سائل يسأل عن واجب الأسرة نحو أبنائها، وما دورها في العناية بهم من حيث التربية والرعاية؟ وهل يتوقف الأمر على الرعاية المادية فقط؟
أوجبت الشريعة الإسلامية على الآباء والأمهات رعاية أبنائهم، وهذه الرعاية تكون بحُسن تنشئتهم على محاسن الأخلاق و الآداب الحسنة، والاجتهاد في حمايتهم من التأثر السلبي في أخلاقهم، وعاداتهم، وتصرفاتهم، وذلك بوضعهم تحت الرعاية الدائمة نُصْحًا، وتوجيهًا، وتعديلًا لسلوكهم؛ مما يجعل الآباء على اتصال دائم بأبنائهم، وكذلك بشغل الآباء والأمهات أوقات فراغ أبنائهم بكل ما هو مفيد، والحرص على تَخَيُّر صُحبتهم؛ فإنَّ للصحبة والصداقة تأثيرًا كبيرًا على شخصية المرء.
المحتويات
الأسرة هي المَحضن الأول الذي يتربَّى وينشأ فيه الأبناء، والوالدان هما اللذان عليهما المُعَوّل في صلاحهم ووقايتهم من الانحراف، وحفظهم من الضياع؛ يقول الإمام الرازي في "تفسيره" (13/ 178، ط. دار إحياء التراث العربي): [أَعْظَمُ أَنْوَاعِ النِّعَمِ عَلَى الْإِنْسَانِ نِعْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَتْلُوهَا نِعْمَةُ الْوَالِدَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ الْحَقِيقِيَّ فِي وُجُودِ الْإِنْسَانِ هُوَ اللهُ سُبْحَانَهُ، وَفِي الظَّاهِرِ هُوَ الْأَبَوَانِ، ثُمَّ نِعَمُهُمَا عَلَى الْإِنْسَانِ عَظِيمَةٌ، وَهِيَ نِعْمَةُ التَّرْبِيَةِ، وَالشَّفَقَةِ، وَالْحِفْظِ عَنِ الضَّيَاعِ، وَالْهَلَاكِ فِي وَقْتِ الصِّغَرِ] اهـ.
وقد أوجبت الشريعة الإسلامية على الآباء والأمهات رعاية أبنائهم؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ؛ فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا» متفق عليه.
كما حَثَّ الشرع الكريم الأبوين على أن يغرسوا في أبنائهم محاسن الأخلاق؛ فقد روى أيوب بن موسى عن أبيه عن جده رضي الله عنهما، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنَّه قال: «مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا مِنْ نَحْلٍ أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ» أخرجه الترمذي في "سننه".
والنِّحَل: أي: العطايا والإحسان والهبة. "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير (5/ 29، ط. المكتبة العلمية).
فتربية الأبناء على الآداب الحسنة خير لهم في الحال والمآل من العطايا؛ وفي ذلك يقول ابن عمر رضي الله عنهما أنَّه قال: "أَدِّبِ ابْنَكَ فَإِنَّكَ مَسْؤُولٌ عَنْ وَلَدِكَ، مَا عَلَّمْتَهُ؟ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ بِرِّكَ وَطَاعَتِهِ لَكَ". "الفقيه والمتفقه" للخطيب البغدادي (1/ 176، ط. دار ابن الجوزي).
قد يتعرض الأبناء -خاصة في مرحلة المراهقة- إلى التأثر السلبي في أخلاقهم، وعاداتهم، وتصرفاتهم بالتصرفات الخاطئة لبعض أصدقائهم، وذلك يستلزم جهدًا حثيثًا من الآباء والأمهات لحماية أبنائهم؛ ويمكن إيجاز دور الآباء والأمهات -لتفادي ذلك- في عدة محاور أساسية، وهي:
أولًا: أن يكون الأبوان على قدرٍ عالٍ من الأخلاق والسلوك؛ حتى يكونوا قدوة حسنة لأبنائهم.
ثانيًا: التربية والتنشئة الصالحة على مبادئ الإسلام وتعاليمه؛ فالابن ينشأ على ما يغرسه فيه أبواه؛ ففي الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ؛ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ» متفق عليه.
وكان صلّى الله عليه وآله وسلّم يتعهَّد الأطفال بالتربية، وغرس القيم الحسنة في نفوسهم؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يومًا فقال: «يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ» رواه الترمذي في "سننه".
ثالثًا: أن يحرص الأبوان على أن يزرعا في أبنائهما محاسن الأخلاق منذ الصغر؛ يقول الإمام الغزالي في "إحياء علوم الدين" (3/ 72، ط. دار المعرفة): [اعلم أنَّ الصبي أَمَانَةٌ عِنْدَ وَالِدَيْهِ، وَقَلْبُهُ الطَّاهِرُ جَوْهَرَةٌ نَفِيسَةٌ سَاذَجَةٌ خَالِيَةٌ عَنْ كُلِّ نَقْشٍ وَصُورَةٍ، وَهُوَ قَابِلٌ لِكُلِّ مَا نُقِشَ، وَمَائِلٌ إِلَى كُلِّ مَا يُمَالُ بِهِ إِلَيْهِ؛ فَإِنْ عُوِّدَ الْخَيْرَ وَعُلِّمَهُ نَشَأَ عَلَيْهِ، وَسَعِدَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وشاركه في ثوابه أبوه، وَكُلُّ مُعَلِّمٍ لَهُ وَمُؤَدِّبٍ، وَإِنْ عُوِّدَ الشَّرَّ وَأُهْمِلَ إِهْمَالَ الْبَهَائِمِ شَقِيَ وَهَلَكَ، وَكَانَ الْوِزْرُ في رقبة القيّم عليه والوالي له؛ وقد قال الله عز وجل: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًاً﴾ [التحريم: 6]، وَمَهْمَا كَانَ الْأَبُ يَصُونُهُ عَنْ نَارِ الدُّنْيَا، فَبِأَنْ يَصُونَهُ عَنْ نَارِ الْآخِرَةِ أَوْلَى، وَصِيَانَتُهُ بِأَنْ يُؤَدِّبَهُ وَيُهَذِّبَهُ، وَيُعَلِّمَهُ مَحَاسِنَ الْأَخْلَاقِ، وَيَحْفَظَهُ من قُرناء السُّوءِ] اهـ.
رابعًا: أن يقوم الأبوان بوضع أبنائهم تحت الرعاية الدائمة نُصْحًا، وتوجيهًا، وتعديلًا لسلوكهم؛ مما يجعلهم على اتصال دائم بهم، وقد كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يعلم الصغار، ويؤدّبهم بلطفٍ ولينٍ؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ الحسن بن علي رضي الله عنهما أخذ تمرة من تمر الصدقة وجعلها في فيه، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم : «كِخْ كِخْ» لِيَطْرَحَهَا، ثُمَّ قَالَ: «أَمَا شَعَرْتَ أَنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ» أخرجه الشيخان.
خامسًا: أن يشغل الآباء والأمهات أوقات فراغ أبنائهم بكل ما هو مفيد؛ فلا يخفى أنّ الفراغ سبب في وقوع الكثير من المصائب، والنفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، وقد كان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: "إِنِّي لَأَمْقُتُ الرَّجُلَ أَنْ أَرَاهُ فَارِغًا، لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ عَمَلِ الدُّنْيَا وَلَا عَمَلِ الْآخِرَةِ". أخرجه أبو نعيم في "الحلية".
سادسًا: حرص الوالدين على تَخَيُّر صُحبة أبنائهم؛ فإنَّ للصحبة والصداقة تأثيرًا كبيرًا على شخصية المرء؛ فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ» رواه الترمذي في "سننه".
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: أنَّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ؛ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ؛ فَحَامِلُ الْمِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا مُنْتِنَةً» متفق عليه. وممَّا ذُكِر يُعلَم الجواب عمَّا جاء في السؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم الحلف بالله كذبًا؟ فأنا حلفت بالله يمينًا كاذبًا على استحقاقي لشيء ليس ملكي، وأنا أعلم أنَّه غير مملوك لي. فما هي كفارة هذا اليمين؟ وهل يستوجب الأمر ردّ المال الذي حلفت عليه، وأخذته بدون وجه حقّ إلى أصحابه؟
ما ثواب تجفيف الطرقات من مياه الأمطار لأجل مصلحة من يسير فيها؟
سائل يقول: هل يجوز ذبح العقيقة قبل ولادة المولود، خوفًا من مرض الذبيحة ووفاتها؟ فقد قمت بشراء خروفٍ للعقّ عن مولودي القادم ووجدت فيه ضعفًا وأخاف موته، ولا يتبقى على موعد الولادة سوى يومين.
ما حكم التسمية بالاسم المتضمن تزكية أو مدحًا؟
ما المراد من قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾؟
كيف أهذب نفسي وأحفظها من الفتنة في هذا العصر؟