تجديد الخطاب الديني ومناهجه وضوابطه

لا نفهم من تجديد الخطاب الديني إلا معنى واحدا هو العودة المباشرة للمصادر الأصلية التي ينطلق منها الخطاب الديني وهي: القرآن الكريم والسنة الصحيحة وما تعارف عليه أئمة المسلمين وعلماؤهم وأجمعوا عليه، وهذا يعني أن ينقى الخطاب الديني مما لحقه في الحقب المتأخرة من التأثر بالعادات والتقاليد والابتعاد -قليلا أو كثيرا- عن روح النصوص المقدسة ومقاصدها وغاياتها، مثل النظرة غير الإسلامية للمرأة، والتي أثقلت كاهل المرأة المسلمة -وبخاصة المرأة العربية- بشيء غير قليل من القيود والحواجز التي لا نجدها لا في صريح القرآن الكريم ولا في صحيح السنة، بل ربما تتناقض -في صراحة- مع القرآن والسنة، أيضا تجديد الخطاب الديني يعني فيما يعنيه تنقيته من التأثر بالثقافات المخالفة، والتي تتعاكس مع ثقافة الإسلام، وبخاصة فيما يتعلق بالإباحية والتفلت وما يسرب تحت مظلة حقوق الإنسان من القول بالشذوذ والإجهاض ونحوها، فكل هذه آفات ضارة وقاتلة للخطاب الديني الصحيح، وإذا كنا نرفض الخطاب الديني المتشدد والمتشائم والمهول والمتطرف فإننا بنفس القدر نرفض الخطاب الديني اللعوب والمفتوح والمختلط بعناصر شاذة لا يرضى عنها الإسلام من قريب أو بعيد، فكلا هذين الخطابين شاذ ومنحرف ومرفوض وغريب على هذه الأمة الوسط، وغريب على دينها الوسط.

والخطاب الصحيح هو الخطاب الذي يقوِّم الواقع ويضبطه، ويصححه على أساس من هذا الدين الذي يرتكز أول ما يرتكز على مقومات الفضيلة والأخلاق واحترام القيم، وليس المقصود من تجديد الخطاب الديني هو مسايرة هذا الخطاب للواقع وتبريره حتى وإن كان هذا الواقع منحرفًا وشاذا، فمثل هذه المحاولات هي هدم للخطاب الديني وتقويض له من الجذور، وليس من التجديد لا في قليل ولا في كثير.

أما مناهج الخطاب الديني الذي نحتاج إليه فهي العودة إلى القرآن الكريم وجعله كتاب هداية، وأن نطلع على السنن الإلهية التي أرشدنا الله سبحانه وتعالى إليها؛ كسنة التوازن والتعارف والتدافع والتكامل... إلخ، وأيضا إدراك المبادئ العامة مثل: أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، والقصاص حياة، وعفا الله عما سلف، وجزاء سيئة سيئة مثلها، ومقاصد الشريعة: من حفظ النفس والعقل والدين وكرامة الإنسان والملك، والقواعد الكبرى مثل رفع الحرج، والمشقة تجلب التيسير والعادة محكمة... إلخ.

ويمكن أن نحول القرآن إلى كتاب هداية يبني العقل المسلم ويرشده بنوره إلى نوال سعادة الدارين:﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا﴾ [النساء: 174].والله سبحانه وتعالى أعلم