الرئيسية >هذا ديننا >غيرة الله سبحانه وتعالى على خلقه

غيرة الله سبحانه وتعالى على خلقه

غيرة الله سبحانه وتعالى على خلقه

 عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: «لَا أَحَدَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ، وَلِذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللهِ»، وفي رواية: «لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ، وَلَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَنْزَلَ الْكِتَابَ وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ» متفق عليه.
إنَّ الله أنشأ خلقه لإظهار ربوبيته، ولبروز آثار قدرته، وتدبير حكمته، وليكون ذكره ومدحه مُردَّدًا على القلوب، وعلى ألسنة الخلق والخليقة، لما علم في غيبه، فأنبأنا في تنزيله؛ فقال جلَّ ذكره: ﴿وَخَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [الجاثية: 22] فأعلمنا لِمَ خَلَق، فقال: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56].
قال أهل اللغة: إلا ليوحِّدون، ومثل ذلك قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ [الفاتحة: 5] يعني: نوحِّد؛ لأن في توحيدهم إياه بأن لا إله إلا هو، إقرارٌ له بالملك والقدرة، وإضافة الأشياء إليه.
فهذه الكلمة تنتظم المدح، وأباح ذكره على كل حال، تقديمًا له على سائر الحالات وأعمال البِّرِّ، وحصر ما سواه من الأفعال في أوقات مخصوصة، مع ما ذكر في الكتاب، وجرت به الأخبار عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، بتفصيل الذكر على سائر الطاعات؛ لأنَّ في الذِّكرِ مدحه.
وجاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ»، وندب العباد في غير آية من كتابه إلى أن ينشروا ذكره، ويذكروا عنه جميل صنائعه؛ فقال تعالى: ﴿وَللهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف: 180]
في كلِّ ذلك يحثُهم على مدحه وذكره بالجميل والثناء الحسن، وفي كل اسم له: مدحه وجميل ذكره.
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا أَحَدَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ»، ومعنى الغيرة في حقِّ العباد: تغيرٌ يحصل من الحَمِيَّة والأَنَفَةِ، وأصلُها في الزوجين والأهلين من حيث الحميَّة على الحريم وصونهم ومنعهم وزجر من يقصد إليهم.
أما الغيرة بالنسبة إلى الله تعالى فهو مؤولٌ على أنَّ المراد بالغيرة: شِدَّةُ المنع والحماية، فهو من مجاز الملازمة.
وقال الإمام ابن فُورك: المعنى: ما أحدٌ أكثر زجرًا عن الفواحش من الله.
وقال غيره: غيرةُ اللهِ ما يغير حال العاصي بانتقامه منه في الدنيا والآخرة أو في أحدهما، ومنه قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرعد: 11].
وقد فُسرت هذه الغيرة بقوله: «وَلِذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ»، وهذه هي حقيقة الغيرة؛ حيث إن أصلها اللغوي يعود إلى معنى المنع، فمن أجل الغيرة وتبعا وصدى لها كان المنع من الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
وقد جاءت في حديث آخر مفسَّرًا، قال: «وَغَيْرَةُ اللهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللهُ» متَّفق عليه.
لكنها في البشر يقترن بها تغير حال وصفات بطش وانزعاج زائد على مجرد المنع؛ إذ هم محلّ التغيير واختلاف الحال، والله تعالى لا يليق به شيء من ذلك.
وقول صلى الله عليه وآله وسلم: «لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ» أي: إنه يحب المدح من عباده ليثيبهم على مدحه الذي هو بمعنى الشكر للواحد الخالق فإذا كان الأشخاص المذنبون القاصرون يحبون المدح فالذي يستحقه أولى تبارك وتعالى.
والممدوح في أوصافه المحمود على أفعاله المنعم على عباده، وإنما جاز المدح؛ لأنه يورث زيادة المحبة والألفة واجتماع القلوب وجمعية الخاطر.
قال الإمام النووي: "ومدح العباد لربهم فيه مصلحة لهم؛ لأنهم يثنون عليه سبحانه فيثيبهم فينتفعون به وهو سبحانه غنيٌّ عن العالمين لا ينفعه مدحهم ولا يضرُّه تركهم مدحه سبحانه.
وفي الحديث تنبيه على فضل الثناء عليه تعالى وتسبيحه وتهليله وتحميده وتكبيره وسائر الأذكار".
وأما قوله: «وَلَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَنْزَلَ الْكِتَابَ وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ» فيحتمل أن يريد للإعذار والحجة، قال الله تعالى: ﴿عُذْرًا أَوْ نُذْرًا﴾ [المرسلات: 6] وكذلك قال بعده: «مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَنْزَلَ الْكِتَابَ وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ».
وِيحتمل أن يريد به الاعتذار من خلقه إليهم؛ لعجزهم وتقصيرهم فيغفر لهم، كما قال: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ﴾ [الشورى: 25].

اقرأ أيضا
;