ما حكم الإهمال في العمل؟ وهل يثاب الموظف على التفاني فيه وبذل الجُهْد من أجل تَقدُّمه وإنجاحه؟
إهمال الموظف أو العامل في عمله المُكَلّف به والتقصير فيه يُعدُّ خيانةً للأمانة، ومِن جملة الغِشِّ والمَكْر والخِدَاع؛ لأنه مؤتمن على العمل الذي كُلِّف به وفُوِّض إليه، وعدم تأديته على الوجه المطلوب منه -مع أخذه الأُجرة عليه- من التَّعدِّي غير الجائز.
وهو أيضًا مخالفة يخضع تقييمها للسلطة الإدارية، وإنه إذ يُشدَّد في تأديب ومُؤاخذة المُقَصِّر، فإنه يُنْصَح بإثابة الموظف أو العامل حال إخلاصه وبذل الجهد وتفانيه في أداء عمله.
المحتويات
الموظفون والعاملون هم أُجَرَاءُ لأوقات مُعَيَّنَة على أعمال مُعَيَّنَة يتعاقدون عليها ويأخذون عليها أجرًا، وهذا الأجر في مقابل احتباسهم أنفسَهم واستقطاعهم جزءًا مُعَيَّنًا من وقتهم لصرفه في هذا العمل.
وتلكُّؤهم وإبطاؤهم في إنجاز الأعمال المُوكَّلة لهم، بحيث يكون هذا التَّلَكُّؤ والإبطاء بغير وجه حقٍ؛ غير جائز شرعًا؛ وذلك لأنَّ هذه الفِعْلة فيها خيانة للأمانة التي أؤتمنوا عليها؛ وفي الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» متفق عليه.
وقد عَدَّ الإمامان الذهبي وابن حجر الهيتمي الخيانة من الكبائر؛ قال الإمام الذهبي في "الكبائر" (ص: 149، ط. دار الندوة): [الكبيرة التاسعة والثلاثون: الخيانة] اهـ.
وقال الإمام ابن حجر في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (1/ 442، ط. دار الفكر): [الكبيرة الأربعون بعد المائتين: الخيانة في الأمانات؛ كالوديعة والعين المرهونة أو المستأجرة وغير ذلك] اهـ.
كما أَنَّ هذا التعطيل والإبطاء فيه أكل للمال بالباطل؛ وقد نُهينا عن ذلك في قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 29].
ومِن أعظم مظاهر أكل المال بالباطل هو الأخذ من المال بدون وجه حق؛ ذلك أَنَّ الموظَّف أو العامل الذي لا يُنْجِزُ الأعمال المُوكَّلة إليه والتي ترتبط بالغير، بحيث يكون هذا التَّبَاطُؤ بدون وجه حقٍ، ويأخذ مع ذلك على وظيفته أجرًا؛ هو آكلٌ للمال بالباطل.
المال في مسألتنا والذي هو أَجْر المُوظَّف أو العامل قَدْ حَرَّم النبي صلى الله عليه وآله وسلم الاعتداء عليه، وسواء في ذلك المال العام أو المال الخاص؛ إذ النصوص التي تنهى عن الاعتداء على المال وإضاعته جاءت عامة، فتشمل جميع الأموال أيًّا كان مالكها؛ ومن هذه النصوص: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث المتفق عليه: «إِنَّ اللهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ المَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ». ومنها أيضًا: قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي أخرجه الشيخان: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا».
كما أنَّ حفظ المال من المقاصد العَليَّة التي جاءت الشريعة الغراء لحفظها وحمايتها، ويشمل ذلك كل مال، سواء كان مالًا عامًّا أو خاصًّا، ولا شك أَنَّ الجُرْم يكون أفحش والإثم يكون أعظم إذا كان الإهمال واقعًا على المال العام؛ إذ الضرر الواقع حينئذٍ لا يقع على فرد بعينه، بل على مجموع الأفراد؛ لذا غلَّظ النبي صلى الله عليه وآله وسلم حرمة الاعتداء على المال العام، وجعل صيانته من النهب والإهدار والاستغلال مسؤولية الجميع؛ لأنَّ هذا المال ملك لكل أبناء الوطن، والتصرف فيه يكون وفق ضوابط الشرع وشروطه؛ فعن خولة الأنصارية رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ الله بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ» أخرجه الإمام البخاري في "الصحيح".
فقد سَمَّى النبي صلى الله عليه وآله وسلم المال العام الذي لا يملكه فرد بعينه بأنه مال الله، وتُوضِّح ذلك رواية الإمام الترمذي: «مِنْ مَالِ الله وَرَسُولِهِ»؛ إذ هذه الإضافة خاصة بالمال العام، وفي الحديث وعيد شديد لمَن يتخوض في المال العام؛ أي: يأخذه ليتملكه ويتصرف فيه تصرف المالك.
قال الإمام ابن حجر في "فتح الباري" (6/ 219، ط. دار المعرفة): [لا ينبغي التخوض في مال الله ورسوله والتصرف فيه بمجرد التشهي. وقوله: «لَيْسَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا النَّارُ» حكم مرتب على الوصف المناسب وهو الخوض في مال الله؛ ففيه إشعار بالغلبة. قوله: «رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ الله بِغَيْرِ حَقٍّ» أي: يتصرفون في مال المسلمين بالباطل وهو أعم من أن يكون بالقسمة وبغيرها] اهـ.
وقال العلامة الصنعاني في "التنوير شرح الجامع الصغير" (3/ 615، ط. مكتبة دار السلام): [التَّخوُّض بالخاء المعجمة والضاد المعجمة: هو التصرف والتقلب، يتصرفون في مال الله بما لا يرضاه، وهو شامل لكلِّ متصرف بالمال في وجوه مَغاضِبَ الله، والمراد بمال الله: بالمال الذي لا يستحقه العبد وهو حقٌ لغيره تحت يده؛ كالزكوات ونحوها من بيوت الأموال وغيرها] اهـ.
فالأخذ من المال العام بغير حق من أشد المحرمات، لأنه نوع من أنواع الغلول، وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [آل عمران: 161].
قال الإمام النووي في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (12/ 216-217، ط. إحياء التراث العربي): [وأصل الغلول الخيانة مطلقًا.. وأجمع المسلمون على تغليظ تحريم الغلول وأنه من الكبائر، وأجمعوا على أن عليه رَدِّ ما غَلَّه] اهـ.
الموظف في الدولة إنما هو عامل بأجرة، فهو مؤتمن على العمل الذي كُلّف به وفُوِّض إليه؛ وعدم تأديته على الوجه المطلوب منه مع أخذه الأجر على العمل فيه تَعَدٍّ مُحَرَّم على المال العام؛ وهو ما حدا بالمشرع المصري التنبيه نصًّا على الوجوب الإلزامي لقيام الموظف والعامل بالعمل المنوط به، وعدم الإخلال والتقاعس عنه، وذلك في قانون الخدمة المدنية رقم (81) لسنة 2016م، في مادته (57)، و(58)، وكذا قانون العمل رقم (12) لسنة 2003م وفقًا لأحدث تعديلاته، في مادته (56)، و(57).
إذا كان يُذَمُّ المقصر في عمله؛ فإنه يثاب الموظف على إخلاصه وتفانيه واجتهاده في عمله من أجل تقدُّمه وإنجاحه؛ قال تعالى: ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: 195]، كما قال في وصف المؤمنين: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ [المؤمنون: 8]. فهو أمر بالإحسان في كل عمل، والرعاية والحفظ في كل أمانة، وأثنى على مُمْتَثِل ذلك بوصفه بالإيمان والإحسان، ولذلك ورد في الحديث عن السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ» أخرجه الإمام الطبراني في "المعجم الأوسط".
بناءً على ذلك: فالموظف أو العامل مؤتمن على العمل الذي كُلِّف به وفُوِّض إليه، وعدم تأديته على الوجه المطلوب منه مع أخذه الأُجرة عليه فيه تَعَدٍّ غير جائزٍ؛ فإهمال العمل والتقصير فيه يُعدُّ خيانةً للأمانة، ومِن جملة الغِشِّ والمَكْر والخِدَاع، وهو أيضًا مخالفة يخضع تقييمها لسلطة الجزاء الإداري، وإنه إذ يُشدَّد في تأديب ومُؤاخذة المُقَصِّر، فإنه يُنْصَح بإثابة الموظف أو العامل حال إخلاصه وتفانيه في أداء عمله.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما هي الأعمال المستحبَّة عند حدوث البَرْق والرَّعْد؟
هل يجوز لمن وجبت الزكاةُ في ماله أن يخرِجَها مقسطةً في صورة دفعات شهرية على مدار العام إلى مَنْ يعرف أنهم يستحقونها لسدِّ حاجتهم شهرًا بشهر؟
ما حكم إخراج زكاة الفطر مالًا؟ فقد سمعت في أحد البرامج أن زكاة الفطر يمكن أن تخرج مالًا، وكان معي صديقي فاعترض على ذلك وقال: إنها لا بد أن تخرج حبوبًا كما جاء في الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل ما قاله صحيح؟ وهل أحد من الفقهاء أجاز إخراجها مالا؟ أو أن الفقهاء كلهم يرون عدم جواز إخراجها مالا؟ أرجو الإفادة وجزاكم الله خيرا.
يقول السائل: نسمع عن مفهوم (الوحدة الوطنية) وأهميتها في المجتمع؛ فنرجو منكم توضيح كيف نظر الشرع إلى هذا المفهوم؟ وهل يوجد في الشرع الشريف ما يدعو إلى ذلك؟
فضيلة المفتي المحترم، ينبغي -على ما قرأت- أن يُسلِّمَ الصغير على الكبير، والراكب على الماشي، والداخل على الحاضر (المار على القاعد)، فكيف يكون الحال إذا كان الراكب أو الداخل هو الأكبر؟
ما هي حقوق التأليف والنشر؛ فنحن نتعامل في بيع وتوزيع ونشر الكتب الإسلامية والعلمية، وهدفنا الأول في العمل في هذا الميدان هو نشر العلوم الإسلامية، وما نتقاضاه من أثمان لهذا العمل نَتَقوَّى به على إتمام الهدف الأول بتطويره وتوسيع الاستفادة منه لعموم طلاب العلم وتعرض لنا مشكلة يختلف الحكم بها من دولة إلى دولة ومن مُفْتٍ إلى مُفْتٍ وهي حقوق التأليف، وصورة تقاضي حقوق التأليف كالآتي:
الصورة الأولى: أن يؤلف شخص كتابًا ويقدمه للناشر بخط المؤلف، ويطلب من الناشر مبلغًا من المال؛ إما أن يدفع مقطوعًا لطبعة واحدة، أو لعدة طبعات معينة، أو لمدة محددة، أو غير محددة، أو بنسبة مئوية من سعر بيع الكتاب لطبعة أو لطبعات.
الصورة الثانية: أن يقوم شخص بتحقيق نص كتاب أو تعليق أو شرح عليه وهذا الكتاب لغيره ويقدمه للناشر بخط يده، ويطلب من الناشر مبلغًا ماليًّا حسب الطريقة السابقة في الصورة الأولى.
الصورة الثالثة: أن يقدم المؤلف كتابًا مطبوعًا ويحمل اسمه تأليفًا كالصورة الأولى، أو تحقيقًا أو تعليقًا أو شرحًا كالصورة الثانية، ويطلب التعاقد مع الناشر بمبلغ مالي حسب الطريقة الواردة في الصورة الأولى.
وسؤالنا هو:
1- هل أخذ هذا المبلغ من الناشر حلال للمؤلف أم حرام عليه؟ وإذا كان حرامًا فهل يأثم الناشر بتسليمه له؟
2- لو طبع ناشر كتابًا ولم يعط مؤلفه مالًا هل عليه إثم أم لا؟
3- إذا كان للمؤلف حق وعلم الموزع أن الناشر لم يعط المؤلف حقه هل على الموزع إثم في بيع هذا الكتاب، ومن ثم التعامل مع هذا الناشر؟
4- إذا كان للمؤلف حق فمتى ينتهي حقه في هذا الكتاب؟ هل ينتهي حقه لوقت معين كما في القوانين الوضعية؟ وإذا كان ينتهي بفترة معينة فهل يعتبر حقه حق ملكية أم أجرة؟ أم يبقى له ولورثته سلالة بعد سلالة؟ وماذا تكون الحال بمن لم يعرف وارثه سواء من المعاصرين أم القدماء؟
5- يترتب على إخراج الطبعة الأولى من كل كتاب أمور فنية مدفوع عليها أموال من قِبَل الناشر، وتستمر هذه الأمور تفيد كل من طبع الكتاب بعد الطبعة الأولى، منها ما ينتهي بإعادة صف حرف الكتاب، ومنها ما لا ينتهي، ومن هذه الأمور شهرته وتعالم الناس به وهو ما يسمى الآن -دعاية وإعلام- وإخراجه وتصحيح أخطائه بحيث يكون سليمًا من الخطأ وصف حرفه وتشكيله وفهرسته وتقسيم سطوره وتقسيم صفحاته وترتيبه، وهذه أمور يقوم بها الناشر، فهل للمؤلف أن يسلبه حقه بعد انتهاء فترة التعاقد معه كما في الصورة الثالثة، أم تبقى حقا له؟ وهل هذه الأحقية تثبت شركته في الكتاب؟
6- صاحب الكتاب المحقق أو المعلق عليه أو المشروح واقع الحال الآن أنه لا يُعطَى شيئًا من المال كما في الصورة الثانية، فما حكمه؟ هل يسقط حقه بمجرد تعليق أو تحقيق يلحق بكتابه؟ أم أنه لا حق له في الأصل؟
وأن غرضنا الأول من هذا الاستفسار: هو استبيان الوجه الشرعي من الحل والحرمة؛ قال تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُون﴾.
وغرضنا الثاني: هو قطع الطريق على تيار القوانين الوضعية في أمور الحقوق بين المسلمين وكشف الغطاء عن الوجه الشرعي لهذه القضية التي كثر الحديث عنها والتعامل بها. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.