رجلٌ يصلي مع الجماعة في المسجد مأمومًا، ويسأل: ما حكم قراءته آيةً فيها سجدةٌ، وذلك في صلاته السرية خلف الإمام؟ وهل يلزمه بذلك سجود التلاوة؟
لا مانع شرعًا مِن قراءة المأموم آيةً فيها سجدةُ تلاوةٍ في صلاته السِّرِّيَّةِ خَلْفَ الإمام، لكن لا يُشرَع في حقِّه السجود لها حينئذٍ، ولا إثم عليه في ذلك ولا حرج.
المحتويات
مِن المقرر شرعًا أنَّ السجود للتلاوة سُنَّةٌ في حق القارئ والمستَمِع؛ لما أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه" أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ يوم الجمعة على المنبر بسورة النحل، حتى إذا جاء السجدة نزل، فسَجد وسَجد الناسُ، حتى إذا كانت الجمعةُ القابِلَةُ قرأ بها، حتى إذا جاء السجدة قال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ، فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ، وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ»، ولَم يَسجد عمر رضي الله عنه. وزاد نافعٌ عن ابن عمر رضي الله عنهما: "إِنَّ اللهَ لَمْ يَفْرِضِ السُّجُودَ، إِلَّا أَنْ نَشَاءَ".
والقول بأنَّ السجود للتلاوة سُنَّةٌ هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة، وهو المختار للفتوى. ينظر: "التاج والإكليل لمختصر خليل" للإمام أبي عبد الله المَوَّاق المالكي (2/ 361، ط. دار الكتب العلمية)، و"فتح العزيز بشرح الوجيز" للإمام الرافعي الشافعي (4/ 185، ط. دار الفكر)، و"المغني" للإمام ابن قُدَامَة الحنبلي (1/ 446، ط. مكتبة القاهرة).
اختلف الفقهاء في حكم قراءة المأموم آيةً فيها سجدةُ تلاوةٍ في الصلاة السِّرِّيَّةِ -كما هي مسألتنا-، والمختار للفتوى: أنَّ ذلك جائزٌ شرعًا مِن غير كراهة، وهو مذهب المالكية، ومقتضى مذهب الحنفية والحنابلة.
فأما المالكية: فقد نصوا على كراهة قراءة الإمام أو المنفرد آيةً فيها سجدة تلاوة في صلاة الفريضة؛ لأنه إذا سجد للتلاوة ترتب على ذلك زيادة عدد السجدات في الصلاة، وإذا لم يسجد دخل في الوعيد الوارد في قول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ﴾ [الانشقاق: 21]، واستَثْنَوا مِن الكراهة: قراءةَ المأموم لها، إلا أنه لا يُشرَع في حقه السجودُ لها.
قال العلامة أبو البَرَكَات الدَّرْدِير في "الشرح الكبير" (1/ 310، ط. دار الفكر، مع "حاشية الدسوقي"): [(و) كُرِهَ (تَعَمُّدُها) أي: السجدة، أي: قراءة آيَتِهَا (بفريضةٍ) ولو صُبْحِ جُمُعَةٍ (أو خُطبةٍ) لإخلاله بنِظامها] اهـ.
قال العلامة الدسوقي مُحَشِّيًا عليه: [واعلم أنَّ كراهةَ تَعَمُّدِ قراءةِ آيَتِهَا في الفريضة بالنسبة لِلْفَذِّ والإمام، وأما المأموم فلا يُكْرَهُ تَعَمُّدُهُ لقراءتها وإن كان لا يسجد.. (قوله: لإخلاله بنظامها) أي: إن سجد، وإن لَم يسجد دَخَل في الوعيد] اهـ.
وأما الحنفية والحنابلة: فقد نصوا على كراهة قراءة الإمام آيةً فيها سجدة، ولم ينصوا على كراهتها في حق المأموم، غير أنهم نصوا على عدم سجوده لها إذا قرأها، وعلَّلوا كراهتها في حق الإمام بأن سجودَه يؤدي إلى الخلط على المأمومين، مما قد يترتب عليه فتنة بين المُصَلِّين، وأنَّ عدمَ سجوده مخالفٌ للسُّنَّة أو تَرْكٌ لفِعل واجبٍ عند مَن يَرَى وجوب السجود، وأما المأموم فقراءته لها لا تؤدي إلى شيءٍ مِن ذلك، باعتبار أنه لا يسجد لها، وذلك لانشغاله باتِّباع الإمام، واتِّباع الإمام مقدَّم على السجود للتلاوة، فأفاد ذلك أنها غير مكروهة في حقه، ويُستَحَب له أن يسجد للتلاوة بعد فراغه من الصلاة؛ خروجًا مِن خلاف مَن أوجبه بعد الصلاة.
قال شمس الأئمة السَّرَخْسِي الحنفي في "المبسوط" (2/ 10، ط. دار المعرفة): [ولا ينبغي للإمام أن يقرأ سورة فيها سجدة في صلاة لا يجهر فيها بالقرآن؛ لأنَّه لو فعل ذلك وسجد لها اشتبه على القوم، فيظنون أنَّه غلط فقدَّم السجود على الركوع، وفيه مِن الفتنة ما لا يخفى.. رجلٌ قرأ آيةَ السجدة خَلْف الإمام، فسَمِعَها الإمامُ والقومُ، فليس على أحدٍ منهم أن يسجدها في الحال، ولا بعد الفراغ مِن الصلاة عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى، وقال محمد رحمه الله تعالى: يسجدون إذا فرغوا مِن صلاتهم، أما في الصلاة لا يسجدون؛ لأنه لو سجدها التالي وتابعه الإمام انقَلَبَ المتبوعُ تابعًا، وإن لَم يتابعه الإمام كان هو مخالِفًا لإمامه] اهـ.
وقال العلامة أبو السعادات البُهُوتِي الحنبلي في "مطالب أولي النهى" (1/ 588، ط. المكتب الإسلامي): [(وكُرِهَ قراءةُ إمامٍ) آية (سجدة بصلاةِ سِرٍّ) كظهرٍ وعَصْرٍ؛ لأنَّه إنْ سَجَدَ لها خَلَطَ على المأمومين، وإلا تَرَكَ السُّنَّة] اهـ.
وقال أيضًا (1/ 586-587): [و (لا) يسجد مأموم (لقراءة نفسه)؛ لأنه اختلافٌ على الإمام، وهو منهيٌّ عنه] اهـ.
بناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنه لا مانع شرعًا مِن قراءة المأموم آيةً فيها سجدةُ تلاوةٍ في صلاته السِّرِّيَّةِ خَلْفَ الإمام، لكن لا يُشرَع في حقِّه السجود لها حينئذٍ، ولا إثم عليه في ذلك ولا حرج، كما سبق بيانه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما هي مواضع القنوت في الصلوات؟ وهل يجوز دعاء القنوت في ركعة الوتر أو في صلاة أخرى؟
حكم قراءة صحيح البخاري وكتب السنة لرفع الوباء حيث ورد سؤال يقول صاحبه: في ظِلِّ ما يمرُّ به العالمُ من تفشِّي وباء كورونا يقومُ بعضُ العلماء وطلبة العلم بتنظيم قراءة "صحيح البخاري" بتقسيمه على من يحِبُّ المشاركةَ في ختمه، عن طريق وسائلِ التواصل الاجتماعي؛ تبرُّكًا وتوسُّلًا إلى الله تعالى لكشْف وباء كورونا، جريًا على ما اعتاده علماءُ الأزهر من قراءته في الملمَّات والنوازل: كدفع الوباء، وكشف البلاء، ومواجهة الغلاء.
لكن خرج بعضُ مدَّعي العلمِ على بعض المواقع زاعمًا أن التَّعبُّدَ بتلاوة صحيح البخاري لمجرد التِّلاوة بدعة، وأن التبرُّك والتوسُّل به حرام، وأنه لا فرقَ في ذلك بين "صحيح البخاري" و"مسلم" مثلًا، وأنها مجرَّد طقوس ابتدعها بعض الجهلة لمواجهة الأوبئة، وأنَّ توظيف "صحيح البخاري" للاستشفاء والتحصين لرفع البلاء أمرٌ متكلَّف، وأنَّ من ضرورياتِ الدين أنَّ المقصودَ مِن كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم هو العمل بِمَا فيهما مِن الأوامرِ والنَّواهي، والإيمان بِمَا فيهما مِن الأخبار، وليس المقصود مجرَّد تلاوتهما ألفاظًا وتعبُّدًا.. فبَيِّنوا لنا الصوابَ في ذلك مشكورين.
1- عادة إقراء "صحيح البخاري" عند النوازلِ من الكوارثِ والأوباء قديمة، جرت على لسان السراج البلقيني في اليقظة والمنام.
2- لعل أمر هذه الظاهرة يعودُ إلى أقدم من وباء الطاعون الذي عمَّ الدنيا سنة 749هـ، واشتهرت هذه الظاهرة عند قدوم تيمورلنك إلى بلاد المسلمين.
3- أشهر الإمام سراج الدين البلقيني العمل بها، ودوَّنتها كتب التراجم والتأريخ، ونقلنا ذلك عنه فيما مضى.
4- التحقيق أن هذا العمل ليس موصولًا بعصور السلف، وأنَّ شيوعَه وذيوعَه بحكم وقوعه ووجوده لا يعطيه الحجِّية، وأنه ما زال يحتاجُ للدليل، وأن مجرَّد رؤيةِ النبي صلى الله عليه وسلم في المنام يأمرُ به لا يكفي مُستَدلًّا؛ فالمنامات يُسْتَأنس بها وليست -عند أهل السنة والجماعة- حجةً وبرهانًا، وأن الاتِّكاء عليها مع ترْك الأخْذ بالأسباب بدعةٌ في الدين، ومضادَّة لمقاصدِ الشريعة الكلية، والله المستعان وهو الواقي والعاصم.
ما الحكم إذا أحدث الخطيب أثناء خطبة الجمعة؟ فهناك رجلٌ يسأل: في صلاة الجمعة، إذا أحدث الخطيب أثناء الخطبة، هل يتمها ويستخلف غيره للصلاة، أو ينتظرونه حتى يتوضأ ويرجع سريعًا إن قَدَر على ذلك؟
ما هو حكم الشرع في المصلين الذين يرتادون المساجد وهم مرضى بالأمراض المعدية مما يؤدي إلى انتشار المرض بين المصلين كما ينتشر النار في الهشيم؟
ما حكم افتتاح خطبة العيد بالتكبير؟ ففي خطبة عيد الفطر الماضي افتتح الإمام خطبة العيد كعادته بالتكبير، فأنكر عليه أحد أبناء قريتنا وأغلظ له القول، وتمسَّك بأن خطبة العيد لا تفتتح إلا بالحمد؛ فأفيدونا -بورك علمكم-.
السؤال عن صيغة التشهد في الصلاة؛ حيث ذكر بعضهم أنه ينبغي أن نقول في التشهد بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "السلام على النبي"، وأن من أخطاء المصلين الشائعة قولهم:" السلام عليك أيها النبي"، زاعمًا أن كاف المخاطبة كانت في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الدنيا، وأما بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم فالصيغة اختلفت، وأنه على كل مصلٍّ أن يقول: "السلام على النبي"، وليس "السلام عليك أيها النبي"، وزعم هذا القائل أن هذا التغيير كان من السيدة عائشة رضي الله عنها بوصية من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاته، وأنها أعلمت الصحابة بهذه الوصية للعمل بها.