سائل يقول: ورد في السنة النبوية بعض الأحاديث التي تنهى عن الجلوس على القبر، وورد أيضًا ما يفيد جواز ذلك. فنرجو منكم بيان هذا الأمر، وذكر الحالات التي بيَّن فيها الفقهاء جواز الجلوس على القبر وعدمه.
ورد في السنة المشرفة النهيُ عن الجلوس على القبر في غير ما حديث؛ منها ما أخرجه الإمام أحمد في "المسند"، ومسلم في "صحيحه"، وأبو داود والنسائي وابن ماجه في "السنن"، وابن حبان في "صحيحه" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ، فَتَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ».
كما ورد في السنة ما يقتضي جواز الجلوس عند القبر؛ فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، فَأَتَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ".. إلخ الحديث. متفق عليه.
وروى البخاري في "الصحيح" من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "شَهِدْنَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ جَالِسٌ عَلَى القَبْرِ، فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ".
وقد اتفق الفقهاء على جواز الجلوس على القبر عند الدفن، كما اتفقوا على أن الجلوس عليه لقضاء الحاجة لا يجوز قولًا واحدًا.
واختلفوا في المراد من أحاديث النهي عن الجلوس على القبر:
فمنهم من أجاز الجلوس على القبر، وحمل النهي على الجلوس للحديث وقضاء الحاجة؛ احترامًا لصاحبه؛ لأن حرمة الميت كحرمة الحي، وهذا التوجيه مرويٌّ عن أبي هريرة وزيد بن ثابت رضي الله عنهما، كما ورد عن بعض الصحابة الجلوس على القبر؛ كعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وهذا مذهب الإمام مالك، ونقله الإمام الطحاوي عن الإمام أبي حنيفة وأصحابه.
أمَّا الشافعية والحنابلة فيحملون النهي على الكراهة لا على التحريم، ويجعلونه عامًّا في كل جلوس، إلا للحاجة؛ كأن لا يكون له طريق إلى قبر من يزوره إلا بالوطء، وكحالة الدفن وعند القراءة على القبر، وفي معناها الدعاء للميت، والقول بالكراهة هو المذكور في كتب الحنفية، وهو مروي أيضًا عن جماعة من السلف.
قال العلامة الشرنبلالي الحنفي في "مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح" (ص: 229، ط. المكتبة العصرية): [(ولا يُكره الجلوسُ للقراءة على القبر في المختار)؛ لتأدية القراءة بالسكينة والتدبر والاتعاظ، (وكره القعود على القبور بغير قراءة)] اهـ.
وقال الإمام الباجي المالكي في "المنتقى" (2/ 24، ط. مطبعة السعادة): [تأول مالك رحمه الله هذا على أن النهي عن الجلوس على القبور إنما تناول الجلوس عليها لقضاء الحاجة، وقد قال مثلَ قول مالكٍ: زيدُ بن ثابت رضي الله عنه، وهو الأظهر؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد زار القبور وأباح زيارتها، ولا خلاف بين المسلمين في جواز الجلوس عليها عند الدفن؛ فيُحمَل الحديث على ذلك، ويجمع بينه وبين ما رُوِيَ مِن قول علي رضي الله عنه وفعله] اهـ.
وقال الإمام المواق المالكي في "التاج والإكليل" (3/ 74، ط. دار الكتب العلمية): [عندنا أن الجلوس على القبر جائز، والمراد بالنهي عن ذلك الجلوسُ عليه للغائط والبول؛ كذا فسره مالك، ورُوي ذلك مُفَسَّرًا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكان علي رضي الله عنه يتوسَّدُها ويجلس عليها] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "الكافي" (1/ 372، ط. دار الكتب العلمية): [فإن لم يكن طريق إلى قبر من يزوره إلا بالوطء جاز؛ لأنه موضع حاجة] اهـ.
وقال العلامة الحجاوي الحنبلي في "الإقناع" (1/ 233، ط. دار المعرفة): [ويُكرَه المبيتُ عنده.. والجلوسُ والوطءُ عليه؛ قال بعضهم: إلَّا لحاجة] اهـ. وممَّا ذُكِر يُعلَم الجواب عما جاء بالسؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما هي شروط صلاة الجنازة على الغائب؟ حيث تُوفِّيَ صديق لي أثناء عمله بالخارج ولم أعرف بذلك إلا بعد شهر من وفاته، وأريد أن أصلي عليه صلاة الغائب؛ فأخبرني شخص أنه بمرور شهر على وفاته لا تجوز الصلاة عليه؛ فهل يحق لي أن أصلي عليه؟ وهل هناك مدة معينة لصحة الصلاة على الغائب من بعد موته؟ وما شروط صلاة الجنازة على الغائب؟
ما حكم الشهادة للميت والثناء عليه عند دفنه؟ فإنه عند حضوري لدفن أحد الأموات، قام أحدُ المُشَيِّعِين بعد الانتهاء مِن دفن الميت متوجِّهًا إلى الناس، وسألهم: ما قولُكم في هذا الرجل؟ وبأيِّ شيءٍ تَشهَدُون له؟ فأَثْنَوْا عليه خيرًا، وشَهِدُوا له بالصلاح وأعمال الخير.
ما حكم عدم تغسيل المتوفى بفيروس كورونا؟ فنحن نعيشُ في دولة أوروبية، وقد تُوفي معنا شخصٌ مسلمٌ بفيروس كورونا الوبائي، ولكن عندما هممنا أن نجهزه للدفن منعتنا السلطات من تغسيله، وأخبرت بأن جسمه ما زال حاملًا للفيروس. فما الحكم لو دفناه من غير تغسيل؟ هل يُعدُّ هذا الفعل امتهانًا لحقوق الميت وتقصيرًا منا تجاهه؟
ما حكم صلاة الجنازة والقيام بالدفن في أوقات الكراهة؟
ما حكم التعدي على الأضرحة ونبش قبور الأولياء؟ حيث يوجد عندنا في القرية مسجد قديم في مقدمته ضريح؛ فأراد أهل القرية هدمه وتوسعة المسجد، وأثناء عملية الهدم وجدنا بالضريح عظامًا لصاحبه؛ فقمنا بتكفينها ودفنها في مقبرة ولي آخر؛ فلما تمَّ الانتهاء من بناء وتوسعة المسجد، قال بعضنا: لابدَّ من بناء مقبرة داخل المسجد والنبش عن هذه العظام وإعادتها إلى هذه المقبرة في المسجد مرة أخرى؛ فما حكم ذلك شرعًا؟
ما حكم انفراد النساء بالصلاة على الجنازة جماعة؟ حيث أعيش في إحدى الدول الأوربية، وتوفيت صديقة لي وليس لها أهل ولا أقارب يعيشون معنا في هذه الدولة، فجمعتُ صديقاتي وصلينا عليها بعد تجهيزها، فهل تصح صلاتنا هذه؟ وهل يسقط بذلك فرض الكفاية أو لا؟