ما حكم صيام من انقطع حيضها قبل الفجر واغتسلت بعد الفجر؟ فإن زوجتي كانت حائضًا، وانقطع عنها دم الحيض أثناء الليل، ونَوَت الصيام من الليل، ولم تغتسل إلا بعد الفجر؛ فهل صيامها صحيح شرعًا؟
ما دام دمُ الحيض قد انقطع عن زوجتكَ أثناء الليل أو قبل ذلك، ونَوَت الصيام من الليل؛ فإنَّ صومها صحيحٌ شرعًا وإن لم تغتسل إلا بعد الفجر؛ لأن الاغتسال مِن الحيض وإن كان واجبًا إلا أنه ليس شرطًا لصحة الصوم.
المحتويات
الحيض لغةً: السَّيَلَان؛ يقال: حاض الوادي إذا سال ماؤُهُ، وحاضت الشجرة إذا سال صَمْغُهَا.
وشرعًا: دمُ جِبِلَّةٍ؛ أي: تقتضيه الطباع السليمة، يخرج من أقصى رحم المرأة بعد بلوغها على سبيل الصحة من غير سبب في أوقات معلومة؛ كما في "مغني المحتاج" للخطيب الشربيني (1/ 277، ط. دار الكتب العلمية).
قد خَصَّ اللهُ تعالى النساءَ بالحيض، حتى جعله سبحانه مِن أصل خلقتهن وسببًا لاستقرار صحتهن وبقاء النسل الإنساني؛ فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فَحِضْتُ، فدخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أبكي، فقال: «ما لَكِ، أنَفِسْتِ؟» قلت: نعم، قَالَ: «إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَاقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ، غَيْرَ أَلَّا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» متفق عليه.
قال العلَّامة ابن بطَّال في "شرح صحيح البخاري" (1/ 411، ط. دار الرشد): [هذا الحديث يدلُّ على أنَّ الحيض مكتوب على بنات آدم فمَن بعدهن من البنات؛ كما قال صلى الله عليه وآله وسلم، وهو من أصل خلقتهن الذي فيه صلاحُهُنَّ؛ قال الله تعالى في سيدنا زكريا عليه السلام: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ﴾ [الأنبياء: 90]. قال أهل التأويل: يعنى ردَّ الله إليها حيضها لتحمل، وهو مِن حكمة الباري الذى جعله سببًا للنسل؛ ألَا ترى أنَّ المرأة إذا ارتفع حيضها لم تحمل، هذه عادةٌ لا تنخرم] اهـ.
انقطاع دم الحيض موجبٌ مِن موجبات الغسل بدلالة الكتاب والسنة والإجماع:
- فمن الكتاب: قول الله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ﴾ [البقرة: 222]؛ ومعناه: يغتسلن بالماء بعد النقاء مِن دم الحيض؛ كما في "الوسيط في تفسير القرآن المجيد" للإمام الواحدي (1/ 328، ط. دار الكتب العلمية).
ومِن السنة: أحاديث كثيرة؛ منها: ما رواه البخاري في "صحيحه" عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي».
وأما الإجماع: قال الإمام ابن المنذر في "الأوسط في السنن والإجماع" (1/ 112، ط. دار طيبة): [وجاءت الأخبار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم على وجوب الاغتسال على الحائض إذا طَهُرَتْ، وأجمع أهلُ العِلم على ذلك] اهـ. وممن نقل الإجماع أيضًا: الإمام النووي في "المجموع" (2/ 148، ط. دار الفكر)، والإمام ابن قدامة في "المغني" (1/ 154، ط. مكتبة القاهرة).
لما كان الحيض أمرًا مكتوبًا على النساء وخارجًا عن إرادتهن؛ خفف الله سبحانه وتعالى عنهن جملةً من العبادات البدنية التي لا تتناسب مع هذا الحدث؛ كالصلاة والصيام والطواف، ونحو ذلك من العبادات.
قال الإمام ابن حزم في "مراتب الإجماع" (ص: 23، ط. دار الكتب العلمية): [واتفقوا على أن الحائض لا تصلي ولا تصوم أيام حيضها] اهـ.
إذا حاضت المرأة في شهر رمضان المبارك؛ فالواجب عليها أن تمتنع عن الصوم حتى تَطْهُرَ مِن حيضها، فإذا طَهُرَتْ منه ليلًا أو قبل ذلك واغتسلت قبل الفجر ونوت الصيام؛ صح صومها باتفاق الفقهاء، وإذا أخَّرَت الغسل إلى ما بعد الفجر مع تمكنها منه قبله؛ فالمختار للفتوى: أن صومها صحيحٌ أيضًا إذا نَوَتِ الصيام قبل الفجر، ولا قضاء عليها؛ لأن الاغتسال من الحيض ليس من شروط صحة الصوم، بل هو واجب على التراخي لا على الفور ما لم يَجِبْ ما يَلْزَمُ له الغسل؛ وهذا هو مذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة في الصحيح من المذهب، ووافقهم الحنفية فيما إذا انقطعَ الحيضُ لتمام أكثر مدته عندهم وهي عشرة أيام؛ لِلتَّيَقُّنِ مِن انتهائه شرعًا وإن لم تغتسل، بخلاف ما لو انقطع قبل ذلك؛ لعدم الحكم بخروجها عن الحيض حينئذٍ ما لم تغتسل.
قال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" (2/ 142، ط. دار المعرفة): [ولو أنَّ امرأة رأت الدم أيام أقرائها عشرًا، ثم انقطع الدم عنها قبل طلوع الفجر في رمضان في وقتٍ لا تقدر فيه على الغسل حتى يطلع الفجر؛ فهذه تصلي، وتصوم، ولا تقضي صوم هذا اليوم، وتصلي العشاء الأخيرة، ولا يملك الزوج مراجعتها إن كان طلقها؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بخروجها مِن الحيض قبل طلوع الفجر؛ فتلزمها صلاة العشاء؛ لأنها أدركت جزءًا من الوقت، ويجوز صومها؛ لأنها أهل لأداء الصوم من أول النهار، وإن كانت أيام أقرائها خمسًا خمسًا، ثم انقطع الدم عنها قبل طلوع الفجر في وقت لا تقدر فيه على الغسل حتى طلع الفجر؛ فهذه تصوم وتقضي، ومعناه: تمسك في هذا اليوم وعليها قضاء هذا اليوم؛ لأنه لا يحكم بخروجها عن الحيض ما لم تغتسل، فهي لم تكن من أهل أداء الصوم عند طلوع الفجر؛ فلا يجزئها صومها] اهـ.
وقال العلامة النفراوي المالكي في "الفواكه الدواني" (1/ 311، ط. دار الفكر): [(ومن أصبح) أي: طلع عليه الفجر (جنبًا) في زمن صومه (ولم يتطهر، أو) أصبحت (امرأةٌ حائضٌ طَهُرَت) أي: طاهرة؛ لرؤيتها علامة الطهر، ولْيُتِمَّا الصوم (قبل الفجر، و) الحال أنهما (لم يغتسلَا إلا بعد الفجر؛ أجزأهما صوم ذلك اليوم) لوقوع النية قبل الفجر، ولا يضر الإصباح بلا غسل، ولو مع العلم بالجنابة وانقطاع الحيض ليلًا.. وأما صحة صوم الحائض إذا طَهُرَت قبل الفجر؛ فمتفق عليه إذا كان طُهرها في زمنٍ يَسَعُ الغسل، وعلى المشهور إذا كان في زمنٍ بحيث تدرك فيه النية] اهـ.
وقال العلامة الدسوقي المالكي في "حاشيته على الشرح الكبير" (1/ 521-522، ط. دار الفكر): [متى رأت أيَّ علامةٍ كانت؛ جفوفًا أو قَصَّةً: وَجَبَ عليها الصوم، (قوله: صح صومها) أي: وإن لم تغتسل إلا بعد الفجر، بل وإن لم تغتسل أصلًا؛ لأن الطهارة ليست شرطًا في الصوم، (قوله: أخذًا مما قَدَّمه) أي: من صحة الصوم بالنية المقارنة للفجر] اهـ.
وقال الإمام الرافعي الشافعي في "العزيز شرح الوجيز" (3/ 216، ط. دار الكتب العلمية): [ولو طهرت الحائض ليلًا، ونوت الصوم، ثم اغتسلت بعد طلوع الفجر؛ صح صومها] اهـ.
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب" (1/ 422، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(فإن طَهُرَت) أي: انقطع حيضها أو نفاسها (وصامت) أو صام الجنب (بلا غسل؛ صح) الصوم؛ لقوله تعالى: ﴿فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ﴾ [البقرة: 187]، ولخبر "الصحيحين": "كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصبح جُنُبًا مِن جماع غير احتلام، ثم يغتسل ويصوم"، وقيس بالْجُنُبِ: الحائض والنفساء] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (3/ 149، ط. مكتبة القاهرة): [(المرأة إذا انقطع حيضها من الليل؛ فهي صائمة إذا نوت الصوم قبل طلوع الفجر، وتغتسل إذا أصبحت)، وجملة ذلك: أن الحكم في المرأة إذا انقطع حيضها من الليل؛ كالحكم في الجنب سواء، ويشترط أن ينقطع حيضها قبل طلوع الفجر؛ لأنه إن وُجِدَ جزءٌ منه في النهار أفسد الصوم، ويشترط أن تنوي الصوم أيضًا من الليل بعد انقطاعه؛ لأنه لا صيام لمن لم يُبَيِّت الصيام مِن الليل.. ولنا: أنه حَدَثٌ يوجب الغسل، فتأخير الغسل منه إلى أن يصبح لا يمنع صحة الصوم؛ كالجنابة] اهـ.
وقال الإمام المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (3/ 308، ط. دار إحياء التراث العربي): [لو أخَّر -أي: الجنب- الغسل إلى بعد طلوع الفجر واغتسل؛ صح صومه بلا نزاع، وكذا على الصحيح من المذهب: لو أخره يومًا كاملًا؛ صح صومه.. حكم الحائض تؤخر الغسل إلى ما بعد طلوع الفجر؛ حكم الجنب على ما تقدم على الصحيح من المذهب] اهـ.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فما دام دمُ الحيض قد انقطع عن زوجتكَ أثناء الليل أو قبل ذلك، ونَوَت الصيام من الليل؛ فإنَّ صومها صحيحٌ شرعًا وإن لم تغتسل إلا بعد الفجر؛ لأن الاغتسال مِن الحيض وإن كان واجبًا إلا أنه ليس شرطًا لصحة الصوم، كما سبق بيانه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
حكم من أفطر رمضان لظنه عدم وجوبه عليه؟ لأن والد صديقي المتوفى تزوج أمه في رمضان، وظنًّا منه أن الزواج عذر للإفطار فقد قام العروسان بإفطار رمضان كله. والأم تقول: إنها قضت الصيام، بينما زوجها المتوفى لم يفعل. فهل يمكن لولده أن يقضي الصيام عن والده، وهل هناك التزامات أخرى؟ وجزاكم الله خيرًا.
ما حكم الغسل بعد عملية التلقيح الصناعي؟ فهناك طبيبة تسأل: أجريت اليوم عملية تلقيح صناعي لإحدى الزوجات، وفيها يتم تجهيز عينة من السائل المنوي للزوج وحقنها في رحم الزوجة، وأثناء ذلك سألتني: هل يلزمها الغُسل بعد حقن السائل المنوي كغُسل الجنابة؟
سائل يسأل عن كون وكيل المرأة في عقد النكاح هو أحد الشاهدين في نفس العقد؟ وهل هذا يجوز؟ حيث لم يكن حاضرًا في مجلس العقد سوى الزوج والزوجة ووكيل الزوجة وشاهد واحد فاعتبرنا الوكيل شاهدًا ثانيًا.
ما حكم إخراج الزكاة على المال المدخر لشراء شقة للأسرة؟ فأنا لديَّ مبلغ من المال يستحق أداء الزكاة عنه أودعته في البنك؛ لشراء شقة نعيش فيها أنا وزوجي وأولادي تليق بمركز زوجي الاجتماعي، مع العلم أن مرتب زوجي لا يكفي الأسرة لآخر الشهر في الاحتياجات العادية جدًّا. فهل أُخرِج الزكاة على هذا المال؟
ما حكم الطهارة في الوضوء أو التيمم أو الغسل بالجمع بين مذاهب الفقهاء؟ كمن يترك النية مقلدًا مذهب الإمام أبي حنيفة، ويترك الدلك في الأعضاء مقلدًا مذهب الإمام الشافعي، ونحو ذلك.
طلب وكيل إحدى النيابات الجواب عن سؤال تضمنه الخطاب التالي: معرفة الحكم الشرعي فيمن تزوجت بزوج وهي على عصمة زوج آخر؛ هل تلزمها العدة بعد طلاقها من الزوج الثاني أم لا؟ وذلك للتصرف في القضية.