امرأةٌ استعمَلَت حبوبَ منع الحمل، وكانت لها عادةٌ أقل مِن عشرة أيام، فتغيَّرت عادتُها حتى وصلَت إلى أكثر مِن عشرة أيام يستمر فيها نزولُ الدم عليها، وتسأل: هل عليها أن تصوم مع استمرار نزول الدم؟
إذا استعمَلَت المرأة حبوبَ منع الحمل، وكانت لها عادةٌ قَبْلَ ذلك أقل مِن عشرة أيام، فتغيَّرت عادتُها حتى وصلَت إلى أكثر مِن عشرة أيام يستمر فيها نزولُ الدم عليها -تُعَدُّ مستحاضةً فيما زاد على أيام عادتها قبل استعمال تلك الحبوب، ويجب عليها الصوم تبعًا لذلك.
المحتويات
اختصَّ اللهُ تعالى النساءَ بالحيض، حتى كان مِن حكمة الله سبحانه وتعالى أن جعله مِن أصل خِلقَتِهنَّ الذي فيه صلاحهن واستعدادهن ليصبحن أمهات وسببًا لوجود النسل، قال الله تعالى: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ﴾ [الأنبياء: 90].
وعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فَحِضْتُ، فدخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أبكي، فقال: «مَا لَكِ؟ أنَفِسْتِ؟» قلت: نعم، قَالَ: «إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَاقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ، غَيْرَ أَلَّا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» متفق عليه.
قال الإمام ابن بطَّال في "شرح صحيح البخاري" (1/ 411، ط. مكتبة الرشد): [هذا الحديث يدلُّ على أنَّ الحيض مكتوب على بنات آدم فمن بعدهن من البنات، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم، وهو من أصل خلقتهن الذي فيه صلاحُهُنَّ، قال الله تعالى في سيدنا زكريا عليه السلام: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ﴾. قال أهل التأويل: يعني ردَّ اللهُ إليها حيضَها لتحمل، وهو مِن حكمة الباري الذي جعله سببًا للنسل، ألَا ترى أنَّ المرأة إذا ارتفع حيضها لم تحمل، هذه عادةٌ لا تنخرم] اهـ.
ليس كلُّ دمٍ يخرج مِن رحم المرأة يُسَمَّى حيضًا، فقد يخرج مِن رحم المرأة الدم، ولكن لا على سبيل الصحة، بل لاعتلالها ومرضها، وهو ما يُسَمَّى بدم الاستحاضة.
فإذا تغيرت عادةُ المرأةِ لسببٍ من الأسبابِ كحصول مرضٍ أو تعاطي دواءٍ تسبَّب في استمرار نزول الدم عليها أكثرَ مِن عشرة أيام، فإنها تكون مستحاضةً فيما زاد على أقرب عادةٍ لها مِن عشرة أيام أو أقل، إذ إنَّ أكثرَ مدة الحيض عشرةُ أيام بلياليها، فما زاد على أكثره فإنه يكون استحاضةً على المفتى به، وهو مذهب الحنفية. ينظر: "البناية" للإمام بدر الدين العَيْنِي (1/ 664، ط. دار الكتب العلمية)، و"الدر المختار" للإمام علاء الدين الحَصْكَفِي (ص: 43، ط. دار الكتب العلمية)، و"رد المحتار" للعلامة ابن عابدين (1/ 285، ط. دار الفكر).
والمستحاضة معدودةٌ مِن أهل العبادات شرعًا، مثلها في ذلك مثل الطاهرة الخالية من الدَّمِ سواء بسواء، فتفعلُ كلَّ ما تفعلُه الطاهراتُ كأنها ليس بها علة، ولا يثبت لها أيُّ شيءٍ مِن أحكام الحيض بلا خلاف، فتصوم، وتصلي، وتعتكف، وتجلس في المسجد، وتقرأ القرآن، وتمس المصحف، وتطوف بالبيت، وتفعل كل ما تفعله الطاهرات من العبادات على ما نص عليه جمهور الفقهاء.
قال شمس الأئمة السَّرَخْسِي الحنفي في "المبسوط" (3/ 81، ط. دار المعرفة): [كلُّ وقتٍ عَدَدْتُهَا فيه مُسْتَحَاضَةً فإنَّها تعِيدُ صلاتَهُ إنْ لمْ تكن صَلَّتْهَا، فإنْ كانت صلَّت وصَامَتْ فقد جَازَ؛ لأنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ في حكم الطَّاهِرَاتِ فيما يَرْجِعُ إلى العبادات] اهـ.
وقال الإمام ابن عبد البَرِّ المالكي في "الكافي" (1/ 340، ط. مكتبة الرياض الحديثة): [ولا تترك المستحاضة الصوم إلا في الأيام التي لها أن تترك فيها الصلاة] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (2/ 542، ط. دار الفكر) في بيان أحكام المستحاضة: [ولها قراءة القرآن، وإذا توضأت استباحت مسَّ المصحف وحمله، وسجود التلاوة والشكر، وعليها الصلاة والصوم وغيرهما من العبادات التي على الطاهر، ولا خلاف في شيء من هذا عندنا. قال أصحابنا: وجامعُ القول في المستحاضة أنَّه لا يثبت لها شيءٌ من أحكام الحيض بلا خلاف، ونقل ابن جريرٍ الإجماعَ على أنَّها تقرأ القرآن، وأنَّ عليها جميع الفرائض التي على الطاهر] اهـ.
وقال شمس الدين ابن قُدَامَة الحنبلي في "الشرح الكبير" (1/ 354، ط. دار الكتاب العربي): [المستحاضة التي تَرَى دمًا لا يَصلُحُ أن يكون حيضًا ولا نفاسًا، حُكمُها حُكمُ الطاهرات في وجوب العبادات] اهـ.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنَّ المرأة المذكورة التي استعمَلَت حبوبَ منع الحمل، وكانت لها عادةٌ قَبْلَ ذلك أقل مِن عشرة أيام، فتغيَّرت عادتُها حتى وصلَت إلى أكثر مِن عشرة أيام يستمر فيها نزولُ الدم عليها -تُعَدُّ مستحاضةً فيما زاد على أيام عادتها قبل استعمال تلك الحبوب، ويجب عليها الصوم تبعًا لذلك.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
اعتدت صيام يوم المولد النبوي الشريف شكرًا لله تعالى على هذه النعمة العظمى؛ فما حكم الشرع في ذلك؟
ما رأي الدين في وجود موائد الرحمن؟
ما حكم صيام يوم عرفة للحاج وكذلك لغير الحاج؟
ما حكم الفطر لطالب كلية الطب بسبب مشقة التدريب والعمل؟ فأنا طالب بالسنة النهائية بكلية الطب، وأعمل من الساعة السابعة صباحًا بدون رفق أو هوادة إلى ما بعد الساعة الرابعة بعد الظهر في التمرين بأقسام المستشفى وتلقى المحاضرات بالكلية، وذلك يستلزم منا الاستذكار بعد ذلك حوالي سبعة ساعات على الأقل فيكون مجموع ساعات العمل اليومي ست عشرة ساعة، ولا أستطيع أداءه إذا ما كنت صائمًا، ومن ناحية أخرى فلو لم أبذل هذا المجهود -ولا أستطيع ذلك وأنا صائم- فسوف تكون العاقبة وخيمة، وبما أني أؤدي واجباتي الدينية على قدر ما أستطيع ولم يسبق لي أن أفطرت في رمضان فلا أستطيع أن أقرر بنفسي ما يجب علي اتخاذه بحيث أن تكون الناحية الدينية سليمة، وأعتقد أن هذا الإشكال يواجه الكثيرين من زملائي، فأرجو فضيلتكم الاهتمام بإفتائنا سريعًا في هذا الموضوع.
هل الصيام فرض على أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقط أو فرض على باقي الأمم؟