ما حكم المسح على الجورب الأعلى الملبوس بعد نقض الوضوء؟ فقد توضأَت امرأةٌ ولبِسَت الجورب، ثم انتُقِض وضوؤها، وبسبب شعورها بالبَردِ ارتدت عليه جوربًا آخَر قبل أن تتوضأ، فهل يَصِحُّ مسحُها على الجورب الثاني في هذه الحالة لأداء الصلاة؟
ما دامت المرأةُ المذكورةُ قد ارْتَدَتِ الجَوْرَب الثاني بعد انتقاض وضوئها وقبل أن تتوضأ مرةً أخرى، فإنه لا يجوز لها المسح عليه، وإنما يَلزمُها نَزْعُهُ والمسح على الجَوْرَب الأسفل ليَتِمَّ بذلك وُضوؤها.
المحتويات
رخَّص الشرعُ الشريفُ في المسح على الخُفَّيْن وما في حكمهما كالجَوْرَبَيْن -على اختلافٍ بين الفقهاء وتفصيلٍ في شروط المسح عليهما، سواء في الخُفَّيْن أو الجَوْرَبَيْن-، وذلك بدلًا عن غسل الرِّجلين في الوضوء؛ فعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنهما قال: كنتُ مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فِي سَفَرٍ، فَأَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: «دَعْهُمَا، فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ»، فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا. أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه".
وعنه أيضًا رضي الله عنه: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ» أخرجه الأئمة: أصحاب السنن الأربعة، وأحمد في "المسند" واللفظ له.
والمقصود بالمسح: إمرار اليد المبتلَّة بالماء على الشيء دون تسييل للماء؛ كما في "التعريفات" للشريف الجُرْجَانِي (ص: 212، ط. دار الكتب العلمية).
والفرق بين الخُفِّ والجَوْرَب: أن الخُفَّ هو مَا يُلبَسُ فِي الرِّجْلِ مِن جلدٍ رَقِيقٍ؛ كما في "المعجم الوسيط" لمجْمَع اللغة العربية بالقاهرة (1/ 247، ط. دار الدعوة).
أما الجَوْرّب: فهو ما يرتديه الإنسان في قَدَميهِ للدفء أو نحوه مِن غير الجلد كالكتان والصوف والقطن وغير ذلك؛ كما في "تاج العروس" للإمام الزَّبِيدِي (2/ 156، ط. دار الهداية).
ولَمَّا كان للجَوْرَب في المسح حكم الخُفِّ، فإنَّ مِن جملة الشروط التي نص عليها الفقهاء لجواز المسح عليه: "أن يُلبَس بعد كمال طُهْرٍ، ساترًا محل فرضه، طاهرًا"؛ كما قال الإمام النووي في "منهاج الطالبين" (ص: 14، ط. دار الفكر).
فإذا لبس المكلَّف جَوْرَبَيْن ثم لبس عليهما جَوْرَبَيْن آخَرَين، فإنه يجوز له المسح على الظاهرَين (الأعلَيَيْن أو الفَوْقَانِيَّيْن) منها إذا كان قد لَبِسَها معًا، أو لَبِسَ الظاهرَين بعد الأسفَلَيْن عَقِبَ طهارةٍ كاملةٍ وقبل أن يَنتقض وضوؤه، قياسًا على ما نص عليه الفقهاء مِن جواز المسح على الجُرْمُوقَيْن.
والجُرْمُوق: "خُفٌّ صغيرٌ، وقيل: خُفٌّ صغير يُلْبَسُ فوق الخُفِّ"؛ كما قال جمال الدين ابن منظور في "لسان العرب" (10/ 35، ط. دار صادر).
أما إذا لبس الجَوْرَبَيْن الآخَرَين على غير طهارة، أو بعد انتقاض الطهارة التي لَبِس فيها الجَوْرَبَيْن الأسفَلَيْن -كما هي مسألتنا-، فإنه لا يجوز له أن يمسح على الجوربين اللَّذَيْن لَبِسَهُمَا آخِرًا، بل ينزعهما ويمسح على اللَّذَيْن لَبِسَهُمَا أَوَّلًا على طهارة، وذلك باتفاق جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.
قال علاء الدين الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (1/ 11، ط. دار الكتب العلمية): [إنما يجوز المسح على الجُرْمُوقَيْن عندنا إذا لَبِسَهُمَا على الخُفَّيْن قبل أن يُحدِثَ، فإن أحدَثَ ثم لَبِس الجُرْمُوقَيْن لا يجوز المسح عليهما] اهـ.
وقال الإمام ابن يونس الصِّقِلِّي المالكي في "الجامع لمسائل المدونة" (1/ 303، ط. دار الفكر) نقلًا عن الإمام مالك: [قال: وإن أحدَث فلم يتوضأ حتى لبس الأَعْلَيَيْن فلا يمسح عليهما] اهـ.
قال شمس الدين الحَطَّاب في "مواهب الجليل" (1/ 319، ط. دار الفكر): [لو لَبِس الأسفَلَيْن على طُهرٍ، ثم أحدَثَ، ثم لَبِس الأعلَيَيْن قَبل أن يتوضأ ويَمسحَ على الأسفَلَيْن، لم يَمسَح على الأعلَيَيْن، ذكره ابن فرحون، وأصلُه لابن يونس، وهو ظاهر] اهـ.
وقال الإمام أبو إسحاق الشِّيرَازِي الشافعي في "المهذب" (1/ 47، ط. دار الكتب العلمية): [فإن لَبِس الخفين على طهارةٍ، ثم أحدَثَ، ثم لبس الجُرْمُوقَيْن، لَم يَجُز المسح عليه قولًا واحدًا؛ لأنه لبس الجُرْمُوقَيْن على غير طهارة] اهـ.
قال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (1/ 506): [إذا قلنا: يجوز المسح على الجُرْمُوقَيْن، فينبغي أن يلبس الخفين والجُرْمُوقَيْن جميعًا على طهارةِ غَسل الرجلين، فإن لَبِس الخفين على طهارة ثم لبس الجُرْمُوقَيْن على حَدَث، لَم يَجُز المسح عليهما على المذهب، وبه قطع العراقيُّون، وصححه الخراسانيُّون؛ لأنه لَبِس ما يُمسَح عليه على حَدَث] اهـ.
وقال الإمام ابن قُدَامة الحنبلي في "المغني" (1/ 208، ط. مكتبة القاهرة): [إذا لَبِس خُفَّيْن، ثم أحدَث، ثم لبس فوقهما خُفَّيْن أو جُرْمُوقَيْن، لَم يَجُز المسح عليهما بغير خلاف؛ لأنه لَبِسَهُمَا على حَدَث] اهـ.
بناءً على ذلك: فإنه يُشترط لجواز المسح على الجَوْرَبَيْن الظاهرَين (الأعلَيَيْن أو الفَوْقَانِيَّيْن) أن يُلبَسَا على طهارةٍ، فإن لُبِسَا بعد انتقاض الوضوء وقَبل إعادة الطهارة والمسح على الجَوْرَبَيْن الأسفَلَيْن، لم يَجُزْ المسح على الجَوْرَبَيْن الظاهرَين باتفاق الفقهاء، ويبقى جواز المسح ثابتًا للجَوْرَبَيْن الأسفَلَيْن مدَّة المسح.
وفي واقعة السؤال: ما دامت المرأةُ المذكورةُ قد ارْتَدَتِ الجَوْرَب الثاني بعد انتقاض وضوئها وقبل أن تتوضأ مرةً أخرى، فإنه لا يجوز لها المسح عليه، وإنما يَلزمُها نَزْعُهُ والمسح على الجَوْرَب الأسفل ليَتِمَّ بذلك وُضوؤها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
هل يجب الوضوء قبل مس المصحف مطلقًا؟ أو قبل القراءة فقط؟
ما مدى عدم صحة وصف المسلم بالنجاسة إذا تأخر في غسل الجنابة؟ فسائل يقول: هل المسلم الذي يُؤخِّر الاغتسال من الجنابة يكون نجسًا حتى يغتسل؟
ما حكم الطهارة بمياه الصَّرْف الـمُعَالَجَة؟
ما هي كيفية الطهارة والصلاة للمرضى من أصحاب الأعذار؟ فالسائل مريضٌ، وينزل منه البول والغائط رغمًا عنه، ولا تخلو ملابسه أبدًا من النجاسة. ويطلب بيان الحكم الشرعي بالنسبة لصلاته، وهل تصح صلاته مع استمرار نزول البول والغائط منه على ملابسه؟ وماذا يصنع؟
ما حكم طواف الإفاضة للحائض؟ فهناك امرأةٌ ذهبت لأداء فريضة الحج، وداهمها الحيض قبل طواف الإفاضة، واقترَب موعد السفر مِن مكة المكرمة، بحيث لا تتمكن مِن الانتظار حتى تَطْهُر، فطافَت وعادت إلى بلدها، وتسأل: هل حجُّها صحيح شرعًا؟ وهل عليها شيء؟
ما حكم استعمال علبة التيمم، وهي عبارة عن قطعة إسفنج موضوعة في علبة، والقطعة مشبعة بالغبار المعقَّم المُعَدِّ لاستخدام شخص واحد فقط؟