مدى مشروعية خصم تكاليف الإنتاج الزراعي من الزكاة عند إخراجها

مدى مشروعية خصم تكاليف الإنتاج الزراعي من الزكاة عند إخراجها

ما حكم خصم تكاليف الإنتاج الزراعي من الزكاة عند إخراجها؟ فأنا مزارع للخضراوات، وتزيد تكاليف زراعتها عليَّ؛ حيث أقوم مِن مالي الشخصي بشراء الشتلات أو البذور وأتكلف أُجَر العمال في العزيق والجمع والنقل والآلات، وشراء الأسمدة والمبيدات، أولًا بأولٍ، وهي نفقات باهظة؛ فهل يجوز لي خصم قيمة هذه النفقات من الثمار قبل إخراج زكاتها؟ وما الحكم في حالة ما إذا كان شراء هذه المستلزمات على سبيل الاستدانة من المحلات على أن أسددها بعد الحصاد؟

لا مانع من خصم ما قد أنفقه المزارع مِن مالِه على الإنتاج الزراعي للمحاصيل التي يقوم بزراعتها، على ألَّا يزيد قدر ما يخصم من الثمار على ثلث الخارج من الأرض، وكذا لا مانع من خصم المبالغ المُستدانة لغرض الإنفاق على الإنتاج الزراعي فقط، ولا يخصم منها ما قد استُدين لغير شؤون الزراعة إلا إن كان الدَّيْن قد اسْتَغْرَق الخارج من الأرض كله، فحينئذٍ لا زكاة عليه، أما إذا كان غير مستغرقٍ لجميع الناتج فيسقط منه بقدر الدَّين ثم يزكى ما بقي منه دون اشتراط نصابٍ.

التفاصيل ....

المحتويات

 

وجوب الزكاة في الزوع والثمار ومقدار النصاب فيها

الزكاة شعيرة من شعائر الدِّين، وعبادة قائمة على الاتِّباع والتعبدِ للهِ تعالى، فيها معنى النماء والزيادة والتكافل وتطهير المال، وتجب في أموالٍ مخصوصةٍ، بشرائطَ مخصوصةٍ، بنِسَبٍ مخصوصةٍ؛ لتُنْفَق في مصارف مخصوصة.

ومن الأموال التي أوجب الشرع فيها الزكاة "الزروع والثمار" من حيث الجُمْلة، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ﴾ [البقرة: 267]، وقال تعالى: ﴿كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: 141].

ومن المعلوم أنَّ الزرع يتطلب نفقات متنوعة من إصلاح الأرض وحرثها وتمهيدها، وأُجَر العمال والآلات في الزرع والحصاد، ومصروفات البذور والسماد والسقي.. ونحو ذلك مما يلزم عبر مراحل زراعة المحصول المتعاقبة، وهي أمور قد اتسعت دائرتها في العصر الحاضر بصورة متشعبة.

ولقد جعل الشرع الشريف للنفقات والأعباء المالية التي تقضيها الزراعة تأثيرًا في وعاء زكاتها في الجملة، بحيث إنها تؤثر في مقدار زكاة المحصول الزراعي، ليخرج بمقدار نصف العشر في جميع الحالات التي تتصور فيها المؤنة الزائدة غير المعتادة، حيث وضع النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم ضابطًا مطردًا بين ما يُسقى من غير بذلِ مجهود فجعل فيه العُشْر، وما يُسقى بمجهودٍ فجعل فيه نصف العُشْر.

فعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا العُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ» أخرجه البخاري في "الصحيح".

مدى مشروعية خصم تكاليف الإنتاج الزراعي من الزكاة عند إخراجها

بتتبع نصوص الفقهاء في مسألة خصم مصروفات الزرع وتكلفته ما عدا الريّ والسقي؛ من شراء البذر، والسماد، ونفقات الحرث والحصاد، نستخلص منها أنَّ ما ينفقه الزارعُ في ذلك قد يكون مِن ماله وقد يكون على سبيل الاستدانة، وما استدانه قد ينحصر إنفاقه على الزرع وحده وقد يشمل الزرع وغيره، فهل يخصم النوعان من الزرع، أو أحدهما، أو لا تخصم الديون من الزرع؟

ولكلٍّ حُكْمُه وتفصيله على النحو الآتي:

فأما إذا كانت تكلفة الزرع ومؤنته؛ من أجور للعمال والآلات، وبذور وسماد ومبيدات تقيه من الآفات، ونحو ذلك من نفقات تتعلق بالمحصول؛ من مال الزارع ومِلكه، فقد اختلف الفقهاء في مشروعية خصمها من المحصول الناتج قبل إخراج زكاته، وذلك على قولين:

القول الأول: لا تُخصم التكاليف والأجور من زكاة الزروع والثمار قبل إخراجها؛ ذلك أن الشرع الشريف قد راعى ما قد يتكلفه المزارع من تكاليف ومصروفات في الزراعة، وفَرَّق لأجل ذلك في قدر الزكاة بين ما سُقِيَ بكُلْفَةٍ وما سُقِيَ بغير كُلْفَةٍ، فأوجب في الأول نصفَ العُشر، وفي الثاني العُشرَ كُلَّه؛ اعتبارًا للتكاليف، ولو كانت الديون تُخصَم مِن الزكاة لَأَغْنَى ذلك عن هذا التفريق بين مقدارهما. وهذا هو مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة:

قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار" (2/ 328، ط. دار الفكر): [(قوله: بلا رفع مؤن)؛ أي: يجب العشر في الأول ونصفه في الثاني بلا رفع أجرة العمال ونفقة البقر وكري الأنهار وأجرة الحافظ ونحو ذلك. "درر". قال في "الفتح": يعني: لا يقال بعدم وجوب العشر في قدر الخارج الذي بمقابلة المؤنة، بل يجب العشر في الكل؛ لأنه عليه الصلاة والسلام حكم بتفاوت الواجب لتفاوت المؤنة، ولو رفعت المؤنة كان الواجب واحدًا وهو العشر دائمًا في الباقي؛ لأنه لم ينزل إلى نصفه إلا للمؤنة، والباقي بعد رفع المؤنة لا مؤنة فيه، فكان الواجب دائمًا العشر، لكن الواجب قد تفاوت شرعًا فعلمنا أنه لم يعتبر شرعًا عدم عشر بعض الخارج وهو القدر المساوي للمؤنة أصلًا] اهـ.

وقال الإمام الحطاب المالكي في "مواهب الجليل" (2/ 285 ط. دار الفكر): [يحسب عليه جميع ما استأجر به في حصاده ودراسه وجذاذه، ولقط الزيتون فإنه يحسب ويزكي عليه، سواء كان كيلًا معينًا أو جزءًا كالثلث والربع ونحوه، قال في "العتبية": ونقله ابن يونس وغيره، قال أبو الحسن: وأما ما لَقَطه اللقاط فلا يزكي عنه إذا كان ربه قد تركه على أن لا يعود إليه، وأما اللقاط الذي مع الحصاد فإنه يزكي عما لقطه اللقاط؛ لأن ما أخذه في معنى الإجارة] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (5/ 467، ط. دار الفكر): [قال أصحابنا: ومؤنة تجفيف التمر وجذاذه، وحصاد الحب وحمله ودياسه وتصفيته وحفظه، وغير ذلك من مؤنة: تكون كلها من خالص مال المالك، لا يحسب منها شيء من مال الزكاة بلا خلاف، ولا تخرج من نفس مال الزكاة، فإن أخرجت منه: لزم المالك زكاة ما أخرجه من خالص ماله. ولا خلاف في هذا عندنا] اهـ.

وقال العلامة ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (3/ 18، ط. مكتبة القاهرة): [والمؤنة التي تلزم الثمرة إلى حين الإخراج على رب المال؛ لأن الثمرة كالماشية، ومؤنة الماشية وحفظها ورعيها، والقيام عليها إلى حين الإخراج -على ربها] اهـ.

والقول الثاني: يُخْصَم ما قد تكلفه المزارع من مصروفات متعلقة بالزرع قبل إخراج الزكاة منه، مستندين في ذلك على أن النفقة التي دُفعت على الزرع تؤخذ من حصاده، فكان ذلك كالهالك. وهو مذهب جماعة من الفقهاء كالإمام عطاء من التابعين والإمام الصيرفي من الحنفية وحكاه الكمال ابن الهمام ولم يسمِّ مَن قاله.

فعن إسماعيل بن عبد الملك، قال: قلت لعطاء: الأرض أزرعها؟ قال: فقال: "ارفع نفقتك وزَكِّ ما بقي" أخرجه أبو زكريا يحيى بن آدم القرشي في "الخراج" واللفظ له، والبيهقي في "السنن الكبرى"، ولفظ رواية ابن أبي شيبة في "المصنف": "ارْفَعِ الْبَذْرَ، وَالنَّفَقَةَ، وَزَكِّ مَا بَقِيَ".

وقال الإمام العمراني الشافعي في "البيان" (3/ 261، ط. دار المنهاج) في مسألة أخذ الزكاة بعد الدياس والتنقية: [قال عطاءٌ: تُقَسط المؤنة على جميع المال] اهـ، ومعنى قوله "تقسط": تقدير ما كان من ماله وإسقاطه.

وقال الإمام الصيرفي الحنفي في مسألة عدِّ مؤن الزرع من عين الخارج من عدمه: [ويظهر أنها إذا كانت جزءًا من الطعام أن تجعل كالهالك ويجب العشر في الباقي؛ لأنه لا يقدر أن يتولى ذلك بنفسه، فهو مضطر إلى إخراجه، لكن ظاهر كلامهم الإطلاق] اهـ نقلًا عن "رد المحتار" للعلامة ابن عابدين الحنفي (2/ 329، ط. دار الفكر).

وقال كمال الدين ابن الهمام الحنفي في "فتح القدير" (2/ 250-251، ط. دار الفكر) حاكيًا عمَّن لم يسمه: [ومِن الناس مَن قال: يجب النظر إلى قدر قيم المؤنة، فيسلم له بلا عشر ثم يعشر الباقي؛ لأن قدر المؤنة بمنزلة السالم بعوض كأنه اشتراه، ألَا يرى أن من زرع في أرض مغصوبة سلم له قدر ما غرم من نقصان الأرض وطاب له كأنه اشتراه] اهـ.

ورجَّح هذا القول الإمام ابن العربي المالكي مع تقييده بالثُّلث أو الرُّبع، حيث قال في "عارضة الأحوذي" (3/ 143، ط. دار الكتب العلمية): [اختلف قول علمائنا: هل تُحَطُّ المؤنة من المال المُزكَّى وحينئذٍ تجب الزكاة، أو تكون مؤنة المال وخدمته حتى يصير حاصلًا في حصة رب المال وتؤخذ الزكاة من الرأس؟ والصحيح أنها محسوبة، وأنَّ الباقي هو الذي يؤخذ عُشْرُه؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "دعوا الثلث أو الربع"، وهو قدر المؤنة، ولقد جربناه فوجدناه كذلك في الأغلب وبما يأكل رُطَبًا، ويحتسب المؤنة يتخلص الباقي ثلاثة أرباع أو ثُلُثَين] اهـ.

أما بالنسبة للحكم في حالة الاستدانة من أجل توفير متطلبات إنتاج المحصول الزراعي، فقد اختلف الفقهاء أيضًا في مشروعية خصم الديون التي على المزكي قبل إخراج زكاة ثماره، وذلك على مذهبين:

المذهب الأول: أنه لا يُشرَع في زكاة الثمار والزروع خصم الديون التي على المزكي، دون تفرقة في ذلك بين كونه قد استدانها وأنفقها على الزرع أم على غير الزرع؛ وذلك لأنه لا يجوز إسقاط حقٍّ أوجبه الله تعالى دون نصٍّ في ذلك من قرآن أو سُنَّة؛ ولأن الزكاة تجب في أعيان الثمار، والزكاة والدَّين حقَّان اختلفا محلًّا ومستحقًّا وسببًا، فوجوب أحدهما لا يمنع وجوب الآخر ولا يخصم منه، وهو مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية.

قال العلامة السَّرَخْسِي الحنفي في "المبسوط" (3/ 4، ط. دار المعرفة): [وإذا أخرجت الأرض العشرية طعامًا وعلى صاحبها دَيْنٌ كثيرٌ لم يسقط عنه العُشر] اهـ.

وقال العلامة شهاب الدين النَّفَراوي المالكي في "الفواكه الدواني" (1/ 333، ط. دار الفكر): [ولا يُسقِط الدَّيْنُ زكاةَ حَبٍّ ولا تمرٍ ولا ماشيةٍ) ولا معدن ولا ركاز، فمن خرج من زرعه خمسة أوسق، أو وجد في ماشيته نِصابًا وعليه دَيْن يزيد على قيمة ذلك فإنه يجب عليه إخراج الزكاة، ويُوفِّي دَيْنَه من الباقي. قال خليل: (ولا تسقط زكاة حرث ولا ماشية ومعدن بدَيْن أو فَقْد أو أَسْر) وظاهره كالمصنف، ولو استدان الدَّيْن لإحياء الزرع أو الماشية أو استعان به على إخراج المعدن، وهو كذلك إذ لم يقيده أحد فيما نعلم] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "روضة الطالبين" (2/ 197، ط. المكتب الإسلامي): [الدَّيْن هل يمنع وجوبَ الزكاة؟ فيه ثلاثة أقوال؛ أظهرها -وهو المذهب والمنصوص في أكثر الكتب الجديدة-: لا يمنع.. والثالث: يمنع في الأموال الباطنة، وهي الذهب والفضة، وعروض التجارة، ولا يمنع في الظاهرة وهي الماشية، والزرع، والثمر، والمعدن؛ لأنَّ هذه نامية بنفسها، وهذا الخلاف جارٍ، سواء كان الدَّيْن حالًّا أو مؤجلًا، وسواء كان من جنس المال أم لا، هذا هو المذهب] اهـ.

والمذهب الثاني: تخصم الديون التي على المزارع، لكنهم فرَّقوا بين كون الدَّيْن من أجل نفقات الزرع أم لغيره كالأهل ونحو ذلك، وقد ورد عن الإمام أحمد في ذلك روايتان: رواية بخصم الدَّيْن الذي استدانه لأجل نفقات الزرع فقط، وهو المروي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وله رواية أخرى بخصم جميع الدَّيْن الذي على المزارع سواء استدانه لأجل الزرع أم لغيره؛ وهو المروي عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقال به عطاء ومكحول وسفيان الثوري والقاضي شُرَيْك.

فعن جابر بن زيد، عن ابن عمر رضي الله عنهم: في الرجل يستقرض فينفق على ثمرته وأهله، قال ابن عمر: «يبدأ بما استقرض، ثم يُزَكِّي ما بقي» أخرجه أبو زكريا يحيى بن آدم القرشي في "الخراج"، وابن زَنْجُوَيْه في "الأموال"، والبَيْهَقي في "السنن الكبرى".

قال الإمام ابن قُدامة الحنبلي في "المغني" (3/ 30، ط. مكتبة القاهرة): [قال أحمد: مَن استدان ما أنفق على زرعه، واستدان ما أنفق على أهله.. وقال عبد الله بن عمر: يحتسب بالدَّيْنَيْن جميعًا، ثم يُخرج مما بعدهما] اهـ.

وقال أيضًا (2/ 512): [ويمنع الدَّين وجوب الزكاة في الأموال كلها من الظاهرة والباطنة.. وروي ذلك عن ابن عباس، ومكحول، والثوري. وحكى ذلك ابن المنذر عنهم في الزرع إذا استدان عليه صاحبه؛ لأنه أحد نوعي الزكاة، فيمنع الدَّين وجوبها، كالنوع الآخر؛ ولأن المدين محتاج، والصدقة إنما تجب على الأغنياء] اهـ.

وقال العلامة المَرْداوي الحنبلي في "الإنصاف" (3/ 25، ط. دار إحياء التراث العربي): [وعنه: يمنع ما استدانه للنفقة على ذلك، أو كان ثمنه، ولا يمنع ما استدانه لمؤنة نفسه، أو أهله، قال الزَّرْكَشي: فعلى رواية عدم المنع: ما لزمه من مؤنة الزرع من أجرة حصاد وكراء أرض ونحوه؛ يمنع، نص عليه، وذكره ابن أبي موسى، وقال: رواية واحدة، وتبعه صاحب "التلخيص"] اهـ.

ويظهر من ذلك كله أنَّ الأمر فيه سَعة، فللمُقلِّد أن يتبع من مذاهب الفقهاء ما يرفق بحاله، ما دامت تكلفة إنتاج المحصول من توفير بذور وسماد ومبيدات وأجور النقل والعمال والآلات ترهقه ماليًّا إذا اجتمع مع ذلك إخراج الزكاة على كامل المحصول، وقد تقرر أن "المشقة تجلب التيسير"، ومراعاة لما تقتضيه مقاصد تشريع الزكاة والتي توازن بين حقِّ الفقير ومصلحة الغني على السواء.

أما الديون التي على المزكي من غير المال الذي بُذِل على الزرع ومتطلباته، فلا تخصم مِن الزكاة رعاية لحقِّ الفقير؛ ولأنَّ المتسبب فيها أمر غير الزروع، فلما اختلفت الجهة لزم لكلٍّ منهما حكمه.

ومع ذلك فيُراعى عند الأخذ بمذهب مَن قال بخصم نفقات الإنتاج الزراعي من الزكاة ألا يزيد القدر المخصوم عن ثُلث ناتج المحصول، جريًا على ما تقتضيه مقاصد تشريع الزكاة والتي توازن بين حقِّ الفقير ومصلحة الغني على السواء.

ويُستأنس لذلك بأن الشرع الشريف قد أسقط في الخرص زكاة الثلث أو الربع، كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا خَرَصْتُمْ فَخُذُوا وَدَعُوا الثُّلُثَ، فَإِنْ لَمْ تَدَعُوا الثُّلُثَ، فَدَعُوا الرُّبُعَ» أخرجه الترمذي والنسائي في "السنن"؛ رعايةً لما يخرج من الثمرة تبرعًا كإطعام ابن السبيل والضيافة، وإسقاطُ المال الذي يُبذَل لمصلحة الزرع وعلى متطلباته الضرورية أولى.

قال العلامة ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (3/ 16): [وعلى الخارص أن يترك في الخرص الثلث أو الربع؛ توسعة على أرباب الأموال؛ لأنهم يحتاجون إلى الأكل هم وأضيافهم، ويطعمون جيرانهم وأهلهم وأصدقاءهم وسُؤَّالهَم] اهـ.

كما يُراعى أنه في حالة الاستدانة أنه إن كان الدَّين مُسْتغْرِقًا لجميع ما خرج من الأرض فلا زكاة عليه، وإن كان غير مُستغرِقٍ فيجب إخراج الزكاة في المتبقي بعد خصم دَينه دون اشتراط بلوغه نصابه، جريًا على ما تقرَّر في فقه الحنفية، وهو المذهب المختار في الفتوى في زكاة الزروع.

قال الإمام القدوري الحنفي في "التجريد" (3/ 1355، ط. دار السلام): [قال أصحابنا: الدَّين يمنع وجوب الزكاة إن كان مُستغرِقًا، وإن كان غير مُستغرِقٍ وجبت الزكاة في الفاضل من دَينه] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فلا مانع من خصم ما قد أنفقتَه مِن مالِك على الإنتاج الزراعي للمحاصيل التي تقوم بزراعتها، على ألَّا يزيد قدر ما يخصم من الثمار على ثلث الخارج من الأرض، وكذا لا مانع من خصم المبالغ المُستدانة لغرض الإنفاق على الإنتاج الزراعي فقط، ولا يخصم منها ما قد استُدين لغير شؤون الزراعة إلا إن كان الدَّيْن قد اسْتَغْرَق الخارج من الأرض كله، فحينئذٍ لا زكاة عليه، أما إذا كان غير مستغرقٍ لجميع الناتج فيسقط منه بقدر الدَّين ثم يزكى ما بقي منه دون اشتراط نصابٍ.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا