هل يجوز شراءُ الأضحيةِ بوَزْنِها لحمًا بعد الذبح؟ -عِلمًا بأنَّ ذلك يحدُث عندنا في سريلانكا-؛ وذلك لتلاشي الغش والتدليس الذي قد يَحدُث مِن بعض التجار، كعَلْف الأضحية بالملح حتى تُكثِر مِن شرب الماء، فيزيد وَزْنُها وتبدو عند الشراء سمينةً على غير الحقيقة.
لا يجوز شرعًا شراءُ الأضحية بوَزْنِها لحمًا بعد الذبح، بل يُشترط مِلْكُ المضحي لها قبل الذبح، فإذا أراد المضحي أن يتلاشى الغش الذي قد يحدث مِن بعض البائعين، والذي يترتب عليه نقصانٌ كبيرٌ في الأضحية بعد الذبح، فله أن يشتريها بقيمتها قبل الذبح على ما هي عليه، على أنها إن نقصت عن وزنٍ معينٍ مِن اللحم بعد الذبح فإن البائع يضمن قيمة هذا النقص.
المحتويات
الأضحية: هي اسم لما يُذْبَحُ من الإبل والبقر والغنم في أوقاتٍ مخصوصةٍ تقربًا إلى الله تعالى، وهي إحدى شعائر الإسلام، وأعظم أعمال يوم النحر وأحبها إلى الله تعالى؛ فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أَن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، إِنَّهَا لَتَأْتي يَوْمَ القِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا، وَإنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الْأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا» أخرجه الأئمة: الترمذي -واللفظ له- وابن ماجه والبيهقي في "السنن"، والحاكم في "المستدرك" وصححه.
والأصل في مشروعيتها مِن الكتاب: قول الله تعالى في مُحكَم التنزيل: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: 1- 2].
ومِن السُّنَّة: ما أخرجه الإمامان البخاري ومسلم في "صحيحيهما" عن أنس رضي الله عنه قال: «ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى، وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا».
قد اتفق الفقهاء على أنه يُشترط في الأضحية أن تكون مملوكةً للمضحي قبل الذبح؛ لأنَّها قُرْبَةٌ ماليَّةٌ، فلا يَصِحُّ أداؤها بلا مِلْكٍ؛ كما في "البناية" لبدر الدين العَيْنِي الحنفي (12/ 4، ط. دار الكتب العلمية)، و"حاشية العلامة الصاوي المالكي على الشرح الصغير" (2/ 137، ط. دار المعارف)، و"تحفة المحتاج في شرح المنهاج" لشيخ الإسلام ابن حَجَر الهَيْتَمِي الشافعي (9/ 367، ط. المكتبة التجارية الكبرى)، و"الإنصاف" لعلاء الدين المَرْدَاوِي الحنبلي (4/ 105، ط. دار إحياء التراث العربي).
والأصل في الملك أن يكون تامًّا، ويتحقق ذلك في الأضحية باجتماع المِلْكِ مع اليَدِ (الحيازة)، بحيث تكون مملوكةً للمضحي -أو المُضَحِّين إذا كانت الأضحيةُ مِن البقر أو الإبل واشترك فيها سبعةٌ فمَن دونهم- دون أن يتعلق بها استحقاقٌ للغير.
قال العلامة أبو بكر الحَدَّادِي في "الجوهرة النيرة" (1/ 114، ط. المطبعة الخيرية): [المِلْكُ التامُّ: هو ما اجتمع فيه المِلْكُ واليَدُ] اهـ.
وقال برهان الدين ابن مُفْلِح في "المبدع" (2/ 296، ط. دار الكتب العلمية) نقلًا عن الإمام أبي المَعَالِي ابن المُنَجَّى: [المِلْكُ التامُّ: عبارةٌ عمَّا كان بيده، لَم يتعلق فيه حقُّ غيره، يَتصرف فيه على حسب اختياره، وفوائدُه حاصلةٌ له] اهـ.
وقد يكون المِلْكُ بالضمان، ويتحقق ذلك بأن تجتمع اليدُ مع ضمان قيمة الأضحية قبل الذبح، وذلك بأن يستلم المضحي الأضحيةَ مِن البائع حيَّةً، مع كونها مؤجلةَ الثمن المعلوم، ويَثبُتُ المِلْكُ في هذه الحالة مِن وقت الضمان؛ كما في "المبسوط" لشمس الأئمة السَّرَخْسِي (30/ 160، ط. دار المعرفة)، و"المحيط البرهاني" لبرهان الدين ابن مَازَه (7/ 65، ط. دار الكتب العلمية).
فإذا أراد المضحي أن يشتري الأضحيةَ بوَزْنِها لحمًا بعد الذبح واتَّفق مع البائع على ذلك، فإن هذا الاتفاق يُعَدُّ وعدًا بشراء اللحم، وهذا يقتضي أنَّ المبيع -وهو الأضحية- لا يدخل في مِلْكِهِ إلا بعد الذبح؛ لأنها قبل الذبح في هذه الحالة تكون في ضمان البائع لا المضحي، مما يتنافى مع شرط المِلْكِ التامِّ للأضحية أو ضمان قيمتها قبل الذبح، فلا يجزئه ذلك عن الأضحية.
قال علاء الدين الكاساني في "بدائع الصنائع" (5/ 77، ط. دار الكتب العلمية): [ولو أَوْدَعَ رجلٌ رجلًا شاةً يُضحي بها الْمُسْتَوْدَعُ عن نفسه يوم النحر، فاختار صاحبُها القيمةَ ورضي بها فأخذها، فإنها لا تجزي المستودَع مِن أضحيته، بخلاف الشاة المغصوبة والمستحقة، ووجه الفرق: أن سبب وجوب الضمان هاهُنا هو الذبح، والمِلْكُ ثَبَتَ بعد تمام السبب -وهو الذبح-، فكان الذبح مصادفًا مِلْكَ غيره، فلا يجزيه] اهـ.
وقال بدر الدين العَيْنِي في "البناية" (12/ 63): [م: (لو أُودِعَ شاةً فضَحَّى بها). ش: حيث لا تجزيه. م: (لأنه يَضمنه بالذبح، فلَمْ يَثْبُت المِلْكُ له إلا بعد الذبح). ش: فيكون غيرَ مالِكٍ عند التضحية بِوَجْهٍ] اهـ.
فإذا أراد المضحي أن يتلاشى الغش والغبن والضرر الذي قد يحدث مِن بعض البائعين، كأنْ يتم عَلْفُ الأضحية بالملح ونحوه حتى تُكثر مِن شرب الماء فيزيد وَزْنُها وتبدو عند الشراء سمينةً على غير الحقيقة، مما يترتب عليه نقصانٌ كبيرٌ في وزن لحمها بعد الذبح، فإن له حينئذٍ أن يشتريها بقيمتها على ما هي عليه قبل الذبح، على شرط أنها إن نقصت عن وزنٍ معيَّنٍ مِن اللحم -يقرِّر البائعُ أو أهلُ الخبرة أنه الحَدُّ الأدنى لها- بعد الذبح، فإن البائع يضمن قيمةَ هذا النَّقْص، ويجب حينئذٍ الالتزامُ بهذا الشرط والوفاءُ به؛ لأنَّ الأصل في الشروط التي يرتضيها المتعاقدان الصحةُ ما دامت تُحقِّق مصلحةً لهما أو لأحدهما، ولا تخالف مقتضى العقد؛ لحديث عمرو بن عوف المُزَنِي رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا» أخرجه الإمامان: البيهقي في "السنن الكبرى"، والدارقطني في "السنن".
قال علاء الدين الكاساني في "بدائع الصنائع" (6/ 98): [الأصل في الشروط اعتبارُها ما أمكن] اهـ.
وقال الشيخ ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (29/ 346، ط. مجمع الملك فهد): [الأصل في الشروط الصحة واللزوم إلا ما دَلَّ الدليلُ على خلافه.. فإن الكتاب والسُّنَّة قد دَلَّا على الوفاء بالعقود والعهود وذَمِّ الغدر] اهـ.
وقال شمس الدين ابن مُفْلِح في "الفروع" (8/ 268، ط. مؤسسة الرسالة): [الأصل في الشروط: الوفاء] اهـ.
بل هذا الشرط بخصوصه يجري بالقياس على المختار عند الحنفية مِن جواز الرجوع بقيمة النقص في الْمُصَرَّاةِ، وهي "شاةٌ ونحوُهَا سُدَّ ضَرْعُهَا ليجتمعَ لبنُهَا ليظُنَّ المشتري أنَّها كثيرةُ اللَّبَنِ"؛ كما قال كمال الدين ابن الهمام في "فتح القدير" (6/ 400، ط. دار الفكر).
قال علاء الدين الحَصْكَفِي في "الدر المختار" (ص: 411، ط. دار الكتب العلمية): [الشَّاة الْمُصَرَّاة فَلا يَرُدُّهَا مع لَبَنِهَا أو صاعِ تمرٍ، بل يرجع بالنقصانِ على المختار] اهـ.
قال العلامة ابن عابدين في "رد المحتار" (5/ 44، ط. دار الفكر) مُحَشِّيًا عليه: [والحاصل كما في "الحقائق": أنَّه إذا اشتراها فحَلَبَهَا فوجدها قليلةَ اللبن، ليس له أن يرُدَّها عندنا... وهل يرجع بالنقصان عندنا؟ فعلى رواية "الأسرار": لا، وعلى رواية "الطَّحَاوِي": نعم، قال في "شرح المجموع": وهو المختار؛ لأن البائع بفعل التصرية غَرَّ المشتري، فصار كما إذا غَرَّهُ بقوله: إنها لَبُونٌ] اهـ.
هذا، ومما يلزم التنبيه إليه: أنَّ ما قرَّرناه مِن اشتراط مِلْكِ المُضَحِّي للأضحية قبل ذَبْحها، لا يتعارض مع صحة التضحية عن طريق الصكوك؛ لأنها عبارةٌ عن عقدِ وكالةٍ يتضمن شراء الأضحية وذبحها وتوزيعها، ومِن ثَمَّ فإذا اشتُرِيَت الأضحيةُ بالفعل فقد مَلَكَها المضَحِّي حقيقةً ولو بَقِيَ عليه شيءٌ مِن ثَمَنها، وثَبَت له تبعًا لذلك تمامُ مِلكِها، فإذا وَكَّل غيرَه بذبحها عُدَّ ذلك تصرفًا صحيحًا نافذًا شرعًا يحصُل به الثواب.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فلا يجوز شرعًا شراءُ الأضحية بوَزْنِها لحمًا بعد الذبح، بل يُشترط مِلْكُ المضحي لها قبل الذبح، فإذا أراد المضحي أن يتلاشى الغش الذي قد يحدث مِن بعض البائعين، والذي يترتب عليه نقصانٌ كبيرٌ في الأضحية بعد الذبح، فله أن يشتريها بقيمتها قبل الذبح على ما هي عليه، على أنها إن نقصت عن وزنٍ معينٍ مِن اللحم بعد الذبح فإن البائع يضمن قيمة هذا النقص كما سبق بيانه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم أكل النعام؟ حيث يتجه بعض الناس إلى أكل لحم النعام في هذه الأيام، فما حكم ذلك شرعًا؟
ما حكم احتكار أنابيب الغاز وبيعها بأسعار مضاعفة؟ حيث تعاني بعض الأماكن في مصر من عَوز شديد في أنابيب الغاز، ويستغل بعض الناس هذه الأزمة، فيعقدون اتفاقات مع القائمين على المستودعات ليشتروا منهم حصصًا كاملة فيبيعوها بأسعار مضاعفة. فما حكم ذلك في الشرع؟
ما حكم زيادة البائع على السعر الذي اشترى به على الرغم من الاتفاق على عدم الزيادة؟ فهناك رجلٌ اشترى بهيمةً مِن السُّوق، وبعد شرائها بوقت قليل وقبل أن ينفضَّ السوقُ احتاج إلى المال، فعَرَضَها للبيع، فأقبَلَ عليه شخصٌ غيرُ الذي ابتاعَها منه ليشتريها منه، واتفَقَ معه على أنه سيبيعُها له بالثمن الذي اشتراها به مِن غير زيادة عليه، وأخبره بهذا الثمن، فوافَقَ المشتري على ذلك، وأعطاه الثمن الذي أخبره به، وأخذ البهيمة، وقبل أن يَنْفَضَّ السُّوقُ عَلِمَ هذا المشتري أن الثمن الذي اشترى به البهيمةَ أكثرُ مِن الثمن الذي اشتُرِيَت به، فاستحلَفَ ذلك الرجلَ، فأقرَّ بأنه قد زاد عليه في الثمن، لكن تَمَسَّك في الوقت ذاته بأن المشتريَ قد رَضِيَ بالثمن الذي أخبره به. والسؤال: هل للمشتري المذكور بعد تمام البيع أن يَستَرِدَّ الزيادة التي زادها عليه هذا الرجلُ (البائعُ) في ثمن البهيمة المذكورة؟
ما حكم البيع مع الوعد بخفض السعر وقت التسليم؛ فرجلٌ يتاجر في الحديد، ذهب إليه رجلٌ يحتاج حديدًا، فاشترى منه قَدْرًا معينًا ودفع ثمنه، وطلب من التاجر إبقاء الحديد عنده إلى حين طلبه دون زيادة في الثمن إن زاد يوم التسليم، ثم أضاف التاجر: "وإن انخفض الثمن يوم التسليم حاسبتك بسعر يوم التسليم". فما حكم هذا التعامل؟
يقول السائل: دخلت أحد المتاجر لأشتري هاتفًا محمولًا، وبعد اختيار النوع ومعاينته وفحصه والاتفاق عليه، قمت بدفع ثمنه كاملًا، إلا أنه سقط من البائع على الأرض قبل أن أستلمه منه فانكسر، فأعطاني غيره، وأنا أخاف من الظلم؛ فهل يجب عليَّ أن أتحمل شيئًا من ثمن الهاتف المكسور؟
ما حكم التضحية بالطيور؟ فإن بعضُ المتصدّرين يُرَوّج للقول بجواز التضحية بالطيور، وأن بعض الصحابة فعل هذا، فما مدى صحة هذا الكلام؟