صورة من صور المشاركة المتناقصة بحيث يبيع الشريك حصته لشريكه شيئا فشيئا

صورة من صور المشاركة المتناقصة بحيث يبيع الشريك حصته لشريكه شيئا فشيئا

ما حكم المشاركة المتناقصة بحيث يبيع الشريك حصته لشريكه شيئا فشيئا؟ فقد تشاركت أنا وصديقي واشترينا محلًّا تجاريًّا، وقسَّمناه إلى 10 أسهم (بلاطات)، أنا اشتركتُ بسبعة أسهم، وصديقي بالثلاثة الباقية، ثم اتفقنا على أن يبيع لي نصيبَه المذكور في المحل سهمًا فسهمًا بثمن معلوم على ثلاثة مواسم معلومة، على أن يتم سدادُ ثمنِ كلِّ سهمٍ عند إتمام بيعه، وتم توثيق ذلك بيننا وتحديد مواعيد السداد، وأنا قد اشتريتُ محلًّا آخر بالتقسيط ورتبتُ مواعيد الأقساط على مواعيد سداد المبالغ المستحقة لي لدي شريكي.

التشارك في ملكية المحل لا حرج فيه شرعًا، وأما الاتفاق على أن يبيع أحدُ الطرفين للآخَر نصيبَه في المحل سهمًا فسهمًا بثمنٍ معلومٍ على ثلاثة مواسم معلومة، على أن يتم سدادُ ثمنِ كلِّ سهمٍ عند إتمام بيعه تدريجيًّا على النحو المسؤول عنه، فإنه وعدٌ بالبيع يجب الالتزامُ والوفاءُ به شرعًا، وذلك على سبيل التراضي، وفي حالة وجود نزاعٍ فمردُّ الفصل فيه إلى القضاء المختص، أو المُحَكَّم الذي يرتضيه الطرفان، وهذا كله مع مراعاة الالتزام باللوائح والقوانين المنظمة لهذا الشأن.

التفاصيل ....

المحتويات

 

التكييف الفقهي للمشاركة المتناقصة

الاتفاق محل السؤال ذو شِقَّين: شقٌّ في التشارك في شراء المحل التجاري في صورة أسهمٍ، والثاني في الاتفاق على بيع أحد الشريكين نصيبه للآخر.

فأما الشق الأول: وهو ما حدث مِن تشارك الطرفين في تملُّك المحل التجاري في صورة أسهمٍ، فيُعَدُّ مِن قبيل الشّركة التي تُعرَف عند الفقهاء بـ"شركة الملك"، وهي: أن يمتلك اثنان أو أكثرُ عَيْنًا، وهذه الشركة إما أن تثبت بفعل الشريكَيْن أو الشركاء (اختيارًا)، وذلك عن طريق الشراء أو الهبة أو الوصية أو التصدُّق أو نحو ذلك، وإما أن تثبت بغير فعلهم (اضطرارًا أو جبرًا)، كأن يؤول إليهم المِلكُ بالميراث، أو يختلط شيءٌ مِن أموالهم بحيث لا تتميَّز أو يعسُر التمييز بينها، ويترتب على ذلك صحةُ الشركة بين الشركاء في العَيْن المشتَرَكَة بينهم، كما في "بدائع الصنائع" للإمام الكاساني الحنفي (6/ 56، ط. دار الكتب العلمية).

وهي صورة من صور "الشركة العامة أو الأعمية" عند فقهاء المالكية، والتي يقابلها الخاصة أو الأخصية، وحقيقتها تَقَرُّرُ مُتَمَوَّلٍ بين مالِكَيْن فأكثر مِلكًا فقط، فتدخل شركةُ الإرث والغنيمة، والشركةُ في بقرة أو غيرها مما هو مُتَّخَذٌ للقُنْيَة، كما في "المختصر الفقهي" للإمام ابن عرفة المالكي (7/ 5، ط. مؤسسة خلف أحمد الحبتور).

كما أنها داخلة في "شركة الرقاب أو المنافع" عند الشافعية، قال الإمام المَاوَرْدِي الشافعي في "الحاوي الكبير" (6/ 470، ط. دار الكتب العلمية) في بيان أقسام ما تكون فيه الشركة: [فأما القِسم الأول -وهو أن تكون الشركة في الرِّقَاب والمنافع-: فهو أن يَملِكَ الاثنان أو الجماعةُ دارًا أو أرضًا أو حيوانًا أو عَرَضًا بِابْتِيَاعٍ أو ميراثٍ أو مَغنَمٍ أو هبةٍ، فيَكُونَا شريكَيْن في رقبةِ الشيءِ أو مَنفَعَتِه] اهـ.

وداخلة أيضًا ضمن "شركة اجتماع في استحقاق" عند الحنابلة، قال الإمام الرحيباني الحنبلي في "مطالب أولي النهى" (3/ 494، ط. المكتب الإسلامي): [وهي -أي الشركة-(قسمان): أحدهما (اجتماعٌ في استحقاقٍ كشركة إرثٍ)، بأنْ ملك اثنان أو جماعةٌ عبدًا أو دارًا أو نحوهما (ووصيةٌ)، كما لو ورث اثنان أو جماعةٌ عبدًا أو نحوه موصى بنفعه لأجنبيٍّ، فإن الورثة شركاء في رقبته فقط. (وهبةٌ في عينٍ)، كمِلْكِ اثنين أو أكثر عبدًا أو نحوه بهبةٍ أو مغنمٍ، (أو منفعةٌ) دون العين، كما لو وصَّى لاثنين أو أكثر بمنفعة عبدٍ أو نحو ذلك، فإن الموصى لهم شركاء في المنفعة دون الرقبة] اهـ.

وأما الشق الثاني: فما حدث مِن اتفاق الطرفين المذكورَين على أن يبيع أحدُهما للآخَر نصيبَه في المحل سهمًا فسهمًا بثمنٍ معلومٍ على ثلاثة مواسمَ معلومةٍ، على أن يتم سدادُ ثمنِ كلِّ سهمٍ عند إتمام بيعه، فهذا وعدٌ بالبيع، ما داما قد حددَا أركان البيع وشروطه الأساسية ودخل كلٌّ منهما في التزامات جراء ذلك، وهو جائز شرعًا، ويجب على البائع الالتزام بهذا الوعد على المختار للفتوى.

مذهب بعض الفقهاء في وجوب الوفاء بالوعد

القول بوجوب الوفاء بالوعد مطلقًا إلا لعذرٍ هو قولٌ عند المالكيَّة صححه جماعةٌ منهم، ووجهٌ عند الحنابلة.

وهذا القول قد صححه الإمام ابن العربي المالكي في "أحكام القرآن" (4/ 243، ط. دار الكتب العلمية)، والإمام القرطبي في "تفسيره" (18/ 79، ط. دار الكتب المصرية)، والعلامة ابن الشَّاط في "حاشيته على الفروق للإمام القرافي" (4/ 24، ط. عالم الكتب).

قال الإمام علاء الدين المَرْدَاوِي الحنبلي في "الإنصاف" (28/ 252، ط. هجر) في الحديث عن الوفاء بالوعد: [وذكَر الشَّيخُ تقِيُّ الدِّين رَحِمَه الله وَجْهًا أنَّه يَلْزَمُه، واخْتارَه] اهـ. وذكره أيضًا الإمام برهان الدين ابن مُفْلِح الحنبلي في "المبدع" (8/ 138، ط. دار الكتب العلمية).

وممن ذهب إلى ذلك أيضًا مِن السَّلَف: الخليفةُ الراشد عمر بن عبد العزيز، كما ذكر الإمام النووي في "الأذكار" (ص: 317، ط. دار الفكر).

مذهب الحنفية في حكم الوفاء بالوعد المعلق

كما ذهب الحنفية إلى وجوب الوفاء بالوعد إذا كان هذا الوعد معلقًا، أو في بيع الوفاء، كما في "الأشباه والنظائر" للإمام ابن نجيم الحنفي (ص: 247، ط. دار الكتب العلمية).

ووجه وجوب الوفاء بالوعد إذا كان معلقًا: أن التعليق فيه معنى الالتزام، ولذلك من القواعد الفقهية عند الحنفية "المواعيد باكتساب صورة التعليق تكون لازمة".

قال العلامة أبو العباس الحموي في "غمز عيون البصائر" (3/ 237، ط. دار الكتب العلمية): [قوله: "ولا يلزم الوعد إلا إذا كان معلقًا"، قال بعض الفضلاء: لأنه إذا كان معلقًا يظهر منه معنى الالتزام كما في قوله: إن شفيت أحج، فشفي، يلزمه، ولو قال: أحج، لم يلزمه بمجرده. قوله: "كما في كفالة البزازية"، حيث قال في الفصل الأول من كتاب الكفالة: الذهب الذي لك على فلان أنا أدفعه أو أسلمه إليك أو اقبضه مني لا يكون كفالة ما لم يقل لفظًا يدل على اللزوم، كضمنت أو كفلت أو علي أو إلي وهذا إذا ذكره منجزًا، أما إذا ذكره معلقًا بأن قال: إن لم يؤد فلان فأنا أدفعه إليك ونحوه يكون كفالة لما عُلِم أنَّ المواعيد باكتساب صورة التعليق تكون لازمة] اهـ.

حكم الوفاء بالوعد الذي يظهر فيه معنى الالتزام والاتفاق

كما ذهب أيضًا فقهاءُ المالكية في قولٍ آخر إلى أنَّ الوعد الذي يقع عليه الاتفاق أو الذي يَظهر فيه معنى الالتزام بقرينة -كأن يكون مُعلَّقًا على شرط- يكون مِن التصرفات اللازمة، وهو ما رجَّحه بعض الشافعية كإمام الحرمين وتقي الدِّين السبكي وغيرهما.

قال الإمام شهاب الدين القَرَافِي المالكي في "الذخيرة" (6/ 299، ط. دار الغرب الإسلامي) جامعًا بين أقوال مذهب المالكيَّة الأربعة في هذه المسألة: [ووَجْه الجمع: أن يُحمَل اللزوم على ما إذا أَدْخَلَهُ في سببٍ مُلزِمٍ بوَعْدِهِ كما قال سُحْنُونٌ وابنُ القاسم، أو وَعَدَهُ مَقرُونًا بذكرِ سببٍ كما قالَهُ أَصْبَغ؛ لتأكُّد العَزْم على الدَّفع حينئذٍ، ويُحمَل عدمُ اللزوم على خلاف ذلك] اهـ.

ومن الأسباب التي مَثَّلوا بها لذلك ما يكون الوعد فيه سببًا للدخول في التزام ماليٍّ، كـقول أحد الطرفين للآخر: "اهدم دارك، وأنا أسلفك ما تبني به، أو اخرج إلى الحج، وأنا أسلفك، أو اشتر سلعة، أو تزوج امرأة، وأنا أسلفك؛ لأنك أدخلته بوعدك في ذلك" كما قال الإمام سحنون ونقله عنه الإمام القرافي في "الفروق" (4/ 25، ط. عالم الكتب).

وقال الإمام شمس الدين الخطيب الشِّرْبِينِي الشافعي في "مغني المحتاج" (3/ 213، ط. دار الكتب العلمية): [(ولو قال: أُؤَدِّي المالَ أو أُحْضِرُ الشخصَ فهو وَعْدٌ) بالالتزام لا يلزم الوفاء به؛ لأن الصيغة لا تُشعِر بالالتزام. قال في "المَطْلَب": إلا إنْ صَحِبَتْهُ قرينةُ الالتزامِ فيَلزم] اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن حَجَرٍ الهَيْتَمِي الشافعي في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (2/ 274، ط. المكتبة الإسلامية): [الوعد لا يلزم الوفاء به، نعم إنْ صَحِبَهُ قرينةُ التزامٍ صَحَّ كما بحثه في "المَطْلَب"، وأيَّده السُّبْكِيُّ بكلام المَاوَرْدِيِّ وغيره] اهـ.

هذا وقد ذهب الحنفية إلى أنَّه إذا كان العقد فيه ما يستوجب الوفاء به، وذلك كالبيع بغير شرط ثم جاء شرط على صفة الوعد، فإنَّه يجب الوفاء بالوعد في هذه الحالة، وهذا مما يتطابق مع الصورة المسؤول عنها، فقد تم الاتفاق بين طرفي العقد على أن يبيع أحدهما نصيبه للطرف الآخر -وهو السائل- تدريجيًّا على صفةِ كذا وكذا، فإنَّ هذا فيه معنى الشرط في صورة وعدٍ، مِمَّا يقوي جانب الوجوب للوفاء بهذا الوعد؛ وذلك لحاجة الناس إلى مثل هذه المعاملات.

قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار" (5/ 84، ط. دار الفكر) نقلًا عن "جامع الفصولين": [لو ذكرَا البيع بلا شرطٍ ثم ذكرَا الشرطَ على وجهِ العقد جاز البيع ولزم الوفاء بالوعد، إذ المواعيد قد تكون لازمة فيجعل لازمًا لحاجة الناس تبايعا بلا ذكرِ شرطِ الوفاء ثم شرطاه يكون بيع الوفاء؛ إذ الشرط اللاحق يلتحق بأصل العقد عند أبي حنيفة ثم رمز أنه يلتحق عنده لا عندهما، وأن الصحيح أنه لا يشترط لالتحاقه مجلس العقد اهـ، وبه أفتى في "الخيرية" وقال: فقد صرح علماؤنا بأنهما لو ذكرَا البيع بلا شرطٍ ثم ذكرا الشرط على وجه العِدَة جاز البيع ولزم الوفاء بالوعد] اهـ.

وقد نقل الإمام ابن العربي الإجماع على وجوب الوفاء بالوعد إذا تعلق بسبب من الأسباب، فقال في "أحكام القرآن" (4/ 242): [فإن كان المقول منه وعدًا فلا يخلو أن يكون منوطًا بسبب، كقوله: إن تزوجت أعنتك بدينار، أو ابتعت حاجة كذا أعطيتك كذا، فهذا لازم إجماعًا من الفقهاء] اهـ.

موقف القانون في هذه المسألة

على هذا جرى القانون المدني المصري فقد نصَّ على أن الاتفاق بين الطرفين بالوعد على عقدٍ معيَّنٍ في المستقبَل يَنعقد إذا تم فيه تَعيِينُ المسائل الجوهرية للعقد مِن أركان العقد وشروطه الأساسية، والتي لا يَحتاج الطرفان بَعْد تعيينها إلى الاتفاق على شيءٍ آخَر، كتعيين المبيع والثمن والمدة التي سيتم إبرام العقد فيها، مع وجوب مراعاة ما يشترطه القانون في هذا الشأن مِن الشكلية في بعض العقود، وأنه يحقُّ للطرف الثاني إذا انصرف الطرفُ الأول عن وعده أن يرفع الأمر للقضاء، فجاء في المادة رقم (101) منه: [(1) الاتفاق الذي يَعِد بموجبه كلا المتعاقدين أو أحدهما بإبرام عقد معين في المستقبل لا ينعقد، إلا إذا عُيِّنَت جميعُ المسائل الجوهرية للعقد المراد إبرامه، والمدة التي يجب إبرامه فيها.

(2) وإذا اشترط القانون لتمام العقد استيفاء شكل معين، فهذا الشكل تجب مراعاته أيضًا في الاتفاق الذي يتضمن الوعد بإبرام هذا العقد] اهـ.

كما نصت المادة رقم (102) منه: [إذا وَعَدَ شخصٌ بإبرام عقد ثم نكل وقاضاه المتعاقد الآخر طالبًا تنفيذ الوعد، وكانت الشروط اللازمة لتمام العقد -وبخاصة ما يتعلق منها بالشكل- متوافرة، قام الحكم متى حاز قوة الشيء المقضي به مقام العقد] اهـ.

شروط الوفاء بالوعد الملزم

ويَتَحصَّل مما سبق: أن الوفاء بالوعد يكون مُلْزِمًا في حق الواعد إذا تحققت ثلاثة شروط:

الأول: أن يكون الالتزام على جانب الواعد فقط.

والثاني: وجود إيجاب الواعد واقترانه بقبول من جانب الموعود له، ويتأكد ذلك إذا تم توثيقه بوثيقة رسمية.

والثالث: تعيين مقدار الالتزام وأجله.

الخلاصة

بناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن هذا التشارك في ملكية المحل لا حرج فيه شرعًا، أما الاتفاق على أن يبيع أحدُ الطرفين للآخَر نصيبَه في المحل سهمًا فسهمًا بثمنٍ معلومٍ على ثلاثة مواسم معلومة، على أن يتم سدادُ ثمنِ كلِّ سهمٍ عند إتمام بيعه تدريجيًّا على النحو المسؤول عنه، فإنه وعدٌ بالبيع يجب الالتزامُ والوفاءُ به شرعًا، وذلك على سبيل التراضي، وفي حالة وجود نزاعٍ فمردُّ الفصل فيه إلى القضاء المختص، أو المُحَكَّم الذي يرتضيه الطرفان، وهذا كله مع مراعاة الالتزام باللوائح والقوانين المنظمة لهذا الشأن.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا