سائل يقول: أعمل في مجال شراء الفواكه، وأقوم بعمل عقد لشراء محصول الموز، وذلك وفق إحدى الصيغتين الآتيتين: الصيغة الأولى: يتفق فيها الطرفان البائع والمشتري على بيع محصول الموز عندما يحين وقت نضجه وحصاده بعد فترة زمنية لا تقل عن أربعة شهور بالشروط الآتية المتفق عليها: يدفع المشتري حين توقيع العقد مبلغًا قدره 30000 جنيهًا لكلِّ فدان كتأمين.
يحق للمشتري دون غيره الاستحواذ على المحصول وشراؤه، والذي يتصف بالسلامة والخلو من العيوب المتعارف عليها؛ مثل: الطفرات أو المتأثرة بالصقيع أو الجراد وما شابه.
يمنح المشتري خصم قدره: جنيه واحد عن كل كيلو من الثمار عند حصاده وبعد وزنه وذلك من سعر الموز المتداول والمتعارف عليه يوم تقطيع السبايط.
تراضى الطرفان عن هذه الشروط وعلى المخالف شرط جزائي قدره 50000 جنيهًا.
وهذه الصيغة من العقود هي الشائعة والمتداولة حاليًّا بين تجار الموز.
الصيغة الثانية: يتفق فيها الطرفان (أ) البائع والطرف (ب) المشتري على بيع محصول الموز من الطرف (أ) إلى الطرف (ب) والذي يبدأ حصاده بعد مرور أربع شهور، وذلك على الشروط الواردة والمتفق عليها، وهي:
يدفع المشتري (ب) للبائع (أ) مبلغًا قدره 30000 جنيهًا عن كلِّ فدان موز؛ بصيغة مقدم مالي، وتأمين نقدي لغرض الشراء.
يلتزم المشتري (ب) بعدة مهام هي: تقطيع وجمع سبايط الموز وتحمل مصاريف ذلك، وحمل سبايط الموز من الأرض للسيارة وتحمل مصاريف ذلك. وتولي مهمة تسويق وبيع المحصول لنفسه أو للغير. ويحق للبائع (أ) مشاركة المشتري (ب) في مهمة تسويق المحصول وبيعه وتحديد سعر البيع وصفة المشتري؛ لغرض تحقيق أحسن الأسعار، وجودة الأداء والتنفيذ. ويحق للمشتري (ب) ما هو قدره 1 جنيه عن كل كيلو موز يتم وزنه بعد حصاده لجميع المحصول، وذلك مقابل ما تم من عون ومهام من الطرف المشتري للطرف البائع. وعلى المخالف لأي من شروط العقد شرط جزائي قدره 50000 جنيهًا.
فما حكم هذا العقد؟ وهل يوجد هناك فرق مؤثر في الحكم بين الصيغتين؟
مُحصَّل الحكم عن صورة العقد المسؤول عنه: أن عملية تقطيع ثمار الموز وإن كانت تتم قبل النضوج إلَّا أنها لا تحدث إلَّا بعد اكتمال النمو، بما يضمن لها الأمن من العاهة والفساد، وهو معنى بدوِّ الصلاح عند فقهاء الحنفية، وما نص عليه فقهاء المالكية، فيجوز بيعها شرعًا، ويتم قبضها عن طريق تخلية البائع بينه وبين المحصول، ولا يضر في ذلك دفع جزء من الثمن عند العقد، وهو المعروف ببيع العربون، أو اشتراط مبلغ ماليٍّ جزائيٍّ على من يخالف شروط العقد التي تراضى عليها الطرفان.
ومن ثمَّ: فإنَّ هذا العقد المخصص لشراء محصول فاكهة الموز بينك وبين صاحب المحصول، هو عقدٌ جائز شرعًا، ولا شيء فيه، وأن الاختلاف بين صيغَتيه -كما ورد في السؤال- إنَّما هو في الإجراءات المتفق عليها بين طرفي العقد لإتمام عملية البيع والشراء.
المحتويات
مما قرره المتخصصون: أن لثمرة الموز وقتًا للنمو ووقتًا للنضوج، ووقت نموها يختلف تبعًا للنوع والصنف وتاريخ خروج الشمراخ ونحو ذلك؛ فمثلًا النباتات التي تزهر في شهر يوليو يكتمل نمو سباطاتها من 100-120 يومًا، بينما النباتات التي تزهر في شهر أغسطس يكتمل نمو سباطاتها من 125-150 يومًا، والنباتات التي تزهر في شهر سبتمبر يكتمل نمو سباطاتها من 130-180 يومًا، ومن علامات ذلك تقارب الكفوف، واندماج السباطة حتى تأخذ الشكل المميز لها، وكذلك استدارة الأصابع، وهي من أهم العوامل المحددة للقطع.
وبيَّنوا أنَّ الثمار التي تقطع قبل اكتمال نموها تفشل في النضج، ومن ثمَّ تُسبِّبُ خسارة في كمية المحصول.
أمَّا وقت النضوج: فيبدأ من بعد فترة النمو مباشرة؛ حيث ذكروا أنَّ ثمرة الموز لا تترك حتى تنضج على النبات؛ بل تقطع وهي خضراء؛ إذ لو تركت على النبات لفقدت كثيرًا من صفات الجودة، وتنضج في غُرَفٍ خاصة بالإنضاج، تحت درجة حرارة تتراوح بين 18-20م، وفي درجة رطوبة 90٪، وتركيز غاز الإثيلين أو الإسيتيلين بتركيز 1000 جزء/ مليون، في مدة 1-2 يوم حسب درجة اكتمال النمو، ويراعى في ذلك كله عمليات التهوية والتي تختلف حسب الفصول الجويَّة. انظر: "نشرة زراعة وإنتاج الموز" رقم (815/ 2003م)، الصادرة عن مركز البحوث الزراعية، وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي (ص: 2-6).
أي أن عملية تقطيع ثمار الموز وإن كانت تتم قبل النضوج إلَّا أنها لا تحدث إلَّا بعد اكتمال النمو.
ما ورد في الشرع الشريف من النهي عن بيع الثمار قبل بُدُوِّ صلاحها؛ وهو ما رواه الشيخان عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا"؛ فالظاهر أن مقصوده أول ظهور الثَّمَرِ وبدايته، وأن تؤمن فيها من العاهة والفساد، وإن لم تطب الثمرة، وليس المراد كمال النضج؛ كما هو مذهب الحنفية، وهو ما يُفهم من لفظ الحديث: «حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا»، فلم يقل: "حتى يتم صلاحها".
قال العلَّامة ابن عابدين الحنفي في حاشيته "رد المحتار على الدر المختار" (4/ 555، ط. دار الفكر): [بدو الصلاح عندنا: أن تؤمن العاهة والفساد] اهـ.
وحمل فقهاء الحنفية النهي عن بيع الثمار قبل بُدُوِّ صلاحها على ما قبل ظهور الثمر، بشرط الترك على الشجر -وهذا لا خلاف في منعه-، وعلى ما بعد ظهوره، بشرط القطع؛ وهذا لا خلاف في جوازه، وقد روى مسلم في "صحيحه" بسنده إلى ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا تَبْتَاعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ وَتَذْهَبَ عَنْهُ الْآفَةُ»، ووجه الدلالة من هذا الحديث: أن العلة التي علَّل بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهيه عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها هي خوف الآفة على الثمر، ومع وجود القطع فإن هذه العلة غير متحققة، والأحكام تدور مع عللها وجودًا وعدمًا.
قال الإمام ابن الهُمَام في "فتح القدير" (6/ 287، ط. دار الفكر): [لا خلاف في عدم جواز بيع الثمار قبل أن تظهر، ولا في عدم جوازه بعد الظهور قبل بُدُوِّ الصلاح بشرط الترك، ولا في جوازه قبل بُدُوِّ الصلاح بشرط القطع فيما ينتفع به، ولا في الجواز بعد بدو الصلاح، لكن بدو الصلاح عندنا أن تؤمن العاهة والفساد] اهـ.
وقال الإمام ابن نجيم الحنفي في "البحر الرائق شرح كنز الدقائق" (5/ 325، ط. دار الكتاب الإسلامي): [وأجاب عنه -أي عن الحديث الوارد بالنهي- الإمامُ الحلواني كما في "الخانية": أنه محمولٌ على ما قبل الظهور، وغيره على ما إذا كان بشرط الترك، فإنهم -أي الجمهور- تركوا ظاهره -أي الحديث-؛ فأجازوا البيع قبل بدو الصلاح بشرط القطع، وهي معارضةٌ صريحةٌ لمنطوقه؛ فقد اتفقنا -أي الحنفية والجمهور- على أنه متروكُ الظاهر، وهو لا يحل إن لم يكن لموجب، وهو عندهم: تعليله عليه الصلاة والسلام بقوله: «أرأيتَ إن منع اللهُ الثمرةَ؛ فيما يَستَحِلُّ أحدُكُم مالَ أخيه»، فإنه يستلزم أن معناه أنه نهى عن بيعها مدركةً -أي على أنها قد أدركت الصلاح- قبل الإدراك -أي قبل أن تدركه حقيقةً-؛ لأن العادة أن الناس يبيعون الثمار قبل أن تقطع، فنهى عن هذا البيع قبل أن توجد الصفة المذكورة، فصار محل النهي بيع الثمرة قبل بدو الصلاح بشرط الترك إلى أن يبدو الصلاح، والبيع بشرط القطع لا يُتَوَهَّمُ فيه ذلك، فلم يكن متناولًا للنهي، وإذا صار محله بيعها بشرط تركها إلى أن تصلح فقد قضينا عهدة هذا النهي؛ فإنا قد قُلنا بفساد هذا البيع، فبقي بيعُها مطلقًا غيرَ متناولٍ للنهي بوجهٍ من الوجوه] اهـ.
أما البيع بعد الظهور قبل بُدُوِّ الصلاح بغير شرط -أي بيعًا مطلقًا- فقد اشترط الحنفية لجواز هذا الصورة شرطين:
أحدهما: أن يكون البيع مطلقًا بلا شرط؛ فلا يشترط البائعُ على المشتري قطع الثمار في الحال عند الشراء، ولا يشترط المشتري على البائع ترك الثمار في الأشجار إلى تمام النضج.
والآخر: أن يكون الثمر منتفعًا به في الحال أو المآل؛ سواء في الأكل أو علف الدواب أو غير ذلك، حتى يصدق عليه أنه مالٌ متقوَّم.
قال الإمام ابن عابدين في "رد المحتار" (4/ 555): [والخلاف إنما هو في بيعها قبل بُدُوِّ الصلاح على الخلاف في معناه لا بشرط القطع: فعند الشافعي ومالكٍ وأحمد: لا يجوز. وعندنا: إن كان بحالٍ لا ينتفع به في الأكل ولا في علف الدواب؛ فيه خلافٌ بين المشايخ، قيل: لا يجوز، ونسبه قاضي خان لعامة مشايخنا. والصحيح: أنه يجوز؛ لأنه مالٌ منتفعٌ به في ثاني الحال إن لم يكن منتفعًا به في الحال -بمعنى أنه مالٌ متقوَّم-] اهـ.
كما نص المالكية على مشروعية بيع ثمار الموز إذا تهيأ للنضج وبلغ حدًّا إذا قطع ووضع في ظروف مساعدة في اكتمال نموه وطيبه، خاصة أن المدة في مسألتنا محددة بأقل من سنة:
قال الإمام المازري المالكي في "شرح التلقين" (2/ 469، ط. دار الغرب الإسلامي: [أجيز شراء الموز وخلفته زمنًا محدودًا، ويشتري أيضًا بطونًا محدودة] اهـ.
وقال العلامة عليش في "منح الجليل" (5/ 293، ط. دار الفكر) -عند قول الماتن: (والتهيؤ للنضج)-: [(والتهيؤ) بفتح الفوقية والهاء وضم التحتية مشددة آخره همز؛ أي: الاستعداد والقابلية (للنضج) بضم النون وسكون الضاد المعجمة آخره جيم؛ أي: الطيب، والاستواء بأن يبلغ حدًّا إذا قطع فيه ووضع في التبن أو النخالة يطيب كالموز، فإنه لا يطيب حتى يوضع في ذلك، وسمع القرينان: أيشترى الموز قبل أن يطيب، فإنه لا يطيب حتى ينزع، قال: لا بأس به. ابن رشد: من شأنه أنه لا يطيب حتى يدفن في تبنٍ أو غيره؛ فلذا جاز بيعه قبل طيبه إذا صلح للقطع؛ فصلاحه له هو طيبه الذي يبيح بيعه، ثم قال ابن عرفة: وفيها لا بأس بشراء الموز في شجره إذا حلَّ بيعه، ويستثنى من بطونه خمس بطون أو عشر أو ما تطعم هذه السنة أو سنة ونصفًا وذلك معروف] اهـ.
ومقتضى ذلك أنه يجوز التعاقد بيعًا وشراءً على ثمار الموز بعد ظهورها على الأشجار بمجرد أَمْن العاهة والفساد بمعرفة أهل الخبرة قبل أن تطيب للأكل؛ كما هو مذهب الحنفية والمالكية، أمَّا قَبْل أمن العاهة والفساد فجائزٌ بشرطيه عند الحنفية.
وهذا هو المختار في الفتوى، وقد نصَّ العلماء على حمل أفعال الناس وأقوالهم وعقودهم ومعاملاتهم على الصحة مهما أمكن ذلك، وهو المعتمد في الفتوى، وهو الذي جرت عليه دار الإفتاء المصرية في عهودها المختلفة.
لا يضر كون الثمر في حيازة البائع؛ لأنه يخلي بينها وبين المشتري، وجمهور الفقهاء على أنَّ قبض الزروع أو الثمار يكون بالتخلية بين البائع والمشتري:
قال العلَّامة ابن عابدين الحنفي في حاشيته "ردّ المحتار" (4/ 562): [ويصح تسليم ثمار الأشجار وهي عليها بالتخلية، وإن كانت متصلة بملك البائع] اهـ.
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب" (2/ 108، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(ويتسلط المشتري على) التصرف في (الثمرة بتخلية البائع) بينه وبينها لحصول القبض بها] اهـ.
وقال سلطان العلماء العز بن عبد السلام في "قواعد الأحكام" (2/ 84، ط. الكليات الأزهرية): [الثمار على الأشجار إذا أينعت وبدا صلاحها، الأصح: أن تخليتها قبض لها] اهـ.
وقال العلَّامة الرُّحيباني الحنبلي في "مطالب أولي النهى" (3/ 202، ط. المكتب الإسلامي): [(ولمشتر بيعه)؛ أي: الثمر الذي بدا صلاحه، والزرع الذي اشتد حبه (قبل جذه)؛ لأنَّه مقبوض بالتخلية، فجاز التصرف فيه كسائر المبيعات] اهـ.
أمَّا عن دفع جزء من الثمن عند العقد: فهو جائز أيضًا عند الفقهاء فيما يعرف ببيع العربون أو العربان، وهو: ما يدفعه المشتري جزءًا من ثمن المبيع. انظر: "تهذيب اللغة" للهروي (2/ 221، ط. دار إحياء التراث العربي).
ويقصد به شرعًا: أن يشتري السلعةَ فيدفع إلى البائع درهمًا أو غيره، على أنه: إن أخذ السلعة احتسب به من الثمن، وإن لم يأخذها فذلك للبائع. انظر: "المغني" لابن قدامة (4/ 175، ط. مكتبة القاهرة).
والغرض من بيع العربون: إمَّا حفظ الحقِّ لكل من المتعاقدين في العدول عن العقد؛ بأن يدفع مَنْ يُريد العدول قدرَ هذا العربون للطرف الآخر -كما في الصيغتين الواردتين-، وإمَّا تأكيد العقد والبتِّ فيه عن طريق البدء في تنفيذه بدفع العربون؛ كما قال العلامة السنهوري في "مصادر الحق" (ص: 93، ط. معهد الدراسات العربية).
وبيع العربون على النحو المذكور جائزٌ شرعًا على ما ذهب إليه بعضُ الصحابة والتابعين، وهو اختيار بعض المالكية ومذهب الحنابلة -خلافًا لأبي الخطَّاب-.
قال العلامة الدردير في "الشرح الصغير" (3/ 100، ط. دار المعارف): [كبيع العربان.. وهو: (أن) يشتري أو يكتري سلعة و(يعطيه شيئًا) من الثمن (على أنه)؛ أي: المشتري (إن كره البيع تركه) للبائع، وإن أحبه حاسبه به أو تركه.. فإن أعطاه على أنه إن كره البيع أخذه، وإن أحبه حسبه من الثمن جاز] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (4/ 175): [والعربون في البيع: هو أن يشتري السلعةَ فيدفع إلى البائع درهمًا أو غيره، على أنه: إن أخذ السلعة احتسب به من الثمن، وإن لم يأخذها فذلك للبائع.. قال أحمد: لا بأس به، وفعله عمر رضي الله عنه، وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه أجازه، وقال ابن سيرين: لا بأس به، وقال سعيد بن المسيب وابن سيرين: لا بأس إذا كره السلعة أن يردها يرد معها شيئًا، وقال أحمد: هذا في معناه.. وإنما صار أحمد فيه إلى ما روي فيه عن نافع بن عبد الحارث رضي الله عنه] اهـ.
وقد استدل المجيزون لبيع العربون؛ بما رواه البخاري في "صحيحه": "من أنَّ نافع بن عبد الحارث اشترى دارًا للسجن بمكة من صفوان بن أمية على أن عمر إن رضي فالبيع بيعه، وإن لم يرض عمر فلصفوان أربع مائة دينارًا"، كما استدلوا بما أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن زيد بن أسلم رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَحَلَّ الْعُرْبَانَ فِي الْبَيْعِ».
وقد أخذ القانون المدني المصري بجواز بيع العربون؛ حيث نصَّت المادة (103) منه على: [دفع العربون وقت إبرام العقد يفيد أن لكل من المتعاقدين الحق في العدول عنه، إلا إذا قضى الاتفاق بغير ذلك. فإذا عدَل من دفع العربون فقَدَهُ، وإذا عدَل من قبضه ردَّ ضعفَهُ، هذا ولو لم يترتب على العدول أي ضرر] اهـ.
أمَّا عن الشرط الجزائي فلم يعرف في كتب الفقه القديمة بهذا الإطلاق، ولعل أول ذكر له هو ما جاء في "صحيح البخاري" في باب ما يجوز من الاشتراط والثُّنْيَا في الإقرار، والشروط التي يتعارفها الناس بينهم، وإذا قال: مائة إلا واحدة أو ثنتين: قال ابن عون: عن ابن سيرين، قال رجل لكَرِيِّه -يعني: من استأجره-: أرحِل ركابك، فإن لم أرحَل معك يوم كذا وكذا فلك مائة درهم، فلم يخرج، فقال شريح: "من شرط على نفسه طائعًا غير مكره فهو عليه"، وقال أيوب: عن ابن سيرين: إن رجلًا باع طعامًا، وقال: إن لم آتك الأربعاء فليس بيني وبينك بيع، فلم يجئ، فقال شريح للمشتري: "أنت أخلفت فقضى عليه".
والشرط الجزائي هنا: هو عبارة عن مبلغ ماليٍّ يلتزم به المخالف لأي من شروط العقد بدفعه للطرف الآخر، وقد أجازه بعض الفقهاء، وأوجبوا الوفاء به، ورتَّبوا عليه أثره من حيث المال المشروط؛ فقد نصَّ الحنابلة في البيع -كما ذكرنا- على أنَّ: مَن اشترى شيئًا ودفع بعض ثمنه واستأجل لدفع الباقي؛ فاشترط عليه البائع أنَّه إنْ لم يدفع باقي الثمن عند حلول الأجل يصبح ما عجل من الثمن أو ما تم الاتفاق عليه بين البائع والمشتري ملكًا للبائع صحَّ هذا الشرط، وترتَّب عليه أثره، ويصيرُ مُعَجَّل الثمن ملكًا للبائع إنْ لمْ يقم المشتري بدفع الباقي في أجله المُحَدَّد، وقالوا: إنَّ القاعدة عندهم في الشروط أنَّها جائزة في العقود من الطرفين إلا شرطًا أحلّ حرامًا أو حرم حلالًا، وإلَّا ما ورد الشرع بتحريمه بخصوصه، ومثل هذا الشرط لم يردْ عن الشارع ما يُحَرِّمه، وما دام لم يُحلّ حرامًا ولم يُحَرِّم حلالًا فإنَّه يكون من حق الطرف الآخر يتصرف فيه كيف شاء؛ لأنه أصبح ملكًا له بمقتضى هذا الشرط.
والمفتى به: أن الشروط الجزائية الملحقة بعقود البيع لا يصح منها إلا ما كان مقابل ضرر حقيقي، وعلى قدر الضرر الفعلي، فلا يجوز إعمال الشرط الجزائي في حالة عدم لحوق ضرر؛ لمجرد التشبث بحرفية العقد، ولا يجوز أخذ الزائد عن مقابل الضرر الفعلي. وتقدير الضرر مردّه لأهل الخبرة والرأي.
بناء على ذلك: فإن عملية تقطيع ثمار الموز وإن كانت تتم قبل النضوج إلَّا أنها لا تحدث إلَّا بعد اكتمال النمو، بما يضمن لها الأمن من العاهة والفساد، وهو معنى بدوِّ الصلاح عند فقهاء الحنفية، وما نص عليه فقهاء المالكية، فيجوز بيعها شرعًا، ويتم قبضها عن طريق تخلية البائع بينه وبين المحصول، ولا يضر في ذلك دفع جزء من الثمن عند العقد، وهو المعروف ببيع العربون، أو اشتراط مبلغ ماليٍّ جزائيٍّ على من يخالف شروط العقد التي تراضى عليها الطرفان.
ومن ثمَّ: فإنَّ هذا العقد المضروب لشراء محصول الموز بينك وبين صاحب المحصول، هو عقدٌ جائز شرعًا، ولا شيء فيه، وأن الاختلاف بين صيغَتيه إنَّما هو في الإجراءات المتفق عليها بين طرفي العقد لإتمام عملية البيع والشراء.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم تعديل سعر البيع بسبب ارتفاع الأسعار؟ فنحن شركة للاستثمار العقاري، نقوم بشراء الأرض وبنائها وبيع الوحدات بها، وفي عام 2005م بدأنا في عملية إنشاء مبنًى، وتمَّ حساب المدة المقدَّرة للتنفيذ وتسليم الوحدات في أغسطس 2008م، على أن تكون الوحدات بنظام نصف التشطيب -محارة، واجهات، كابلات كهرباء رئيسة- وتقدم بعض العملاء لشراء الوحدات التي سيتم إنشاؤها بالتقسيط حتى موعد التسلم ودفع مقدَّم تعاقد قدره خمسة وعشرون بالمائة من قيمة الوحدة، وتم تقدير قيمة الوحدة على حسب سعر الأرض -الأرض بالتقسيط أيضًا- وتكلفة الإنشاء وهامش ربح محدد من إدارة الشركة. وتم التعاقد على بيع عدد من الوحدات بالنظام السابق ذكره، لكن عند البدء في تنفيذ المشروع فوجئنا بارتفاع متتالٍ في أسعار المواد المختلفة؛ حديد، أسمنت، ألومنيوم، خشب، كابلات كهرباء، عمالة …إلى آخره من مواد لازمة للإنشاء والتشطيب الجاري العمل به حتى الآن.
فما مدى إمكانية تعديل سعر البيع للعقود السابقة؛ نظرًا للارتفاع في أسعار مواد البناء؟ حيث إن كل العقود السابقة تأثر إنشاؤها بالفعل -وما زال يتأثر- بارتفاع أسعار مواد البناء السابق ذكرها، خاصةً أننا الآن في مرحلة التشطيب الداخلي والخارجي لكافة الوحدات.
سائل يقول: اشتريت من أخي قطعة أرض تابعة لجمعية العاملين بهيئة معينة، ودفعت له الثمن، وأخي كان قد اشترى الأرض من شقيق زوجته، وتمَّ تحرير العقد مع المالك الأول الذي يعمل بالهيئة، وعند مطالبة الأرض تم رفض الاعتراف بهذا العقد، لأن لائحة الجمعية تنصُّ على أنَّ الأرض للعاملين بها، ولا يجوز بيعها للآخرين، وقد حاولت استرداد ما دفعته دون جدوى.
وسؤالي: ممَّن أطلب مالي الذي دفعته؟ وما رأي الشرع فيمَن يمتنع عن ردّ مالي ممَّن يثبت في حقه أنه مطالبٌ بالسداد؟
ما حكم شراء السلع التي عليها خصومات ثم بيعها بسعر أعلى من سعر الشراء؟ فهناك رجلٌ يعمل في شركةٍ توفر للعاملين بها خصوماتٍ على منتجاتها، فهل يجوز له شراء السلع للحصول على تلك الخصومات ثم بيعها بالثمن الأصلي بالسُّوق المحلي؟ علمًا بأنه قد لا يكون في حاجة إليها عند شرائها، وإنما يشتريها لغرض أن يبيعها بهامش ربح.
ما حكم الشرع في الكسب المبني على الغش والخداع والتحايل على الناس؟
ما حكم بيع سيارة بالتقسيط عن طريق البنك؟ فهناك معرض يقوم ببيع سيارات بالتقسيط وبالنقد، وفي حالة البيع لا يتقاضى مقدَّمًا من الثمن، إلا أنه يحرِّر بثمن السيارة شيكات إلى البنك، وبعدها يقوم البنك بإعطاء صاحب المعرض ثمن السيارة نقدًا، ويقوم البنك بعد ذلك بتحصيل الشيكات المقسطة من المشتري. فما الحكم في البيع بهذه الصورة؟
ما حكم بيع وشراء العملات والحسابات داخل الألعاب الإلكترونية؟ حيث توجد بعض الألعاب المنتشرة على شبكة الإنترنت تكون بين مجموعة من اللاعبين، يأخذ كل متسابق في بداية اللعبة عددًا من العملات الخاصة باللعبة (coins)، فإذا خسر قَلَّ عدد هذه العملات، وإذا تقدم في اللعبة زاد عددها، كما أنَّ اللاعب عند وصوله إلى مستوى معين يكون قد جمع الكثير من هذه العملات ولا يكون في حاجة إليها، فيبيعها لغيره بأموال حقيقية، عن طريق تحويلها إلى حساب الشخص الآخر في اللعبة، أو يبيع حساب اللعبة (account) بالكامل، بأن يعطي اسم الحساب والرقم السري للمشتري؛ فما حكم ذلك شرعًا؟