ما هي بيان كيفية طهارة الأطقم الطبية المعالجين لمرضى كورونا، حيث أننا مجموعة أطباء نعمل في إحدى مستشفيات عزل مرضى "فيروس كورونا المستجد"، ويستمر عملنا لساعات طويلة، ويَدخُل في ساعات عملنا الطويلة أكثر من وقت صلاة مفروضة، ويتعذَّر علينا خَلْعُ الأوقية التي علينا للوضوء؛ فهل يجوز لنا ترك الوضوء في هذه الحالة، وهل يجوز لنا أيضًا جمع الصلوات أثناء وقت العمل؟
بيان كيفية طهارة الأطقم الطبية المعالجين لمرضى كورونا
الأصل أن الوضوء شرط لصحة الصلاة لا يَسْقُط عن الطبيب الذي يَقْضِي وقتًا طويلًا في علاج مرضى "فيروس كورونا المستجد" ويرتدي الملابس الطبية الواقية لحمايته من الإصابة بالمرض؛ فإذا تَعذَّر عليه خَلْعُ الملابس الوقائية التي يرتديها فإنه التيمم؛ فإذا تَيَمَّم صَلَّى بهذا التيمم ما شاء من الفرائض، وأَمَّا إِنْ تَعذَّر عليه التيممُ أيضًا فعليه الصلاة على حاله بلا طهارةٍ؛ مراعاةً لحُرْمة الوقت، ولا يجب عليه إعادة ما صلَّاه بلا طهارة.
كما أنَّ الطبيبَ المعالجَ لمرضى "فيروس كورونا" إِنْ تَعَذَّر عليه بسبب رعايته للمرضى أداءُ الصلاة في وقت كل صلاةٍ؛ فيجوز له الجمع بين الصلاتين ولا حَرَج عليه؛ سواء جمع تقديمٍ أو تأخيرٍ، ويجب عليه -إن اختار جمع التأخير- أن ينوي الجمع في وقت الصلاة الأولى منهما، وأَمَّا إِنْ تَعذَّر عليه بسبب رعايته للمرضى أداء الصلاة حتى خرج وقتها بالكلية؛ فإنَّه معذور في ذلك، ولا إثم عليه، ويقضي ما فاته مِن الصلاة بعد زوال عذره.
المحتويات
- حكم الطهارة لأداء الصلاة
- بيان كيفية طهارة الأطقم الطبية المعالجة لمرضى "فيروس كورونا"
- صلاة الطبيب الذي لا يتمكن من الطهارة أو التيمم
- صلاة الطبيب الذي تَعَذَّر عليه أداءُ الصلاة في وقت كل صلاةٍ بسبب رعايته للمرضى
- الخلاصة
حكم الطهارة لأداء الصلاة
الصلاة ركن الدين، وأداؤها في وقتها مِن أوجب الواجبات التي افترضها الله تعالى على المسلمين؛ فقال الله سبحانه: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء: 103]؛ فلم يُسْقِط الشرع وجوبها في القتال، ولا في المرض الشديد، وإنما شرع لكل هذه الحالات رُخَصًا تناسبها وهيئات تُخفِّف عن أصحابها؛ بحيث تُؤَدَّى في وقتها من غير حرجٍ أو مشقةٍ.
ومن المقرر شرعًا أَنَّ من شروط صحة الصلاة: الطهارة مِن الحدثين الأصغر والأكبر؛ لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة: 6]، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» رواه البخاري.
بيان كيفية طهارة الأطقم الطبية المعالجة لمرضى "فيروس كورونا"
الطبيب الذي يَقْضِي وقتًا طويلًا في علاج مرضى "فيروس كورونا المستجد" ويرتدي الملابس الطبية الواقية لحمايته من الإصابة بالمرض؛ لا يَسْقُط عنه شرط الوضوء لصحة الصلاة؛ فإذا دَخَل وقت الصلاة وأراد أداءها؛ فالأصل أنَّه لا تصح منه الصلاة بغير وضوءٍ؛ لإجماع الفقهاء على اشتراط الطهارة للصلاة استنادًا إلى الآية والحديث السابقين. ينظر: "المجموع" للنووي (3/ 131، ط. دار الفكر).
فإذا تَعذَّر على الطبيبِ المعالجِ خَلْعُ الملابس الوقائية التي يرتديها للوضوءِ للصلاة؛ فيُصار إلى البَدَل في الطهارة؛ وهو التيمم، والبَدَل -وهو التيمم هنا- يُصار إليه عند تَعذُّر الأصل الذي هو الماء؛ سواء كان التَّعذُّر حُكْميًّا أو حقيقيًّا، والتَّعَذُّر الحقيقي للوضوء: عدم وجود الماء، والتَّعذُّر الحكمي: عدم القدرة على استعماله؛ وعُذْر الطبيب في هذه الحالة عُذرٌ حكميٌ.
والأصل في مشروعية التيمم قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ [المائدة: 6]. ويكون التيمم بكل ما هو من جنسِ الأرض أو أجزائِها المُتَولِّدةِ عنها، ويَحْصُل التيمم بضربتين: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين.
فإذا تَيَمَّم الطبيبُ المُتَعذِّرُ استعماله للماء هكذا؛ فقد اختلف الفقهاء فيما يصح فعله بهذا التيمم الواحد؛ والجمهور من الفقهاء على أنه لا يصح صلاة فَرْضَين بتيممٍ واحدٍ، وهذا ما عليه المالكية والشافعية والحنابلة على تفصيلٍ بينهم في ذلك. ينظر: "حاشية الدسوقي على الشرح الكبير" (1/ 157، ط. دار الفكر)، و"مغني المحتاج" للشربيني (1/ 89، ط. دار الكتب العلمية)، و"المغني" لابن قدامة (1/ 243، ط. مكتبة القاهرة).
ويرى الحنفية: أنَّه يُصَلِّي بهذا التَّيمُّم ما شاء من الفرائض والنوافل أيضًا. ينظر: "حاشية ابن عابدين" (1/ 166، ط. دار الفكر).
والذي نختاره مِن القولين -في هذه الحالة- هو قول الحنفية؛ لحديث الترمذي الذي يرويه بسنده عن أبي ذرٍ رضي الله عنه أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ»؛ كما أنَّ التيمم بَدَل عن الوضوء؛ والبَدَل -كما يقول الأصوليون- يقوم مقام الأصل وحكمه حكم الأصل أيضًا، إضافةً أَنَّ الحدث الواحد لا يجب له طُهْران. ينظر: "المبسوط للسرخسي" (21/ 93، ط. دار المعرفة)، و"بدائع الصنائع" للكاساني (6/ 153، ط. دار الكتب العلمية).
صلاة الطبيب الذي لا يتمكن من الطهارة أو التيمم
إذا تَعذَّر التيممُ على الطبيب المعالج ولم يستطع خَلْع الملابس الوقائية التي يرتديها؛ فحكمه في ذلك حكم فاقد الطهورين؛ فعليه الصلاة على حاله بلا وضوءٍ ولا تَيَمُّمٍ مراعاةً لحُرْمة الوقت، ولا يجب عليه إعادة ما صلَّاه؛ كما هو الصحيح من مذهب الحنابلة؛ قال المَرْدَاوي في "الإنصاف" (1/ 283، ط. دار إحياء التراث العربي): [قوله (ولو عدم الماء والتراب صلى على حسب حاله)، الصحيح من المذهب: وجوب الصلاة عليه والحالة هذه، فيفعلها وجوبا في هذه الحالة. وعليه الأصحاب.. قوله (وفي الإعادة روايتان) وأطلقهما في "الجامع الصغير"، و"الهداية"، و"المذهب"، و"مسبوك الذهب"، و"الكافي"، و"المحرر"، وابن تميم، وغيرهم. إحداهما: لا يعيد، وهو المذهب] اهـ.
وقال العلامة البهوتي في "كشاف القناع" (1/ 171، ط. دار الكتب العلمية): [(ومن عُدِم الماء والتراب، أو لم يمكنه استعمالهما) أي: الماء والتراب (لمانعٍ) (كمن به قروح لا يستطيع معها مس البشرة بوضوء ولا تيمم صلى) الفرض فقط (على حسب حاله وجوبا)؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»، ولأن العجز عن الشرط يوجب ترك المشروط، كما لو عجز عن السترة والاستقبال. (ولا إعادة)؛ لما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها استعارت من أسماء رضي الله عنها قلادة فضلتها، فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجالًا في طلبها، فوجدوها، فأدركتهم الصلاة، وليس معهم ماء فصلوا بغير وضوء، فشكوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأنزل الله آية التيمم. متفق عليه، ولم يأمرهما بالإعادة، ولأنه أحد شروط الصلاة، فسقط عند العجز كسائر شروطها] اهـ.
وتقدير تَعذُّر الوضوء أو التيمم مَرْجِعه إلى الطبيب نفسه؛ فهو أدرى بحاله وما يحيط به وبالمرضى من أخطار، مع الأخذ في الاعتبار أن يُعْلي الطبيبُ مصلحةَ المرضى الذي يرعاهم؛ فتغيير الطبيب لصفة أداء الصلوات بشروطها كما اعتادها؛ هو من الرُّخَص التي شرعها الله تعالى، لكن تقصير الطبيب في رعاية مرضاه -لا سيما في أوقات الأزمات التي نحن فيها من الفيروس المنتشر- يؤدي إلى فسادٍ في الأنفس، ويُعرِّض حياة الإنسان إلى الخطر، ومن المقاصد الشرعية العليا حفظ النفس، وتعد أهم الضروريات المقاصدية الخمس التي قام على أساسها الشرع الشريف؛ فكان حفظها أصلًا قطعيًّا، وكليةً عامةً في الدِّيْن.
صلاة الطبيب الذي تَعَذَّر عليه أداءُ الصلاة في وقت كل صلاةٍ بسبب رعايته للمرضى
الشارع الكريم قد جَعَل للصلاة أوقاتًا معينة، وجعل أداءها في غير هذه الأوقات من غير عذرٍ إثمًا، ولرَفْع الحرج عن المكلَّفين وسَّعَ الشارع الحكيم في أوقات الصلوات فجَعَل لها أَوَّلًا وآخرًا، وجَعَل أداءها في أي جزء من هذه الأوقات مُجْزِئًا؛ والطبيبُ المعالجُ لمرضى فيروس كورونا إِنْ تَعَذَّر عليه بسبب رعايته للمرضى أداءُ الصلاة في وقت كل صلاةٍ؛ فله أن يجمع بين الصلاتين ولا حَرَج عليه؛ فقد ثبت أَنَّ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء من غير خوفٍ ولا مرض ولا مطر، وعندما سُئِل ابن عباس رضي الله عنهما عن ذلك قال: "أراد أن لا يحرج أمته"، وروى الشيخان في "صحيحيهما" عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم صَلَّى بِالْمَدِينَةِ سَبْعًا وَثَمَانِيًا؛ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ".
وفي لفظٍ قال: "جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ"، قيل لابن عباس رضي الله عنهما: ما أراد بذلك؟ قال: "أراد أن لا يحرج أمته".
قال العلامة الشوكاني في "نيل الأوطار" (3/ 257، ط. دار الحديث): [قوله: (أراد أن لا يحرج أمته).. ومعناه: إنما فعل تلك لئلا يشق عليهم ويثقل، فقصد إلى التخفيف عنهم] اهـ.
وقد ذهب إلى جواز الجمع في الحضر مطلقًا للحاجة من غير اشتراط الخوف، أو المطر، أو المرض، جماعة من الأئمة؛ منهم: ابن سيرين، وربيعة، وأشهب، وابن المنذر، والقفال الكبير، وابن شبرمة وغيرهم؛ قال العلامة ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (2/ 24، ط. دار المعرفة): [وقد ذهب جماعة من الأئمة إلى الأخذ بظاهر هذا الحديث فجوزوا الجمع في الحضر للحاجة مطلقًا.. وممن قال به ابن سيرين وربيعة وأشهب وابن المنذر والقفال الكبير وحكاه الخطابي عن جماعة من أصحاب الحديث] اهـ.
ثم قال ابن حجر -في المرجع السابق نفسه-: [واستدل لهم بما وقع عند مسلم في هذا الحديث من طريق سعيد بن جبير، قال: فقلت لابن عباس رضي الله عنهما: لِمَ فعل ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أحدًا من أمته. وللنسائي من طريق عمرو بن هرم عن أبي الشعثاء أن ابن عباس رضي الله عنه صلى بالبصرة الأولى والعصر ليس بينهما شيء والمغرب والعشاء ليس بينهما شيء، فعل ذلك من شغل] اهـ.
وقال العلامة ابن جزي الكلبي في "القوانين الفقهية" (1/ 57): [وأجاز الظاهرية وأشهب الجمع بغير سبب] اهـ.
وقال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (12/ 401، ط. المكتب الإسلامي): [وقد حكى الخطابي عن القفال الكبير الشاشي، عن أبي إسحاق المروزي جواز الجمع في الحضر للحاجة من غير اشتراط الخوف، والمطر والمرض، وبه قال ابن المنذر من أصحابنا] اهـ.
وقال العلامة ابن قدامة في "المغني" (2/ 205، ط. مكتبة القاهرة): [فصل: ولا يجوز الجمع لغير من ذكرنا. وقال ابن شبرمة: يجوز إذا كانت حاجة أو شيء، ما لم يتخذه عادة] اهـ.
وقد أجاز فقهاء الحنابلة الجمع بين الصلاتين لأصحاب الأعمال الشاقة؛ كالطباخ والخباز ونحوهما، قال المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (2/ 336، ط. دار إحياء التراث): [قال أحمد في رواية محمد بن مشيش: الجمع في الحضر إذا كان عن ضرورة مثل مرض أو شغل. قال القاضي: أراد بالشغل ما يجوز معه ترك الجمعة والجماعة من الخوف على نفسه أو ماله.. واختار الشيخ تقي الدين جواز الجمع للطباخ، والخباز ونحوهما، ممن يخشى فساد ماله ومال غيره بترك الجمع] اهـ.
وقال البهوتي في "كشاف القناع" (2/ 6، ط. دار الكتب العلمية) في بيان أعذار الجمع بين الصلاة: [(و) الحال السابعة والثامنة (لمن له شغل أو عذر يبيح ترك الجمعة والجماعة) كخوف على نفسه أو حرمته أو ماله، أو تضرر في معيشة يحتاجها بترك الجمع ونحوه] اهـ.
ويقاس على ذلك علاج المريض؛ فهو من الأعذار التي تبيح للطبيب الجمع بين الصلاتين؛ وذلك لأنَّ في ترك العلاج خَطَرًا على حياة المريض التي جعل الشارع الحكيم المحافظة عليها من الضروريات الخمس؛ فالطبيب الذي يعمل ساعات طويلة في خدمة ورعاية مرضى فيروس كورونا المستجد له أَنْ يَجْمَع مَثَلًا بين صلاتي الظهر والعصر، أو بين صلاتي المغرب والعشاء؛ سواء جمع تقديمٍ أو تأخيرٍ.
وجمع التقديم: أن يُصَلِّي الظهر والعصر في وقت الظهر، أو يُصَلِّي المغرب والعشاء في وقت المغرب. وأَمَّا جمع التأخير؛ فهو أن يُصَلِّي الظهر والعصر في وقت العصر، أو يُصَلِّي المغرب والعشاء في وقت العشاء؛ ويجب عليه عند إرادة جمع التأخير أن ينوي الجَمْع بين الصلاتين في وقت الصلاة الأولى منهما؛ فلو أراد الجمع بين صلاتي الظهر والعصر؛ نوى الجمع في وقت صلاة الظهر، وإن أراد الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء؛ نوى الجمع في وقت صلاة المغرب. ينظر: "حاشية ابن عابدين" (1/ 256)، و"مغني المحتاج" للخطيب الشربيني (1/ 271)، و"المغني" لابن قدامة (2/ 271). والتقدير في ذلك أيضًا مَرْجِعه إلى الطبيب نفسه الذي هو أدرى بحاله وما يحيط به وبالمرضى من أخطار.
وأَمَّا إن تَعذَّر على الطبيبِ المعالجِ لمرضى فيروس كورونا -بسبب رعايته للمرضى لا سيما الحالات الخطرة- أداءُ الصلاة حتى خَرَج وقتها بالكلية؛ فإنَّه معذور في ذلك، ولا إثم عليه، ويقضي ما فاته مِن الصلاة بعد زوال عذره؛ فقد نَصَّ الفقهاء على أَنَّ المكلف إذا منعه مانع عن أداء الصلاة حتى خرج وقتها بالكلية؛ لانشغاله بواجب متعين عليه في هذا الوقت، فإنه لا يأثم بهذا التأخير؛ قال الإمام القرافي في "أنوار البروق في أنواء الفروق" (2/ 64، ط. عالم الكتب): [وحكم العذر الشرعي كحكم العذر الحسي. أما الحسي: فكالنوم المستغرق لوقت الصلاة. وأما الشرعي: فكمزاحمة واجب تفوت مصلحته إن أُخِّر؛ كما في إنقاذ غريق يستغرق وقت الصلاة، كما حدث هذا في غزوة الخندق؛ حيث قُدِّمت مصلحة الجهاد وحماية المسلمين على مراعاة وقت الصلاة] اهـ.
الخلاصة
بناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فالأصل أَنَّ شرط الوضوء لصحة الصلاة لا يَسْقُط عن الطبيب الذي يَقْضِي وقتًا طويلًا في علاج مرضى "فيروس كورونا المستجد" ويرتدي الملابس الطبية الواقية لحمايته من الإصابة بالمرض؛ فإذا تَعذَّر على الطبيب المعالج خَلْعُ الملابس الوقائية التي يرتديها؛ فيُصار إلى البدل في الطهارة؛ وهو التيمم؛ فإذا تَيَمَّم صَلَّى بهذا التيمم ما شاء من الفرائض، وأَمَّا إِنْ تَعذَّر عليه التيممُ أيضًا؛ فعليه الصلاة على حاله بلا طهارةٍ مراعاةً لحُرْمة الوقت، ولا يجب عليه إعادة ما صلَّاه بلا طهارة.
كما أنَّ الطبيبَ المعالجَ لمرضى "فيروس كورونا" إِنْ تَعَذَّر عليه بسبب رعايته للمرضى أداءُ الصلاة في وقت كل صلاةٍ؛ فيجوز له أن يجمع بين الصلاتين ولا حَرَج عليه، سواء جمع تقديمٍ أو تأخيرٍ، ويجب عليه -إن اختار جمع التأخير- أن ينوي الجمع في وقت الصلاة الأولى منهما، وأَمَّا إِنْ تَعذَّر عليه بسبب رعايته للمرضى أداء الصلاة حتى خرج وقتها بالكلية؛ فإنَّه معذور في ذلك، ولا إثم عليه، ويقضي ما فاته مِن الصلاة بعد زوال عذره.
والله سبحانه وتعالى أعلم.