ما حكم تأخير الإنجاب باستخدام الوسائل الحديثة لمنع الحمل؟
يجوز للزوجين الاتفاق على تأخير الإنجاب، إذا كان في ذلك مصلحة تخصُّهما أو أحدهما، ويجوز استخدام وسائل منع الحمل الحديثة لهذا الغرض -بشرط اتفاق الزوجين عليه-، ما دامت بإشراف طبي، ولا يترتب على استخدام تلك الوسيلة ضررٌ أو تعطيل خاصِّيَة الحمل بشكل نهائِيٍّ.
المحتويات
إذا غلب على ظنِّ الزوجَيْن أنَّهما غيرُ قادرَيْن على هذه المسؤولية، أو قَرَّرا عدمَ الإنجاب لمصلحةٍ معينةٍ -كأن يكون في الإنجاب خطورة مثلًا على صحَّة الزوجة- فاتفقا على تأخير الإنجاب، فلا حَرَجَ عليهما في ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾ [البقرة: 233].
ولأنَّه لم يرِد في كتاب الله تعالى نصٌّ يُحرِّم تأخير الإنجاب أو تقليلَه، واتفاقهما على تأخير الإنجاب في هذه الحالة يُقاس على العزل.
والعزل: هو أن يجامع، فإذا قارب الإنزال، نَزَع فأنزل خارج الفرج؛ ينظر: "روضة الطالبين" للنووي (7/ 205، ط. المكتب الإسلامي).
ووجه القياس: اشتراك العزل والاتفاق على تأجيل الإنجاب في المآل، وهو عدمُ حصول العلوق.
ويظهر من ذلك أن الاتفاق بين الزوجين على تأخير الإنجاب أصله قائم على أن الولد وحقَّ الإنجاب من الحقوق الزوجية المشتركة.
قال الإمام الماوردي في "الحاوي الكبير" (9/ 320، ط. دار الكتب العلمية): [الحق في ولد الحرة مشترك بينهما] اهـ.
قد ذهب جمهور العلماء إلى أنَّ العزلَ مباحٌ في حالة اتفاق الزوجين على ذلك؛ مستدِلِّينَ بما رواه الشيخان عن جابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: "كُنَّا نَعْزِلُ وَالقُرْآنُ يَنْزِلُ"، وعند مسلم: زاد إسحاق، قال سفيان: "لو كان شيئًا يُنهَى عنه لنهانا عنه القرآن"، وفي رواية أخرى عنده: "فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَنْهَنَا".
وروى الشيخان -واللفظ للبخاري- عن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة بني المصطلق، فأصبنا سبيًا من سبي العرب، فاشتهينا النساء، واشتدَّت علينا العزبة وأحببنا العزل، فأردنا أن نعزل، وقلنا نعزل ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين أظهرنا قبل أن نسأله، فسألناه عن ذلك، فقال: «مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ إِلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ».
وروى الإمام مسلم في "صحيحه" عن جابر رضي الله عنه أنَّ رجلًا أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: إنَّ لي جارية، هي خادمنا وسَانِيَتُنَا، وأنا أطوف عليها، وأنا أكره أن تحمل، فقال: «اعْزِلْ عَنْهَا إِنْ شِئْتَ، فَإِنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا»؛ قال الإمام ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (7/ 61-62، ط. مكتبة الرشد): [قال الطحاوي: وقوله عليه السلام: «مَا عَلَيْكُمْ أَلَّا تَفْعَلُوا» إلى آخر الحديث، فيه دليلٌ أن العزلَ غير مكروه؛ لأنه عليه السلام لمَّا أخبروه أنهم يفعلون ذلك لم يُنكِره عليهم، ولا نهاهم عنه، وقال: «مَا عَلَيْكُمْ أَلَّا تَفْعَلُوا فَإنَّما هُو القَدَرُ»] اهـ.
وقال الإمام ابن نجيم الحنفي في "البحر الرائق" (3/ 214، ط. دار الكتاب الإسلامي): [العزل جائز بالإذن، وهذا هو الصحيح عند عامة العلماء] اهـ.
وقال العلامة الخرشي المالكي في "شرحه على مختصر خليل" (3/ 225، ط. دار الفكر): [يجوز للرجل أن يعزل عن زوجته] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "روضة الطالبين" (7/ 205) عند حديثه عن العزل: [لا يحرم في الزوجة على المذهب، سواء الحرة والأمة بالإذن وغيره] اهـ.
وقال العلامة البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (5/ 189، ط. دار الكتب العلمية): [(ويحرم العزل عن الحرة إلا بإذنها)؛ لما روي عن عمر رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يُعزَل عن الحرة إلَّا بإذنها". رواه أحمد وابن ماجه؛ ولأنَّ لها في الولد حقًّا، وعليها في العزل ضرر، فلم يَجُزْ إلا بإذنها] اهـ.
تأسيسًا على ذلك: فإنَّ استخدام وسائل منع الحمل الحديثة جائز؛ قياسًا على العزل الثابت جوازه بما تقدَّم، إذ إنهما يشتركان في عدم حصول العلق، ويدخل في ذلك كلُّ وسائل منع الحمل الحديثة؛ ما لم يترتب على استخدام تلك الوسائل عدم الصلاحية للإنجاب مرة أخرى، فإن كانت وسيلةٌ ما يترتب عليها عدم الصلاحية للإنجاب مرة أخرى فهي ممنوعة؛ وذلك لما فيها من تعطيل الإنسال المؤدي إلى إهدار ضرورة المحافظة على النسل، وهي إحدى الضرورات الخمس التي جعلها الإسلام من مقاصده الأساسية.
أما إذا وجدت ضرورة لذلك كأن يُخشى على حياة الزوجة من الهلاك إذا ما تم الحمل مستقبلًا أو كان هنالك مرض وراثي يُخشى من انتقاله للجنين فيجوز استخدام تلك الوسيلة، والذي يحكم بذلك هو الطبيب الثقة المختص، وألَّا يترتب على استخدام تلك الوسيلة ضرر.
بناءً على ذلك: فإنه يجوز للزوجين الاتفاق على تأخير الإنجاب، إذا كان في ذلك مصلحة تخصُّهما أو أحدهما، ويجوز تعاطي وسائل منع الحمل الحديثة لهذا الغرض -بشرط اتفاق الزوجين عليه-، ما دامت بإشراف طبي، ولا يترتب على استخدام تلك الوسيلة ضررٌ أو تعطيل خاصِّيَة الحمل بشكل نهائِيٍّ.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
هل استعمال بخاخة الربو للمريض عند الاحتياج إليها يُعدُّ من المُفطِّرات في الصوم؟
يطلب السائل بيان الحكم الشرعي في علاج الجنين بداخل بطن أمه من احتباس في مجرى البول عن طريق الجراحة، وذلك حفاظًا على حياته دون حدوث أي ضرر للأم.
يقول السائل: يعاني صديق لي من مرض نفسي يحتاج إلى المتابعة مع الطبيب النفسي والعلاج؛ فهل يجب على مَن يُعَالج من مرض نفسي أن يخبر مخطوبته بذلك؟
ما حكم التطعيم بلقاح كورونا؛ فقد ورد طلب مُقدَّم من معالي السيد/ وزير الشؤون الإسلامية بماليزيا، والمتضمن:
توافقًا وتماشيًا مع القضايا الفقهية المستجدة المعاصرة لواقعنا، وانطلاقًا من قوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43]، تلتمس وزارة الشئون الإسلامية بماليزيا تبيين وتوضيح أحكام جائحة (كوفيد-19) كورونا المستجد، ومع ترقب إطلاق لقاح فيروس (كوفيد-19)، وما له من أهمية وأثر بالغين، وحيث إن موضوع الحل والحرمة أمر حساس، وله شأن كبير لدى المسلمين عامة، والماليزيين خاصة؛ فإننا نلتمس من دار الإفتاء المصرية المحترمة موافاتنا بحكم استخدام اللقاح بشكل فقهيٍّ منضبط ومؤصل، وذلك حرصًا لخدمة الدين الحنيف، ومواءمة لروح العصر وأحكامه؟ شاكرين لكم حسن إسهامكم لخدمة دين الله وأحكامه، ومشاركتكم لنا في ذلك.
ما هو رأي الدين في الطبيب الذي يخطئ في تشخيص مرضٍ ما، أو يُجري جراحة تؤدي إلى الإصابة بعاهة مستديمة أو فقدان الحياة؟
ما حكم الزكاة في عيادات الأسنان؟ وما كيفيتها؟ فهناك طبيب أسنانٍ يَملِك عيادةً، ويشتري لنشاطها كافةَ اللوازم الطبية لإجراء الفحوصات للمرضى والعلاج، سواء في ذلك الأدوات، أو المواد المستعمَلة في العلاج كالحشو والتركيبات وغير ذلك، ويسأل: هل تجب عليه زكاة هذه العيادة بمشتملاتها؟ وإذا وَجَبَت فما آلية حساب الواجب عليه من الزكاة شرعًا؟