هل الجماعة شرط لصحة صلاة الجنازة؟ فنظرًا لما تمرُّ به البلاد من وباء كورونا المستجد، وما اتخذته الحكومات من إجراءات وقائية للحد من انتشار هذا الوباء من منع التجمُّعات، وإرجاء بعض العبادات كالجمعة والجماعة في المسجد ونحو ذلك، نجد أن صلاة الجنازة في هذه الآونة يحضرها بعض الأشخاص المحدودين؛ كأن يحضرها ثلاثة أو أكثر أو أقل، فهل يكفي ذلك في صحَّة صلاة الجنازة، أم أنه يشترط فيها حضور الأعداد الكثيرة كما تعودناه في صلوات الجنائز؟
صلاة الثلاثة على الجنازة أو أكثر منهم أو أقل صحيحٌ شرعًا؛ لأن الجماعة ليست شرطًا في صحَّة صلاة الجنازة؛ بل تتحقَّق صحتها بصلاة واحدٍ فقط، وأن الجماعة فيها مسنونة أو مستحبة؛ نصَّ على ذلك جماهير الفقهاء أرباب المذاهب الفقهية المتبعة.
المحتويات
حثَّ الشرع الشريف على حضور صلاة الجنازة، ورتَّب عليها الأجر والثواب، وجعلها من حقِّ المسلم على أخيه؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ شَهِدَ الجنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّي، فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَ حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَان، قيل: وما القيراطان؟ قال: مِثْلُ الجَبَلَيْنِ العَظِيمَينِ» متفق عليه.
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسبعٍ ونهانا عن سبعٍ، وذكر اتباع الجنازة" متفقٌ عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حَقُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلَامِ، وَعِيَادَةُ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ العَاطِسِ» رواه البخاري في "صحيحه".
قد أجمع العلماء على أن صلاة الجنازة من الفروض الكفائية التي إذا قام بها البعض يسقط الإثم عن الباقين، وإذا لم يَقُمْ بها أحد أثِمَ الجميع.
قال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (1/ 311، ط. دار الكتب العلمية): [الإجماع منعقد على فرضيتها أيضًا، إلا أنها فرض كفاية؛ إذا قام به البعض يسقط عن الباقين؛ لأن ما هو الفرض وهو قضاء حق الميت يحصل بالبعض، ولا يمكن إيجابها على كل واحدٍ من آحاد الناس، فصار بمنزلة الجهاد، لكن لا يسع الاجتماع على تركها] اهـ.
وقال القاضي عياض المالكي في "إكمال المُعلم" (7/ 46، ط. دار الوفاء): [فلا خلاف أن القيام بذلك على الجملة فرض، لكنه في الجنازة على الكفاية، حتى إذا لم يكن بالحضرة عدة كثيرة إلا من يقوم تعين عليهم] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (5/ 212، ط. الفكر): [نقلوا الإجماع على وجوب الصلاة على الميت] اهـ.
الجماعة في صلاة الجنازة أمرٌ مسنون، وليست شرطًا في صحتها؛ بل تتحقق بصلاة واحدٍ فقط، وعلى ذلك جماهير العلماء أرباب المذاهب الفقهية المتبعة.
قال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" (2/ 126، ط. دار المعرفة): [أما الصلاة على الجنازة فتتأدَّى بأداء الإمام وحده؛ لأنَّ الجماعة ليست بشرط للصلاة على الجنازة] اهـ.
وقال العلامة الدسوقي المالكي في "حاشيته على الشرح الكبير" (1/ 320، ط. دار الفكر): [(قوله: وشمل قوله بفرض الجنازة) أي: فالجماعة فيها سنة كما قاله اللخمي، فإن صلوا عليها وحدانًا استحب إعادتها جماعة، (قوله: وقيل بندبها فيها) أي: وهو المشهور] اهـ.
وقال العلامة الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (1/ 344، ط. دار الفكرة): [(ويشترط) في صلاة الجنازة (شروط) غيرها من (الصلاة): كسترٍ، وطهارةٍ، واستقبالٍ؛ لتسميتها صلاة، فهي كغيرها من الصلوات.. (لا الجماعة) فلا تشترط فيها كالمكتوبة، بل تسن.. (ويسقط فرضها بواحدٍ)؛ لحصول الفرض بصلاته، ولو صبيًّا مميزًا على الصحيح] اهـ.
وقال العلامة البُهُوتي الحنبلي في "شرح منتهى الإرادات" (1/ 357، ط. عالم الكتب): [(وتسقط) الصلاة على الميت؛ أي وجوبها (بـ) صلاة (مكلفٍ) ذكرًا أو خنثى أو أنثى، حرًّا أو عبدًا أو مُبَعَّضًا؛ كغسله وتكفينه ودفنه.. (وتسن) الصلاة عليه جماعة] اهـ.
ما ورد من أحاديثَ يفيد ظاهرُها الكثرةَ، فإن ذلك على سبيل الأفضلية، لا على سبيل الشرطية، فلا ينفي صحَّة الصلاة بما هو دونها؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ، فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا، لَا يُشْرِكُونَ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا شَفَّعَهُمُ الله فِيهِ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه"، والإمام أحمد في "مسنده".
قال الإمام النووي في "شرح مسلم" (7/ 17، ط. دار إحياء التراث العربي، بيروت):
[قيل: هذه الأحاديث خرجت أجوبة لسائلين سألوا عن ذلك، فأجاب كلُّ واحدٍ منهم عن سؤاله؛ هذا كلام القاضي.
ويحتملُ أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر بقبول شفاعة مائة فأخبر به، ثم بقبول شفاعة أربعين، ثم ثلاث صفوف وإن قل عددهم فأخبر به.
ويحتمل أيضًا أن يقال: هذا مفهوم عدد ولا يحتجُّ به جماهير الأصوليين؛ فلا يلزم من الإخبار عن قبول شفاعة مائة منْعُ قبول ما دون ذلك، وكذا في الأربعين مع ثلاثة صفوف، وحينئذٍ كل الأحاديث معمولٌ بها، ويحصل الشفاعة بأقل الأمرين من ثلاثة صفوف وأربعين] اهـ.
وقال الإمام الصنعاني في "سُبل السلام" (1/ 483، ط. دار الحديث): [جميع الأحاديث التي وردت في فضل كثرة عدد المصلين على الميت معمولٌ بها، وتقبل الشفاعة بأدناها] اهـ بتصرف.
بناءً على ذلك: فصلاة الثلاثة على الجنازة أو أكثر منهم أو أقل صحيحٌ شرعًا؛ لأن الجماعة ليست شرطًا في صحَّة صلاة الجنازة؛ بل تتحقَّق صحتها بصلاة واحدٍ فقط، وأن الجماعة فيها مسنونة أو مستحبة؛ نصَّ على ذلك جماهير الفقهاء أرباب المذاهب الفقهية المتبعة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
تنوعت أقوال الناس في مسألة تغطية بدن الميت أثناء الغسل من الرجل للرجل؛ مما أحدث خلافًا بينهم، فيرى البعض أن يستر جميع بدنه، ويمنع البعض الآخر ذلك، ومنهم من يقول بتغطية وجهه.
فنلتمس منكم أن تبينوا لنا القول الشافي في القدر المراد ستره من بدن الميت عند الغُسل، وأقوال الفقهاء في ذلك. وجزاكم الله خيرًا.
السائل يقول: تُوفّيت امرأة ولم تُنجِب؛ فاختلف زوجها وإخوتها الذكور في الأولى بدفنها منهم، فنرجو من فضيلتكم الإفادة بحكم الشرع في ذلك؟
ما هي شروط صلاة الجنازة على الغائب؟ حيث تُوفِّيَ صديق لي أثناء عمله بالخارج ولم أعرف بذلك إلا بعد شهر من وفاته، وأريد أن أصلي عليه صلاة الغائب؛ فأخبرني شخص أنه بمرور شهر على وفاته لا تجوز الصلاة عليه؛ فهل يحق لي أن أصلي عليه؟ وهل هناك مدة معينة لصحة الصلاة على الغائب من بعد موته؟ وما شروط صلاة الجنازة على الغائب؟
ما حكم الصلاة في أرض كانت عبارة عن مقابر قديمة؟ حيث يقول السائل: حدثت بعض الشروخ والتصدُّعات بالمسجد، ممَّا دعا هيئة الآثار لإغلاقه بالكامل لحين عمل الترميمات اللازمة، ويوجد خلف المسجد مساحة أرض كانت بها مقابر للمسلمين قديمة، ولم يتمّ الدفن فيها من أكثر من ثمانين عامًا؛ فما الحكم الشرعي للصلاة على هذه الأرض؟
ما حكم الشرع في قراءة القرآن على القبر عقب الفراغ من دفن الميت؟
ما هو الضابط في اعتبار الثياب صالحة للإحداد وهل هي من الزينة أو لا؟ وهل تنحصر ثياب الإحداد في اللون الأسود في الثياب؟