هل يجب على المرأة إذا طهرت من الحيض أثناء نهار رمضان أن تمسك بقية اليوم؟ فهناك امرأةٌ طَهُرَت مِن الحيض في نهار رمضان، وكانت تأكل وتشرب قبل أن تَطْهُر، فهل يجب عليها الإمساكُ بقية اليوم عن الطعام والشراب بعد أن طَهُرَت؟
حكم إمساك المرأة عن المفطرات إذا طهرت من الحيض في نهار رمضان
لا يجب على المرأة التي طَهُرَت مِن حيضها في نهار رمضان أن تُمسِك بقية يومها، ويجوز لها الأكل والشرب بقية هذا اليوم؛ لأن الصيام لَم يجب في حقها ابتداءً، فإنْ أمسَكَت فلا حرج عليها، ويُستحب لها إذا اختارت عدم الإمساك أن تُخفي فِطْرَها عمَّن ليس له عِلمٌ بعُذرها.
التفاصيل ....المحتويات
- التخفيف على المرأة الحائض في بعض العبادات
- هل يجب على المرأة إذا طهرت من الحيض أثناء نهار رمضان أن تمسك بقية اليوم؟
- الخلاصة
التخفيف على المرأة الحائض في بعض العبادات
لَمَّا كان الحيضُ أمرًا مكتوبًا على النساء وخارجًا عن إرادتهن، فقد خفَّف اللهُ سبحانه وتعالى عنهن جملةً مِن العبادات البَدَنية التي لا تتناسب مع هذا الحدث، كالصلاة والصيام ونحو ذلك مِن العبادات.
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟» أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه".
وقد اتفق الفقهاء على أن المرأة حال كونها حائضًا لا تصلي ولا تصوم حتى ينتهي حيضُها.
قال الإمام ابن حَزْم في "مراتب الإجماع" (ص: 23، ط. دار الكتب العلمية): [واتفقوا على أن الحائض لا تصلي ولا تصوم أيام حيضها] اهـ.
هل يجب على المرأة إذا طهرت من الحيض أثناء نهار رمضان أن تمسك بقية اليوم؟
مِن ثَمَّ فإذا حَرُمَ عليها الصوم لعذر الحيض، فإنه يباح لها الأكل والشرب في أيِّ وقتٍ شاءت أثناء النهار، وإذا طَهُرَت في بعض اليوم فلا يجب عليها أن تُمسِك عن الطعام والشراب بقية هذا اليوم، بل لا يُستَحب لها ذلك كما هو مذهب المالكية، ووافَقَهُم بعضُ فقهاءِ الحنفيةِ، والشافعيةُ، والحنابلةُ في أحد القولين، في عدم وجوب الإمساك بقية اليوم، إلا أنهم استَحَبُّوه لها؛ لحرمة شهر رمضان الكريم، ولا يلزمها ذلك؛ لأنها أفطَرَت لعذر، ولأجْل ذلك إنْ أرادَت أن تأكل أو تشرب فإنها يجوز لها ذلك شرعًا ولا شيء عليها؛ لأن الصيام لَم يجب في حقها في أول اليوم لعذر الحيض الذي يَحرُم معه الصوم، ومع ذلك تُنصَحُ المرأةُ بأن تَسْتُرَ فِطرَها؛ رعايةً لحال مَنْ قد يراها مِن الصائمين، وحفظًا لنفسها مِن التهمة مِن قِبَل مَن لا يَعرف حالَها وعُذْرَهَا في نهار رمضان.
قال الإمام بدر الدين العَيْنِي الحنفي في "العناية" (2/ 363، ط. دار الفكر): [إذا طَهُرَت في بعض النهار فَلْتَدَعِ الأكلَ والشربَ، وهذا أمرٌ أيضًا، وقال بعضُهم: هو على الاستحباب، ذكره محمد بن شجاع؛ لأنه مُفْطِرٌ، فكيف يجب عليه الكَفُّ عن المفطرات] اهـ.
وقال في "منحة السلوك" (ص: 274، ط. أوقاف قطر): [(ومَن أَسْلَمَ، أو بَلَغَ، أو طَهُرَت الحائضُ، أو أفاقَ، أو قَدِمَ مِن سفرٍ، أو بَرِئَ مِن مرضٍ، أو أفطر خطأً أو عمدًا -أَمْسَكَ بقية يومه) تشبُّهًا بالصائمين، واختلفوا في هذا الإمساك، فقيل: مستحب، وقيل: واجب] اهـ.
وقال الإمام اللَّخْمِي المالكي في "التبصرة" (2/ 767، ط. أوقاف قطر): [وإن أصبَحَت امرأةٌ طاهرًا فحاضت، أو حائضًا فطَهُرَت، لَم تُمسِك بقية يومها ذلك] اهـ.
وقال الإمام عَلِيُّ بن خَلَفٍ المُنُوفِي المالكي في "كفاية الطالب الرباني" (1/ 445، ط. دار الفكر): [(وإذا قَدِمَ المسافر) مِن سفره نهارًا حالة كونه (مفطرًا، أو طَهُرَت الحائضُ نهارًا فـ) يُباح (لهما الأكل في بقية يومهما) ولا يُستحب لهما الإمساك] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (6/ 257، ط. دار الفكر): [إذا طَهُرَت في أثناء النهار يُستحب لها إمساك بقيته ولا يلزمها... هذا هو المذهبُ، وبه قطع الجمهور، ونَقَل إمامُ الحرمين وغيرُه اتفاقَ الأصحاب عليه] اهـ.
وقال الإمام ابن قُدَامَة الحنبلي في "المغني" (3/ 145-146، ط. مكتبة القاهرة): [فأما مَن يباح له الفطر في أول النهار ظاهرًا وباطنًا، كالحائض والنفساء... ففيهم روايتان... والثانية: لا يلزمهم الإمساك] اهـ.
الخلاصة
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنه لا يجب على المرأة المذكورة التي طَهُرَت مِن حيضها في نهار رمضان أن تُمسِك بقية يومها، ويجوز لها الأكل والشرب بقية هذا اليوم؛ لأن الصيام لَم يجب في حقها ابتداءً، فإنْ أمسَكَت فلا حرج عليها، ويُستحب لها إذا اختارت عدم الإمساك أن تُخفي فِطْرَها عمَّن ليس له عِلمٌ بعُذرها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.