ما حكم دفن المتوفى بفيروس كورونا في تابوتٍ مُعَدٍّ لذلك؛ خوفًا من انتقال العدوى للأصحاء؟
يجوز دفن موتى فيروس كورونا في هذه التوابيت التي تحمي الميت، وتحفظ حُرمته، وتصون كرامته، كما أنها تحافظ على الموجودين وقت الدفن من انتقال العدوى، ولا يخرج هذا الدفن عن معناه الشرعي. وإن اعترض بأن ذلك مكروه؛ فقد تقرَّر أن الكراهة تزول بأدنى حاجة؛ فلئن تزول بالضرورة -المتعلقة بحفظ النفوس- من باب أولى. وينبغي في ذلك كله مراعاة القرارات والإجراءات الوقائية التي اتخذتها المنظمات المختصة في التعامل مع مثل هذه الحالات المعدية.
المحتويات
هذه القضية الهامة يتجاذبها مقصدان شرعيان:
الأول: مقصد إكرام الميت؛ بدفنه ومواراة جسده.
والثاني: مقصد حفظ نفس الحي؛ بإبعاده عن العدوى.
شرَع الله تعالى دَفنَ الميت ومُوارَاة بَدَنِهِ إكرامًا للإنسان وصيانة لحرمته وحفظًا لأمانته؛ حتَّى تُمنَع رائحتُه وتُصانَ جُثَّتُه، وحتى لا تنهشه السباع أو الجوارح؛ قال تعالى: ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾ [طه: 55]، وقال سبحانه في مَعرِض الِامتِنان: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا﴾ [المرسلات: 25-26]، وقال تعالى: ﴿ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ﴾ [عبس: 21].
القبر: اسم مصدر يدل على ما يُستتَر به الشيء ويتطامنُ فيه؛ قال العلَّامة ابن فارس في "مقاييس اللغة" (5/ 47، ط. دار الفكر): [(قَبَرَ): القافُ والباءُ والرَّاءُ: أَصْلٌ صحيحٌ يدلُّ على غُمُوضٍ في شَيْءٍ وَتَطَامُنٍ، مِن ذلكَ: القبرُ؛ قَبْرُ الْمَيِّتِ] اهـ.
وقد نصَّ الفقهاء على أنَّ أقل ما يُطلب في القبر حتَّى يصلح للِدَّفن ويَصدُق عليه اسم القبر شرعًا -سواء كان لحدًا، أو شَقًّا، أو غيرهما؛ كالفساقي ونحوها-: هو حُفرةٌ تُوَارِي الميت، وتَحفظهُ مِن الِاعتِداء عليه، وتَمنعُ من انتشار رائحته.
قال العلَّامة ابن عابدين الحنفي في حاشيته "رد المحتار" (2/ 234، ط. دار الفكر) عند بيان حدِّ العمق داخل القبر: [والمقصود منه: المبالغةُ في منع الرَّائحة ونبش السباع] اهـ.
وقال العلامة البجيرمي الشافعي في حاشيته "تحفة الحبيب" (2/279، ط. دار الفكر): [والضابط للدفن الشرعي: ما يمنع الرائحة والسبُع، سواء كان فسقية أو غيرها] اهـ.
وقال العلَّامة البهوتي الحنبلي في "كشَّاف القناع" (2/ 134، ط. دار الكتب العلمية): [ويكفي.. ما يمنع الرائحة والسباع؛ لأنه لم يرد فيه تقدير، فيُرجَع فيه إلى ما يُحَصِّلُ المقصود] اهـ.
حفظ النفس مقصد شرعيُّ جليل من المقاصد الكلية العليا؛ فالله تعالى يقول: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة﴾ [البقرة: 195]، ومن أهم مظاهر حفظ النفس: المحافظةُ عليها من الأمراض المؤذية والأوبئة الفتاكة؛ ولذلك حذَّرت الشريعة الإسلامية من الأمراض المعدية، وحثَّت على الاحتراز من انتشارها، وسبقت إلى نظم الوقاية منها؛ رعايةً للمقاصد، ودفعًا للمخاطر، حتى لا تصبح الأمراض وباءً يضرُّ بالناس ويهدد المجتمع.
ومن هنا جاز دفن المتوفى بفيروس كورونا الوبائي في تابوت؛ لأنه لا يخرج عن كونه وسيلة رُوعيَ فيها هذان المقصدان الجليلان؛ حفظ نفس الحي، وإكرام المتوفى:
- حفظ نفس الحي: وذلك بالخوف عليه من انتقال العدوى من متوفى فيروس "كورونا" (COVID-19)، الذي ثبت أنه ينتشر بسرعة فائقة عن طريق العدوى بين الأشخاص، سواء عن طريق الجهاز التنفسي، أو عن طريق المخالطة وملامسة المصابين دون اتخاذ تدابير الوقاية، وقد نص أيضًا "الدليل الميداني لإدارة الجثث" الصادر عن منظمة الصحة للبلدان الأمريكية (ص: 55- 56) على أن هناك عددًا من الأمراض المعدية تؤدي إلى انتقال العدوى حتى بعد وفاة الشخص المصاب بالعدوى، وأنه في حالة تفشي الوباء الناجم عن المرض المعدي لا ينبغي أن يشترك في إدارة الجثث غيرُ الخبراء المتدربين بمجال التعامل مع المرض الذي سبَّب الوباء.. وأن هناك بعض التوصيات الأساسية بشأن استخدام معدات الحماية الشخصية؛ وقايةً لهم من هذه الأمراض المعدية؛ كوضع الجثة داخل الكيس المُعدِّ لها، ثم وضع الجثة في تابوت، بما يتلاءم مع التقاليد الثقافية، ثم حمل التابوت بعد ذلك إلى مقابر الدفن.
كما نص قطاع الطب الوقائي بوزارة الصحة المصرية على ضرورة نقل الجثة بعد الغسل والتكفين داخل الكيس غير المُنفِذ للسوائل، ووضع علامة خطر الإصابة بالعدوى عليه، ويراعَى وجود أقل عدد ممكن بسيارة نقل المتوفى قدر الإمكان، وأن تكون الجثة داخل صندوق مغلق قابل للتنظيف والتطهير، ويجب على الموجودين الالتزام بارتداء الواقيات الشخصية، ويجب عدم فتح الصندوق أثناء الصلاة عليه لأي سبب، وعند الدفن يراعَى وجود أقل عدد ممكن عند إدخال الجثة المقبرة، والالتزام التام بالتنظيف والتطهير بعد إتمام إجراءات الدفن، وتطهير كافة الأسطح التي تلامست مع الجثة.
أما عن إكرام الميت: فإن دفنه في تابوت لا يُنافي إكرامه وصونه، وقد تعامل الفقهاء مع دفن الموتى تعاملًا مصلحيًّا، نظروا فيه إلى المصلحة والحاجة؛ فجوَّزوا اتِّخاذ الوسائل وعمل الإجراءات التي تزيد إحكام القبر وإغلاقه؛ فقالوا بجواز الدفن في تابوتٍ، سواء كان حجرًا أو خشبًا أو حديدًا، وبجواز وضع القصب أو البلاط بدلًا عن الطين، وبجواز وضع الأحجار التي تحفظ القبر من الاندراس والنبش، وبجواز تسجية القبر حماية من المطر أو الثلج، وبجواز توسيع القبر أو تعميقه أو رفع بنائه كلما احتيج إلى ذلك، ومع اختلافهم في المفاضلة بين الشَّقِّ واللَّحد فقد أجازوهما جميعًا، وهكذا.
قال الإمام العيني الحنفي في "البناية" (3/ 248، ط. دار الكتب العلمية): [وقال صاحب "المنافع": اختاروا الشق في ديارنا لرخاوة الأرض، فيتخذ اللحد فيها، حتى أجازوا الآجُرَّ، ودفون الخشب، واتخاذ التابوت ولو كان من حديد] اهـ.
وقال العلَّامة ابن نُجيم الحنفي في "البحر الرائق" (2/ 209، ط. دار الكتاب الإسلامي): [وقيده الإمام السرخسي -أي: الآجُر والخشب- بأن لا يكون الغالب على الأراضي النزَّ والرخاوة، فإن كان: فلا بأس بهما؛ كاتخاذ تابوت من حديد لهذا، وقيده في "شرح المجمع" بأن يكون حوله، أما لو كان فوقه لا يكره؛ لأنه يكون عصمة من السبع.. (قوله: ويسجَّى قبرها)؛ لأنَّ مبنى حالهن على الستر، والرجال على الكشف، إلا أن يكون لمطرٍ أو ثلج] اهـ.
وقال الإمام ابن الحاج المالكي في "المدخل" (3/ 264، ط. دار التراث): [والدفن في التابوت جائزٌ، لا سيَّما في الأرض الرخوة] اهـ.
وقال العلَّامة ابن حجر الهيتمي في "تحفة المحتاج" (ص: 42، ط. دار الكتب العلمية): [(ويكره دفنه في تابوت) إجماعًا؛ لأنه بدعة، (إلا) لعذرٍ؛ ككون الدفن (في أرض نَدِيَة) بتخفيف التحتية (أو رِخوة)، أو بها سباع تحفر أرضها وإِن أُحكمت، أو تهرى بحيث لا يضبطه إلا التابوت] اهـ.
وقال العلامة منصور البهوتي الحنبلي في "شرح منتهى الإرادات" (1/ 372، ط. عالم الكتب): [(وكره) أن يسجى قبر (لرجلٍ إلا لعذر)؛ من نحو مطرٍ] اهـ.
من خلال ما سبق: فإن دفن المتوفى بفيروس كورونا الوبائي في تابوت -احترازًا من انتقال العدوى- لا يخرج عن معنى الدفن الشرعي، بل يتفق مع مقصود الشرع في صيانة حُرمة الميت، وحفظ نفس الحي. وإن اعتُرض بأن ذلك مكروه؛ فقد تقرر في قواعد الشريعة أن "الكراهة تزول بأدنى حاجة"؛ كما قرره العلامة السفاريني في "غذاء الألباب" (2/ 50، ط. دار الكتب العلمية)، فلئن تزول الكراهة بالضرورة -المتعلقة بحفظ النفوس- من باب أولى وأحرى.
وعلى ذلك: فيجوز دفن الموتى في هذه التوابيت التي تحمي الميت، وتحفظ حُرمته، وتصون كرامته، كما أنها تحافظ على الموجودين وقت الدفن من انتقال العدوى، ولا يخرج هذا الدفن عن معناه الشرعي. وإن اعترض بأن ذلك مكروه؛ فقد تقرَّر أن الكراهة تزول بأدنى حاجة؛ فلئن تزول بالضرورة -المتعلقة بحفظ النفوس- من باب أولى.
وينبغي في ذلك كله مراعاة القرارات والإجراءات الوقائية التي اتخذتها المنظمات المختصة في التعامل مع مثل هذه الحالات المعدية.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما هو الحكم الشرعي في تلقين المتوفَّى بعد دفنه وفي إلقاء درس على القبر والدعاء له؟
هل يعد الموت في الأماكن المقدسة كمكة والمدينة المنورة من علامات حسن الخاتمة؟
يقول السائل: عند امتلاء المقابر نقوم بعمل عظَّامة يُوضع فيها ما تبقى من عظام المُتَوَفَّين؛ فمتى يتمُّ تطهيرُ المقابر لعمل تلك العظَّامة؟ وهل يُشْتَرَط فناء المُتَوَفَّين تمامًا حتى يمكن لنا عمل تلك العظَّامة؟
ما حكم عمل استراحة عند القبر للجلوس فيها؟ فالجمعية الخيرية تمتلك حوشًا لدفن الموتى، وبه استراحة للزائرين، وأسفل الاستراحة مخزن، ويُراد استخدامه كعظَّامة. فهل يجوز استخدام المخزن كعظَّامة؟ أم توجد حرمة في وجود الزائرين على هذه الاستراحة عند الجلوس بها عند تحويل المخزن إلى عظَّامة أسفل الاستراحة؟
تم العثور على رسم هندسي لروضة الإمام محمد ماضي أبو العزائم، الصادر من محافظة القاهرة عام 1932م، محدد الأبعاد والموقع، يفيد أنَّ روضة الإمام أبو العزائم حدودها خارج المقصورة المقامة حاليًّا، وثم التأكد من ذلك بمعرفة المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية -مرصد حلوان- عن طريق الأجهزة العلمية الحديثة.
ومرفق تقرير ورسم هندسي صادر من مرصد حلوان وممهور بخاتم شعار الجمهورية يفيد ذلك، وبعرض الأمر على الشئون الهندسية بوزارة الأوقاف والسيد وكيل وزارة أوقاف القاهرة، تمَّ استصدار تصريح عمل لإنشاء درابزين حول الجزء المكشوف من روضة الإمام بمساحة 2متر في 2متر، وذلك بعد قيام أوقاف القاهرة والإدارة الهندسية بالتأكد من ذلك الأمر بالمعاينة على الطبيعة.
وحيث إنَّ بعض المُصَلِّين يعترضون على إنشاء درابزين لإحاطة الجزء المكشوف لروضة الإمام، بحجة أنَّ الصلاة فوق القبور والدوران حول الضريح جائز وعمل مبارك؛ لذلك نرجو التكرم بإصدار فتوى شرعية في هذا الأمر بناء على المستندات والرسومات وتصريح وزارة الأوقاف المرفق طيه. وتفضلوا بقبول فائق التحية والاحترام.
ما رأي الدين في الشباب الذين يأتون ويصلون الجنازة على القبر بعد الانتهاء من عملية الدفن، وذلك بحجة أنَّ المسجدَ الذي تمت فيه صلاة الجنازة يوجد به ضريحان لبعض الصالحين، وقاموا بهدم الضريحين بحجة توسعة المسجد؟
وكذلك يحرمون قراءة القرآن على القبر أثناء الدفن، ويقفون ويتراصون ويقولون: "استغفروا لأخيكم فإنه الآن يسأل".
لذا أرجو من فضيلتكم الرد بفتوى رسمية لكي نتمكن من توزيعها، وخصوصًا نحو هدم الأضرحة، وصلاة الجنازة عند القبر، وقراءة القرآن عند القبر أثناء الانتهاء من عملية الدفن؛ لأن هذه الفئات الضالة منتشرة بقريتنا والقرى المجاورة كما تنتشر النار في الحطب.