ما حكم التغيب عن الجمعة خوفا من الإصابة بكورونا؟ ففي ظل انتشار "فيروس كورونا المستجد" واتجاه دول العالم إلى ضرورة التعايش مع ظروف هذا الوباء، ودراسة الأجهزة المعنية في الدولة آلية وضوابط العودة التدريجية لصلاة الجمعة؛ فهل يجوز لـمَنْ غَلَب على ظنه الإصابة بهذا الفيروس أن لا يحضر لصلاة الجمعة؟ وهل عليه إثم في ذلك؟
من غَلَب على ظنه لُـحُوق الأذى والضرر بـ"فيروس كورونا المستجد" جَرَّاء الاختلاط بغيره في صلاة الجمعة بناءً على كلام المتخصصين من أهل الطب في المناعة وغيرها مما يمكن أن يزيد في العدوى بفيروس كورونا فيُرَخَّص له في عدم حضور صلاة الجمعة؛ ويصليها في البيت ظُهْرًا، أمَّا مَن تَحقَّقت إيجابية حَمْلِه للفيروس فيَحْرُم عليه شرعًا حضور صلاة الجمعة؛ لما في ذلك مِن إلحاق الضرر بالآخرين، لا سيما مع عِلْم الشخص بكون مرضه ذا طابعٍ مُعْدٍ.
وتناشد دار الإفتاء وجوب الالتزام بالتعليمات الرسمية وقرارات السلطات، وأن تصبح الإجراءات الوقائية ثقافة سائدة في مزاولة حياتنا في التجمعات؛ حفاظًا على نفوس الناس، وحدًّا من انتشار هذا الوباء.
المحتويات
تمتاز الشريعة الإسلامية الغراء بالتوازن بين مقاصدها الشرعية ومصالح الخلق المرعية، وفيها من المرونة ومراعاة الأحوال والتكيف مع الواقع ما يجعل أحكامها صالحةً لكل زمان ومكان، وفي كل الظروف، وهذا يُمَكِّن المسلمَ من التعايش مع الوباء المعاصر مع الأخذ بأسباب الوقاية؛ دون أن يكون آثمًا بترك فريضة، أو مُلامًا على التقصير في حفظ نفسه وسلامتها.
والإسلام إذ فَرَض الفرائض والشعائر والعبادات، فقد عَلَّمنا أنها لم تأت بالحرج والعَنَت، بل لتزكية النفوس وتطهيرها؛ فقال تعالى: ﴿مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة: 6]، وأناطها بالاستطاعة؛ فقال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]، وجاءت النصوص بأن حفظ النفس هو أهم المقاصد العليا التي جاءت بها الشريعة الإسلامية، وأَنَّ سلامة الإنسان في نفسه أعظم عند الله حرمةً من البيت الحرام؛ فقال تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة﴾ [البقرة: 195]، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا ضَرَرَ ولَا ضِرَار» رواه الحاكم في "المستدرك" وصَحَّحه على شرط مسلم، والدارقطني والبيهقي في "السنن"، فإذا تعارضت سلامة الإنسان في نفسه مع واجب من الواجبات أو فريضة من الفرائض؛ قُدِّمت سلامته، وروعيت صحتُه.
لهذا؛ فإذا أقيمت صلاة الجمعة فيجب على مَن حضرها الالتزام التام بما قَرَّرته السلطات المختصة والجهات الصحية من أساليب الوقاية وإجراءات الحماية المختلفة؛ كالتباعد بين المصلين من كل اتجاه، وارتداء الكمامة الطبية، واصطحاب السجَّادة الخاصة بالمصلي، وترك المصافحة عقب الصلاة، والتعقيم بالمنظفات والمطهرات، وكل ذلك حفاظًا على أرواح الناس، وحذرًا من انتشار الوباء.
ويجوز شرعًا في هذا الصدد لـمَنْ غَلَب على ظنه عدم استطاعته التزام إجراءات السلامة الوقائية؛ أن يتخلَّف عن أداء صلاة الجمعة؛ بناءً على كلام المتخصصين من أهل الطب في المناعة وغيرها مما يمكن أن يزيد في العدوى بفيروس كورونا؛ وذلك لأنَّ خوف الإنسان على نفسه من وقوع الضرر هو من الأعذار التي تبيح التخلف عن حضور الجمعة في المسجد؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ سَمِعَ الْمُنَادِيَ فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنَ اتِّبَاعِهِ عُذْرٌ؛ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ تِلْكَ الصَّلَاةَ الَّتِي صَلَّاهَا» قَالُوا: مَا عُذْرُهُ؟ قَالَ: «خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ» أخرجه أبو داود، والدارقطني في "السنن"، والحاكم في "المستدرك"، والبيهقي في "السنن الكبرى"، و"الصغرى"، و"معرفة السنن والآثار" قال الإمام البيهقي: "وَمَا كَانَ مِنَ الْأَعْذَارِ فِي مَعْنَاهَا فَلَهُ حُكْمُهُمَا".
جاء في "مرقاة المفاتيح" لملا علي القاري (3/ 839، ط. دار الفكر): [(خوف)، أي: هو خشية على نفسه، أو عرضه، أو ماله] اهـ.
ومعنى العذر الوارد في الحديث واسعٌ يشمل كل حائلٍ عن الجمعة مما يُتَأذَّى به ويُخْشَى عواقبه؛ يقول الإمام ابن عبد البر المالكي في "التمهيد" (16/ 244، ط. أوقاف المغرب) عند شرحه لحديث: «مَن ترك الجمعة ثلاث مرات من غير عذرٍ ولا علة؛ طَبَع الله على قلبه»؛ قال: [وأَمَّا قوله في الحديث «مِن غَيرِ عُذْرٍ»: فالعذر يتسع القولُ فيه؛ وجملته: كل مانعٍ حائلٍ بينه وبين الجمعة مما يتأذى به ويخاف عدوانه] اهـ.
وقال العلامة الصاوي في "حاشيته على الشرح الصغير" (5/ 212، ط. دار الفكر): [(عذر يبيح الجمعة) أي التخلف عنها من كثرة مطر أو وحل أو خوف على مال أو مرض أو تمريض قريب ونحو ذلك] اهـ.
وجاء في "المقدمة الحضرمية" (1/ 45، ط. دار النشر): [أعذار الجمعة والجماعة المطر إن بل ثوبه ولم يجد كنا، والمرض الذي يشق كمشقته، وتمريض من لا متعهد له.. ومن الأعذار الخوف على نفسه، أو عرضه] اهـ.
وقال العلامة المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (2/ 300، ط. إحياء التراث العربي): [(ويُعذَر في ترك الجمعة والجماعة المريض): بلا نزاع، ويُعذَر أيضا في تركهما لخوف حدوث المرض] اهـ.
وقال الإمام ابن حزم الظاهري في "المحلى بالآثار" (3/ 118، ط. دار الفكر): [ومن العذر للرجال في التخلف عن الجماعة في المسجد: المرض، والخوف، والمطر، والبرد، وخوف ضياع المال، وحضور الأكل، وخوف ضياع المريض أو الميت، وتطويل الإمام حتى يضر بمن خلفه، وأكل الثوم أو البصل أو الكراث؛ ما دامت الرائحة باقية، ويمنع آكلوها من المسجد، ويؤمر بإخراجهم ولا بد.. فأما المرض والخوف: فلا خلاف في ذلك] اهـ.
وعلى ذلك؛ فكل ما يُسَبِّب الضرر والأذى للنفس والغير هو من الأعذار الـمُسْقِطة لفرض الجمعة في المسجد؛ ونحن مأمورون بدفع الضرر والأذى؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» رواه أحمد؛ فالضرر باعتباره مفسدة يجب رفعه وإزالته إذا وقع، كما يجب دفعه قبل وقوعه؛ فمَنْ خاف على نفسه حصول الضرر بـ"فيروس كورونا المستجد" من الاختلاط بالآخرين إذا غَلَب على ظنه عدم تنفيذ الإجراءات الوقائية الكاملة بالصورة التي تضمن سلامته؛ فله ترك الجمعة في المسجد، ويصليها في البيت ظهرًا، والإثم والحرج مرفوعان عنه حينئذٍ.
لا يصح الاعتراض: بأنَّ الخوف من وقوع الضرر بالفيروس محتمل؛ فكيف يصح جعله من الأعذار المسقطة للجمعة؛ وذلك لأنَّ سلامة الإنسان في هذه الحالة ليست فقط مرهونة على أخذه وحده بأساليب الوقاية، بل مرتبطة أيضًا بمَنْ سيخالطهم ويتعامل معهم، ومع تفاوت طباع البشر والاختلاف في ثقافة التعامل مع الوباء، وفي حرصهم على الالتزام بوسائل الوقاية واستكمال الإجراءات، ومع تَوقُّع تهاون البعض فيها، أو حصول التدافع غير المقصود، مع ما قد يستدعيه حضور الصلاة؛ مما قد يصعب معه الحرص على التباعد المطلوب؛ يضاف لذلك أَنَّ الضرر المحتمل هنا متعد للغير لا قاصر على الشخص نفسه؛ والقاعدة الفقهية تقول: "تنزل المظنة منزلة المئنة"؛ فمَن كان به عرَض من أعراض ذلك المرض ولم يسعفه الوقت للكشف أو التحليل؛ فعليه أيضًا عدم الذهاب للجمعة، وذلك من باب الاحتياط.
أمَّا مَنْ تأكَّدت إصابته بالفيروس فلا تجب عليه الجمعة أصلًا؛ رعايةً للسلامة ووقايةً من الأمراض، بل يَحْرُم عليه شرعًا حضور صلاة الجمعة في المسجد؛ لأنَّ مجازفته بالحضور للصلاة ورميه وراء ظهره خَطَر هذا الوباء هو مما يُؤدِّي إلى الضرر، وهو مرفوعٌ؛ لما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ، مَنْ ضَارَّ ضَارَّهُ اللهُ، وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللهُ عَلَيْهِ» رواه الحاكم.
ويجب على مَن تأكَّدت إصابته -وهو أولى بذلك من غيره- أن يتخذ كافة الوسائل للحفاظ على نفوس الناس، باتباع تعليمات الجهات المسؤولة وأهل الاختصاص؛ من الأطباء ونحوهم؛ إذ هم أهل الذكر الذين تجب استشارتهم في هذا الشأن، وقد أمرنا الله بالرجوع لأهل الذكر في قوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43].
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فمن غَلَب على ظنه لُـحُوق الأذى والضرر بـ"فيروس كورونا المستجد" جَرَّاء الاختلاط بغيره في صلاة الجمعة بناءً على كلام المتخصصين من أهل الطب في المناعة وغيرها مما يمكن أن يزيد في العدوى بفيروس كورونا فيُرَخَّص له في عدم حضور صلاة الجمعة؛ ويصليها في البيت ظُهْرًا، أمَّا مَن تَحقَّقت إيجابية حَمْلِه للفيروس فيَحْرُم عليه شرعًا حضور صلاة الجمعة؛ لما في ذلك مِن إلحاق الضرر بالآخرين، لا سيما مع عِلْم الشخص بكون مرضه ذا طابعٍ مُعْدٍ. وتناشد دار الإفتاء وجوب الالتزام بالتعليمات الرسمية وقرارات السلطات، وأن تصبح الإجراءات الوقائية ثقافة سائدة في مزاولة حياتنا في التجمعات؛ حفاظًا على نفوس الناس، وحدًّا من انتشار هذا الوباء.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ابتعدت عن الصلاة لمدة خمسة أعوام، وقد تبت إلى الله تعالى، وأقضي الآن ما عليَّ من الفوائت، فأقضي مع كل فرضٍ عددًا من الفوائت من مثله، لكن ذلك يؤثر على صلاتي للسنن الرواتب وصلاة النفل بوجه عام، فأنا أحب التطوع بالصلاة، ولا أدري أي الصلوات أقدم على الآخر، هل أقدم قضاء الفوائت، أم صلاة السنن الراتبة، أم صلاة التطوع؟
هل تسقط فدية الصيام عن المريض الذي يعجز عن دفعها؟ حيث ورد سؤال يقول صاحبه أنا رجلٌ كبيرٌ في السن وأعمل بائعًا في محل بالأجرة اليومية، وقد نصحني الأطباء بعدم صيام شهر رمضان لتضرُّر صحتي به، وكنت أُخرِج الفدية في كل عام، إلا أن هذا العام وبسبب انتشار فيروس كورونا قلَّ دخلي المادي بحيث أصبح من الصعب عليَّ إخراجُ الفدية بعدد أيام شهر رمضان، فهل يجب عليَّ إخراجُها رغم تعثر حالتي المادية بسبب ما نمرُّ به من ظروف؟
ما حكم إلحاح بعض المأمومين على إمامهم الراتب بالصلاة على السجادة في الوقت الذي يخشى الإمام من الانشغال بها؟
ما حكم صلاة الظهر أربع ركعات بعد فريضة الجمعة؟
تعلمون فضيلتكم أنه قد يضطر القائمون على المساجد إلى إضافة أدوار عليا فوق المسجد نظرًا لضيق الأماكن، ولكن تقابلنا مشكلة تبزغ من وقت لآخر، وهي: أن المصلين في هذه الأدوار العليا لا يتمكنون من رؤية الإمام ولا المصلين خلفه بالدور الأرضي، وإنما يتابعون الصلاة عن طريق السماع فقط (بمكبرات الصوت)، ولا يخلو الأمر أحيانًا من وجود سهو في الصلاة كأن يقوم الإمام بدلًا من الجلوس للتشهد أو تكون هناك سجدة تلاوة أو سجود للسهو، وغير ذلك مما لا يفطن إليه المصلون بالأدوار العليا، فيستمرون في صلاتهم حتى يكتشفوا الخطأ فيحدث ارتباك في المسجد، بل وقد ترتفع الأصوات ويشك الناس في صلاتهم.
وقد فكرنا في الاستفادة من الأجهزة الحديثة في التغلُّب على هذه المشكلة قياسًا على الاستفادة من مكبرات الصوت والإضاءة الحديثة وقبل أن نقدم على ذلك نودُّ أن نتعرَّف على الحكم الشرعي في ذلك حتى لا نفتح بابًا للبدع في المساجد بغير قصد، لذلك نعرض على فضيلتكم اقتراحنا أولًا، ونسأل الله أن يوفقكم في الإجابة وفق ما يُحبُّه ويرضاه. وهذا الاقتراح يتمثل في الآتي:
1- تثبيت عدسة مراقبة (كاميرا تصوير) خلف الإمام فقط لمتابعة حركته من قيام وركوع وسجود، ولا تستعمل إلا عند إقامة الصلاة وتغلق عند انتهاء التسليمتين (على غرار الكاميرات المستعملة للمراقبة في الشركات والهيئات).
2- اتصال هذه الكاميرا بشاشة عرض صغيرة (كمبيوتر أو تلفزيون) أو فانوس إسقاط -بروجكتور- توضع في قِبلة الأدوار العليا بالمسجد ليتمكن المصلون من متابعة الإمام بين الحين والآخر.
فيرجى التكرم بالإفادة عن مدى شرعية هذا الأمر قبل تنفيذه.
هل رؤية الهلال في مكان ما بالعالم تكون صالحة لكل العالم؟