سائل يقول: دائمًا نسمع بأنَّ ديننا الحنيف يدعو إلى اليسر والرحمة ويحذر من التشدد والتنطع؛ فنرجو منكم بيان ذلك.
جاءت شريعة الإسلام بالرفق والرحمة والهداية إلى الصراط المستقيم، وكان من أهم مقاصدها رفع المشقة والحرج عن الناس؛ قال الحق تبارك وتعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]، وقال سبحانه: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ [الأعراف: 157]، وقال جلَّ شأنه: ﴿مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة: 6]، ولهذا فإنَّ التشدد في الدين أمر مذموم؛ لأنه يتنافى مع مقاصد الشريعة السمحة ومع ما جاء في نصوصها الصريحة الدالة على أنَّ مدار التكليف هو التيسير والتخفيف والمقاربة قدر استطاعة المُكلَّف.
روى البخاري في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ».
وروى أحمد في "مسنده" عن محجن بن الأدرع رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «إِنَّكُمْ أُمَّةٌ أُرِيدَ بِكُمُ الْيُسْرُ»؛ يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (1/ 94-95، ط. دار المعرفة-بيروت): [وفي حديث محجن بن الأدرع عند أحمد: «إِنَّكُمْ لَنْ تَنَالُوا هَذَا الأَمْرَ بِالمُغَالَبَةِ» و«خَيْر دِينِكُمُ اليَسَرَة»، وقد يستفاد من هذا الإشارة إلى الأخذ بالرخصة الشرعية؛ فإنَّ الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصة تنطّع، كمَن يترك التيمم عند العجز عن استعمال الماء فيفضي به استعماله إلى حصول الضرر] اهـ.
والتشدّد في غير موضع التشديد يُعَدُّ من التنطع المذموم شرعًا، فما جعل الله فيه سعة ومجالًا لاختلاف العلماء وتعدّد اجتهاداتهم لا يكون موضعًا للتشديد والإنكار، ولهذا تقرّر في قواعد الفقه أنه: "لا ينكر المختلف فيه، وإنما ينكر المجمع عليه". يُنْظر: "الأشباه والنظائر" للإمام السيوطي (ص: 158، ط. دار الكتب العلمية).
ويقول الشيخ ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (2/ 92، ط. دار الكتب العلمية): [وفي "صحيح مسلم" عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ» قالها ثلاثًا، أي: المشددون في غير موضع التشديد] اهـ.
وروى أبو داود في "سننه" عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: «لَا تُشَدِّدُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَيُشَدَّدَ عَلَيْكُمْ، فَإِنَّ قَوْمًا شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ اللهُ عَلَيْهِمْ، فَتِلْكَ بَقَايَاهُمْ فِي الصَّوَامِعِ وَالدِّيَارِ وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ».
فهذا نهي عن التشدد في الدين؛ لأنه يستتبع شدة التكليف وشدة العقوبة؛ فالله سبحانه وتعالى جعل الدين سهلًا سمحًا، ومَن يخالف مقاصد الدين ويضاد الفطرة ويُشدِّد على نفسه، فإنه حتمًا سيُقصّر فيما أوجبه على نفسه من الشدة التي اعتبرها من الدين، فيظل بعد ذلك يرى نفسه بعيدًا عن الدين مخالفًا له وتقل عزيمته وتضعف همته، ولا يدري أنَّ تشدّده كان هو مدخل الشيطان إليه؛ قال تعالى: ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾ [الحديد: 27]، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ». وممَّا ذُكِر يُعلَم الجواب عن السؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم الدخول أو الخروج لأرض فيها وباء؟ فقد اجتاح فيروس كورونا بلدان العالم، ومات بسببه الكثير من الأشخاص؛ فما حكم الدخول إلى أرض انتشر فيها فيروس كورونا، أو الخروج منها؟ وهل يحرم الخروج إذا كان للمداواة؟
ما الحكم الشرعي في التَّنَمُّر وما يشتمل عليه من أفعال؟
قال السائل: بعض الناس إذا أرادوا شيئًا من غيرهم يقولون: "والنبي افعل كذا أو لا تفعل كذا" بقصد الترجي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فهل هذا يُعدُّ من الحلف به؟ نرجو الإفادة.
ما حكم توارد الشريكين على الربح بحيث يأخذ كل واحد منهما الربح سنة دون الآخر؟ حيث ورثتُ أنا وأخي مصنعًا من أبي، وقد اتفقنا على أنْ يتولى كلُّ واحد منَّا هذا المصنع سنة، على أنْ تكون أرباح هذا المصنع للقائم عليه (صاحب النوبة) في هذه السَّنَة، فهل هذا يجوز شرعًا؟
ما حكم مناداة الإنسان لوالده باسمه مجردًا؟ فهناك سيدة تقول: ابني في بعض الأحيان ينادي على والده باسمه مجردًا من دون أن يقصد بذلك الإساءة، وحينما أسمعه أقول له: إن من الأدب ألا تنادي على والدك باسمه مجردًا، فيقول: هذه عادات لا علاقة لها بالشرع، فأرجو من فضيلتكم بيان الحكم الشرعي في هذا الأمر.
ما ثواب تجفيف الطرقات من مياه الأمطار لأجل مصلحة من يسير فيها؟