ما حكم إتلاف المصحف البالي؟ وإذا كان جائزًا فما هي الكيفية الصحيحة التي تصون المصحف الشريف عن الامتهان؟
إذا كان المصحف باليًا أو مقطوعًا ولا يمكن إصلاحه؛ فيجوز في هذه الحالة إتلافه؛ بأن يُحرَق، أو يُلف في خرقة نظيفة طاهرة ويُدْفَن، أو يتم استخدام الآلات الحديثة التي تعمل على تمزيق ورقه وتقطيعه إلى جُزئيات دقيقة (المفرمة) ثم تُحرق هذه الجُزئيات أو تُدفن؛ وذلك صيانةً للمصحف الشريف من الامتهان.
المحتويات
أجمع المسلمون على أَنَّ المصحف الشريف يجب احترامه وصيانته، ويحرم تعريضه لأيِّ نوعٍ من أنواع الامتهان؛ قال الإمام النووي في "التبيان في آداب حملة القرآن" (ص: 190، ط. دار ابن حزم): [أجمع المسلمون على وجوب صيانة المصحف واحترامه] اهـ.
إذا بَليت أوراقُ المصحف أو تمزَّقت، أو صارت بحالٍ يتعذَّر معها الانتفاع به، ولا يمكن إصلاحه من تجليدٍ أو غيره؛ فالفقهاء متفقون على جواز إتلافه وأَنَّ ذلك من تمام صيانته، ولكنهم اختلفوا في كيفية ذلك على قولين.
فذهب الحنفية والحنابلة: إلى أَنَّ ذلك –أي: الإتلاف حال البِلَى- يكون بلفه في خرقة نظيفة طاهرة، ثم دفنه في موضع لا يُوطأ بالأقدام، ويُؤمن من أن تلحقه فيه نجاسة، أو نحو ذلك؛ قال العلامة ابن نجيم في "البحر الرائق" (1/ 212، ط. دار الكتاب الإسلامي): [المصحف إذا صار كُهْنًا؛ أي: عتيقًا، وصار بحال لا يُقْرَأ فيه، وخاف أن يضيع يُجْعَل في خِرْقة طاهرة ويُدْفَن؛ لأنَّ المسلم إذا مات يُدفَن، فالمصحف إذا صار كذلك كان دفنه أفضل من وضعه موضعًا يخاف أن تقع عليه النجاسة أو نحو ذلك] اهـ.
وقال العلامة البهوتي في "كشاف القناع عن متن الإقناع" (1/ 137، ط. دار الكتب العلمية): [(ولو بلي المصحف أو اندرس دُفِن نصًّا)؛ ذَكَر أحمد أَنَّ أبا الجوزاء بلي له مصحفٌ فحفر له في مسجده فدفنه] اهـ.
وأَمَّا المالكية والشافعية فذهبوا إلى أنَّه ما دام الغَرَض من إتلافه هو صيانته؛ فإنه يُحْرَق ولا حَرَج في إحراقه لهذا الغرض؛ لأنَّ في ذلك صيانةً له عن الوطء والامتهان.
قال الإمام الخَرَشي في "شرح مختصر خليل" (8/ 63، ط. دار الفكر) عند كلامه على موجبات الرِّدَّة: [أو حَرَقَهُ استخفافًا] اهـ. ويَقْصِد الخَرَشي بذلك حَرْق المصحف استخفافًا به، لكنه استثنى بعد ذلك ما إذا كان حَرقه لضعفه أو لكونه موضوعًا؛ فقال: [وأما حَرْقُهُ –أي: المصحف- لكونه ضعيفًا، أو موضوعًا- فلا] اهـ. أي: فليس بكفرٍ ولا من موجبات الرِّدَّة.
وحالة الضَّعْف والوَضْع هما في معنى البِلَى؛ إذ الجامع بين هذه الحالات كلها عدمُ إمكان الانتفاع بالمصحف.
وقال العلامة ابن حجر الهيتمي في "تحفة المحتاج في شرح المنهاج" (1/ 55، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [ويُكره حرق ما كُتب عليه –أي: القرآن- إلا لغرض نحو صيانة، ومنه تحريق عثمان رضي الله عنه للمصاحف] اهـ.
فمُفاد مذهب المالكية والشافعية أَنَّ المصحف إذا أُرِيدَ صيانته حال البِلَى؛ فلا مانع من إحراقه.
ومع القول بجواز إحراق المصحف البالي؛ صيانة له عن الامتهان، إلا أنَّه قد يجب تحريقه؛ إذا كان الحرق هو الطريق الوحيد لصيانته؛ قال العلامة الدردير في "الشرح الكبير" (4/ 301، ط. دار الفكر)؛ قال: [وإن كان على وجهِ صيانتِه فلا ضرر –أي: من إحراقه- بل رُبَّمَا وَجَب] اهـ.
وقال الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (1/ 152، ط. دار الكتب العلمية): [ويُكره إحْرَاقُ خَشَبٍ نُقِشَ بالقرآن إلا إن قُصِدَ به صيانَة القرآن فلا يُكره، كما يُؤخذ من كلام ابن عبد السلام، وعليه يُحمل تَحْرِيقُ عثمان رضي الله عنه المصاحف] اهـ؛ أي: إنَّه إذا كان الغَرَض من التحريق هو الصيانة فلا يُكره، بل قد يجب أيضًا كما نَصَّ عليه الشرواني في "حاشيته على التحفة" (1/ 155، ط. المكتبة التجارية الكبرى)؛ فقال: [(قوله: إلَّا لغَرَض نحو صيانة)، أي: فلا يُكره، بل قد يجب إذا تَعيَّن طريقًا لصَوْنِه] اهـ.
ومن طرق صَون المصحف البالي عن الامتهان ما ظَهر في هذا العصر من آلات حديثة تعمل على تمزيق الورق وتقطيعه إلى جُزئيات دقيقة، كطريقة من طُرق إتلافه؛ فلا مانع من استخدام هذه الآلات في إتلاف المصحف البالي، وذلك مثل الفَرَّامَة ونحوها، وأمَّا الحروف والكلمات الباقية في الجُزئيات الدقيقة بعد فرمها فإما أن تُحرَق أو تُلَفَّ في خرقة نظيفة طاهرة وتُدفن.
فالذي يستفاد ممَّا سبق أنَّ الفقهاء متفقون على أَنَّ المصحف البالي لا مانع شرعًا من إتلافه، لكنهم اختلفوا في كيفية الإتلاف، والقَصْد من ذلك –أي: من الإتلاف- اتفاقًا هو تعظيم المصحف وصيانته من الامتهان، وكِلَا القولين يرى أنَّ الطريقة التي قال بها -الدَّفْن أو الحَرْق- أَوْلَى من غيرها لدَفْع الامتهان، ونرى أنَّ الأمر في هذه الكيفية على السعة ما دام هذا القَصْد والمعنى –أي: التعظيم والصيانة- ملاحظًا.
بناءً عليه وفي واقعة السؤال: فالمصحف إذا كان باليًا أو مقطوعًا ولا يمكن إصلاحه؛ فيجوز إتلافه؛ بأن يُحرَق، أو يُلَف في خرقة نظيفة طاهرة ويُدفَن، أو تستخدم الآلات الحديثة التي تعمل على تمزيق ورقه وتقطيعه إلى جُزئيات دقيقة ثم تُحرق هذه الجُزئيات أو تُدفن؛ وذلك صيانةً له من الامتهان.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
يقول السائل: ما حكم الشرع في ما يقوم به بعض المؤذنين من مدح الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والصلاة والسلام عليه بعد الأذان؟
سائل يقول: سمعت أنه ورد في السنة النبوية صيغ لحمد الله تعالى لها ثواب وأجر عظيم؛ فنرجو منكم بيان بعضها، وما هي أفضل صيغة لحمد الله تعالى؟
سائل يقول: أقوم بتذكير أصدقائي في بعض الأوقات بين الحين والآخر وأدعوهم إلى تلاوة القرآن الكريم وذكر الله تعالى. فهل لي أجر على ذلك؟
يتسرع بعض الناس فيقوم باتهام أهل العلم والحكمة من المتخصصين بالمداهنة والنفاق. فكيف يكون إظهار الحق وبيانه بأحسن الأساليب؟
ما حكم هجر المصرّ على الأذى والضرر في ليلة النصف من شعبان؟ فقد حصل بين أحد الأشخاص وصاحب له خلافات ومشاكل، وتعاظم الأمر حتى أدى ذلك إلى القطيعة بينهما، ومَرَّ على ذلك بعض الأيام، وقد هلَّ علينا شهر شعبان المبارك، وعلم أن الله يغفر لكلِّ الناس في ليلة النصف منه إلا المشاحن، فسعى للصلح معه، إلا أنه بادره بالسب والأذية بالكلام والأفعال، واختلاق المشاكل، والخوض في الأعراض، وغير ذلك من الأمور السيئة التي تؤدي للفتنة بينه وبين جيرانه وأقاربه، ويتكرر ذلك كلما سعى في الصلح معه وإصلاح ما فسد بينهما، وبعد معاناة من هذا الأمر قرر مجانبته وهجره وعدم الحديث معه؛ تجنبًا للمشاكل والأذية، لحين أن تهدأ نفسه، أو يجد فرصة مناسبة للصلح. فهل يكون من المشاحنين الذين لا يغفر الله لهم في هذه الليلة المباركة بسبب هجره صاحبَه هذا وتجنبه؟
ما حكم قراءة القرآن الكريم من المصحف في صلاة التراويح؟ فأنا أريد ختم القرآن الكريم في صلاة التراويح في شهر رمضان المبارك، ولكني لا أحفظ القرآن الكريم كاملًا، فهل يجوز لي القراءة من المصحف الشريف في الصلاة؟