الرئيسية >هذا ديننا >سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

  «هَذَا خَالِي، فَلْيُرِنِي امْرُؤٌ خَالَهُ» بهذه الكلمات الحانية من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نتعرَّف على بطلٍ من أبطال الإسلام، ومن السابقين الأولين، هو سيدنا سعد بن أبي وقاصٍ رضي الله عنه.
- ولادته وأسرته:
ولد سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه بمكة، قبل البعثة بنحو عشرين سنة، وهو سعد بن مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة، فهو من أقارب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من جهة أمِّه السيدة آمنة عليها السلام، فلذلك كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يشير إليه أنه خاله.
وله من أبيه من الإخوة عامر وعمير وعتبة، فأما عامر وعمير فأسلما، واستشهد عمير في غزوة بدر وهو لم يجاوز العشرين عامًا.
- حياته قبل وبعد الإسلام:
كان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه من السَّابقين إلى الإسلام، وتحكي ابنته عنه قصة إسلامه أنه كان يقول: "رأيت في المنام قبل أن أسلم بثلاثٍ كأني في ظلمة لا أبصر شيئًا، إذ أضاء لي قمر فاتَّبعتُه، فكأني أنظر من سبقني إلى ذلك القمر، فأنظر إلى زيد بن حارثة، وإلى علي بن أبي طالب، وإلى أبي بكر، وكأني أسألهم: متى انتهيتم إلى ههنا؟ وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو للإسلام مستخفيًا، فلقيته في شعب أجياد يصلي فقلت له: إلامَ تدعو؟ قال: «تَشْهَدُ أَنَّ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ» قلت: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله".
فأسلم من ذلك الحين، وعمره وقتها تسعة عشر عامًا.
ولقد عانى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه بسبب إسلامه من أمِّه؛ فإنَّه لما علمت أمُّه حَمنة بنت أبي سفيان بن أمية بإسلامه قالت له: يا سعد، بلغني أنك قد صبأت، فوالله لا يظلني سقفٌ من الحرَّ والبَردِ، وإنَّ الطَّعامَ والشَّرابَ عليَّ حرامٌ حتى تَكْفُرَ بمحمدٍ، قال: فناشدتُّها أوَّلَ يومٍ، فأبت وصبرت، فلما كان اليوم الثاني ناشدتها، فأبت، فلما كان اليوم الثالث ناشدتها فأبت، فقلت: والله، لو كانت لك مائة نفس لخرجت قبل أن أدع ديني هذا، فلما رأت ذلك وعرفت أني لستُ فاعلًا أَكَلَتْ، فجاء سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وشكا إليه أمر أمِّهِ، فنزل في ذلك تعليمًا قولُ الله تعالى في سورة العنكبوت: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [العنكبوت: 8 ].

- مواقف وبطولات:
ظهرت بطولة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه مبكرًا؛ فكان هو أول من رمى سهمًا في سبيل الله، دفاعًا عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن لسعدٍ خصالٌ أخرى غير الشَّجاعَةِ والإقدام تنبئُ عن قلبٍ متعلِّق بربِّه مقبل عليه؛ فقد كان سعد رضي الله عنه كثير البكاء من خشية الله، وذات يوم، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم جالس مع أصحابه نظر في وجوههم وقال لهم: «يطلع علينا الآن رجل من أهل الجنة» وأخذ الأصحاب يستشرفون لرؤية هذا السعيد وبعد حين قريب، طلع عليهم سعد بن أبي وقاصٍ رضي الله عنه، ولقد لحق به فيما بعد عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه سائلًا إياه في إلحاحٍ أن يدله على ما يتقرَّب إلى الله من عمل وعبادة، جعله أهلًا لهذه المثوبة، وهذه البشرى.. فقال له سعد: لا شيء أكثر مما نعمل جميعًا ونعبد، غير أني لا أحمل في قلبي لأحدٍ من المسلمين حقدًا.
بهذه النفس الراضية السمحة درج سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى انتقل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو عنه راضٍ.
- الفتوحات الإسلامية:
جاء الإسلامُ لهدايةِ البشريَّة إلى الخير من غير إكراهٍ ولا عنفٍ، غير أنَّ الدَّعوة الإسلامية قد لاقت عنتًا من عددٍ من الدُّول والطوائف التي لم تدع قوافل الدُّعاة تمرُّ بسلامٍ، بل آثرت أن تحارب المسلمين، وتسعى في استئصال شأفتهم ؛ كبرًا وعنادًا، فكان من لازم ذلك أن يتمكَّن المسلمون من الدِّفاعِ عن أنفسهم وعن دينهم ضد هؤلاء المعاندين المحاربين، وكانت الدولتان اللتان تتقاسمان السيطرة على العالم القديم وقت ظهور الإسلام هي دولة الفرس في الشرق من الجزيرة العربية ودولة الروم في الغرب منها، وقد واجه المسلمون هاتين الدولتين في معارك عديدة حتى سقطتا، وكان لبطلنا المغوار سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه إسهامًا بارزًا، خاصَّةً في حرب الفرس في الشرق، الذين كانوا قوةً لا يستهان بها وقتئذٍ؛ ففي إحدى المعارك الفاصلة كانت الفرس تستعدُّ لملاقاةِ المسلمين بآلاف الجنود المدجَّجِينَ بالسِّلاحِ، مستعينين بأسلحةٍ لم يعرفْها العربُ؛ كالأفيال، استطاع المسلمون بقيادةِ سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه إلحاقَ الهزيمَةِ بجيشِ الفُرْسِ بقيادَةِ رُسْتُم ليجلوهم عن المدائن آخرَ مدنهم بالعراق إلى غير رجعة؛ ليستبدل النَّاسُ عبادةَ الله الواحد جلَّ جلالُه بعبادةِ النَّار، التي ظلت لمئات السنين يعبدها النَّاس من دون الله، وليطمئن الناس في كنف الإسلام وعدله، بدلًا من بطش وظلم أكاسرة وملوك الفرس.
- قيادة وبناء:
شخصية سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه تتَّسم بتعدد مواهبها؛ فالأمر لم يتوقف عند حدود المهارات العسكرية، بل إن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه عهد إليه بعد فتح العراق أن يختار مكانًا يبني فيه مدينة لاستقرار العرب، فبنى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه مدينة الكوفة، وبدأت العرب تذهب إليها وتسكنها، وتولَّى سعدٌ ولايتها، وبعد مقتل سيدنا عثمان رضي الله عنه وتولِّي سيدنا علي رضي الله عنه الخلافةَ، ومع أحداث الفتنة- اعتزل سيدنا سعد بن أبي وقاص الفتنة، ولم يشارك مع أيٍّ من الفريقين، وذهب إلى المدينة المنورة معتزلًا أمور السياسة والحرب، ليعود لذكرياته مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبداية الخير والنور.
- وفاته:
بعد عُمُرٍ حافل بالجهاد والعمل والبناء حضرت الوفاة سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، فدعا بجبةٍ له من الصوف، فقال: "كفّنوني فيها، فإنّي كنت لقيتُ المشركين فيها يوم بَدْر وهي عَلَيَّ، وإنما كنت أَخبؤها لذلك"، فهو يعرف أن أفضل ما يلقى به الله، ويتقرب به إليه هو صحبته لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجهاده معه، ولسيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن يفخر بتلك الكلمات التي سمعها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أثناء دفاعه عنه: «ارْمِ سَعْد، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي».
فرضي الله عن سيدنا سعد بن أبي وقاص، فاتح المدائن، وصاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

 

اقرأ أيضا
;