سائل يسأل عن حكم تعليم الكبار ومحو أميتهم، وبيان كيف حثَّ الشرع على ذلك؟
تعليم الكبار ومحو أميتهم أمر مندوب إليه شرعًا؛ للآيات والأخبار الدالة على أهمية العلم والتعليم، وشرف منزلة أهله، وأَنَّ طلبه لا يقف عند حد أو سِنٍّ معينة، فلا فرق في طلبه بين صغيرٍ وكبيرٍ، ولا ذَكَرٍ وأنثى؛ فالكل في طلبه سواء.
المحتويات
تظاهرت الآيات والأخبار وتواترت الدلائل الصريحة وتوافقت على فضيلة العلم والحث على تحصيله والاجتهاد في اقتباسه وتعليمه؛ قال جلَّ شَأْنه: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه: 114]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: 28]، وقال عز وجل: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق: 1-5].
والأحاديث في ذلك كثيرة ومشهورة؛ منها: قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ في الْأَرْضِ وَالْحِيتَانُ في جَوْفِ الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» رواه أبو داود والترمذي في "سننيهما".
ومنها: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ» متفق عليه.
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» رواه ابن ماجه في "سننه".
فهذه النصوص تدل دلالة واضحة على فضل العلم والتعليم، وشَرَف منزلة أهله، وأَنَّ طلبه لا يقف عند حد معين، ولا عند سنّ معينة، فلا فرق في طلبه بين صغيرٍ وكبيرٍ، ولا بين ذَكَرٍ وأنثى؛ فالكل في طلبه سواء؛ وقد اشتُهِر من مأثور التراث الإسلامي: (اطلب العلم من المهد إلى اللحد).
تعليم الكبار ومحو أميتهم أمر مندوبٌ ومطلوبٌ شرعًا، والمقصود بمحو الأمية: تعليم الأُمِّي القراءةَ والكتابةَ للوصول بهم لمستوى الإجادة. ويُقْصَد بتعليم الكبار: إعطاؤهم قدرًا مناسبًا من التعليم لرفع مستواهم الثقافي والاجتماعي والمهني لمواجهة التطورات في المجتمع، وإتاحة الفرصة أمامهم لمواصلة التعليم في مراحله المختلفة.
وكثير من الأئمة وعلماء الأمة الكبار لم يبتدئ الجدَّ في الطَّلَب إلَّا بعد كِبر السن، ولم يستحِ أحدهم من شيخوخته ولا مكانته، متمثلًا في ذلك الحديث الشريف: «مَنْهُومَانِ لَا يَشْبَعَانِ: طَالِبُ عِلْمٍ وَطَالِبُ دُنْيَا» رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"، والدارمي في "سننه"، والبزار في "مسنده"، عن ابن عباس رضي الله عنهما.
والمراد بالنَّهْمَةُ: شدة الحرص على الشيء، ومنه النهم من الجوع. ينظر: "فيض القدير" للإمام المناوي (6/ 245، ط. المكتبة التجارية الكبرى).
وقد حَكَى العلماء صورًا ووقائع شتى لطلب كثير من الأئمة وعلماء الأمة المشهورين للعلم بعد كِبر السن، ومن هؤلاء: أبو بكر عبد الله بن أحمد بن عبد الله المروزي، المعروف بالقَفَّال، شيخ الشافعية في زمانه، والمتوفى سنة 417هـ ، قال عنه الإمام ابن قاضي شهبة في "طبقات الشافعية" (1/ 184، ط. عالم الكتب): [الإمام الجليل أبو بكر القَفَّال الصغير، شيخ طريقة خراسان، وإنما قيل له القفَّال، لأنه كان يعمل الأقفال في ابتداء أمره، وبرع في صناعتها، حتى صنع قفلًا بآلاته ومفتاحه وزن أربع حبات، فلما كان ابن ثلاثين سنة أحسَّ من نفسه ذكاء: فأقبل على الفقه، فاشتغل به على الشيخ أبي زيد وغيره، وصار إمامًا يُقتدى به فيه، وتَفقَّه عليه خلقٌ من أهل خراسان، وسمع الحديث، وحدَّث وأملى] اهـ.
ومنهم أيضًا: أصبغ بن الفرج، مفتي الديار المصرية في زمانه، ومِن كبار علماء المالكية؛ قال عنه الإمام الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (10/ 656، ط. مؤسسة الرسالة): [الشيخ الإمام الكبير، مفتي الديار المصرية وعالِمها: أبو عبد الله الأموي مولاهم، المصري، المالكي، مولده بعد الخمسين ومائة، وطَلَب العلم وهو شاب كبير، ففاته مالك والليث] اهـ.
وغير هؤلاء كثير حتى ذَكَر الإمام السيوطي قول جماعة من العلماء: أنه يُستحب أن يبتدئ بسماع الحديث بعد ثلاثين سنة. ينظر: "تدريب الراوي" للإمام السيوطي (1/ 413، ط. دار طيبة).
وفي كتاب "العلم" من "صحيح البخاري" قال: (باب الاِغْتِبَاطِ في العلم والحكمة)، وذَكَر قول سيدنا عمر رضي الله عنه: "تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا"، وعَلَّق عليه الإمام البخاري بقوله: وبعد أن تسوَّدوا، وقد تعلَّم أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كبر سنِّهم. ينظر: "صحيح البخاري" (ص: 39، ط. دار المعرفة).
بناءً على ما سبق: فتعليم الكبار ومحو أميتهم أمر مندوب إليه شرعًا؛ للآيات والأخبار الدالة على أهمية العلم والتعليم، وشرف منزلة أهله، وأَنَّ طلبه لا يقف عند حد أو سِنٍّ معينة، فلا فرق في طلبه بين صغيرٍ وكبيرٍ، ولا ذَكَرٍ وأنثى؛ فالكل في طلبه سواء.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ورد في الشرع الشريف كثير من النصوص التي تفيد جواز مطالبة الإنسان بحقِّه وحرصه على ذلك، وكذلك هناك نصوص أخرى تفيد استحسان العفو عن الحقِّ، فكيف يمكن فهم ذلك؟ وهل هناك تعارض بين المطالبة بالحقِّ والعفو عنه، وأيهما أفضل؟
ما حكم إطلاق لفظ العيد على المولد النبوي الشريف؛ حيث يحتفل المسلمون بالمولد النبوي في كل عام، ويقيمون له الولائم ويصنعون الحلوى ويتزاورون كما يفعلون في الأعياد، ويسميه البعض "عيد المولد النبوي"، فهل المولد النبوي من الأعياد حتى يكون كذلك؟
أرجو من فضيلتكم التكرم بذكر شيءٍ من الكتاب والسنة عن فضل أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها. وجزاكم الله خيرًا.
سائل يقول: لي خالة كبيرة في السن ومريضة لا تقدر على القيام برعاية نفسها، وأخي يتولى رعايتها وعنايتها وقضاء ما تحتاج إليه؛ فما فضل هذا العمل وثوابه؟
سائل يقول: سمعت أن قول الزور من الكبائر وأن النهي عنه جاء مقترنًا بالنهي عن الشرك بالله سبحانه وتعالى؛ فنرجو منكم بيان ذلك. وما خطورة قول الزور؟
ما حكم الشرع والقانون في وصية سيدة يهودية الديانة أجنبية الجنسية مقيمة بالديار المصرية لشخص مصري مسلم؟ وهل هذه الوصية تعتبر صحيحة أو غير صحيحة؟