ما حكم الشرع في الجلوس في الأماكن التي يتم فيها تعاطي المخدرات؟
يَحْرُمُ شرعًا الجلوسُ في الأماكن التي يتمّ فيه تعاطي المخدرات، وينبغي على عامة الناس تقديم النصيحة خالصة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم- كما أرشد إلى ذلك الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم؛ من أجل المساهمة في مواجهة تجارة هذه المواد المخدرة والقضاء على أوكارها.
المحتويات
كرّم الله الإنسانَ ونأى به عن مواطن الرَّيب والمَهانة، وامتدح عباده الذين تجنبوا مجالس اللهو واللغو؛ فقال سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ [المؤمنون: 2]. وقال جل شأنه: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ [الفرقان: 72]. وقال تعالى: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ﴾ [القصص: 55].
وروى أبو داود في "سننه" عن ابن عمر رضي الله عنهما قوله: "نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْجُلُوسِ عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ".
والمستفاد من هذه النصوص أنه يحرم مجالسة مقترفي المعاصي أيًّا كان نوعها؛ لأن في مجالستهم إهدارًا لحرمات الله، ولأن من يجلس مع العُصَاة الذين يرتكبون المنكرات يتخلَّق بأخلاقهم السيئة، ويعتادُ ما يفعلون من مآثم؛ كشرب المُسْكِرات والمخدرات، كما يجري على لسانه ما يتناقلونه من ساقط القول، ومن أجل البُعْدِ بالمسلم عن الدنايا وعن اعتياد ارتكاب الخطايا كان إرشاد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للمسلمين في اختيار المجالس والجليس في قوله: «إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً». رواه البخاري ومسلم.
فالجليس الصالح يهديك ويرشدك ويدلُّك على الخير وتَرَى منه المحامدَ والمحاسنَ، وكلّه منافع وثمرات، أما الجليس الشرير فقد شبهه الرسول صلوات الله وسلامه عليه بنافخ الكِيرِ يضرُّ ويؤذي ويُعْدِي بالأخلاق الرديئة ويَجْلِب السيرة المذمومة، وهو باعثُ الفساد والإخلال ومُحَرِّك كل فتنة ومُوقِد نار العداوة والخصام.
وفي هذا الحديث الشريف دعوة إلى مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم، وفيه النهي عن مجالسة أهل الشر والبدع والفُجَّار الذين يجاهِرُون بارتكاب المنكرات وشُرْب المُسْكِرات والمُخَدِّرات؛ لأن القرينَ يُنْسَبُ إلى قرينه وجليسه، ويرتفع به وينحدر، وتهبط كرامته بدناوة من يجالسهم، ولقد تحدث القرآن الكريم عن قرناء السوء وحذر منهم ومن مجالستهم وأخبر أنهم سوء وندامة في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا﴾ [النساء: 38].
إذا كان الجليس يقتدي ويهتدي بجليسه وبمجلسه فإن في جلوس الإنسان التقيّ البعيد عن المآثم والشبهات في مجالس الإفكِ والشربِ وتعاطِي المخدرات- ضررًا يؤذيه ويُرْدِيهِ في الدنيا بالمهانةِ وانتزاعِ المهابة عند عارفيه من أقارب وأصدقاء؛ لأن المخدرات -كما نقل العلامة ابن حجر المكي في "فتاواه الكبرى" (4/ 234، ط. المكتبة الإسلامية)-: [فيها مضارُّ دينية ودنيوية؛ فهي تُورِث الفكرة، وتُعَرِّض البدن لحدوثِ الأمراض، وتُورِث النسيان، وتصدّع الرأس، وتُورِثُ موت الفجاءة واختلالَ العقل وفساده، والسُّلَّ والاستسقاء وفساد الفكر، وإفشاء السر، وذهاب الحياء، وكثرة المراء، وانعدام المروءة، وكشف العورة، وعدم الغيرة، وإتلاف الكسب، ومُجَالسة إبليس، وتركَ الصلاة، والوقوعَ في المُحَرَّمات، واحتراقَ الدم، وصُفْرة الأسنان، وثُقب الكَبِد، وغشاء العين، والكسل، والفشل، وتُعِيدُ العزيز ذليلًا والصحيح عليلًا، إن أكلَ لا يشبع، وإن أُعْطِي لا يقنع] اهـ. بتصرف يسير.
ومن هنا كان على الإنسان أن ينأى عن مجالس الشرب المُحَرّم؛ خمرًا سائلًا أو مخدرات مطعومة أو مشروبة أو مشمومة، فإنها مجالسُ الفسق والفساد وإضاعة الصحة والمال، وعاقبتها الندم في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ [الزخرف: 36].
إن مصاحبة هؤلاء المارقين على الدين الذين يتعاطون هذه المهلكات إثم كبير؛ لأن الله قد غضب عليهم وعلى مجالسهم؛ قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ [الممتحنة: 13]، وفي مصاحبة هؤلاء ومجالستهم معاداة المولى سبحانه وتحدٍّ لأوامره؛ فقد نهى عن مَودَّة العُصَاة: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المجادلة: 22].
وهؤلاء قد استغرقوا في مجالسهم المُحَرّمة المليئة بالآثام، فالجلوس معهم مشاركة فيما يرتكبون ومودة معهم، مع أنهم غير جديرين بهذه المودة لعصيانهم أوامر الله ورسوله، واستباحتهم ما حرم الله ورسوله؛ أولئك حزب الشيطان، مَنْ جلس معهم فقد رَضِي بمُنْكرِهِم وأقرّ فعلهم، والمؤمن الحق مأمورٌ بإزالةِ الباطل متى استطاع، وبالوسيلة المشروعة، فإنْ لم يستطع فعليه الابتعاد عن مجالس المنكرات؛ ففي الحديث الشريف في "صحيح مسلم" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ».
ففي هذا الحديث النبوي دعوة إلى مكافحة المنكرات، ومنها هذه السموم المخدرات بعد أن بان ضَرَرُهَا وشاع سوءُ آثارها، وكانت عاقبة أمرها خُسْرًا للإنسان وللمال، بل وفي المآل، فمَنْ كان له سلطة إزالة هذه المخدرات والقضاء على أوكارها وتُجَّارها كان لزامًا عليه بتكليف من الله ورسوله أن يَجِدَّ ويجتهدَ في مطاردة هذه الآفة، ومن لم يكن من أصحاب السلطة فإن عليه واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيُبَيِّنُ للناس آثارها المُدَمّرة لنفس الإنسان وماله.
من الأمر بالمعروف إبلاغُ السلطات بأوكار تُجَّارِها ومُتَعَاطِيها، فالتَّستُّر على الجريمة إثم وجريمة في حق الأمّة وإشاعة للفحشاء فيها، وجميع الأفراد مطالبون بالأمر بالمعروف، وبالإرشاد عن مرتكبي هذه المنكرات ومُرَوِّجي المخدرات، إذ هذه هي النصيحة التي أمر بها الرسول صلوات الله وسلامه عليه في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن تميم الداري رضي الله عنه: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لله وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ».
وفي الحديث الذي رواه النسائي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغيِّرُوهُ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابِهِ».
والنصيحةُ لأئمة المسلمين؛ أي: للحُكَّام بالإرشاد ومعاونتهم على منع المنكرات والآثام؛ لأنهم القادرون على تغييرها بالقوة، فلا تأخذنا رحمة في دين الله إذ التَّسَتُّر على هذه الآثام إعانة لمُرَوِّجِيها على الاستمرار في هذه المهمة الخبيثة.
وعليه: فإنَّ المجالس التي تُعَدُّ لتعاطي هذه المخدرات مجالسُ فسق وإثم، الجلوسُ فيها مُحَرَّم على كل ذي مروءة يحافظ على سمعته وكرامته بين الناس وعند الله، وأنَّ على الكافة إرشاد الشرطة المختصة لمكافحة تجارة هذه السموم القاتلة والقضاء على أوكارها، وأن هذا الإرشاد هو ما سماه الرسول الأكرم بالنصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم اتباع الإنصاف لغير المسلم المتقن في عمله؟ حيث بعض الناس يرفض ذلك ويقول بأن هذا مخالف لمبدأ الولاء والبراء؛ فما مدى صحة ذلك؟
ما حكم شراء السلع التي يعتقد المشتري أنها مسروقة؟ فقد ذهبَ رجلٌ لشراء بعض الأغراض من إحدى الأسواق الشعبية، وقد سَمِعَ من أحد الأشخاص أنَّ بعضَ السلع المعروضة في هذه الأسواق قد تكون مسروقة، فهل يجوز له الشراء من تلك السُّوق والحال هذه؟
ما حكم طاعة الوالدين في الأمر بطلاق الزوجة؟ فأنا متزوج بامرأة صالحة، وأحبها وتحبني ونحن سعداء، ولكن يرغب والديَّ بأن أطلقها، فهل يجب عَليَّ طلاقها؟ وهل رفضي لطلاقها فيه عقوق للوالدين أو عدم برٍّ لهما؟
هناك من الناس من يعترض على قول صاحب البردة: "ومِن عُلومِكَ عِلْمَ اللوحِ والقَلَمِ" ويتهمُ قائل ذلك باتهامات بالغة، ويدَّعي أن في هذا منازعة لله تعالى في علمه. فما صحة هذا الاعتراض؟ وما الرد على ذلك؟
بعض الناس عندما يمرض ويطول زمن مرضه يضجر من ذلك وييأس من رحمة الله تعالى؛ فنرجو منكم بيان كيف حث الشرع الشريف على الصبر على البلاء وإن طال وقته.
حكم الإيثار في البدء بالسلام؛ فقد قرأت أنه ينبغي على المسلم الصغير أن يسلم على المسلم الكبير، والراكب على الماشي، والداخل على الحاضر (المار على القاعد)، فما هو الحال إذا كان الراكب أو الداخل هو الأكبر؟ مَن المقدَّم ومَن الذي ينبغي عليه أن يُسلِّم أولًا؟ وقرأتُ أيضًا أن عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه لم يسلم ذات مرة على صحابي أكبر منه، ولما سأله هذا الصحابي مغضبًا: لماذا لم يسلم عليه عليّ رضي الله عنه، فأجاب عليّ رضي الله عنه: بأنه أراد أن يتيح الفرصة للكبير أن يبدأ بالسلام؛ لأن من يبدأ بالسلام أجره أعظم عند الله، فهل قصة عليّ رضي الله عنه هذه صحيحة؟ وإن كان ذلك كذلك فكيف يتم التوفيق بين تصرف عليّ رضي الله عنه وبين الأمر المذكور سلفًا بأنه يجب على الصغير أن يسلم على الكبير؟