هل يجوز صرف مال الزكاة على تدريب وتأهيل الطفل والشباب فاقدي الرعاية الوالديَّة في دور رعاية الأيتام معلومين أو مجهولين النسب؟
تدريب الأطفال وتأهيل الشباب الفقراء لإكسابهم المهارات المختلفة التي يحتاجون إليها في حياتهم داخلٌ دخولًا أوليًّا في مصارف الزكاة؛ لِمَا في ذلك من الحفاظ على قوام الإنسان الذي هو مقصد من مقاصد الزكاة، فإذا انضم إلى ذلك كونهم أيتامًا أو فاقدين للرعاية الوالدية -سواء كان نسبهم معلومًا أو مجهولًا- كانت الحاجة إلى تدريبهم وتأهليهم أشد، وكان صرف الزكاة على ذلك من تمام كفالتهم، ومن أحسن الوجوه التي تصرف إليها الزكاة؛ لما اجتمع فيهم من فقر ويُتم؛ وذلك لما أولاه الشرع من عناية بأمر اليتيم، وما أوجبه من رعاية حق الفقير وسد حاجته.
المحتويات
الزكاة ركن من أركان الإسلام، نظم الشرع الشريف كيفية أدائها بتحديد مصارفها في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60]، والمقصود الأعظم من الزكاة: هم الفقراء والمساكين؛ ولذلك خصهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالذكر في حديث معاذ رضي الله عنه في "الصحيحين" لمَّا أرسله إلى اليمن وقال له: «فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ»؛ وهذا يعني أن الزكاة مشروعة لبناء الإنسان وكفاية حاجته، وما يتصل بأمور معيشته وحياته، كالمأكل والمشرب والملبس والمسكن والزواج والتعليم وغير ذلك من ضروريات الحياة وحاجياتها؛ أي: أنها للإنسان قبل البنيان، وللساجد قبل المساجد.
كما اهتم الإسلام بالفقير فجعله أول مصارف الزكاة، اهتم باليتيم اهتمامًا بالغًا، فحث على كفالته، والعمل على سدّ حاجته جسديًّا وعقليًّا ونفسيًّا حتى يصير صالحًا نافعًا لمجتمعه؛ فقال تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ﴾ [البقرة: 220]، وجعل جزاء ذلك مرافقةَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الجنة؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ» وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى. رواه البخاري من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه.
وبيّن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّ خير البيوت بيتٌ فيه يتيم يُحسَنُ إليه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «خَيْرُ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُحْسَنُ إِلَيْهِ، وَشَرُّ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُسَاءُ إِلَيْهِ» أخرجه الإمام البخاري في "الأدب المفرد"، وابن ماجه في "السنن"، والطبراني في "الأوسط".
وجعل سبحانه الإساءةَ إلى اليتيم أو قهره إثمًا منهيًّا عنه؛ فقال سبحانه: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ﴾ [الضحى: 9]، ونعى على إهماله وعدم إكرامه؛ فقال تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ﴾ [الفجر: 17]، فإذا كان فقيرًا كان مع استحقاقه للإكرام والإحسان إليه مستحقًّا للزكاة، وصار أولى المصارف بإعطاء الزكاة حينئذٍ سدًّا لحاجته؛ بما يشمل المأكل والمشرب والملبس والتعليم والتربية والعلاج والتأهيل وما يكفل له العيش المناسب والحياة الكريمة.
قال الإمام الماتريدي في "تفسيره" (10/ 522، ط. دار الكتب العلمية): [إكرام اليتيم هاهنا يحتمل أوجهًا ثلاثة:
أحدها: أن يكرمه في أن يحفظ عليه ماله حتى لا يضيعه، ويكرمه في نفسه، وهو أن يتعاهد أحواله عن أن يدخل فيها خلل.
والوجه الثاني: أن يكرمه؛ فيعلمه آداب الشريعة، ويرشده إليها.
والوجه الثالث: أن يكرمه؛ فيبذل له من ماله قدر حاجته إليه، ويصطنع إليه المعروف] اهـ.
وقال الإمام القرطبي في "تفسيره" (20/ 100، ط. دار الكتب المصرية): [دلت الآية على اللطف باليتيم، وبره والإحسان إليه، حتى قال قتادة: "كن لليتيم كالأب الرحيم"] اهـ.
إذا جاز صرف الزكاة لسد حاجة الفقير المادية من مأكل ومشرب وملبس، جاز صرفها لسد حاجته النفسية والمعنوية وبناء الشخصية والعقلية؛ لأن الإنسان يحتاج إلى بناء كلا الجانبين، وبهما يكتمل قوامه، ويستقيم عيشُه.
وقد أمر الشرع الشريف بابتلاء اليتيم واختباره وتدريبه؛ حتى يُتحقق من تمام رشده وصلاحه، فقال تعالى: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ﴾ [النساء: 6]، ولا يخفى أن هذا الاختبار إنما يكون من ماله الذي هو أمانة في يد كافله، بضميمة قوله تعالى: ﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ [النساء: 6].
قال الإمام الماتريدي في "تفسيره" (3/ 22): [أن يبتلي عقولهم بشيء من أموالهم يتجَّرون بها، ويتقلبون فيها؛ لينظروا: هل يقدرون على حفظ أموالهم عند حدوث الحوادث والنوائب؟ ففيه دليل جواز الإذن في التجارة في حال الصغر؛ لأنه لا يظهر ذلك إلا بالتجارة] اهـ.
إذا كان الشرع قد نهى عن قرب مال اليتيم إلا بأحسن الوجوه؛ في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [الأنعام: 152]، ولم يجوِّز التعامل في ماله إلا بالمنفعة المحضة له، ثم أباح لوليّه الصرف منه على امتحانه وتدريبه وتأهيله حتى يتحقق الرشد منه، فإن هذا دليل على أن تدريبه وتأهيله هو من تمام كفالته ومن الوجوه التي يصحّ أن يصرف فيها ماله إن كان صاحب مال، فإن كان فقيرًا كان صرف الزكاة على تدريبه وتأهيله أمرًا مشروعًا لتحقيق إحسان كفالته المأمور به شرعًا.
وتدريب الإيتام وامتحانهم إنما يكون بما فيه صلاحهم في أمور دينهم ودنياهم.
قال الإمام الطبري في "تفسيره" (7/ 574، ط. مؤسسة الرسالة): [﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى﴾ واختبروا عقول يتاماكم في أفهامهم، وصلاحهم في أديانهم، وإصلاحهم أموالهم] اهـ.
فأما اختبارهم في أمور دينهم فيكون بتدريبهم على التزام العبادات، وأداء الواجبات، والتخلق بالآداب ومحاسن الصفات، والأخلاق الحسنة من صدق، وأمانة، وعفة، وغير ذلك؛ أسوة بما أُمِرَ به الآباءُ من تدريب أولادهم على الصلاة.
قال الإمام الماتريدي في "تفسيره" (3/ 21-22): [تأويله: وابتلوا اليتامى إذا بلغوا النكاح؛ وهو قول الشافعي، يجعل الابتلاء بعد البلوغ.
ويحتمل أن يكون المراد بالابتلاء قبل البلوغ؛ لوجهين:
أحدهما: أن يُبتَلى الأيتام قبل بلوغهم بأنواع العبادات والآداب؛ ليعتادوا بها ويتأدبوا، ليعرفوا حقوق الأموال وقدرها ويحفظوها إذا بلغوا؛ لأنهم إذا ابتُلُوا بعد البلوغ لم يعرفوا ما عليهم من العبادات والفرائض وقت البلوغ، وكان في ذلك تضييعُ حقوق الله وفرائضه؛ إذ لا سبيل لهم إلى القيام بها حتى البلوغ، فأمر الأولياء والأوصياء أن يبتلوهم قبل البلوغ، حتى إذا بلغوا بلغوا عارفين لما عليهم من العبادات والحقوق، حافظين لها.. وإذا لم يُعَوَّدُوا قبل ذلك يشتد عليهم القيام بإقامة العبادات وأداء الحقوق؛ فعلى ذلك الأول] اهـ.
وأما في أمور دنياهم فيكون بتدريبهم على ما عليه صلاح حياتهم ومعاشهم، كُلٌّ على حسب حاله، فإن كانوا ذكورًا فيكون بتدريبهم على ما به قوام الرجال من أمور البيع والشراء، وعقد العقود، ودفع الأجور، وذلك في اليسير من الأموال على جهة الاختبار والتدريب فقط، وإن كانوا إناثًا فيكون تدريبهن على ما به قوام النساء من رعاية حقوق الأزواج وتربية الأولاد ورعاية البيت وتدبير شؤونه، وما تحتاج إليه في حياتها من أمور تختص بالنساء.
قال الإمام الشافعي في "تفسيره" (2/ 525، ط. دار التدميرية): [إنما يعرف إصلاح المال بأن: يختبر اليتيم، والاختبار يختلف بقدر حال المختَبر] اهـ.
وقال الإمام السمعاني في "تفسيره" (1/ 398، ط. دار الوطن): [قَوْله تَعَالَى: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ﴾، يَعْنِي: واختبروا الْيَتَامَى، ثمَّ مِنْهُم من قَالَ: إِنَّمَا نختبرهم بعد الْبلُوغ، وَسَمَّاهُمْ يتامى؛ لقرب عَهدهم باليتيم، وَالصَّحِيح أَنه أَرَادَ بِهِ: الاختبار قبل الْبلُوغ، ثمَّ اخْتلفُوا، فَأَما الْفُقَهَاء قَالُوا: يدْفع إِلَيْهِ شَيْئا يَسِيرًا، ويبعثه إِلَى السُّوق، حَتَّى يستام السّلْعَة، ثمَّ إِذا آل الْأَمر إِلَى العقد يعْقد الْوَلِيّ، وَمِنْهُم من قَالَ: يعْقد الصَّبِي، وَيجوز ذَلِك فِي الشَّيْء الْيَسِير؛ لأجل الاختبار.
وَأما الَّذِي قَالَه الْمُفَسِّرُونَ: أَنه يدْفع إِلَيْهِ مَالا، وَيجْعَل إِلَيْهِ نَفَقَة الْبَيْت، ويختبره فِيهَا، ﴿حَتَّى إِذا بلغُوا النِّكَاح﴾ أَي: أَوَان الْحلم، ﴿فَإِن آنَسْتُمْ﴾ أَي: أحسستم ووجدتم، ﴿مِنْهُم رُشْدًا﴾ قَالَ مُجَاهِد: عقلًا، وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ: عقلًا وإصلاحًا فِي المَال. وَمذهب الشَّافِعِي: أَن الرشد: هُوَ الصّلاح فِي الدّين، والإصلاح فِي المَال] اهـ.
وقال الإمام البغوي في "تفسيره" (1/ 567، ط. دار إحياء التراث): [﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى﴾ أي: اختبروهم في عقولهم وأديانهم وحفظهم أموالهم، ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ﴾ أي: مبلغ الرجال والنساء، ﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ﴾ أبصرتم، ﴿مِنْهُمْ رُشْدًا﴾ قال المفسرون يعني: عقلًا وصلاحًا في الدين وحفظًا للمال وعلمًا بما يصلحه. قال سعيد بن جبير ومجاهد والشعبي: لا يدفع إليه ماله وإن كان شيخًا حتى يؤنس منه رشده، والابتلاء يختلف باختلاف أحوالهم فإن كان ممن يتصرف في السوق فيدفع الولي إليه شيئًا يسيرًا من المال، وينظر في تصرفه وإن كان ممن لا يتصرف في السوق فيختبره في نفقة داره، والإنفاق على عبيده وأُجَرَائِه، وتختبر المرأة في أمر بيتها وحفظ متاعها وغزلها واستغزالها، فإذا رأى حسن تدبيره وتصرفه في الأمور مرارًا يغلب على القلب رشده] اهـ.
وإنما يتحقق إيناسُ الرشد الذي اشترطه الشرع لدفع أموال اليتامى إليهم بما يُرَى من حسن تعاملهم فيما ابتُلُوا به مرةً بعد مرةً، وهذا معنى التدريب ومقصوده.
قال العلامة الراغب الأصفهاني في "تفسيره" (3/ 1103، ط. دار الوطن): [الإِيناس فيما رُئي مرّة بعد أخرى فأُنس به] اهـ.
تدريب اليتيم على ما يصلح حاله في دينه ودنياه، هو من تمام كفالته، ومن أَوْلَى الوجوه التي يُصرَفُ فيها مالُه إن كان صاحب مال، وآكدِ ما تُصرَفُ إليه الزكاةُ إن كان فقيرًا.
وعليه: فدفع الزكاة لتدريب الأيتام وتأهليهم مشروعٌ من عدة وجوه:
الأول: أن اليتيم بصفته فقيرًا مصرفٌ من مصارف الزكاة، وصرف الزكاة لتعليم الفقير وتدريبه على ما فيه صلاح معاشه ومعاده مقصدٌ أوّليٌّ من مقاصد الزكاة.
الثاني: أن ابتلاء اليتيم واختباره وتدريبه حتى يُؤنَس منه الرشدُ هو من تمام كفالته، وكفالة اليتيم من أحسن مصارف الزكاة؛ لما اجتمع عليه من عوامل الضعف: يُتمًا، وصِغَرًا، وفَقْرًا، فكان استحقاقه إياها أولى من غيره.
الثالث: أن تأهيل اليتيم الفقير وتدريبَه على العلوم والمهن والحرف والصنائع التي يتكسب بها لسد حاجته في معاشه وصلاح حاله في حياته: هو إحياء له، عائدٌ بالنفع على مجتمعه كله، لا عليه وحده، بدلًا من أن ينشأ الطفل اليتيم ناقمًا على مجتمعه كارهًا له، مفسدًا فيه، فاقدًا لما يلزمه من مهارات التعايش السوي الفعال، وهذا الوجه داخل في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: 32].
قال الإمام البيضاوي في "تفسيره" (2/ 124، ط. دار إحياء التراث العربي): [أي: ومن تسبب لبقاء حياتها، بعفو، أو منع عن القتل، أو استنقاذ من بعض أسباب الهلكة فكأنما فعل ذلك بالناس جميعًا] اهـ.
وقال الإمام ابن عجيبة في "البحر المديد" (2/ 33، ط. د حسن عباس زكي): [ومن أحياها بأن أنقذها من الغفلة إلى اليقظة، ومن الجهل إلى المعرفة، فكأنما أحيا الناس جميعًا؛ لأن الأرواح جنس واحد، فإحياء البعض كإحياء الكل] اهـ.
كما أن المحققين من العلماء يرون أن حد العطاء في الزكاة هو الإصلاح؛ فيجوز إعطاء الإنسان من الزكاة حتى تُخرِجه من حدّ الحاجة إلى حدّ الغنى، وعند الشافعية أنه يُعطَى ما يُغنيه عمرَه كلَّه بتقدير العمر الغالب لأمثاله؛ فإن كان صاحب حرفة أُعطِيَ من الآلات في حرفته ما يكفيه لتمام النفقة عليه وعلى عياله، وإن كان صاحب علم أُعطيَ من المال ما يُغنِيه وعيالَه ويُفَرِّغه لهذا العلم طيلةَ عمره من كُتُب وأُجرةِ تعلُّمٍ ومعلِّمٍ وغيرها، ومن ذلك مِنَحُ التفرغ التي تُعطَى لِمَن أراد الحصول على مؤهل علمي معين يناسب كفاءته العلمية وقدرته العقلية، أو حتى لمن يحتاج إلى هذا المؤهل العلمي للانسلاك في وظيفة تُدِر عليه دخلًا يكفيه ومَن يعوله حيث اقتضت طبيعة العصر وابتناء الوظائف وفرص العمل فيه على المؤهلات العلمية أن صار المؤهل والتدريب بالنسبة له كالآلة بالنسبة للحِرَفي علاوة على ما يكتسبه في ذلك من علم يفيده ويفيد أمته.. وهكذا.
ومن المقرر في قواعد الشريعة أنَّ "الإذن في الشيء إذنٌ في مكملات مقصوده" كما نص على ذلك الإمام ابن دقيق العيد في "إحكام الأحكام" (2/ 289، ط. مطبعة السنة المحمدية).
وكلّما زادت حاجة الإنسان وضعفه كلّما زاد حقُّه في سد حاجته، وكان استحقاقه للزكاة أوجب؛ لأن ازدياد الرعاية يتناسب مع ازدياد الضعف طردًا وعكسًا؛ واليتيم الفقير اجتمع فيه من عوامل الضعف ما يستلزم مزيدًا من الرعاية والتي منها تأهيله وتدريبه لكي يتغلب على ما لحقه من ضعف ويتجاوز ما يعانيه من عوز.
بناءً على ذلك: فإن تدريب الأطفال وتأهيل الشباب الفقراء لإكسابهم المهارات المختلفة التي يحتاجون إليها في حياتهم داخلٌ دخولًا أوليًّا في مصارف الزكاة؛ لِمَا في ذلك من الحفاظ على قوام الإنسان الذي هو مقصد من مقاصد الزكاة، فإذا انضم إلى ذلك كونهم أيتامًا أو فاقدين للرعاية الوالدية –عُلِم نسبُهم أو جُهِل- كانت الحاجة إلى تدريبهم وتأهليهم أشد، وكان صرف الزكاة على ذلك من تمام كفالتهم، ومن أحسن الوجوه التي تصرف إليها الزكاة؛ لما اجتمع فيهم من فقر ويتم؛ وذلك لما أولاه الشرع من عناية بأمر اليتيم وما أوجبه من رعاية حق الفقير وسد حاجته.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
أنا متزوج بامرأة أحبها وتحبني ونحن سعداء، ولكن يرغب والديَّ بأن أطلقها، فهل يجب عَليَّ طلاقها؟ وهل رفضي لطلاقها فيه عقوق للوالدين أو عدم برٍّ لهما؟
إذا كان الأب له معاش، وله ابن في مراحل التعليم، فهل النفقة على الأب أم على ابنه الأكبر الذي لم يؤدِّ الخدمة العسكرية؛ لأنه عائل الأسرة؟ وهل على الأب نفقة ابنته البالغة التي لا تجد عملًا؟
ما الحكم الشرعي في فصل التوأمين الملتصقين؟
ومَن تكون له سلطة الإذن بإجراء عملية الفصل: هل هي أسرة التوأمين، أو الأطباء، أو القضاء، أو التوأمان إذا بلغا؟ وما العمل إذا كانت هناك فرص كبيرة لنجاح عملية الفصل ورفضت أسرة التوأمين؟
وهل يجوز إجهاض الأم الحامل إذا اكتشف وجود توائم ملتصقة أثناء الحمل؟
وهل التوأمان الملتصقان روح واحدة أو اثنتان، شخص واحد أو شخصان؟
وهل يحق للتوأمين الملتصقين الزواج، وما الحكم والكيفية؟
ما كيفية توزيع المال المتطوع به لأسرة متوفى؟ فقد توفِّيَ شخصٌ كان يعمل فى نادٍ رياضي، وترك زوجةً، وبنتين، ووالدًا، ووالدةً، وأخًا، وله بالنادي بعض المتعلقات المالية وليس له معاش من النادي. وقد قام النادي بعمل مباراة كرة قدم له ولأسرته التي تشمل الزوجة والبنتين غير المتزوجتين اللتين ما زالتا تدرسان وليس لهما معاش.
برجاء التكرم بالإفادة بالرأي في كيفية توزيع حصيلة المباراة، وهل يستحق الوالد والوالدة من حصيلة مباراة التكريم، أم يقتصر حقهما على المستحقات المالية التي يستحقانها من النادي فقط؟
ما حكم مطالبة الزوجة المطلقة بنفقة أولادها بعد سن الحضانة وانتقالهم إلى والدهم؟ فقد تزوج رجل من امرأة وأنجب منها ولدين، ثم طلقت هذه الزوجة وبقي الولدان في حضانتها، وحكم على الزوج بنفقة شرعية لهما، بعد ذلك جاوز الولدان سن الحضانة، فأخذ الوالد حكمًا شرعيًّا بكف مطلقته عن حضانة الولدين، وعن مطالبة الأب بالنفقة المفروضة لهما، وفعلًا قد استلم الوالد ولديه وحكمت له المحكمة بأن أمرت المطلقة بالكف عن الحضانة، وعن مطالبة الزوج بالنفقة المفروضة، بعد ذلك توصلت هذه المطلقة لأخذ ولديها ثانية بطريق الاغتصاب وبغير رضاء والدهما واستمرا معها من أكتوبر سنة 1937م إلى الآن، وهي تنفق عليهما بغير قضاء ورضاء، فهل لها في هذه الحالة أن تطالب والدهما بالنفقة التي أنفقتها عليهما من مأكل ومشرب ومسكن إلى غير ذلك من ضروريات الحياة، أم يعتبر هذا تبرعًا منها لا يجوز لها المطالبة به؟ مع العلم بأن سن أحد الولدين اثنتا عشرة سنة، والثانية في الحادية عشرة، ولم يبلغا بالاحتلام. نلتمس حكم الشرع الحنيف في هذه الحالة.
ما حكم الإقدام على عملية جراحية قد تفضي إلى الموت؟ فرئيس القسم الجنائي بنيابة السيدة زينب قال: لي ولد أصيب في عامه الرابع من عمره بمرض الصَّرع، عرضته على كثير من الأطباء المختصين في الأعصاب، وكانوا يعالجونه بشتى طرق العلاج من أدوية وحقن مخدرة إلى غير ذلك، إلا أن حالته كانت تزداد سوءًا يومًا بعد يوم وعامًا بعد عام، حتى أصبح الآن فاقد النطق والإحساس والحركة، فلا يستطيع المشي ولا الكلام ولا الفهم، فهو عبارة عن جثة أو كتلة يدب فيها الروح، ويبلغ من العمر الآن ثماني سنوات، ونعاني في تمريضه صنوف العذاب فيحتاج لمن يطعمه ويحمله ويعتني بنظافته كأنه طفل في عامه الأول.
لم أشأ أن ألجأ للشعوذة لعلمي ويقيني أنها خرافات لا فائدة منها، وأخيرًا أشار عليّ بعض الأطباء بإجراء جراحة له في المخ وأفهموني أنها خطيرة لا يرجى منها إلا بنسبة واحد إلى عشرة آلاف، أعني أنه سينتهي أمره بعد العملية، وعللوا نظريتهم بأنه:
أولًا: ربما تنجح العملية، ويستفيد منها.
ثانيًا: إذا قدر له الموت وهو محتمل فسيستريح هو كما سنستريح نحن من هذا الشقاء، ولما كنت أخشى إن أقدمت على إجراء هذه العملية أن يكون فيها ما يغضب الله؛ لأنني أعتقد بأنني أسعى إلى قتله بهذه العملية، فقد رأيت أن ألجأ إلى فضيلتكم لتفتوني إن كان في إجراء العملية في هذه الحالة محرم وأتحمل وزرًا أم لا.