حكم احتساب ما يدفعه المزكي الضامن لدين شخص من الزكاة الواجبة عليه في ماله المتبقي عنده

تاريخ الفتوى: 21 فبراير 2024 م
رقم الفتوى: 8260
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: الزكاة
حكم احتساب ما يدفعه المزكي الضامن لدين شخص من الزكاة الواجبة عليه في ماله المتبقي عنده

ما حكم احتساب ما يدفعه المزكي الضامن لدين شخص من الزكاة الواجبة عليه في ماله المتبقي عنده؟ فهناك رجل ضَمِنَ آخرَ في دين عليه، ولم يسدد المدين هذا الدين وأفلس، فقام الضامن بسداده من ماله، وهو مبلغ 50 ألف جنيه، وللضامن مال آخر تجب فيه الزكاة، فهل يجوز له أن يحتسب مبلغ الـ50 ألف جنيه التي سدَّدها بطريقة الضمان للدائن من الزكاة التي تجب عليه في ماله الخاص؟

لا مانع شرعًا من أن يجعل الضامن المال الذي دَفَعَه عن المضمون من زكاة ماله بعد أن صار دَينًا له عليه بسداده للدائن، وذلك باعتبار أن المضمون عنه غارمٌ للضامن، لا من جهة تعلقه بالضمان للدائن الأول.

المحتويات

 

المقصود بالكفالة وبيان مصارف الزكاة

الزكاة ركنٌ مِن أركان الإسلام، والتي نظَّم الشرعُ الشريفُ كيفية أدائها وحدَّد مصارفها في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60].

والكفالة تعني الضمان، وتستعمل في اللغة بسبعة ألفاظٍ، منها: الحميل والزعيم والكفيل والضامن، يقال: حمل يحمل حمالةً فهو حميلٌ، وزعم يزعم زعامةً فهو زعيمٌ، وكفل يكفل كفالةً فهو كفيلٌ، وضَمِن يضمن ضمانًا فهو ضامنٌ، كما في "الذخيرة" للإمام القرافي المالكي (9/ 189، ط. دار الغرب الإسلامي).

وقد اختلفت عبارات الفقهاء في بيان حقيقتها الشرعية إلا أنَّه يمكن القول بأنها: ضم حقٍّ ثابتٍ في ذمة -المضمون عنه- إلى ذمةٍ أخرى -وهو الضامن- في المطالبة بهذا الحق الثابت -المضمون- في ذمة الأول، كما في "الهداية" للإمام المرغيناني الحنفي (3/ 87، ط. دار إحياء التراث العربي)، و"مواهب الجليل" للإمام الحطاب المالكي (5/ 96، ط. دار الفكر)، و"مغني المحتاج" للإمام الخطيب الشربيني الشافعي (3/ 198، ط. دار الكتب العلمية)، و"المغني" للإمام ابن قدامة الحنبلي (4/ 399، ط. مكتبة القاهرة).

ومن المقرر شرعًا أنَّ الكفيل أو الضامن غارمٌ لما ضَمِنَه إذا لم يؤدِّ المضمون عنه ما عليه من المضمون، حيث قال تعالى: ﴿وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ﴾ [يوسف: 72]، ﴿وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ﴾ أي: كفيل، كما في "مفاتيح الغيب" للإمام الفخر الرازي (18/ 487، ط. دار إحياء التراث العربي).

وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الزَّعِيم غارمٌ» أخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجه في "السنن"، والكفيل مُلْزِمٌ نفسه ما ضمنه، والغُرْم أداء شيء يلزمه، كما في "شرح المشكاة" للإمام الطيبي (7/ 2195، ط. مكتبة نزار مصطفى الباز).

حكم احتساب ما يدفعه المزكي الضامن لقرضٍ إلى المقرض من الزكاة الواجبة عليه في ماله المتبقي عنده

الحكم الشرعي في مدى احتساب الضامن الدَّين الذي قضاه عن مكفوله أو مَن ضَمِنَه من الزكاة الواجبة عليه -كما هي مسألتنا- يتضح بالنظر إلى جهتي تعلقه: جهة الدائن، وجهة المدين، وهو الشخص المكفول.

فأما من جهة تعلقه بالدائن: فلا يجوز له شرعًا احتساب هذا الدَّين من الزكاة الواجبة عليه؛ لانشغال ذمة الضامن بالمال المضمون، فكلاهما مطالبٌ بسداده من المُقرِض شرعًا، فقد تقرر فقهًا أنَّ مَن كان له على آخر حقٌّ واجبٌ من مالٍ، فضمنه عنه ضامن ورضي المضمون له بذلك وكان الضامن غنيًّا يستطيع الوفاء بما ضَمِنَ، فإن ذلك جائزٌ، وللمضمون له أن يُطالِب الضامنَ بما ضَمِنَ له عند عدم الأداء من المدين -المضمون عنه-، وقد نقل الإمام ابن حزم الاتفاق على ذلك في "مراتب الإجماع" (ص: 62، ط. دار الكتب العلمية).

أما من جهة تعلقه بالمدين: فلا مانع من إسقاط هذا الدَّين عنه من مال الزكاة وإعفائه من سداده بعد تحقق شروط استحقاق الزكاة فيه؛ لدخوله تحت مصرف ﴿الْغَارِمِينَ﴾؛ فهو بمنزلة الدفع للغارم بجامع السبب لبراءة الذمة، على ما ذهب إليه الإمام أشهب من المالكية، والشافعية -في مقابل الصحيح-، وهو قول الإمامين عطاء بن أبي رباح، والحسن.

قال الإمام القرافي المالكي في "الذخيرة" (3/ 153، ط. دار الغرب الإسلامي): [لا يخرج في زكاته إسقاط دينه عن الفقير؛ لأنه مستهلك عند الفقير، قال سند: فإن فَعَل، فقال ابن القاسم: لا يجزئه. وقال أشهب: يجزئه بمنزلة الدفع للغارم بجامع السبب لبراءة الذمة] اهـ.

وأيَّد قول الإمام أشهب الإمامُ الحطابُ من المالكية إن عَلِم أنه لن يُزَكِّي، قال الإمام الخرشي المالكي في "شرحه على مختصر خليل" (2/ 214، ط. دار الفكر): [قال الحطاب: ثم إن عَلِم مِن حالِ مَن تجب عليه الزكاة أنه إذا لم يحسب ما على العديم من زكاته لم يُزَكِّ، فإنه ينبغي العمل بما قال أشهب؛ لأن إخراج الزكاة على قَوْلٍ أَحْسَنُ من لزومها على كلِّ قولٍ] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (6/ 210، ط. دار الفكر): [إذا كان لرجلٍ على معسرٍ دَينٌ، فأراد أن يجعله عن زكاته، وقال له: جعلتُه عن زكاتي، فوجهان حكاهما صاحب "البيان"، أصحهما: لا يجزئه... والثاني: تجزئه، وهو مذهب الحسن البصري وعطاء] اهـ.

وقال الإمام القاسم بن سلام في "الأموال" (ص: 533، ط. دار الفكر): [عن عبد الواحد بن أيمن قال: قلت لعطاء بن أبي رباح: لي على رجل دين، وهو معسر، أفأدعه له، وأحتسبه من زكاة مالي؟ فقال: نعم. وعن الحسن أنه كان لا يرى بذلك بأسًا إذا كان ذلك من قرضٍ] اهـ.

ووجه تغاير الحكم بين الجهتين -في عدم مشروعية احتساب المال المضمون من الزكاة في الجهة الأولى- أنَّ الزكاة من شروط صحتها النية، فحينما تخرج من الضامن في دفع الغرم المضمون عن المضمون عنه فإنها تخرج لأداء واجبٍ عليه وهو واجب الضمان وبراءة لذمته هو؛ لكونه مطالبًا بسداد المال للمُقرِض شرعًا، مثله في ذلك مثل المقترض سواء بسواء، كما أفاده القاضي عبد الوهاب المالكي في "المعونة" (ص: 1231، ط. المكتبة التجارية)، بالإضافة إلى عدم تحقق معنى الزكاة شرعًا، وهو تمليك جزءٍ من المال إلى فقيرٍ بنيةٍ مقارنةٍ للأداء أو لعزل الواجب.

وهما منتفيان في الجهة الثانية، حيث تمحضت نية الزكاة عند الإسقاط؛ لأنه في ذلك بمنزلة الدفع للغارم وبراءة لذمته، كما أنَّ التمليك راجعٌ إليه مآلًا، كما "لو كانت له عنده وديعة، ودفعها عن الزكاة إليه فإنه لا فَرْقَ بين أن يقبضها منه، وبين أن يحتسبها من زكاته من غير إقباضٍ" كما قال الإمام العمراني الشافعي في "البيان" (3/ 425، ط. دار المنهاج).

الخلاصة

بناء عليه وفي واقعة السؤال: فلا مانع شرعًا أن يجعل الضامن المال الذي دَفَعَه عن المضمون من زكاة ماله بعد أن صار دَينًا له عليه بسداده للدائن، وذلك من جهة اعتبار المضمون غارمًا للضامن، لا من جهة تعلقه بالضمان للدائن الأول.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

هل يجوز صرف الزكاة لمن عليهم أحكام بالسجن من جراء عدم قدرتهم على سداد ديونهم أو الغرامات المقررة عليهم قانونًا؟


يقول السائل: توفي أخونا وترك شقة، وسيارة، وقطعة أرض، وشهادات استثمار، ولم يتم تقسيم التركة؛ فهل تجب فيها الزكاة؟


هل يجوز احتساب الزيادة عند تعجيل الزكاة عن العام المقبل؟ فأحد الأشخاص يخرج زكاة ماله معجَّلة على دفعات خلال العام قبل مرور الحول بعد أن بلغ ماله النصاب، ثم يحسب في آخر العام مجموع أمواله، وما يجب عليه من زكاة، وما دفعه معجلًا منها خلال العام؛ بحيث لو بقي عليه شيء أخرَجه، ثم تبيَّن له بعد الحساب أنَّه أخرج أكثر ممَّا يجب عليه؛ فهل يجوز له أن يحتسب هذه الزِّيادة من زكاة العام القادم؟ علمًا بأنَّ أمواله لا تقل عن نصاب الزكاة بإخراجه هذه الأموال على مدار العام.


هل يجوز أن أعطي لأختي زكاة مال وهي أرملة ولديها ثلاثة أطفال؟ مع العلم بأن هناك أكثر من شخص يقوم بمساعدتها. وهل يجب إعلام زوجي بهذا التصرف، علمًا بأن هذا مالي الخاص؟


سائل يسأل عن الحكمة التي من أجلها شرع الله تعالى فريضة الزكاة؟


ما حكم صرف جزء من زكاة مال في شراء سلع توزع على الفقراء والمحتاجين؟ فأنا أقوم بأخذ جزء من زكاة المال وأشتري به بعض السلع التموينية وأعطيها لبعض الجمعيات الخيرية التي تقوم بدورها بتوزيعها على الفقراء المعلومين لديها، ولكن أحد السادة القائمين على هذه الجمعيات أفاد بأنه لا يجوز إعطاء السلع كزكاة للمال وأن الواجب هو دفع المال نقدًا.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 18 سبتمبر 2025 م
الفجر
5 :14
الشروق
6 :41
الظهر
12 : 49
العصر
4:18
المغرب
6 : 56
العشاء
8 :14