نحن شركة للمقاولات نعمل برأس مال كبير يُقدَّر بملايينِ الجنيهات، فنشتري قطعةَ الأرض، ونقوم بتحويلها إلى مبانٍ سكنية، ونقوم بتسويقها وبيعها، وهذا ينتجُ عنه ربح، والأرباحُ تدخلُ في تكملة النشاط بالشراء والبيع.
فهل علينا زكاة في ذلك المال؟
لا زكاةَ في نشاط المقاولات المذكور بشراء قطعة الأرض ثم البناء عليها ثم تسويق هذه المباني وبيعها، وإنما تجب الزكاة إذا بِيعَت الأرض بعد شرائها كما هي من غير أن يتم البناء عليها؛ لأنها في هذه الحالة عُروض تجارة وينطبق عليها قواعدُ الزكاة في العروض.
المحتويات
الزكاة شعيرةٌ فيها معنى التكافُل وتطهير المال، ولكنها قبلَ ذلك عبادةٌ قائمةٌ على الاتباع؛ فتجب في أموال مخصوصة، بشروط مخصوصة، بنسب مخصوصة؛ لتُنْفَق في مصارفها المخصوصة، وقد بيَّن الشرعُ الشريف ذلك كلَّه بيانًا واضحًا، والمعاملة التي ورد بها السؤال هي من المعاملات الحادثة؛ فلم تكن على عهد الصحابة والتابعين، وكذا الأئمَّة المتبوعين، ولذلك فقد اختلفت فيها أنظارُ العلماء المعاصرين، والذي عليه الفتوى أنه لا زكاةَ فيها؛ وذلك لأنَّ الذي عليه جمهورُ فقهاء المسلمين -وحُكِيَ عليه الإجماع- أنَّ الزكاة واجبةٌ في المال المُعَدِّ للتجارة. وهذا ما يشير إليه حديث سَمُرَةَ بن جندب رضي الله عنه قال: "كَانَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنَ الَّذِي نُعِدُّ لِلْبَيْعِ" رواه الإمام أبو داود في "سننه".
قال الإمام بدر الدين الحنفي في "شرح سنن أبي داود" (6/ 219، ط. مكتبة الرشد، الرياض): [قوله: "من الذي نعد للبيع" من الإعداد، وهو: التهيئة يقال: أعده لأمر كذا: هيأه له، وبالحديث استدلَّ العلماء أن المال الذي يعدُّ للتجارة إذا بلغت قيمته نصابًا تجب فيه الزكاة من أي صنف كان] اهـ.
وقال الإمام ابن المنذر في "الإجماع" (ص: 48، ط. دار المسلم): [وأجمعوا على أنَّ في العروض التي تدار للتجارة الزكاة إذا حال عليها الحول] اهـ.
التجارة: هي أن تشتريَ لتبيع لتربح، فيشترط فيها التملُّك بعقد معاوضة محضة بقصد البيع لغرض الربح، من غير أن يتخللَ ذلك صناعة أو إنتاج أو استغلال.
ومن هذا التعريف للتجارة بشروطه الثلاثة، يخرج كلُّ نشاطٍ ليس قائمًا على التجارة المحضة: كالأنشطة الصناعية، أو الإنتاجية، أو الخِدْمِيَّة للشركات المختلفة؛ إذ الربحُ فيها قائمٌ على الإنتاج والصناعة والخدمات، لا على البيع والشراء وَحْدَهُما، وهذا هو الذي يتحصَّل من تعريف الفقهاء للتجارة التي يجب في مالها الزكاة.
قال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" (2/ 11، ط. دار الكتب العلمية): [(ومنها) كون المال ناميًا؛ لأنَّ معنى الزكاة وهو النماء لا يحصلُ إلا من المال النامي، ولسنا نعني به حقيقة النماء؛ لأنَّ ذلك غيرُ معتبر، وإنما نعني به كون المال مُعَدًّا للاستنماء بالتجارة أو بالإسامة] اهـ.
وقال الإمام السعدي المالكي في "عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة" (3/ 910، ط. دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان): [والتجارة هي الاسترباح بالبيع والشراء، لا بالحرفة والصناعة] اهـ.
وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في "المهذب في فقه الشافعي" (6/ 48، ط. دار الفكر): [ولا يصير العرض للتجارة إلا بشرطين:
أحدهما: أن يملكه بعقد فيه عوض: كالبيع، والإجارة، والنكاح، والخلع.
والثاني: أن ينويَ عند العقد أنه تَمَلَّكَه للتجارة. وأما إذا ملكه بإرث أو وصية أو هبة من غير شرط الثواب، فلا تصير للتجارة بالنية، وإن ملكه بالبيع والإجارة، ولم يَنْوِ عند العقد أنه للتجارة؛ لم يَصِرْ للتجارة] اهـ.
وقال الإمام الشافعي في "الأم" (2/ 50، ط. دار المعرفة): [والعروض التي لم تُشْتَرَ للتجارة من الأموال ليس فيها زكاة بأنفسها، فمن كانت له دُور أو حمامات لغلة أو غيرها، أو ثياب كثرت أو قلت، أو رقيق كثُر أو قل، فلا زكاة فيها، وكذلك لا زكاة في غلاتها حتى يحول عليها الحول في يدي مالكها، وكذلك كتابة المكاتب وغيره لا زكاة فيها إلا بالحول له، وكذلك كل مال ما كان ليس بماشية ولا حرث، ولا ذهب ولا فضة، يحتاج إليه أو يستغني عنه، أو يستغل ماله غلة منه أو يدخره، ولا يريد بشيء منه التجارة؛ فلا زكاة عليه في شيء منه بقيمة، ولا في غلته، ولا في ثمنه لو باعه؛ إلا أن يبيعه أو يستغله ذهبًا أو وَرِقًا، فإذا حال على ما نَضَّ بيده من ثمنه حول زكَّاهُ، وكذلك غلتَه إذا كانت مما يُزَكَّى من سائمة إبل أو بقر أو غنم، أو ذهب أو فضة؛ فإن أكرى شيئًا منه بحنطة أو زرع مما فيه زكاة، فلا زكاة عليه فيه، حال عليه الحول أو لم يَحُلْ؛ لأنه لم يزرعه، فتجب عليه فيه الزكاة] اهـ.
وقال الإمام النووي في "المجموع" (6/ 48): [قال أصحابنا: مال التجارة هو: كل ما قُصِدَ الاتِّجارُ فيه عند تَمَلُّكِه بمعاوضةٍ محضة] اهـ.
وقال العلَّامة الحجاوي الحنبلي في "الإقناع" (1/ 275، ط. دار المعرفة) في تعريف عروض التجارة: [وهي ما يُعَدُّ لبيعٍ وشراءٍ لأجل ربح غير النقدين غالبًا] اهـ.
ومن هذا التعريف للتجارة يتضح أنَّ كلَّ نشاطٍ استثماري خرج عن تعريف "التجارة" بشروطه الثلاثة لا زكاة فيه: كالأنشطة الصناعية، أو الإنتاجية، أو الخِدْمِيَّة للشركات المختلفة؛ لأن الربح فيها قائمٌ على الإنتاج والصناعة والخدمات، لا على البيع والشراء وَحْدَهُما، وهذا هو الملاحظ في صورة السؤال؛ فالربح والنماء الحاصل فيها ليس من جهة أعيانها؛ وإنما يحصل من بيع الشقق السكنية والمباني التي تقوم الشركة بإنشائها على هذه الأرض، لا من بيع الأرض التي ملكها، ومن ثم فإننا نرجح الوقوف عند مورد النص في ذلك؛ تغليبًا لمعنى الاتباع في الزكاة، ولأنَّ الأصلَ براءةُ الذمَّة مما لم يرد النص بإيجاب الزكاة فيه، ولأن في عدم وجوب الزكاة على الصناعة والإنتاج ملحظًا شرعيًّا مهمًّا في تحفيز الصناعة وتشجيعها وجذْب الناس إليها.
وحاجة الفقير والمسكين وأمثالهما ليست غائبةً عن نظر المجتهد الذي يرى عدمَ الزكاة في مثل هذا النشاط؛ لأنَّ نموَّ هذا النشاط والتوسُّع فيه يؤدي إلى زيادة فُرَص العمل، والتوسُّع في تدوير المال الذي يؤدي بدَوره إلى إنعاش المجتمع بطبقاته المختلفة، ومنهم الفقراء والمساكين وأضرابهم، فيكون في ذلك رعايةٌ لهم بطريق غير مباشر.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فلا زكاةَ في المباني السكنية الحاصلةِ بعد شراء الأرض المقام عليها هذه المباني، وإنما تجب الزكاة في هذه الحالة إذا بِيعَت الأرض بعد شرائها كما هي بلا بناء عليها؛ لأنها في هذه الحالة عُروض تجارة، وينطبق عليها قواعدُ الزكاة في العروض.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم الزكاة في مال الميراث قبل استلامه؛ حيث ورثت امرأة أموالًا عن أبيها، وهذه الأموال كانت في حيازة عمها وبعض الشركاء، وحدثت خلافات حول الحصة وما يستحقه كل طرف، واستمر ذلك لمدة ثلاث سنوات، ثم أخذت حقها من هذه الأموال بعد ذلك.
فهل يجب على هذه المرأة إخراج زكاة هذا المال عن السنوات الثلاث أو ماذا تفعل؟
ما حكم زكاة مخزون البيت من المواد الغذائية لمدة سنة؟ فهناك رجلٌ يعمل تاجرًا، وفي أول شهر المحرم من كل عام يقوم بجرد ما في محله من بضاعة ويقدرها بالثمن ويخرج عنها الزكاة، ويقوم في أيام الحصاد بشراء كمية من الأرز الشعير ويخزنه في المنزل لتموين العام، كما يقوم أيضًا في أيام الشتاء بشراء كمية من المَسْلَى ويخزنه في المنزل لتموين العام أيضًا. وطلب السائل الإفادة عما إذا كان يجب أن يخرج عن كل من المَسْلَى والأرز الزكاة، أم لا.
قمتُ بشراء أرض للاستثمار، وبعد سنوات قمت ببيعها؛ فهل الزكاة تكون على الربح الذي تحقق، أم تُستحق عن كل عام منذ الشراء، أم العام الأخير فقط؟ وهل يختلف الأمر إذا كان الشراء بقصد السُّكنى ثم تغيرت الظروف وتم البيع؟ وهل تحسب الزكاة في الحالة الأخيرة على الربح في العام الأخير؟ وإذا كان عليَّ ديون، هل يتم طرحها من الربح ثم تحسب الزكاة؟
ما المقصود من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إنَّ فِي المَالِ لَحَقًّا سِوى الزَّكَاةِ»؟ وهل هذا يعني أنَّ المال يجب فيه شيء غير الزكاة المفروضة؟
تقوم إحدى الشركات سنويًّا بإخراج مبلغ كبير لحساب الزكاة. والسؤال: هل يجوز للشركة إخراج جزء من هذا المبلغ أو المبلغ بالكامل لصالح بعض العاملين بالشركة في الظروف الآتية:
- الحالات المرضية المزمنة أو التي تفوق قدرتهم المالية، والتي لا يغطيها التأمين الطبي.
- حالات الكوارث والتي لا يمكن للموظف مواجهتها بمفرده.
- حالات القرض الحسن للمستحقين.
ما حكم خصم تكاليف الإنتاج الزراعي من الزكاة عند إخراجها؟ فأنا مزارع للخضراوات، وتزيد تكاليف زراعتها عليَّ؛ حيث أقوم مِن مالي الشخصي بشراء الشتلات أو البذور وأتكلف أُجَر العمال في العزيق والجمع والنقل والآلات، وشراء الأسمدة والمبيدات، أولًا بأولٍ، وهي نفقات باهظة؛ فهل يجوز لي خصم قيمة هذه النفقات من الثمار قبل إخراج زكاتها؟ وما الحكم في حالة ما إذا كان شراء هذه المستلزمات على سبيل الاستدانة من المحلات على أن أسددها بعد الحصاد؟