إمامة الصبي لغيره في صلاة النافلة

تاريخ الفتوى: 14 أبريل 2022 م
رقم الفتوى: 6390
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: الصلاة
إمامة الصبي لغيره في صلاة النافلة

ما حكم إمامة الصبي لأمِّه أو أفراد أسرته في صلاة النافلة عمومًا، وصلاة التراويح خصوصًا؟ وذلك بهدف تحصيل ثواب الجماعة.

إمامة الصبيِّ الـمُمَيِّز لأمِّه أو أفراد أسرته في صلاةِ النافلة مطلقًا -ومنها التراويح-: جائزة شرعًا، وصلاة المقتدي به صحيحةٌ؛ بشرط أنْ يكون عالِمًا بالصلاة وأحكامها، ملتزمًا بأركانها وشروط صحتها.

وهذا يُعدُّ من العمل الصالح بين أفراد الأسرة الواحدة، وفيه المحافظة على تعليم الصغار شعائر الإسلام وإقامتها؛ فصلاة الجماعة لها شأنٌ عظيمٌ ومنزلةٌ رفيعة؛ فهي تزيد في الأجر والفضل عن صلاة المنفرد بسبعٍ وعشرين درجة.

المحتويات

 

فضل الإمامة في الصلاة

إمامة الصلاة في الإسلام لها شأنٌ عظيمٌ ومنزلةٌ رفيعة؛ إذ بها تُقام جماعة المسلمين فتفضل صلاتهم وترتفع درجاتها عن صلاتهم منفردين؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «صَلَاةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» متفق عليه.

الشروط الواجب توافرها في الإمام

لِعِظَمِ شأن الإمامة اشترط الشرع لها تقديم أفضل مَن يحضُرُ الصلاة مِن المسلمين قراءةً لكتاب الله، وعلمًا بالسنة، وكبرًا في السنِّ، ونحو ذلك؛ فكان النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم إمامَ المسلمين في صلاتهم إذا حضرها، وتبعه على ذلك أفاضل الأمة عِلْمًا وعَمَلًا من الصحابة والتابعين ومَن تَبِعَهُم من أهل القرون المفضَّلة الـمُثْلَى، وهذا ما عليه عمل المسلمين سلفًا وخلفًا في تقديم مَن يؤُمُّهُم في صلاتهم، وإلى يوم الناس هذا.

فعن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً، فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا. وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".

قال الإمام ابن بطال في "شرحه على صحيح البخاري" (2/ 299- 300، ط. مكتبة الرشد): [وقال الطبري: لمَّا استخلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم الصديقَ رضي الله عنه على الصلاة، بعد إعلامه لأمته أن أحقهم بالإمامة أقرؤهم لكتاب الله- صح أنه يَوْمَ قَدَّمَهُ للصلاة كان أقرأَ أُمَّتِهِ لكتاب الله وأعلمَهم وأفضلَهم] اهـ.

الحكمة من تقديم الشرع الأفضل والأعلم للإمامة

إنما قَدَّم الشرع لإمامة المصلين أفضلهم وأعلمهم: رعايةً لأحكام الصلاة وشروطها؛ إذ الإمام ضامنٌ لصلاتهم، فإن أصاب فَلَهُ وَلَهُم، وإن أخطأ فعليه ولا عليهم؛ ولذلك استحقَّ الأئمةُ دعاءَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم بالرشد؛ لِعِظَمِ ما أقامهم اللهُ فيه من أمر الصلاة.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الْإِمَامُ ضَامِنٌ، وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ، اللهُمَّ أَرْشِدِ الْأَئِمَّةَ، وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ» أخرجه أحمد في "المسند"، وأبو داود والترمذي في "السنن"، وابن خزيمة في "صحيحه"، والطبراني في "الأوسط".

وعن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَنْ أَمَّ النَّاسَ فَأَصَابَ الْوَقْتَ وَأَتَمَّ الصَّلَاةَ؛ فَلَهُ وَلَهُمْ، وَمَنِ انْتَقَصَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا؛ فَعَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهِمْ» أخرجه أحمد في "المسند"، وأبو داود وابن ماجه والبيهقي في "السنن"، وابن حبان في "الصحيح"، والحاكم في "المستدرك" وصححه.

حكم إمامة الصبي لغيره في صلاة النافلة وأقوال الفقهاء في ذلك

ذهب جمهور الفقهاء مِن المالكية والشافعية وبعض فقهاء الحنفية وأصح الروايتين عند الحنابلة إلى: صحة إمامة الصبيِّ المميِّز للبالغ في صلاة النافلة -ومنها: صلاة التراويح-، وهو المروي عن أم المؤمنين عائشة، وعمرو بن سلمة رضي الله عنهما، وجماعة من التابعين؛ كالأشعث بن قيس، وإبراهيم النخعي، والحسن البصري، وعطاء، والزهري، والأوزاعي، والثوري، وإسحاق، وأبي ثور، رحمهم الله جميعًا، وقد قيَّد المالكية صحتها حال وقوعها لا ابتدائها، على المشهور عندهم.

فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كُنَّا نَأْخُذُ الصِّبْيَانَ مِنَ الْكُتَّابِ لِيَقُومُوا بِنَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَنَعْمَلَ لَهُمُ الْقَلِيَّةَ، وَالْخِشْكِنَانْجَ" أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" و"فضائل الأوقات".

والقَلِيَّة: هي ما يُقلَى من الطعام.

والخِشْكِنَانْج: خُبزٌ يُعمَل مِن دقيق القمح ويُعجَن بزيت السمسم.

وعن عمرو بن سلمة رضي الله عنهما أنه قال: قَالَ أَبِي: جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حَقًّا، فَقَالَ: «إِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا»، قَالَ: فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ مِنِّي قُرْآنًا، فَقَدَّمُونِي وَأَنَا ابْنُ سِتّ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ. أخرجه البخاري في "صحيحه".

والحديث حُجَّةٌ في إمامة الصبي المميز في الفريضة؛ كما نص على ذلك الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (8/ 23، ط. دار المعرفة)؛ فدلَّ ذلك على أنَّ مَن جازَت إمامته من الصبيان في الفريضة فإنها تجوز في النفل مِن باب أَوْلَى.

وعن عمرو بن سلمة رضي الله عنهما أيضًا أنه قال: "مَا شَهِدْتُ مَجْمَعًا مِنْ جَرْمٍ إِلَّا كُنْتُ إِمَامَهُمْ، وَكُنْتُ أُصَلِّي عَلَى جَنَائِزِهِمْ إِلَى يَوْمِي هَذَا" أخرجه أحمد والطيالسي في "المسند"، وأبو داود والبيهقي في "السنن"، فأفاد تقديمه في أيِّ صلاةٍ حضرها فيهم، ولم يفرق في ذلك بين فرض ونفل.

وعَنِ الْحَسَنِ البصري، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النخعي أنه قَالَ: "لَا بَأْسَ أنْ يَؤُمَّ الْغُلَامُ قَبْلَ أَنْ يَحْتَلِمَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ".

وعَنْ هِشَامٍ بن عروة، عَنْ أَبِيهِ، أنه قَالَ: لَمَّا قَدَّمَ الْأَشْعَثُ بن قيس، قَدَّمَ غُلَامًا، فَعَابُوا ذَلِكَ عَلَيْهِ! فَقَالَ: "مَا قدَّمْتُهُ، وَلَكِنِّي قَدَّمْتُ الْقُرْآنَ". أخرجهما ابن أبي شيبة في "المصنف".

قال العلامة المرغيناني الحنفي في "الهداية" (1/ 57، ط. دار إحياء التراث): [وأما الصبي: فلأنه متنفل؛ فلا يجوز اقتداء المفترِض به. وفي التراويح والسنن المطلقة: جوَّزه مشايخ بَلْخ] اهـ.

وقال العلامة البابرتي الحنفي في "العناية شرح الهداية" (1/ 357، ط. دار الفكر): [وقوله: (والسنن المطلقة) يعني به السنن الرواتب المشروعة قبل الفرائض وبعدها وصلاة العيد على إحدى الروايتين والوتر عندهما، وصلاة الكسوف والخسوف والاستسقاء عندهما. وقوله: (جَوَّزه مشايخ بلخ) لأنهم قاسوا هذه المسألة بمسألة المظنون، بِعِلَّةِ أنَّ النفل في حق الصبي غير مضمون، فصار كنفل البالغ إذا كان غير مضمون، وهي في مسألة المظنون؛ لأنهما سواء في هذا الوصف (ولم يجوِّزه مشايخنا) يعني مشايخ ما وراء النهر: بُخَارَى وسَمَرْقَنْد (ومنهم) أي مِن المشايخ (مَن حقق الخلاف في النفل المطلق بين أبي يوسف ومحمد) فقال أبو يوسف: لا يجوز اقتداء البالغ بالصبي في النفل المطلق أيضًا، ومحمد: جَوَّزه] اهـ.

وقال العلامة الخرشي المالكي في "شرح مختصر خليل" (2/ 25، ط. دار الفكر): [مَن صلى خلفه -أي: الصبي- في النفل فصلاته صحيحة] اهـ.

وقال العلامة الدسوقي المالكي في "حاشيته على الشرح الكبير" (1/ 329، ط. دار الفكر): [قوله: (أو صبي... إلخ) فإن أَمَّ في النفل صحت الصلاة وإن لم تجز ابتداءً على المشهور، وقيل بجواز إمامته في النافلة، وكل هذا إذا كان المؤتمُّ به بالغًا] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع شرح المهذب" (4/ 249، ط. دار الفكر): [(فرع) في مذاهب العلماء في صحة إمامة الصبي للبالغين: قد ذكرنا أن مذهبنا صحتها، وحكاه ابن المنذر عن الحسن البصري وإسحاق بن راهويه وأبي ثور.. وقال الزهري: إن اضطروا إليه أَمَّهُم، قال ابن المنذر: وبالجواز أقول] اهـ.

وقال في "روضة الطالبين" (1/ 353، ط. المكتب الإسلامي): [يصح الاقتداء بالصبي المميز في الفرض والنفل] اهـ.

وقال الشيخ أبو الفرج ابن قدامة الحنبلي [ت: 682هـ] في "الشرح الكبير" (2/ 55، ط. دار الكتاب العربي): [فأما إمامته -أي: الصبي- في النفل؛ ففيها روايتان: (إحداهما:) لا تصح لذلك، (والثانية:) تصح؛ لأنه متنفِّلٌ يؤم متنفِّلين، ولأن النافلة يدخلها التخفيف، ولذلك تنعقد الجماعة به فيها إذا كان مأمومًا] اهـ.

هذا، بالإضافة إلى ما سبق ذِكره مِن عظيمِ مكانةِ الصلاةِ في جماعةٍ، وأنها تزيد في الفضل عن صلاة المنفرد بسبعٍ وعشرين درجة، علاوةً على أنَّ السؤال الوارد إنما هو في سياق التواصي بالعمل الصالح بين أفراد الأسرة الواحدة، والحفاظ على صلاة التراويح، وليس في بيان الأحق بالإمامة في الصلاة منهم.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن إمامة الصبيِّ المميِّز لأمِّه أو أفراد أسرته في صلاةِ النافلة -ومنها التراويح-: جائزة شرعًا، وصلاة المقتدي به صحيحةٌ؛ بشرط أنْ يكون عالِمًا بالصلاة وأحكامها، ملتزمًا بأركانها وشروط صحتها.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم الصلاة في الأماكن المخصصة للألعاب والاستحمام وغرف تغيير الملابس؟ فبعض أعضاء أحد الأندية الرياضية يقومون بأداء صلاة الجماعة في بعض الأماكن المخصصة للألعاب والاستحمام وغرف تغيير الملابس، مما دفع البعض للسؤال عن جواز صلاة الجماعة في هذه الأماكن، علمًا بأن مرتادي هذه الأماكن يقومون بارتداء الملابس الرياضية وملابس الاستحمام، ويقوم البعض الآخر بالثرثرة وتبادل الأحاديث غير الملائمة لجلال الصلاة، علمًا بأن للنادي مسجدًا كبيرًا للصلاة وزاويتين مجهزتين على مستوًى عالٍ، ولا تبعد أي منهما عن أي مكان في النادي سوى القليل من الأمتار.
برجاء الإفادة عن جواز صلاة الجماعة في هذه الأماكن درءًا للخلافات ونبذًا للفتنة داخل النادي.


ما حكم تعدد المساجد فى بلد واحد دون حاجة؟ ففي قريتنا ثلاثة مساجد أحدها المسجد الكبير القديم الذي هو أول مسجد بني في القرية وأقيمت فيه الجمعة، وهذا المسجد الجامع الكبير يسع جميع أهل البلدة وزيادة لصلاة يوم الجمعة، وفي يوم الجمعة يتفرق الناس في المساجد الثلاثة لصلاة الجمعة من غير حاجة أو عذر لهذا التفرق، ويكون الفراغ يوم الجمعة في المسجد الكبير يزيد عن نصف المساحة، والمساجد الأخرى يكون الفراغ في كل مسجد حوالي ربعه، فما حكم صلاة الجمعة في حالة تعدد المساجد لغير حاجة مع إمكان الاجتماع في مسجد واحد لصلاة الجمعة؟ فهل تصح الجمعة، أو لا تصح؟ وإذا كانت صلاة الجمعة لا تصح فهل نصلي الظهر بعد صلاة الجمعة أو لا؟


ما أقل ما يكفي لصحة خطبة الجمعة؟ لأنه في أحد مساجد القرى لم يجد الناس من يخطب ويصلي بهم الجمعة، فصعد المنبر شاب، فناداه البعض، بأن ينزل، وقال له: أنت حلاق وصلاتك غير صحيحة، ويسأل عن حكم ما حدث، وهل صلاة الحلاق بالناس لا تصح؟


ما هي الكيفية الصحيحة لإتمام الصفوف في صلاة الجماعة؟


هل يجوز جمع الصلاة أو قصرها للمقيم؟


ما الحكم إذا أحدث الخطيب أثناء خطبة الجمعة؟ فهناك رجلٌ يسأل: في صلاة الجمعة، إذا أحدث الخطيب أثناء الخطبة، هل يتمها ويستخلف غيره للصلاة، أو ينتظرونه حتى يتوضأ ويرجع سريعًا إن قَدَر على ذلك؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 19 مارس 2025 م
الفجر
4 :33
الشروق
6 :0
الظهر
12 : 3
العصر
3:30
المغرب
6 : 6
العشاء
7 :23