هل تجب الزكاة في مال مريض الزهايمر؟ أو أنه ليس عليه زكاة باعتباره غيرَ مكلفٍ شرعًا؟
تجب الزكاة شرعًا في مال مريض الزهايمر في المرحلة الأولى للمرض، والتي يستطيع فيها المريض القيام بأداء العبادة؛ فيخرجها عن نفسه اتفاقًا؛ لتعلق الحكم التكليفي به في أداء الزكاة.
أما في المرحلة الثانية والثالثة والتي يغلب فيها المَرَضُ على عقلِ المُصاب؛ فيضطرب إدراكُهُ ويختلُّ فِعْلهُ، وتُعَدُّ درجة من درجات زوال العقل، فتجب الزكاة في ماله على المختار للفتوى؛ لأن الزكاة حقُّ المال، وينوب عنه وَلِيُّه في إخراجها.
ويشترط في كل الحالات أن يكون المالُ قد بلغ النصاب وحال عليه الحولُ القمريّ، وفاض عن نفقته العلاجية وحاجته الأصلية، وذلك هو الملائم لتشريع الزكاة في الإسلام.
المحتويات
مرض الزهايمر (Alzhemier): عبارة عن ضمور في خلايا المخ يؤدي إلى انخفاضٍ في الذاكرة والقدرات العقلية، ينتج عنه انخفاضٌ مستمرٌّ في التفكير والمهارات السلوكية والاجتماعية، وهذا المرض هو أشْيَعُ أسباب الخَرَف؛ حيث يساهم في حدوث 60% إلى 70% من حالات الخَرف؛ إذ الخرفُ يحدث بسبب مجموعة مختلفة من الأمراض والإصابات التي تلحق بالدماغ؛ كالزهايمر، والسكتة الدماغية، والخَرَف الوعائي، والخَرَف الجبهي أو الصدغي، والخَرَف المصحوب بأجسام ليوي (Lewy)، ويتم التمييز بينها عن طريق فحص وظائف الدماغ؛ كاختبارات الوظائف الإدراكية، والأشعة، ونحو ذلك، ومن الممكن أن يُصاب الإنسان بمزيج منها في آنٍ واحد؛ كما أفادته منظمة الصحة العالمية (WHO) على موقعها الرسمي، وأفادت أيضًا أن مرض الزهايمر يمر بثلاث مراحل؛ تظهر فيها الأعراض بشكل تدريجي:
المرحلة الأولى: تقل فيها حيوية المريض، وتضعف ذاكرته، فتظهر فيها بعض أعراض النسيان، ويقلَّ عنده إدراك الوقت، وتحدثُ له حالة من التوهان واللامُبالاة لما يحدث حوله.
والمرحلة الوسطى: يكثر فيها نسيان الأحداث والأسماء الحديثة، والتِيه في الأماكن المألوفة حتى في البيت، وتغيّر السلوك، وتراجع القدرة على الفهم مما يؤدي إلى صعوبة التواصل مع الغير، وطرح الأسئلة المتكرّرة، والتوقف في أواسط الكلام، وعدم إتمام العبارات، وفي هذه المرحلة يحتاج المريض إلى درجة كبيرة من المساعدة والاعتناء به.
والمرحلة المتقدمة: ويتم فيها اعتماد المُصاب بشكل كلي على الغير، ويصاحبه انعدامٌ في النشاط، واضطرابٌ شديد في إدراك الزمان والمكان، وصعوبة بالغة في التعرّف على الأقرباء والأصدقاء، والحاجة المُلحَة إلى المساعدة في الاعتناء بالذات، مع صعوبة المشي، وتغيّر السلوك الذي قد يتفاقم ليصبح عدوانيًّا.
وأفادت الُمنَظَّمَة أيضًا أن هذا المرض وإن كان يُصيب المُسنِّينَ بالدرجة الأولى، ويُفقدهم استقلاليتهم، إلَّا أنه لا يُعَدُّ جزءًا طبَعيًّا من الشيخوخة وطول العمر.
وبالرغم من أنَّ المراحلَ الثلاثة تشترك في معنى النسيان والتِيه ونقص الإدراك، إلَّا أنَّ هذه المراحل تتفاوت فيما بينها من حيثُ درجة المرض ومراتب الإدراك والقدرة على التحكم في الذات.
فالمرحلةُ الأولى: قد يستطيع معها المريض إنجاز كثير من مهامه وواجباته ومتطلباته، ومنها العبادات البدنية؛ كالصلاة والصيام ونحوهما، فإذا استطاع المريض القيام بأداء العبادة: وجب عليه أداؤها؛ بناءً على القاعدة الشرعية: "الميسور لا يسقط بالمعسور"، وهي من أشهر القواعد المستنبطة من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» رواه البخاري؛ كما في "الأشباه والنظائر" للإمام السبكي (1/ 155، ط. دار الكتب العلمية).
أما المرحلتان الثانية والثالثة: فيغلب فيها المرض على عقلِ المُصاب؛ فيضطرب إدراكُهُ ويختلُّ فِعْلَهُ، وهي بذلك تُعَدُّ درجة من درجات زوال العقل؛ فكما قال الإمام الشافعي رضي الله عنه -فيما نقله عنه صاحب "البيان" (2/ 12، ط. دار المنهاج)-: إنَّ "أقل زوال العقل: أن يكون مختلطًا؛ فيعزب عنه الشيء وإن قلَّ، ثم يثوب إليه عقله".
المغلوب على عقله: كما قال الإمام المظهري في "مفاتيح المصابيح" (4/ 103، ط. النوادر): [عامٌّ بين السَّكران، والمجنون، والنائم، والمريض الذي زال عقلُهُ بالمرض، والمُغْمَى عليه] اهـ.
وقد فرق العلماء في تكليف المغلوب على عقله بين العبادات البدنية والتي تتطلب -بجانب أن يؤديها الإنسان بنفسه- الإدراك وفهم الخطاب، وبين العبادات المالية التي من الممكن أن يقوم بها عنه غيره؛ كوليٍّ أو نحوه، وذلك لأنَّ الزكاة حقٌ يتعلق بالمال، فلا يسقط بالصِّغَر أو السَّفَه أو الجنون أو غير ذلك مما يغلب عقل المكلف.
فأما العبادة البدنية؛ كالصلاة والصيام والحج: فقد نصَّ العلماء على أن مريض العقل لا يلزمه العبادة حال مرضه؛ بل نقل بعضهم الاتفاق على ذلك:
قال العلامة ابن أمير الحاج الحنفي في "التقرير والتحبير" (2/ 235، ط. دار الفكر): [(ولا تجب العبادات عليه) –أي المعتوه- كما لا يجب على الصبي العاقل أيضًا؛ كما هو اختيار عامة المتأخرين] اهـ.
وقال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار" (3/ 243، ط. دار الفكر): [وصرح الأصوليون بأن حكمه -أي المعتوه- كالصبي، إلا أنَّ الدَّبوسي قال تجب عليه العبادات احتياطًا. وردَّهُ صدرُ الإسلام بأن العته نوعُ جنونٍ فيمنع وجوب أداء الحقوق] اهـ.
وقال الشيخ ابن تيمية الحنبلي في "مجموع الفتاوى" (11/ 191، ط. مجمع الملك فهد): [وأما المجنون الذي رفع عنه القلم فلا يصح شيء من عباداته باتفاق العلماء] اهـ.
وقال أيضًا في "منهاج السنة النبوية" (6/ 49، ط. الجامعة): [اتفق العلماء على أن المجنون والصغير الذي ليس بمميز ليس عليه عبادة بدنية؛ كالصلاة والصيام والحج] اهـ.
أما العبادات المالية؛ كالزكاة والنفقة ونحوها: فقد اختلف فيها الفقهاء:
فذهب الحنفية إلى اشتراط العقل فيمن تجب في ماله الزكاة، فالمجنون كالصبي ليس عليهما زكاة؛ لأنهما لا يخاطبان بالعبادات، وكذلك لا يخاطب الولي بإخراج زكاة مالهما؛ لأنه لا يخاطب بأداء ما لا يجب عليهما:
قال العلامة أبو حفص الغَزْنَوي الحنفي [ت:773هـ] في "الغرة المنيفة" (ص: 49، مؤسسة الكتب الثقافية): [لا تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون عند أبي حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم.. وحجة أبو حنيفة رضي الله عنه: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِم، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَنْتَبِه، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ»، وفي إيجاب الزكاة في مالهما إجراء القلم عليهما، ولأن الصبي ليس بأهل للخطاب بقوله تعالى: ﴿وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [البقرة: 43]، وكذا المجنون؛ لأنهما لا يخاطبان بالصلاة وسائر العبادات، فلا يخاطب الوليُّ بإخراج زكاة مالهما؛ إذ الولي لا يخاطب بأداء مالا يجب عليهما] اهـ.
بينما ذهب جمهورُ الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنَّه لا يشترط في صاحب المال أن يكون كامل الأهلية.
فنصّوا على أنه لا تسقط الزكاة في مال المغلوب على عقله بجنونٍ أو عتهٍ أو سكرٍ أو نحو ذلك، بل يخرجها عنه وليُّهُ، مالُهُ في ذلك كمالِ الصبي.
قال العلامة ابن جزي المالكي في "القوانين الفقهية" (ص: 67): [وأما البلوغ والعقل: فلا يشترطان، بل يخرجها الوليُّ من مال المجنون والصبي؛ وفاقًا للشافعي وابن حنبل] اهـ.
وقال العلامة الحطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" (2/ 292، ط. دار الفكر): [ص: (وإنْ لطفلٍ أو مجنونٍ) ش: يعني أنَّ الزكاة تجب في مال الطفل ومال المجنون] اهـ.
وقال الإمام الماوردي الشافعي في "الحاوي الكبير" (3/ 152، ط. دار الكتب العلمية): [باب من تجب عليه الصدقة: قال الشافعيُّ رضي الله عنه: وتجب الصدقة على كل مالكٍ، تامَّ الملك، من الأحرار، وإن كان صغيرًا أو معتوهًا أو امرأةً، لا فرق بينهم في ذلك] اهـ.
وقال في (3/ 206): [ونقصان التصرف لا يمنع وجوب الزكاة، كالصبي والمجنون] اهـ.
وجاء في "مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود" (ص: 115، ط. مكتبة ابن تيمية): [سمعت أحمد سئل عن مال المجنون يزكى؟ قال: نعم، الصبي أليس مثله يزكى ماله؟!] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 464، ط. مكتبة القاهرة): [والصبي والمجنون يخرج عنهما وليهما] اهـ.
قد استند جمهور الفقهاء في ذلك إلى عموم النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي دلت على وجوب الزكاة في المال الذي بلغ النصاب وحال عليه الحول؛ كقوله تعالى: ﴿خُذ مِن أَموالِهم صَدَقةً تُطَهِّرُهم وتُزَكِّيهم بها وصَلِّ عليهم إنّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لهم واللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [التوبة: 103]، وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وصيته لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين أرسله إلى اليمن: «فأَعلِمهم أنّ اللهَ افتَرَضَ عليهم صدقةً في أموالهم تُؤخَذُ مِن أغنيائهم وتُرَدّ في فقرائهم» متفق عليه، وقول سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه: "فإنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ" متفقٌ عليه.
فالقُصَّر والسفهاء والمجانين ونحوهم كما تُرَدُّ فيهم الزكاة إذا كانوا فقراء محتاجين، فَكذلك تُؤخَذ منهم لو كانوا أغنياء قادرين.
وعلى ذلك: فقول جمهور الفقهاء هو المختار؛ أخذًا من أن الزكاة حق المال، كما أن كلًّا من القاصر والمجنون أهلٌ لوجوب حقوق العباد في مالهما، ولذلك يضمنان ما أتلفاه بأداء الولي من مالهما.
بناء على ذلك: فالزكاة واجبة في مال مريض الزهايمر بمراحله الثلاث:
أما في المرحلة الأولى منها: فيتعلق به الحكم التكليفي في أداء الزكاة اتفاقًا؛ لأنه لا يزال مكلفًا، فيخرجها عن نفسه من غير إشكال.
أما في المرحلتين الثانية والثالثة: فمريض الزهايمر فيهما داخل تحت حد الأمراض العقلية، التي تغلب العقل فتفسد أثره وتعطل فعله، والزكاة واجبة في ماله على المختار المفتى به وهو مذهب الجمهور؛ لأن الزكاة حق المال، وينوب عنه وَلِيُّه في إخراجها، ما دام مالُه قد بلغ النصاب وحال عليه الحولُ القمريّ، وفاض عن نفقته العلاجية وحاجته الأصلية، وذلك هو الملائم لتشريع الزكاة في الإسلام.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم شراء الزكاة بعد التسليم للفقير؟ فأنا صاحب محل تجاري أُخرج زكاة مالي حبوبًا لمستحقيها، ثم يأتيني أحد المستحقين لبيع ما أخَذَه، فأشتريه منه بأقل من ثمنه الحقيقي؛ فما حكم ذلك؟
ما كيفية إخراج الزكاة في التجارة المشتركة؟ فهناك شخص أشتركُ مع مجموعة من أصدقائه في تجارة، ويريد معرفة كيفية إخراج الزكاة؛ هل تكون على نصيب كل واحد من الشركاء، أو على جميع المال قبل توزيعه؟
ما الرأي الشرعي فيما يأتي:
أولًا: هل يستحق المريض عقليًّا الذي لا يستطيع الحصول على حقوقه شيئًا من الزكاة؟
ثانيًا: إذا وُجد طفل معاق في أسرة غنية، ولكنه محروم من حقوقه ومن الإنفاق عليه لرعايته وعلاجه. فهل يُصرَف له من الزكاة؟
ثالثًا: هل يجوز صرف الزكاة في شراء الأجهزة الطبية لذوي الهمم، وتوفير سيارة لنقلهم من منازلهم للمؤسسات التي ترعاهم؟
ما حكم دفع الزكاة أو جزء منها إلى الجمعيات والمؤسسات الخيرية التي تُساعد المحتاجين ماليًّا فتقوم بتعليم صغارهم وإيواء غير القادرين ومداواة مرضاهم وتهيئة الأسباب التي تخفف من آلامهم ومتاعبهم؟
ما حكم الزكاة في جهاز طبي اشترك فيه عدد من الممولين؟ حيث تم شراء جهاز طبي يتم تأجيره للمستشفيات، اشترك في شرائه عدد من الممولين، ويتم دفع صافي الأرباح لهم كل ستة أشهر. فكيف تحسب الزكاة؛ هل تخرج عن رأس المال، أو عن الأرباح فقط، أو عن الاثنين معًا؟
هل العقارات التي تم شراؤها بقصد التجارة (أراضٍ أو مبانٍ) تخرج عنها زكاة المال فور شرائها أم بعد أن يحول عليها الحول؟ وهل يتم إخراج الزكاة عليها سنويًّا قبل بيعها؟ وهل يتم حساب الزكاة المستحقة عليها بالسعر الذي اشتُريت به أم بسعر السوق وقت إخراج الزكاة؟ وإذا تم إخراج الزكاة بعد الحول بالسعر الذي اشتريت به ثم بيعت بعدها بأيام بسعر أكبر فهل يتم إخراج الزكاة عن هذه الزيادة في حينه أم بعد أن يحول عليها الحول؟