مدى حصول الأجر على تلاوة القرآن في رمضان للمفطر بعذر

تاريخ الفتوى: 24 سبتمبر 2023 م
رقم الفتوى: 8000
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: الصوم
مدى حصول الأجر على تلاوة القرآن في رمضان للمفطر بعذر

هل ينال المفطرُ بعذرٍ أجرَ تلاوة القرآن الكريم في شهر رمضان؟

لتلاوة القرآن الكريم في شهر رمضان أجرٌ عظيم؛ فهذا من جملة العمل الصالح الذي يُثاب عليه فاعله، وأجرُ المعذور الذي لم يستطع الصيام لا ينقص عن أجر الصحيح الصائم، ولا يؤثر ذلك على أعماله الصالحة الأخرى؛ حيث كان حبسه ومنعه من الصيام أمرًا خارجًا عن إرادته، ففضل الله تعالى -وهو أكرم الأكرمين- أوسع مِن أن يضيق بالمعتذر فينقصه أجره أو يحاسبه على قدر عمله، إنما يحاسبه على قدر فضله سبحانه.

المحتويات

 

فضل الصيام وحكم الفطر للمريض والمسافر

الصيام عبادة من أَجَلِّ العبادات وأعظمها ثوابًا عند الله تعالى، ولذا فقد أعطى الله تعالى الصائمين واسع فضله وعطائه، وجعل تقدير ثواب الصائم له تعالى؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي» أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه".

والصيام فريضةٌ من فرائض الإسلام، وقد أناطها الله تعالى بالاستطاعة، فإذا لم يستطع المسلمُ الصيام، بأن عجز عنه أو لحقَتْه منه مشقة لا قدرة له على تحمُّلها فإن له رخصة الإفطار؛ لقوله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]، وقال تعالى في خصوص الصيام ورفع الحرج لمن لا يملك القدرة عليه: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» متفقٌ عليه، ويقول الله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ [البقرة: 184]، والمعنى: أنه يُرَخَّص للمسلم المكلَّفِ المريضِ مرضًا يُرجَى بُرؤُه ولا يستطيع معه الصومَ وللمسافرِ كذلك الإفطارُ في رمضان، ثم عليهما القضاءُ بعد زوال العذر والتمكن من الصيام.

قال العلامة الخطيب الشربيني الشافعي في "الإقناع" (1/ 244، ط. دار الفكر): [(والمريض) وإن تعدَّى بسببه (والمسافر) سفرًا طويلًا مباحًا (يفطران) بنية الترخص، (ويقضيان)؛ لقوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾ أي: فأفطر ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾] اهـ.

وقال العلامة ابن قُدامة الحنبلي في "المغني" (3/ 155، ط. مكتبة القاهرة): [أجمع أهل العلم على إباحة الفطر للمريض في الجملة. والأصل فيه قوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ والمرض المبيح للفطر هو الشديد الذي يزيد بالصوم أو يخشى تباطؤ برئه] اهـ.

مدى حصول الأجر على تلاوة القرآن في رمضان للمفطر بعذر

قراءة القرآن الكريم وتلاوته عبادةٌ من أفضل العبادات التي يتقرب بها الإنسان إلى مولاه سبحانه وتعالى؛ فقد رُوي عن أنس رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «أفْضَلُ العِبادَةِ قِراءةُ القُرآنِ» رواه أبو الفضل الرازي في "فضائل القرآن"، والديلمي في "مسند الفردوس"، وأورده الإمام السيوطي في "الجامع".

قال الإمام الـمُناوي في "التيسير بشرح الجامع الصغير" (1/ 186، ط. مكتبة الإمام الشافعي): [(أفضل العبادة قراءة القرآن)؛ لأن القارئ يُنَاجِي ربه، ولأنه أصلُ العلوم وأُمُّها وأهمها؛ فالاشتغال بقراءته أفضل من الاشتغال بجميع الأذكار إلا ما ورد فيه شيءٌ مخصوصٌ؛ ومن ثَمَّ قال الشافعية: تلاوة القرآن أفضل الذكر العام] اهـ.

وعن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ ﴿الٓمٓ﴾ حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ» أخرجه الترمذي في "سننه".

وعن أبي أُمَامةَ البَاهليِّ رضي الله عنه قال: سمعتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ» رواه مسلم في "صحيحه".

وشهر رمضان من مواسم الطاعات والخيرات، ومِن أشهَر الطاعات فيه الصيام والقيام وقراءة القرآن، وإذا كان ختم القرآن الكريم من الأمور المستحبة فإنه في شهر رمضان أشدُّ استحبابًا وأعظم أجرًا.

والفطر في نهار رمضان بعذر شرعي لا يؤثر على العبادة والعمل الصالح للمسلم، وثوابه عند الله ثابت غير منقوص، فالله هو المتفضل على عباده بالأجر والثواب.

والمعذور الذي لا يستطيع الصيام أجرُهُ  في أعمال الخير وغيرها من الأمور التي يؤجر عليها المسلم كأجرِ الصحيحِ الصائم؛ حيث كان حبسه ومنعه من الصيام أمرًا خارجًا عن إرادته، ففضل الله تعالى -وهو أكرم الأكرمين- أوسع مِن أن يضيق بالمعتذر فينقصه أجره أو يحاسبه على قدر عمله، إنما يحاسبه على قدر فضله سبحانه؛ فقد ورد عن عبد اللَّهِ بن عَمْرِو بن العَاصِ رضي الله عنهما، قال: قال رسول اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّمَ: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا كَانَ عَلَى طَرِيقَةٍ حَسَنَةٍ مِنَ الْعِبَادَةِ، ثُمَّ مَرِضَ، قِيلَ لِلْمَلَكِ الْمُوَكَّلِ بِهِ: اكْتُبْ لَهُ مِثْلَ عَمَلِهِ إِذَا كَانَ طَلِيقًا، حَتَّى أُطْلِقَهُ، أَوْ أَكْفِتَهُ إِلَيَّ».

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا ابْتَلَى اللَّهُ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ بِبَلَاءٍ فِي جَسَدِهِ، قَالَ اللَّهُ: اكْتُبْ لَهُ صَالِحَ عَمَلِهِ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، فَإِنْ شَفَاهُ غَسَلَهُ وَطَهَّرَهُ، وَإِنْ قَبَضَهُ غَفَرَ لَهُ وَرَحِمَهُ» أخرجهما الإمام أحمد في "مسنده".

وورد أيضًا عن إِبْرَاهِيم أَبي إِسْمَاعِيلَ السَّكْسَكِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بُرْدَةَ، وَاصْطَحَبَ هُوَ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي كَبْشَةَ فِي سَفَرٍ، فَكَانَ يَزِيدُ يَصُومُ فِي السَّفَرِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بُرْدَةَ: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى مِرَارًا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا» أخرجه البخاري في "صحيحه".

قال الإمام ابن بطَّال في "شرحه على صحيح البخاري" (3/ 102، ط. مكتبة الرشد): [ولا خلافَ بينَ العلماءِ أنَّهُ لا يقالُ لِمَنْ لا يَقْدِرُ على الشَّيء: لَكَ نِصْفُ أَجْرِ القَادِرِ عَلَيْهِ، بَل الآثار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنَّه مَن مَنَعه اللهُ وحبسهُ عَنْ عملهِ بمرضٍ أوْ غيرهِ؛ فإنَّهُ يُكْتَبُ لَهُ أَجْرُ عَمَلِهِ، وَهُو صَحيح] اهـ.

وقال العلامة القَسْطَلَّانِي في "إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري" (5/ 137، ط. الأميرية): [(إذا مرض العبد) المؤمن وكان يعمل عملًا قبل مرضه ومنعه منه المرض ونيَّته لولا المانع مداومته عليه (أو سافر) سفر طاعة ومنعه السفر مما كان يعمل من الطاعات ونيَّته المداومة (كتب له مثل ما كان يعمل) حال كونه (مقيمًا) وحال كونه (صحيحًا)] اهـ.

وإذا كان الله تعالى قد أجرى للمعذور الذي لم يستطع الصيام أجر الصائمين فإن له أجر ما يقوم به من العمل الصالح، وله أجر قراءة القرآن كأجر الصائم الذي يقرأ القرآن؛ فإن المسلمَ إذا حُبِس عن عملٍ صالحٍ لعذر المرض أو السفر أو غيره فإن له كامل الأجر كما كان يعمل قبل ذلك.

الخلاصة

بناء على ذلك: فإن لتلاوة القرآن الكريم في شهر رمضان أجرٌ عظيم؛ فهذا من جملة العمل الصالح الذي يُثاب عليه فاعله، وأجرُ المعذور الذي لم يستطع الصيام لا ينقص عن أجر الصحيح الصائم، ولا يؤثر ذلك على أعماله الصالحة الأخرى.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم التسبيح وقراءة القرآن عند دفن الميت وهبة ثواب هذه الأعمال له؟ حيث اعتاد أهل القرية أثناء دفن الموتى، وعند إهالة التراب أن يقولوا: "سبحان الله وبحمده"، وذلك بدلًا من كثرة اللغو في الحديث أثناء دفن الميت، وبعد ذلك يقرأ الجميع آخر سورة البقرة ثم يدعون لميتهم وينصرفون، حتى ظهر أحد الشباب الذي يدّعي أن ذلك مخالف للسنة؛ فهل التسبيح عند دفن الميت مخالف للسنة؟ وما حكم هبة ثواب التسبيح وقراءة القرآن للميت؟ وهل من يفعل ذلك آثم ومبتدع؟


ما مدى تأثير رجوع القيء على الصيام؟ فصديقتي مصابة بداء في معدتها يسبب لها القيء عدة مرات يوميًّا، بل ويغلبها في بعض الأحيان شيء من القيء فيعود إلى جوفها، وبمراجعة الطبيب المختص في إمكان صومها رمضان أو عدم الصوم، أشار عليها بالصوم؛ فهل رجوع بعض القيء لجوفها غلبةً يفسد صومها أو لا؟


ما حكم إفطار مرضى الشيخوخة وأصحاب الأمراض المزمنة في ظروف الوباء؟ أو ما موقف مرضى الشيخوخة وأصحاب الأمراض المزمنة (السكر، والقلب، والضغط، والربو) من الصيام؟ هل يترخَّص لهم الفطر في هذه الظروف الوبيئة؟


زعم بعض الناس أن قراءة: ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ ثلاث مرات في الاستراحة بين ركعات التراويح بدعة، فهل هذا الكلام صحيح؟


ما المعنى وراء المثل الوارد في قوله تعالى : ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ﴾ [البقرة: 26]؟ وما هو الرَّمزُ فيها؟


ما حكم المداومة على قراءة صحيح البخاري في زمن معين ومكان معين؟ حيث يقوم العلماء المسلمون في سيريلانكا بالتجمع في بعض المساجد مرةً بالعام ويجتمعون لقراءة "صحيح البخاري" باللغة العربية لمدة 30 يومًا من بعد صلاة العصر أو المغرب، بعد ذلك يقوم أحد العلماء ويلقى خطبة بلغتهم الأم. إن ذلك يحدث في بعض المساجد منذ أكثر من 90 عامًا. يقول بعض الناس إن ذلك يُعَدُّ مخالفًا للعقيدة وتحرم زيارة هذه الأماكن. لذلك أرجو السادة العلماء الأفاضل بدار الإفتاء المصرية الرد على هذا الأمر.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 01 مايو 2025 م
الفجر
4 :37
الشروق
6 :12
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 33
العشاء
8 :57