ما حكم الصلاة على الجنازة عند القبر بعد الدفن؛ حيث توفي شابٌّ في حادثٍ أليم، ولم يتمكَّن المشيّعون من الصلاة عليه قبل دفنه؛ نظرًا للازدحام الشديد، والخوف من إحداث مشكلات، فدفنوه بعد غسله وتكفينه ولم يصلوا عليه، فصلَّى عليه بعض الناس عند المقبرة، فهل تكفي هذه الصلاة في إسقاط صلاة الجنازة في حقِّ المشيِّعين؟ وهل هناك إثمٌ عليهم في دفنه من غير صلاة عليه؟
يكفي في الصلاة على هذا الميت ما قام به بعض الناس من الصلاة عليه بعد دفنه؛ لأنَّ صلاة الجنازة فرض كفاية، إذا قام بها بعض الناس سقط الإثم عن الباقين، ولا حرج ولا إثم في تأخير الصلاة عليه إلى ما بعد دفنه ما دام هناك عذر منع الصلاة عليه قبل دفنه -كما هو في واقعة السؤال-.
المحتويات
حثَّ الشرع الشريف على صلاة الجنازة ورتَّب عليها الأجر والثواب، وجعلها من حقِّ المسلم على أخيه؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ شَهِدَ الجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّي فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَ حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ»، قيل: وما القيراطان؟ قال: «مِثْلُ الجَبَلَيْنِ العَظِيمَيْنِ» متفق عليه.
وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسبعٍ ونهانا عن سبعٍ، وذكر منها "اتباع الجنازة" متفق عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «خَمْسٌ مِنْ حَقِّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ: رَدُّ التَّحِيَّةِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَشُهُودُ الْجِنَازَةِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ إِذَا حَمِدَ اللهَ» رواه أحمد وأبو داود الطيالسي وأبو يعلى في "مسانيدهم"، وابن ماجه في "سننه".
قد أجمع العلماءُ على أنَّ صلاة الجنازة على الميت فرض كفاية؛ إذا قام بها البعض يسقط الإثم عن الباقين، وإذا لم يقم بها أحدٌ أثِمَ الجميع.
قال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (1/ 311، ط. دار الكتب العلمية): [الإجماع منعقدٌ على فرضيتها أيضًا، إلا أنها فرض كفاية إذا قام به البعض يسقط عن الباقين؛ لأنَّ ما هو الفرض وهو قضاءُ حق الميت يحصل بالبعض، ولا يمكن إيجابها على كل واحدٍ من آحاد الناس؛ فصار بمنزلة الجهاد، لكن لا يسع الاجتماع على تركها] اهـ.
وقال القاضي عياض المالكي في "إكمال المُعلم" (7/ 46، ط. دار الوفاء): [فلا خلاف أن القيام بذلك على الجملة فرض، لكنه في الجنازة على الكفاية، حتى إذا لم يكن بالحضرة عدة كثيرة إلا مَنْ يقوم: تعين عليهم] اهـ.
نص الفقهاء على مشروعية صلاة الجنازة على من دُفِنَ ولم يُصلَّ عليه، ما لم يمض عليه زمن يُظَنُّ معه تغيُّر جسده، وأنَّ هذا يُسْقِط الفرضَ الكفائي لصلاة الجنازة، والأصلُ في ذلك فِعْلُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن امرأة -أو رجلًا- كانت تَقُمُّ المسجد -ولا أراه إلا امرأة-، فذكر حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "أَنَّهُ صَلَّى عَلَى قَبْرِهَا" رواه البخاري؛ فإن جازت الصلاة لمن صُلِّيَ عليه؛ جازت لمن لم يُصَلَّ عليه من باب أولى.
قال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (1/ 315): [ولو دُفِنَ بعد الغسل قبل الصلاة عليه: صُلِّيَ عليه في القبر، ما لم يعلم أنه تفرَّق، وفي "الأمالي" عن أبي يوسف أنه قال: يصلَّى عليه إلى ثلاثة أيام، هكذا ذكر ابن رستم عن محمد، أما قبل مضي ثلاثة أيام: فلِـمَا روينا: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى على قبر تلك المرأة، فلما جازت الصلاة على القبر بعد ما صُلِّي على الميت مرةً؛ فلأن تجوز في موضعٍ لم يُصَلَّ عليه أصلًا أوْلَى، وأما بعد الثلاثة أيام لا يُصَلَّى؛ لأن الصلاة مشروعة على البدن، وبعد مضي الثلاث ينشقُّ ويتفرق فلا يبقى البدن، وهذا لأن في المدة القليلة لا يتفرق، وفي الكثيرة يتفرق، فجعلت الثلاث في حد الكثرة؛ لأنها جمع والجمع ثبت بالكثرة، ولأن العبرة للمعتاد، والغالب في العادة أن بمضي الثلاث يتفسخ ويتفرق أعضاؤه، والصحيح أنَّ هذا ليس بتقدير لازم؛ لأنه يختلف باختلاف الأوقات في الحر والبرد، وباختلاف حال الميت في السِّمَنِ والهُزَال، وباختلاف الأمكنة فيحكم فيه غالب الرأي وأكبر الظن] اهـ.
وقال القاضي عياض المالكي في "إكمال المعلم" (3/ 419): [تحصيل مذهب مالك وأصحابه المشهور: أقوالُ أكثرهم فيمن لم يُصلَّ عليه حين دفن: أنه يُصَلَّى عليه في قبره، وعنه أيضًا وهو قول سحنون وأشهب: لا يَُصَلَّى عليه، ومشهور قوله، وقول أصحابه فيمن صُلِّي عليه: ليس لمن فاتته الصلاة عليه إعادة الصلاة عليه، وهو قول الليث والثوري وأبى حنيفة] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (5/ 249، ط. دار الفكر): [إذا دُفِن من غير صلاة؛ قال أصحابنا:.. يُصَلَّى على القبر] اهـ.
وقال الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (2/ 28، ط. دار الكتب العلمية): [ويسقط الفرض بالصلاة على القبر على الصحيح] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 414، ط. دار الفكر): [فصلٌ: وإن دُفِن قبل الصلاة؛ فعن أحمد: أنه يُنْبَش ويُصَلَّى عليه، وعنه: أنه إن صُلِّي على القبر جاز، واختار القاضي: أنه يُصَلَّى على القبر ولا يُنْبَشُ، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلَّى على قبر المسكينة ولم ينبشها] اهـ.
بل نصَّ المالكية في المعتمد عندهم على وجوب ذلك؛ قال الإمام الدردير المالكي في "الشرح الكبير" (1/ 427، ط. دار الفكر): [(ولا يُصَلَّى على قبرٍ)؛ أي: يكره على الأوجَه (إلا أن يدفن بغيرها) أي: بغير صلاة؛ فيُصلَّى على القبر وجوبًا، ولا يخرج إن خيف عليه التغير، وإلا أخرج على المعتمد، ومحلُّ الصلاة على القبر ما لم يَطُلْ حتى يُظَنَّ فناؤه] اهـ.
صلاةُ الجنازة على القبر حال عدم الصلاة على الميت قبل ذلك وإن كانت تسقط فرضها؛ إلَّا أنَّه يترتب على دفن الميت من غير صلاةٍ عليه إثمٌ عظيم وتقصير في الحق الواجب للمسلم على أخيه المسلم، ما لم يكن هناك عذرٌ، فلو وُجِدَ العُذرُ سَقَطَ الاثم وارتَفَعَ الحرج.
قال الإمام السرخسي في "المبسوط" (2/ 69، ط. دار المعرفة): [وإن دُفن قبل الصلاة عليها صُلِّيَ في القبر عليها، إنما لا يُخرج من القبر؛ لأنه قد سُلم إلى الله تعالى وخرج من أيديهم؛ جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْقَبْرُ أَوَّلُ مَنْزلٍ مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ»، ولكنهم لم يؤدوا حقه بالصلاة عليه] اهـ.
وقال الإمام النووي في "المجموع" (5/ 249): [إذا دُفِنَ من غير صلاةٍ؛ قال أصحابنا: يأثم الدافنون وكلُّ من توجَّه عليه فرضُ هذه الصلاة من أهل مِلْكِ الناحية؛ لأن تقديم الصلاة على الدفن واجبٌ، وإن كانت الصلاة على القبر تسقط الفرض إلا أنهم يأثمون، صرح به إمام الحرمين والأصحاب، ولا خلاف فيه] اهـ.
وقال الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (2/ 28): [فإن دُفِنَ من غير صلاة: أثمَ كلُّ مَنْ توجَّهَ عليه فرضُ الصلاة، إلا أن يكون عذرٌ، ويصلَّى عليه وهو في القبر، ولا يُنْبَشُ لذلك، كما يؤخذ من قوله: (وتصح بعده) أي: الدفن؛ للاتباع لخبر "الصحيحين"] اهـ.
على ذلك: فصلاة الجنازة على الميت فرض كفاية؛ إذا قام بها البعض يسقط الإثم عن الباقين، وإذا لم يقم بها أحدٌ أثِمَ الجميع، وقد نص الفقهاء على مشروعية صلاة الجنازة على من دُفِنَ ولم يُصلَّ عليه، بل نصَّ بعضهم على وجوبها، وهي وإن كانت تُسْقِطُ فرض صلاة الجنازة عليه قبل الدفن؛ إلَّا أنَّه يترتب على تأخيرها إلى ما بعد دفن الميت إثمٌ عظيم وتقصير في الحق الواجب للمسلم على أخيه المسلم، ما لم يكن هناك عذرٌ، فلو وُجِدَ العُذرُ سَقَطَ الاثم وارتَفَعَ الحرج.
وفي واقعة السؤال: فما قام به بعض الناس بالصلاة على هذا الشاب على القبر يكفي في إسقاط فرض صلاة الجنازة عليه، وليس ثمة إثمٌ في تأخير الصلاة على الدفن ما دام هناك عذر قد حال دون مراعاة الترتيب من الصلاة ثم الدفن.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم التسبيح وقراءة القرآن عند دفن الميت وهبة ثواب هذه الأعمال له؟ حيث اعتاد أهل القرية أثناء دفن الموتى، وعند إهالة التراب أن يقولوا: "سبحان الله وبحمده"، وذلك بدلًا من كثرة اللغو في الحديث أثناء دفن الميت، وبعد ذلك يقرأ الجميع آخر سورة البقرة ثم يدعون لميتهم وينصرفون، حتى ظهر أحد الشباب الذي يدّعي أن ذلك مخالف للسنة؛ فهل التسبيح عند دفن الميت مخالف للسنة؟ وما حكم هبة ثواب التسبيح وقراءة القرآن للميت؟ وهل من يفعل ذلك آثم ومبتدع؟
ما حكم زيارة شهداء أحد وأهل البقيع ووادي العقيق؟ حيث أرى بعض الناس عندما يأتون لزيارة المدينة المنورة يحرصون على زيارة شهداء أحد وأهل البقيع ووادي العقيق. فما حكم الشرع في ذلك؟
ما حكم نقل الموتى من قبورهم إلى قبور أخرى؟ وذلك بسبب بناء مقابر جديدة، أو لفصلهم عن أموات آخرين بغرض الاستقلال عن الأقارب أو منعًا لمشكلات مع الأحياء أو لجمعهم مع موتى آخرين من أقاربهم.
ما حكم قراءة القرآن في المآتم وسرادقات العزاء؟ وما حكم أخذِ الأجرة على هذا العمل؟ حيث إن هناك بعض الناس يزعم أن ذلك بدعة.
هل الأفضل دفن الميت في المقبرة أم في منزله إذا كان به مكان؛ كما فُعل مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ حيث دُفن في بيته؟
ما قولكم دام فضلكم في امرأة توفيت ولم تترك سوى بعض منقولات، وليس لها أولاد سوى زوجها، وأبيها وأمها، فهل مؤن تجهيزها من ثمن كفن، وأجرة مغسلة، وأجرة لحد، وفقهاء، ومصاريف ليلة المأتم، وما تفعله العوام من ليلة أربعين، وليالي الأخمسة الثلاثة، وطلعة العيد، هل كل ذلك من الشرع أم لا؟ وهل ذلك على الزوج أم لا؟