ما حكم الخروج من صلاة الفريضة بسبب مدافعة الأخبثين؟ فقد كنت على سفر، وفي الطريق توقفت السيارة في مكان للاستراحة، ونزل الركاب لأداء الصلاة، وكنت أشعر بأني أريد الذهاب لقضاء حاجتي، لكن أجَّلت ذلك بسبب الزحام على دخول الحمامات، ودخلت المسجد لأدرك صلاة الفريضة في جماعة، وأثناء الصلاة لم يكن في مقدرتي التحمُّل في دفع حاجتي، وذهب خشوعي في الصلاة بالكلية، فخرجت مضطرًّا من الصلاة، وذهبت للحمام؟
الصلاة مع احتباس الريح أو الغائط -مدافعة الأخبثين- مكروهة إذا كانت تُخِلُّ بخشوعه وحضور قلبه في الصلاة، لكن إذا شرع في الصلاة ليلحق بالجماعة، وتمالك نفسه، وكانت مدافعته للأخبثين خفيفة فصلاته صحيحة، أما في حالة إذا لم يقدر على أن يدافع الأخبثين فإنه يجب عليه أن يقطع الصلاة لتلك الضرورة، ثم يقضي الصلاة بعد ذلك، ولا حرج عليه شرعًا في كونه قَطَعَ صلاة الجماعة أو خرجتِ الصلاة عن وقتها، فهو معذورٌ لتلك الضرورة.
المحتويات
من المقرر شرعًا أن أداء صلاة الفريضة مستوفيةً أركانَها وشروطَها يجعلها صحيحة شرعا؛ فقد قال عزَّ وجلَّ في كتابه العزيز: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُون الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: 1- 2].
قال الإمام النَّسَفِي في "مدارك التنزيل وحقائق التأويل" (2/ 458، ط. دار الكلم الطيب): [﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾؛ خائفون بالقلب ساكنون بالجوارح، وقيل: الخشوع في الصلاة: جمع الهمة لها، والإعراض عما سواها، وألَّا يجاوز بصره مصلاه، وألَّا يلتفت ولا يعبث ولا يُسدِل ولا يُفرقِع أصابعه ولا يُقلِّب الحصى ونحو ذلك، وعن أبي الدرداء: هو إخلاص المقال، وإعظام المقام، واليقين التام، وجمع الاهتمام] اهـ.
والخشوع في الصلاة لا يتأتَّى إلَّا إذا كان ذهن المصلي خاليًا من الشواغل؛ لذا فقد ذهب فقهاء الحنفية إلى أن صلاة الشخص الحاقن -الذي يدافع الأَخْبَثَيْن (البول والغائط) أو أحدَهما- مكروهٌ كراهة تحريم؛ سواء كان قبل شروعه أو بعده، وقرروا أنه إن شَغلته تلك المدافعة عن الصلاة قَطَعَها خروجًا من الخلاف إن لم يخف فوات الوقت، وإن أتمها على هذه الحالة أَثِمَ.
قال العلامة الحَصْكَفِي الحنفي في "الدر المختار" (ص: 89، ط. دار الكتب العلمية) في أسباب قطع الصلاة: [ويستحب لمدافعة الأَخْبَثَيْن، وللخروج من الخلاف إن لم يَخَفْ فوت وقتٍ أو جماعة] اهـ.
قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار على الدر المختار" (1/ 654، ط. دار الفكر) مُحَشِّيًا عليه: [(قوله: ويستحب لمدافعة الأَخْبَثَيْن).. من أنه إن كان ذلك يشغله -أي يشغل قلبه عن الصلاة وخشوعها- فأتمها يأثم لأدائها مع الكراهة التحريمية، ومقتضى هذا أن القطع واجبٌ لا مستحبٌّ، ويدل عليه الحديث المار: «لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُصَلِّيَ وَهُوَ حَاقِنٌ حَتَّى يَتَخَفَّفَ» اللهم إلا أن يُحمَل ما هنا على ما إذا لم يشغله، لكن الظاهر أن ذلك لا يكون مسوغًا؛ فليُتأمل، ثم رأيت الشُّرُنْبُلَالي بعدما صرح بندب القطع كما هنا قال: وقضية الحديث توجبه] اهـ.
ذهب فقهاء المالكية إلى بطلان صلاة الحاقن والحاقب إذا كان في الإتيان بها معه مشقة أو مشغلة، أما إذا كان شيئًا خفيفًا لا يُعجِلُ فلا يؤثر في صحة الصلاة.
جاء في "المدونة" للإمام مالك (1/ 139، ط. دار الكتب العلمية): [في الصلاة بالحقن، قال: وسألت مالكًا عن الرجل يصيبه الحقن.
قال: إذا أصابه من ذلك شيء خفيف رأيت أن يصلي، وإن أصابه من ذلك ما يشغله عن صلاته فلا يصلي حتى يقضي حاجته ثم يتوضأ ويصلي.. وقد بلغني ذلك عن مالك ثم قال: قال عمر بن الخطاب: "لا يصلي أحدكم وهو ضامٌّ بين ورِكَيْه"، قال يحيى بن أيوب، عن يعقوب بن مجاهد، أن القاسم بن محمد وعبد الله بن محمد حدثاه، أن عائشة حدثتهما قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لَا يَقُومُ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلَاةِ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ: الْغَائِطُ وَالْبَوْلُ»] اهـ.
وقال الإمام أبو زيد القَيْرَوَاني المالكي في "النوادر" (1/ 241، ط. دار الغرب الإسلامي): [ولا بأس أَنْ يصلي بالحقن والغائط يحبسه، إذا كان شيئًا خفيفًا، لا يُعجِلُه، وإذا عَجِلَه فليجعل يده على أنفه كالراعف، ويخرج فيتوضأ ويبتدئ. قال ابن حبيب: ومعنى ما نهي عنه من الصَّلَاة بحضرة الطعام أَنْ يكون جائعًا قد جهد واشتهاه، فيشغله ذلك في الصَّلَاة، وكذلك وهو يدافعه الأخبثان: الغائط والبول] اهـ.
ذهب الشافعية -في مشهور المذهب- والحنابلة إلى صحة صلاة الحاقن مع الكراهة، وهذه الكراهة مختصة بما إذا بدأ الصلاة وهو على هذه الحالة، أما إذا طرأت له مدافعة الأخبثين وهو في الصلاة فليس له الخروج من الصلاة إذا كانت مفروضة إلَّا إن ظَنَّ حصول ضررٍ بكتمه، ومع ذلك فقد قرر الشافعية أنه يُستحب أن يفرغ نفسه من ذلك إذا اتسع الوقت وإن فاتته الجماعة، بل حُكِي قولٌ في المذهب بأنه يستحب ذلك وإن فات الوقت.
قال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (4/ 105-106، ط. دار الفكر): [يُكره أن يصلي وهو يدافع البول أو الغائط أو الريح، أو يحضره طعام أو شراب تتوق نفسه إليه؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ» رواه مسلم، قال أصحابنا: فينبغي أن يزيل هذا العارض ثم يشرع في الصلاة، فلو خاف فوت الوقت فوجهان: الصحيح الذي قطع به جماهير الأصحاب: أنه يصلي مع العارض محافظة على حرمة الوقت، والثاني حكاه المتولي: أنه يزيل العارض فيتوضأ ويأكل وإن خرج الوقت ثم يقضيها؛ لظاهر هذا الحديث، ولأن المراد من الصلاة الخشوع، فينبغي أن يحافظ عليه، وحكى أصحابنا الخراسانيون وصاحب "البيان" عن الشيخ أبي زيد المروزي: أنه إذا انتهى به مدافعة الأخبثين إلى أن ذهب خشوعه لم تصح صلاته، وبه جزم القاضي حسين، وهذا شاذ ضعيف، والمشهور من مذهبنا ومذاهب العلماء: صحة صلاته مع الكراهة، وحكى القاضي عِيَاض عن أهل الظاهر بطلانها] اهـ.
وقال الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (1/ 422، دار الكتب العلمية): [(و) تكره (الصلاة حاقنًا) -بالنون- أي: مدافعا للبول (أو حاقبًا) -بالموحدة- أي: مدافعا للغائط أو حازقًا -بالقاف- وهو مدافع الريح، أو حاقنًا بهما، فيُستحب أن يفرغ نفسه من ذلك إذا اتسع الوقت وإن فاتته الجماعة.. وقيل يستحب وإن فات الوقت] اهـ.
وقال الإمام ابن قُدَامة الحنبلي في "المغني" (1/ 450-451، ط. مكتبة القاهرة): [مسألة: قال: (وإذا حضرت الصلاة، وهو يحتاج إلى الخلاء، بدأ بالخلاء) يعني إذا كان حاقنًا كُرهت له الصلاة حتى يقضي حاجته، سواء خاف فوات الجماعة أو لم يَخَفْ.. والمعنى في ذلك أن يقوم إلى الصلاة وبه ما يشغله عن خشوعها وحضور قلبه فيها، فإن خالف وفعل صحت صلاته في هذه المسألة وفي التي قبلها، وقال ابن أبي موسى: إن كان به من مدافعة الأخبثين ما يزعجه ويشغله عن الصلاة أعاد في الظاهر من قوله؛ لظاهر الحديثين اللذين رويناهما] اهـ.
فهذه النصوص وغيرها تفيد أن الشريعة الإسلامية مبناها على التيسير، والشرع الشريف قد نهى أن يُحمِّل الإنسانُ نفسَه فوق طاقتها، وقد نص على ذلك المعنى الإمام العز ابن عبد السلام في "قواعد الأحكام في مصالح الأنام" (2/ 26، ط. مكتبة الكليات الأزهرية) فقال: [أن يُنهَى عن الشيء لفوات فضيلة في العبادة، فلا يقتضي الفساد، كالنهي عن الصلاة مع مدافعة الأخبثين، فإنه يُنهَى عن ذلك؛ لما فيه من تشويش الخشوع، ولو ترك الخشوع عمدًا لصحت الصلاة] اهـ.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن الصلاة مع احتباس الريح أو الغائط -مدافعة الأخبثين- مكروهة إذا كانت تُخِلُّ بخشوعه وحضور قلبه في الصلاة، لكن إذا شرع في الصلاة ليلحق بالجماعة، وتمالك نفسه، وكانت مدافعته للأخبثين خفيفة فصلاته صحيحة، أما في حالة إذا لم يقدر على أن يدافع الأخبثين فإنه يجب عليه أن يقطع الصلاة لتلك الضرورة، ثم يقضي الصلاة بعد ذلك، ولا حرج عليه شرعًا في كونه قَطَعَ صلاة الجماعة أو خرجتِ الصلاة عن وقتها، فهو معذورٌ لتلك الضرورة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
هل يجوز لأحد الأفراد أن يؤذن للصلاة، أم لا بد أن يكون المؤذن معينًا لهذه المهمة؟
سائل يقول: يحدث أثناء المحاضرة أن يقوم بعض الطلبة بترك المحاضرة للصلاة بعد الأذان مباشرة، ولما نبهت إلى أنه يمكن تأجيل الصلاة إلى ما بعد المحاضرة، فقام بعض الطلاب بكتابة رد يتضمن بعض المناقشات.
والسؤال: هل لا بد أن تؤدى الصلاة بعد وقت الأذان مباشرة؟ وهل واجب الإدارة أن تقوم بتوفير أوقات الصلاة وعدم شغلها بالمحاضرات؟ وهل أترك المحاضرة وقت الصلاة؟
وما الرأي في الآيات والأحاديث والحُجج التي أوردَها بعض الطلاب والتي ظاهرها يؤيد هذا الرأي وهي: قوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء: 103]؟
وحديث: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الصَّلاَةُ لِوَقْتِهَا، وَبِرُّ الوَالِدَيْنِ، ثُمَّ الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ».
وحديث عَائِشَةَ رضي الله عنها: مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: «كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ»
وأنه لو أبيح تأخير الصلاة عن وقتها ولو قليلًا لكان الأمر أولى أثناء الحروب، وهو ما لم يحدث فكانت صلاة الخوف.
ما الذي يجب على ما فاته أداء الصلاة مدة طويلة من الزمن؟
أتقدم إليكم بكل احترام وتقدير بالسؤال عن: دعاء القنوت وتأمين المصلين خلف الإمام، وهيئته: عند دعاء الإمام في قنوت الفجر أو الوتر، بقوله: "اللهم اهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت، وتولَّنا فيمن تولَّيت، وبارك لنا فيما أعطيت" فيرد المأمومون بقولهم: (آمين) ثم يتابع الإمام الدعاء قائلًا: "وقِنا شرَّ ما قضيت" فيرد المأمومون به قائلين (يا الله) ثم يتابع الإمام بقوله: "فإنك تقضي بالحقِّ ولا يُقضى عليك" فيرد المأمومون به قائلين (حقًّا)، ثم يتابع الإمام الدعاء بقوله: "إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت" فيرد عليه المأمومون به قائلين (نشهد)، ثم يتابع الإمام الدعاء بقوله: "تباركت ربنا وتعاليت" فيرد عليه المأمومون به قائلين (يا الله).
فما هو الحكم الشرعي في رد المأمومين على الإمام بقولهم (حقًّا)، و(نشهد)، و(يا لله)؟ ولفضيلتكم جزيل الشكر.
ما حكم الدعاء بعد الإقامة للصلاة؟ حيث يوجد بجوار سكني بعاصمة المحافَظَة زاويةٌ صغيرةٌ أقوم في بعض الأحيان بإلقاء خُطبة الجمعة فيها عند غياب الإمام، أو أتولى إمامة الصلاة في بعض الفروض عند غياب مقيم الشعائر، ولا يتم ذلك إلا إذا قدمني المُصَلُّون للإمامة بحكم سِنِّي وثقافتي المتواضعة، وهذا الوضع متكررٌ منذ سنوات، وقد تعودت أن أتلو دعاءً قبل أن أرفع تكبيرة الإحرام للدخول في الصلاة أي بعد أذان الإقامة وقبل تكبيرة الإحرام، والدعاء كما يلي: "اللهم آت سيدنا محمدًا الوسيلة والفضيلة، والدرجة العالية الرفيعة، وابعثه اللهم مقامًا محمودًا الذي وعدته، إنك لا تخلف الميعاد، اللهم أقِمها وأدِمها ما دامت السماواتُ والأرضُ". وقد قَصَدْتُ بهذا الدعاء أن أدعو ربي أوَّلًا، وأن أُمَكِّنَ بعضَ المصلين الذين لم يفرغوا من صلاة السنة بعد أن يلحقوا بصلاة الجماعة من أولها، وأن يُدرك بعض المصلين الذين يتوضؤون الصلاةَ أيضًا، إلا أنني فوجئت بأحد المصلين يقول لي: إن ما تلوته من دعاءٍ بدعةٌ ولا يجوز، لأنك تزيد في الدِّين ما لم يَرِد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإنك بهذا الدعاء تُشابِه اليهودَ والنصارى الذين زادوا في دِينهم، وأنَّ دعاءك: "اللهم أقِمها وأدِمها ما دامت السماواتُ والأرضُ" مُخالِفٌ لِنَصِّ القرآن، فما كان مِنَّي إلا أن صَمَتُّ حتى لا تَحدُثَ بَلْبَلَة بين المُصَلِّين، ودَعَوْتُ له بالهداية. لذا أرجو التفضل بالإفادة بالرأي الشرعي في هذه المسألة.
ما حكم قضاء صلاة العيد لمن فاتته الصلاة؟ فأنا رجلٌ نومي ثقيل، وفاتتني صلاة العيد بسبب ذلك، وأنا أحزن كثيرًا لهذا؛ فهل يجوز لي قضاء صلاة العيد متى فاتتني، أم أنَّها لا تُقضى؟