هل تستحق الزكاة على الذمم الدائنة؟ حيث إن شخصًا يمتلك عقارًا مؤجرًا، والمستأجر لا يدفع منذ ما يقارب الثلاث سنوات، والمستأجر مقر بالمبلغ، وسيسدد حسب توفر السيولة لديه، فما الحكم في ذلك؟
لا تجب الزكاة في هذه الأموال المستحقة لمالك العقار قِبَلَ المستأجر إلا بعد استيفائها وقبضها وحولان الحول عليها بعد القبض إذا كانت قد بلغت النصاب.
المحتويات
نفيد بأن للدَّين حالتين:
الحالة الأولى: أن يكون الدين مرجوّ الأداء؛ أي أنه ثابت على شخص مليء مقر به يمكن الحصول عليه. واختلف الفقهاء في هذه الحالة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن الدين لا يزكى إلا زكاة واحدة وإن مرت عليه سنون، وذلك بعد قبضه، وهذا هو مذهب المالكية. ينظر: "شرح الزرقاني على مختصر خليل" -مع "حاشية البناني"- (2/ 151، ط. دار الفكر).
القول الثاني: أن الدين المرجو الأداء يزكى لما مضى من السنين، إلا أنه لا يلزمه إخراجها حتى يقبض، فيؤدى لما مضى، وبه قال الأحناف والحنابلة. ينظر: "المبسوط" للسرخسي (3/ 41، ط. دار المعرفة)، و"المغني" لابن قدامة (3/ 71، ط. مكتبة القاهرة).
القول الثالث: أن الدائن يؤدي الزكاة في دينه هذا لكل عام في وقته، وهذا هو مذهب الشافعية. ينظر: "أسنى المطالب" للشيخ زكريا الأنصاري (1/ 355، ط. دار الكتاب الإسلامي).
الحالة الثانية: أن يكون الدين غير مرجو الأداء، وفيه ثلاثة أقوال أيضًا:
القول الأول: أن الدائن يزكيه إذا قبضه لما مضى من السنين، وهو مذهب الإمام الشافعي الجديد. ينظر: "المجموع شرح المهذب" للإمام النووي (6/ 21، ط. دار الفكر).
القول الثاني: أن الدين يزكى إذا قبض لعام واحد، وهو قول الإمام مالك. ينظر: "الذخيرة" للقرافي (3/ 29، ط. دار الغرب الإسلامي).
القول الثالث: أن الدين لا يزكى، وهذا القول للأحناف وأحد قولي الإمام الشافعي في القديم. ينظر: "حاشية رد المحتار" لابن عابدين (2/ 266، ط. دار الفكر)، و"المهذب" للشيرازي (1/ 292، ط. دار الكتب العلمية).
المختار للفتوى عندنا في زكاة الديون هو رأى المالكية، ولكن المالكية عندهم تفصيل؛ فهم يجعلون الديون أربعة أقسام: دَين مِن غصب، ودَين مِن قرض، ودَين مِن تجارة، ودَين مِن فائدة (أي: من مال مستفاد)، وما ذكرناه في الدين مرجو الأداء وغير مرجو الأداء، وأن الزكاة فيهما تكون لعام واحد إنما هو في الأقسام الثلاثة الأولى.
قال العلامة الحطاب الرعيني في "مواهب الجليل في شرح مختصر خليل" (2/ 314، ط. دار الفكر): [قال في "المقدمات" -أي: ابن رشد الجد-: الدين على أربعة أقسام: دين من فائدة، ودين من غصب، ودين من قرض، ودين من تجارة. انتهى. فهذه الثلاثة الأخيرة الحكم فيها سواء على المشهور؛ تجب الزكاة فيها لسنة واحدة على حول أصل المال] اهـ.
وأما القسم الأخير وهو الدَّين من فائدة: فإنهم يقولون: إنه لو كان من إجارة، ثم قبضه المؤجر بعد استيفاء المستأجر المنفعة، فإنه لا زكاة فيه حتى يقبض، ويحول عليه الحول بعد القبض.
قال الشيخ المواق في "التاج والإكليل" (3/ 169، ط. دار الكتب العلمية): [ابن شاس: كل دين ثبت في ذمة ولم يخرج إليها من يدِ مَن هو له ولا بدلٌ عنه فلا زكاة فيه على الإطلاق حتى يحول عليه الحول بعد قبضه، وإن خرج هو أو بدل عنه ليس بعَرْض قِنْيةٍ عن يدِ المالك إلى ذمته فلا يزكيه ما دام في تلك المدة حتى يقبضه بعد عامٍ أو أعوامٍ ما لم يكن مُدِيرًا] اهـ.
وقد استوفى الإمام أبو الوليد بن رشد الكلام على هذا القسم؛ فقال في "المقدمات الممهدات" (1/ 303-304، ط. دار الغرب الإسلامي): [الديون في الزكاة تنقسم على أربعة أقسام: دين من فائدة، ودين من غصب، ودين من قرض، ودين من تجارة.
فأما الدين من الفائدة فإنه ينقسم على أربعة أقسام:
أحدها: أن يكون من ميراث أو عطية أو أرش جناية أو مهر امرأة أو ثمن خلع وما أشبه ذلك، فهذا لا زكاة فيه حالًّا كان أو مؤجلًا حتى يقبض ويحول الحول عليه من بعد القبض ولا دين على صاحبه يسقط عنه الزكاة فيه.
وإن ترك قبضه فرارًا من الزكاة لم يوجب ذلك عليه فيه الزكاة.
والثاني: أن يكون من ثمن عرض أفاده بوجه من وجوه الفوائد، فهذا لا زكاة فيه حتى يقبض ويحول الحول عليه بعد القبض، وسواء كان باعه بالنقد أو بالتأخير.
وقال ابن الماجشون والمغيرة: إن كان باعه بثمن إلى أجل فقبضه بعد حول زكَّاه ساعةَ يقبضه، فإن ترك قبضه فرارًا من الزكاة: تخرج ذلك على قولين؛ أحدهما: أنه يزكيه لما مضى من الأعوام. والثاني: أنه يبقى على حكمه، فلا يزكيه حتى يحول عليه الحول من بعد قبضه، أو حتى يقبضه إن كان باعه بثمن إلى أجل، على الاختلاف الذي ذكرناه في ذلك.
والثالث: أن يكون من ثمن عرض اشتراه بناضٍّ عنده للقُنية، فهذا إن كان باعه بالنقد لم تجب عليه فيه زكاة حتى يقبضه ويحول عليه الحول بعد القبض. وإن كان باعه بتأخير فقبضه بعد حول زكَّاه ساعةَ يقبضه. وإن ترك قبضه فرارًا من الزكاة زكاه لما مضى من الأعوام، ولا خلاف في وجه من وجوه هذا القسم.
والرابع: أن يكون الدين من كراء أو إجارة، فهذا إن كان قبضه بعد استيفاء السكنى والخدمة كان الحكم فيه على ما تقدم في القسم الثاني] اهـ.
عليه وفي واقعة السؤال: فإن مالك العقار المؤجر المسؤول عنه إذا كانت المبالغ المستحقة له قِبَل المستأجر قد بلغت النصاب بنفسها أو بضمها لغيرها فإنه لا تجب الزكاة فيها إلا بعد استيفائها وقبضها وحولان الحول عليها بعد القبض.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
يقول السائل: توفي أخونا وترك شقة، وسيارة، وقطعة أرض، وشهادات استثمار، ولم يتم تقسيم التركة؛ فهل تجب فيها الزكاة؟
هل يجوز إخراج جزء من الزكاة على هيئة مواد تموينية يحتاجها أي بيت؛ كالأرز والسكر والزيت وخلافه؟
ما حكم توكيل بنك ناصر في حساب الزكاة؟ بناء على الطلب المقدم من نائب رئيس مجلس إدارة بنك ناصر الاجتماعي، والمتضمن: يسعدني أن أتقدم لفضيلتكم بأسمَى آيات التقدير والاحترام وخالص الأمنيات بدوام التوفيق، وأتشرف بالإحاطة أنه على ضوء ما ورد بالمادة (3) من اللائحة التنفيذية لقانون إنشاء بنك ناصر الاجتماعي بشأن قيام البنك بنشاط التكافل الاجتماعي الذي يهدف إلى تحقيق التنمية الاجتماعية للمواطنين، وذلك بتنظيم جمع أموال الزكاة وصرفها في مصارفها الشرعية، وحيث إن البنك بصدد إطلاق منتج خاص لعملاء الودائع الاستثمارية لأجل بالبنك، يتلخص في إتاحة ميزة لهؤلاء العملاء لدى قيامهم بفتح حساب الوديعة بتسجيل رغبتهم في قيام بنك ناصر الاجتماعي بخصم زكاة المال سنويًّا، وصرفها في مصارفها الشرعية أو حسب رغبة العميل في اختيار أحد هذه المصارف، وحساب مقدار هذه الزكاة بنسبة 2.5% من أصل الوديعة، أو 10% من العائد المستحق السنوي عليها.
والأمر معروض على فضيلتكم برجاء التكرم بالإفادة بالرأي الشرعي في احتساب مقدار زكاة المال سنويًّا بالنسبة للودائع الاستثمارية لأجل، وشرعية إتاحة الرغبة لعملاء هذه الودائع في الاختيار بين احتساب مقدار هذه الزكاة بنسبة 2.5% من أصل الوديعة، أو 10% من العائد السنوي المستحق عليها.
ما حكم دفع الزكاة أو جزء منها إلى الجمعيات والمؤسسات الخيرية التي تُساعد المحتاجين ماليًّا فتقوم بتعليم صغارهم وإيواء غير القادرين ومداواة مرضاهم وتهيئة الأسباب التي تخفف من آلامهم ومتاعبهم؟
ما القدر الذي يجوز للعامل على الزكاة أن يأخذَهُ نظيرَ عمله؟
هل زكاة المال 2.5 بالمائة على الأرباح أم 10 بالمائة على الأرباح؟