق" (4 /342، ط. دار الكتاب الإسلامي): [يمين الفَوْر: مأخوذ من فور القِدْرِ إذا غَلَتْ، واستعير للسرعة، ثم سُميت بها الحال التي لا رَيْثَ فيها، فقيل: جاء فلان من فَوره أي: من ساعته، وسُمَّيت اليمينُ به باعتبار فوران الغضب، انفرد أبو حنيفة بإظهارها] اهـ.
وعند المالكية:
إذا لم يكن للحالف نية صريحة، أو كانت ولكنها غير منضبطة، رُوعي بساطُ يمينه، وهو السبب الحامل على اليمين، والذي من أجله سِيقَ الكلام، وهو بذلك يُعَدُّ قرينةً على النية.
قال العلامة ابن رشد في "المقدمات الممهدات" (1/ 408، ط. دار الغرب الإسلامي): [اختلفوا إذا لم تكن له نية وكان ليمينه بساط أو عرف من مقاصد الناس في أيمانهم خلاف ظاهر لفظه: هل تحمل يمينه على البساط؟ أو ما عرف من مقاصد الناس في أيمانهم؟ أو على ظاهر لفظه؟ على ثلاثة أقوال معلومة في المذهب: أحدها: وهو الأشهر منها، مراعاة البساط ومقصد الناس بأيمانهم، فاليمين على هذا القول تحمل على نية الحالف، فإن لم تكن له نية فبساط يمينه] اهـ.
وجاء في "الشرح الصغير" (2/ 226-227، ط. دار المعارف) للإمام الدردير المالكي: [(ثم) إذا عدمت النية الصريحة: اعتبر (بساط يمينه) في التخصيص والتقييد، (و) البساط: (هو) السبب (الحامل عليها): أي على اليمين إذ هو مظنتها، فليس فيه انتفاء النية بل هو متضمن لها. وضابطه: صحة تقييد يمينه بقوله، ما دام هذا الشيء أي الحامل على اليمين موجودًا] اهـ، قال العلامة الصاوي في "حاشيته عليه": [ومنه: لو حلف بطلاق زوجته أنه لا يأكل بيضًا ثم وجد في حجر زوجته شيئا مستورًا فقالت: لا أريكه حتى تحلف بالطلاق لتأكلن منه، فحلف فإنه لا شيء عليه إذا كان الذي في حجرها بيضًا، ولا يلزمه الأكل منه (اهـ. من حاشية الأصل) والعالم بالقواعد يقيس] اهـ.
وقال مفتي المالكية العلامة حسين المغربي في "قرة العين" (ص: 86، ط. المكتبة التجارية): [إن عدمت نية الحالف الصريحة اعتبر بساط اليمين، أي: السبب الحامل عليها غالبًا، وإلا فهو المعبر عنه في علم المعاني بالمقام وقرينة السياق، وإنما قال غالبًا؛ لأن البساط قد لا يكون سببًا كما يأتي في قوله: ومن ذلك ما لو حلف بطلاق زوجته لا يأكل بيضًا إلخ] اهـ.
وعند الحنابلة:
إن لم ينو الحالفُ ما يوافق ظاهر اللفظ أو يُخَصِّصهُ، أو يكون اللفظ مجازًا في حلفه، رجع إلى السبب المُهَيِّجِ لليمين؛ لأنه يدلُّ على النِّية:
قال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (9/ 566، ط. مكتبة القاهرة): [(فإن لم ينو شيئًا: رجع إلى سبب اليمين وما هيَّجَهَا) وجملتهُ: أنه إذا عدمت النية نظرنا في سبب اليمين، وما أثارها؛ لدلالته على النية، فإذا حلف لا يأوي مع امرأته في هذه الدار: نظرنا؛ فإن كان سبب يمينه غيظًا من جهة الدار لضرر لحقه منها، أو منَّة عليه بها: اختصت بيمينه بها، وإن كان لغيظٍ لحقه من المرأة يقتضي جفاءها، ولا أثر للدار فيه: تعلق ذلك بإيوائه معها في كل دار] اهـ.
وقال العلامة اللبدي الحنبلي في "حاشيته على نيل المآرب" (2/ 436، ط. دار البشائر): [لو حلف لا يدخل دار زيدٍ، أو لا كلَّمت عبده، فدخل الدار وقد باعها زيد، وكلّم العبد وقد باعه زيد: حَنَثَ؛ حيث لا نيّة ولا سبب لتخصيص ذلك بحال ملك زيد؛ لأن اليمين تعلّقت بما يسمى دار زيد أو عبده حال صدورها، فهو كالتعيين بالإشارة. قوله: "ولا نية ولا سبب": أي وأما إن نوى: ما دام على تلك الحالة، أو كان السبب المهيج لليمين يقتضي التخصيص بذلك: فلا حنث] اهـ.
وعلى ذلك: فقول الرجل لزوجته إن ذهبتِ إلى كذا فأنت طالق: هو عند جمهور الفقهاء مُقَيَّدٌ بالحال والسياق والسبب الذي صدر من أجله الطلاق، فإذا صح له التحلل من تعليقه، وجاز لزوجته فعل ذلك الشيء من غير أن يقع له عليها طلاق؛ أخذًا ببساط يمينه وفوريتها. فهو غير واقعٍ من ناحية، ولا يحنث به صاحبه من ناحيةٍ أخرى.
بناءً على ذلك: فالمعمول به إفتاءً وقضاءً أن مثل هذه الصيغة من التعليق بالطلاق هي "حلف أو يمين بالطلاق" لا يقع به طلاق أصلًا؛ ذهبت الزوجة أم لم تذهب، ولا مدخل فيه للسؤال عن النية؛ لوضوح الصيغة في الدلالة على الغرض، فهو وإن كان تعليقًا في الصورة إلَّا أنَّه في معنى الحلف؛ لأن حقيقة الحلف: القسم، وإنما سُمِّيَ به تَجَوُّزًا؛ لمشاركته له في المعنى المشهور وهو: الحث أو المنع أو التأكيد أو التصديق، ولذلك يجوز للمُتَلَفِّظِ به الرجوع فيه.
وحتى على قول جمهور الفقهاء الموقعين للتعليق بنوعيه فإنَّ تعليق الزوج طلاق زوجته على ذهابها مُقَيَّدٌ بالحال والسياق الذي صدر من أجله، فإذا زالت تلك الحال: صح له التحلل من تعليقه، وجاز لزوجته الذهاب من غير أن يقع عليها طلاق، وأن يحنثَ في يمينه؛ أخذًا ببساط يمينه وفوريَّتها والسبب الباعث عليها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
طلب الإفادة فيمن يطلق زوجته بلفظ: أنت طالق، في حالة عدم الطهر من الجماع للزوج والزوجة. مع بيان الحكم الشرعي في ذلك.
هل يحق للمطلقة قبل الدخول بها حق في الشبكة؟ وهل لها أن تطالب بالتعويض عن الأضرار؟ حيث إن رجل طلق زوجته قبل الدخول والخلوة بمقتضى إشهاد طلاق على يد مأذون، وكان قبل العقد عليها قد قدم لها شبكة عبارة عن حلية ذهبية. وطلب السائل الإفادة عما إذا كان من حقه رد هذه الشبكة أو لا، وهل للمطلقة المذكورة حق طلب التعويض عن الأضرار الأدبية والمادية التي لحقتها أو لا؟
كم عدد الطلقات التي يملكها الرجل على زوجته؟ فالله سبحانه وتعالى قال في كتابه الكريم: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ [البقرة: 229]؛ فهل تدل هذه الآية على أن الرجل ليس له أن يطلق زوجته إلا مرتين فقط؛ فإن طلقها مرتين فلا يحق له إرجاعها؟
ما حكم فسخ عقد النكاح لمرض أحد الزوجين بمرض مزمن؟ فقد قمت بعقد قراني على فتاة، وتعهدت أنها خالية من الأمراض المزمنة والمعدية، وقد اكتشف أخيرًا أنها تعاني من مرض مزمن -أورام سرطانية بالصدر-، وأنها قد عولجت بالإشعاع بعد استئصال الورم من الثدي الأيسر، وأخيرًا توجهت بالطرق الودية للتوصل إلى أن يتم الطلاق على الإبراء إلا أنها رفضت.
فهل هذا المرض المنوه عنه من موجبات فسخ العقد بين الزوجين؟ ويطلب السائل بيان الحكم الشرعي.
ما حكم طلاق المرأة من زوجها الغائب؛ حيث سئل بإفادة من محافظة الإسكندرية؛ مضمونها: أنه بعد الاطلاع على الخمسة والعشرين ورقة المرسلة طيه، الواردة لها بإفادة من مخابرات الجيش المصري، نمرة 8 مخابرات سودان، بخصوص زواج امرأةٍ بآخرَ خلاف زوجها حالة كونها لم تزل على عصمته. يفاد بما يقتضيه الحكم الشرعي في هذا المسألة.
ومن ضمن الأوراق المذكورة: إعلامٌ صادرٌ من نائب خط الخندق السماني؛ مضمونه: أنه حضرت لديه المرأة المذكورة، من ناحية "ملواد" من ملحقات الخط المقال عنه، وأورت له أنها زوجة للمذكور، ومنكوحته بنكاح صحيح شرعي، وحال وقوع العقد في الجهة البحرية ونقلتها للناحية المذكورة من هناك، ورغبتها لقدومه معها، فما كان منه ذلك، ولا بانتظارها له العام (يحلفه)، ولتراكم الضرر القائم بها في جزئيات أحوالها وكلياتها، وخشية من طروء الفساد عليها بعدم المعاشرة، تلتمس فسخ نكاحها منه على إحدى تلك الوجوه. وعملًا بقولها، ونظرًا لرعاية جانب الغائب، طلب منها النائب المذكور البينة المطابقة لدعواها من الزوجية وخلافها، فأحضرت شاهدين شهدا طبق قولها، وقد استحلفها النائبُ المذكورُ اليمينَ كما هو المقتضى شرعًا، ولقبول شهادتهما ثبت عند هذا النائب صحة دعواها، وتأكد ضررها، وعملًا بالنصوص الواردة في هذا الشأن قد فسخ نكاحها من زوجها، وأباح زواجها بمن ترغبه بعد وفاء العدة لبراءة رحمها بقُرء واحد، وصارت بائنة منه بفسخ نكاحها.
ولمعلومية ذلك قد تحرر لها هذا الإعلام بيدها، ومن ضمن الأوراق المذكورة أيضًا: عريضة من الزوج المذكور للحربية، وعريضة أخرى لمحافظة الإسكندرية؛ بزواج امرأته المذكورة بغيره حالة أنها على عصمته، ورغبته الاستفتاء عن هذه المادة من إفتاء الديار المصرية، واتضح من باقي الأوراق أنه صارت التحريات اللازمة بواسطة الحربية، فاتضح أنها كانت زوجة له وتزوجت بغيره بناءً على الإعلام المذكور.
ما حكم اشتراط الزوجة العصمة بيدها؛ حيث سئل بإفادة من قاضي محكمة شرعية؛ مضمونها: أن امرأة تزوجت برجل على أن عصمتها بيدها تطلق نفسها متى شاءت، وقَبِل الزوج بقوله: "قبلت نكاحها على أن أمرها بيدها تطلق نفسها متى شاءت"، ثم تنازعت مع زوجها نزاعًا استوجب أن قالت لزوجها: "طلقتك".
فهل قولها لزوجها هذا: "طلقتك" لا يعد طلاقًا؛ لأنها لم تقل طلقت نفسي منك؟ وإذا كان طلاقًا، فهل له أن يراجعها؟ وإذا راجعها، فهل لا يعود لها حكم الأمر باليد كما هو المعروف في كتب الفقه من أن ألفاظ الشرط كلها ينحل بها اليمين إذا وجد الشرط مرة، ما عدا (كُلَّمَا) المقتضية للتكرار؟ وهل من حيلة توجب إبطال الأمر من يدها إذا لم يكن هذا الطلاق واقعًا؟ ورغب الإفادة بما يقتضيه الوجه الشرعية، وأرسل الوثيقة.