ما حكم منع الابن الرشيد من التصرف في ماله دون حكم قضائي إذا طرأ عليه السفه بعد البلوغ؟ لأن ابني بلغ رشيدًا، وله مال خاص به، ثم طرأ عليه السفه بعد البلوغ فصار مبذِّرًا في ماله، فهل يجوز لي أن أمنعه من التصرف في ماله دون حكمٍ قضائيٍّ؟
لا يجوز للأم أن تحجر على ابنها الذي بلغ رشيدًا ثم طرأ عليه السفه دون حكمٍ قضائيٍّ، بل عليها أن ترفع الأمر إلى القضاء، وذلك لما لديه من سلطات واسعة في التحقيق والإثبات التي لا تتوفر لدى آحاد الناس، والتي بها يتوصل إلى ثبوت السفه من عدمه، وما يقضي به القاضي يتعين العمل به.
المحتويات
الأصل في الإنسان المكلف أنه أحق بماله يتصرف فيه كيفما شاء ما دام أهلًا للتصرف، بأن كان بالغًا عاقلًا رشيدًا، فإذا قام به عارضٌ من عوارض الأهلية، مُنِعَ من التصرف في ماله مُراعاةً لمصلحته وحِفظًا للمال من الضياع؛ إذ المقرَّر أنَّ حفظ المال مقصدٌ من المقاصد الكلية التي راعتها الشريعة الإسلامية وأمرت بالمحافظة عليه.
قال الشيخ محمد بن علي المكي المالكي في "تهذيب الفروق" (3/ 247، ط. عالم الكتب): [مقصود الشرع حفْظُ المال عن الضياع] اهـ.
ومن مظاهر ذلك: الحجر على السفيه، وهو الذي يصرف ماله في غير موضعه، ويُبذِّر في مصروفاته، ويضيع أمواله، ويتلفها بالإسراف، وذلك حتى لا يصبح في ضيقٍ من عيشه ويصبح عالةً على غيره، قال تعالى: ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ [النساء: 5].
قال الإمام القرطبي في "تفسيره" (5/ 30، ط. دار الكتب المصرية): [دلت الآية على جواز الحجر على السفيه، لأمر الله عز وجل بذلك في قوله: ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ﴾] اهـ.
ضَبَطَ الفقهاءُ السفهَ بأنَّه: خفةٌ تعتري الإنسان فتحمله على العمل بخلاف مُوجَبِ الشرع والعقل مع قيام العقل، وَمَنْ عادَتُهُ التبذير والإسراف في المال، والتصرف فيه لا لغرضٍ، أو لغرضٍ لا يَعُدُّهُ العقلاء من أهل الديانة غرضًا، كالإلقاء في البحر، والإحراق بالنار، وشراء الحمام الطيارة بثمن غالٍ، والغبن الفاحش في التجارات من غير محمدةٍ، فهو السفيه، كما في "العناية شرح الهداية" لأكمل الدين البابرتي الحنفي (9/ 259، ط. دار الفكر).
قد اختلف الفقهاء في الحجر على السفيه الذي طرأ عليه السفه بعد بلوغه رشيدًا على مذهبين:
فذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنَّه يُحجَرُ عليه، ويُمنع من التصرف في المال، حتى يصير راشدًا مُحسنًا للتصرف، وهذا هو قول الصاحبين أبي يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية.
قال الإمام أبو الحسين القُدوري الحنفي في "مختصره" (ص: 95، ط. دار الكتب العلمية): [قال أبو يوسف ومحمد: يحجر على السفيه ويمنع من التصرف في ماله] اهـ.
وقال الإمام الحطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" (5/ 64، ط. دار الفكر): [ويحجر على البالغ السفيه في ماله، وإن كان شيخًا، ولا يتولى الحجر إلا القاضي] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "منهاج الطالبين" (ص: 124، ط. دار الفكر): [فلو بَذَّرَ بعد ذلك حُجِرَ عليه] اهـ.
قال العلَّامة الخطيب الشربيني شارحًا في "مغني المحتاج" (3/ 140، ط. دار الكتب العلمية): [(فلو بَذَّرَ بعد ذلك) أي: بعد بلوغه رشيدًا (حُجِرَ) أي حجر القاضي (عليه)] اهـ.
وقال الإمام البُهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (3/ 527، ط. دار الكتب العلمية): [(وإن فك عنه الحجر) بأن بلغ عاقلًا رشيدًا (فعاوده السفه) أعيد الحجر عليه (أو جُنَّ) بعد بلوغه ورشده (أُعِيدَ الحجر عليه) لأنَّ الحكم يدور مع علته] اهـ.
وذهب الإمام أبو حنيفة إلى: أنَّه لا يُحجَرُ عليه، ولا يُمنَعُ من التصرف في المال، فتصرفه في ماله جائزٌ، وإن كان مبذرًا مفسدًا يتلف ماله فيما لا غرض له فيه ولا مصلحة.
قال الإمام القدوري الحنفي في "مختصره" (ص: 95): [قال أبو حنيفة: لا يحجر على السفيه إذا كان بالغًا عاقلًا حرًّا، وتصرفه في ماله جائز، وإن كان مبذرًا مفسدًا يتلف ماله فيما لا غرض له فيه ولا مصلحة] اهـ.
والذي عليه أكثر أهل العلم: أنَّه يحجر على السفيه ولو طرأ عليه السفه بعد بلوغه رشيدًا، قال الإمام أبو الحسن ابن القطان في "الإقناع في مسائل الإجماع" (2/ 179، ط. الفاروق الحديثة): [الأكثر من أهل العلم يوجبون الحجر على الحر البالغ المُضَيِّعِ لماله صغيرًا كان أو كبيرًا] اهـ.
ومع اتفاق الجمهور على ذلك، إلا أنَّهم اختلفوا في وقت ابتداءِ الحجرِ عليه، هل يكون بمجرد ظهور السفه، أم أنَّه يحتاج إلى حكم القاضي؟ على ثلاثة مذاهب، المُختَار منها للفتوى وما أخذ به القانون: أنَّه لا يثبت الحجر عليه إلا بحكم القاضي، وذلك أن التبذير والإسراف شيءٌ غير منضبط، ولا سبيل إلى ذلك إلا عن طريق القاضي؛ لاختلاف النظر فيه بين آحاد الناس، وما تختلف فيه الأنظار لابد من اللجوء فيه إلى القضاء كما قرره الإمام القرافي رحمه الله تعالى، وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية -في الأصح عندهم- والحنابلة، وهو قول أبي يوسف من الحنفية.
قال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (7/ 169، ط. دار الكتب العلمية): [... هل يصير محجورًا عليه بنفس السفه أم يقف الانحجار على حجر القاضي؟ قال أبو يوسف: لا يصير محجورًا إلا بحجر القاضي] اهـ.
وقال الشيخ عليش المالكي في "منح الجليل" (6/ 95، ط. دار الفكر): [ويحجر على البالغ السفيه في ماله، وإن كان شيخًا، ولا يتولى الحجر إلا القاضي] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "روضة الطالبين" (4/ 182، ط. المكتب الإسلامي): [فرعٌ: لو عاد التبذير بعدما بلغ رشيدًا، فوجهان:... وأصحهما: لا يعود، لكن يعيده القاضي] اهـ.
وقال الإمام البُهوتي الحنبلي في "شرح منتهى الإرادات" (2/ 178، ط. عالم الكتب): [ولا يَحجر عليه (ولا يَنظر في ماله إلا حاكمٌ) لاختلاف التبذير الذي هو سبب الحجر عليه ثانيًا فيحتاج إلى الاجتهاد] اهـ.
وهو ما نصَّ عليه قانون الولاية على المال رقم 119 لسنة 1952 في المادة 65، فقال: [يُحكم بالحجر على البالغ للجنون أو للعته أو للسفه أو للغفلة، ولا يُرفع الحجر إلا بحكمٍ، وتُقيم المحكمة على من يُحجر عليه قيِّمًا لإدارة أمواله وفقًا للأحكام المقررة في هذا القانون] اهـ.
بناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: فلا يجوز للأم أن تحجر على ابنها الذي بلغ رشيدًا ثم طرأ عليه السفه دون حكمٍ قضائيٍّ، بل عليها أن ترفع الأمر إلى القضاء، وذلك لما لديه من سلطات واسعة في التحقيق والإثبات التي لا تتوفر لدى آحاد الناس، والتي بها يتوصل إلى ثبوت السفه من عدمه، وما يقضي به القاضي يتعين العمل به.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما هو الحكـم الشرعـي في إثبات النسب للصغير؟
سائل يقول: سمعت أنَّ المذهب الحنفيّ يقول بعدم سنيّة العقيقة، فهل هذا صحيح؟ وأرجو بيان مذاهب الفقهاء المتبوعين في العقيقة.
يقول السائل: أرجو الإفادة الشرعية عن عدم طاعة ابني في بر ابنة أخي في زواجها؛ وذلك بسبب إساءتها.
قال السائل: برجاء إفادتنا حول اختيار جنس الجنين عند نقل الأجنة أثناء عمل الحَقن المِجهري، فأحيانًا يطلب المريض نقل الأجنة الذكور فقط مثلًا، فهل هذا جائز شرعًا بناءً على رغبة المريض فقط، أو يكون في حالة الضرورة فقط؛ كأن يكون هناك مرض وراثي ينتقل إلى الإناث دون الذكور مثلًا فيتم نقل الأجنة الذكور فقط وهكذا؟
السائلة تقول بأنها متزوجة منذ حوالي ثلاثين عامًا، وقد أصبح لها أحفاد كثيرون وتعيش هي وزوجها على خير ما يرام، وتؤدي هي وزوجها واجباتها الدينية والإسلامية على أكمل وجه، وتقوم بتنفيذ ما يأمرها به زوجها، ومع تلك الحياة التي تعيشها تجد أن في قلبها نارًا تزداد يومًا بعد يوم، والسبب في ذلك أن زوجها يحرمها من رؤية والدها ووالدتها وأخواتها، ومنعها من زيارتها لهم وزيارتهم لها، علمًا بأن والديها كبيران في السن، ويعيشان سن الشيخوخة، وترغب في زيارتهم طمعًا في دعائهم لها وتخشى موتهما قبل زيارتهما. وتطلب السائلة بيان الحكم الشرعي.
يقول السائل: ما حكم إمامة الصبيِّ لصبيٍّ مثله في الصلاة، وهل يختلف إذا كانت الصلاة فرضًا أو نفلًا؟