الرئيسية >الإصدارات

دليل الأسرة في الإسلام

دليل الأسرة في الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم 

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.. وبعد:

فإن للأسرة في الإسلام شأنا عظيما؛ لأنها الخلية الأساسية في المجتمع وأهم جماعاته الأولية، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].

ولذلك فهي الأساس الذي بقدر ما يكون راسخًا متينًا، يكون صرح المجتمع وبناؤه شامخًا منيعًا، ومن ثمَّ كانت عناية الإسلام بالأسرة عناية بالغة، فالأسرة ليست مجرد إطار عادي يتصرف فيه كل فردٍ بمحض حريته وإرادته، وإنما هي إطار تحكمه ضوابط وتحيطه أحكام الشرع الشريف التي تُرتِّب على الزوجين وظائف ومهام مقدسة تجاه بعضهما أو تجاه أبنائهم بل كل مَن حولهم.

وحتى تؤدي الأسرة وظائفها المنوطة بها كما ينبغي لابد أن تقوم على دعائم قوية وأسس ثابتة، بحيث إذا غابت تلك الدعائم صارت كيانًا ضعيفًا قابلًا للكسر أو النقض في أي وقت.

هذه الدعائم والأسس تتمثل في أحكام الشرع الشريف التي شملت الأسرة في كل مراحلها وأحوالها.
وعلى الرغم من هذا السياج المتين فقد أصيبت العلاقة القائمة بين الأزواج بالشروخ والتصدعات خاصة في الآونة الأخيرة، والتي ألقت بظلالها القاتمة على علاقة الأبناء بالآباء؛ مما يهدد أمن الأسرة وسلامتها مما يضر بالتبعية أمن وسلامة المجتمع؛ فمثلًا: وجدنا الأبناء بدل أن يتعاملوا مع الآباء والأمهات بقيم عرفان الجميل والبر والإحسان، التي خاطبهم بها ربُّ العزة تبارك وتعالى فقال:﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء: 24،23]، نرى أنه قد حلَّ مكان تلك القيم التنكر لجميل الأمهات والآباء، مما يؤذن بنذير الخطر الذي يهدد وحدة الأسرة وسلامة المجتمعات، وأعتقد أن ذلك لا يرضاه عاقل فضلا عن غيور على دينه ووطنه.

من أجل ذلك وجهت بتكوين فريق علمي يتكوَّن من باحثين شرعيين واجتماعيين؛ لكتابة دليل للأسرة؛ لرصد ومناقشة أبرز المشكلات الأسرية، واقتراح الحلول الشرعية والنفسية والاجتماعية لها، مثل: دراسة مشكلة أطفال الشوارع، وكيفية كفالة الطفل مجهول النسب، والأسرة البديلة، ودراسة الظواهر السلبية كظاهرة التحرش الجنسي، وكذلك تقديم الإجابة عن الأسئلة التي يثيرها المتشككون في الإسلام، والتعريف بالإسلام للراغبين في فهم أحكام الشرع الشريف، خاصة أحكام الأحوال الشخصية.

ونحن إذ نقوم بذلك نريد أن يكون هذا الدليل تحت نظر كل مهتم بشئون الأسرة خاصة السادة القضاة بمحاكم الأسرة، والإخصائيون الاجتماعيون الذين يعملون في هذه المحاكم أو في مؤسسات حل النزاعات الأسرية، أو في المنظمات غير الحكومية المهتمة بشئون الأسرة، والمدرسون في المؤسسات التعليمية وأساتذة الجامعات ومراكز البحث العلمي المهتمة بالأسرة، والآباء والأمهات؛ كل ذلك بهدف توفير بعض المعارف العلمية لتكون في متناولهم، عن كل ما يخص شأن الأسرة وأمورها ومشاكلها والحلول الشرعية لها.

وطلبت من هذا الفريق العملَ على سدِّ كل الثغرات والإفادة من الأعمال السابقة في هذا الشأن واستدراك كل ما فات تلك الأعمال من روافد تثري العمل وتغذيه.

ومن أهم تلك الروافد فتاوى دار الإفتاء المصرية؛ ففيها: فقه.. وتطبيق.. وتخريج لواقعات جديدة؛ إذ تحمل الاستفتاءات الرسمية والشعبية صورة لواقع حياة الناس في مصر، بل وربما في العالم الإسلامي في حقبة من الزمن تزيد على المائة عام، وهي في غالبها تخص الأسرة والأحوال الشخصية، وفي هذا الصدد قام فريق العمل باستخراج القضايا المتعلقة بالأسرة من أرشيف فتاوى دار الإفتاء المصرية، ثم إعادة صياغتها صياغة تقريرية اجتماعية ، ثم بعد ذلك تسكينها في مكانها المناسب من دليل الأسرة.

وقد يقال: إن هناك موسوعات قد صدرت بهذا الاسم، وهي تعالج هذا الموضوع أيضًا، فما الفائدة من ذلك؟ .. وما الجديد الذي ستقدِّمه؟
وجوابًا أقول: إنه بعد قراءة متأنية لكل الجهود السابقة في ذلك، وجدنا ملاحظات تجعل تلك الأعمال لا تفي بكل ما يأمله الباحثون منها، ويمكن إجمال تلك الملاحظات في النقاط التالية :

أولًا: الفصل بين المباحث الشرعية والمباحث الاجتماعية، ولذلك بنينا عملنا على أساس الدمج بينهما، وهذا في حد ذاته يكفي لإنشاء موسوعة جديدة تتعلق بالأسرة، وهو عمل يتطلب جهدا كبيرا ورؤية فقهية حضارية ينبغي أن يتم العمل وفقا لها .

ثانيًا: عدم الدقة في بحوثها ومعلوماتها، ووجود قدر من الاستفاضة في بعض الأحيان بالأسلوب المقالي.

ثالثا: عدم الرجوع إلى كنوز وذخائر كتب التراث والاقتصار على كتب الفقه المشهورة.

وبعد البناء على ما سبق من المصنفات في شأن الأسرة فدونك باكورة موسوعة بذلنا فيها الجهد وتوخينا إخلاص النية لله فيها عسى أن تؤتي ثمارها ويعم نفعها وتزداد الإفادة منها في بناء أسرة متماسكة يسودها الحب والرحمة والسكينة، لتكون نواةً لمجتمع يتحلى بما أمره الله تعالى من التحقق بقيم النُّبْل والمودة ونشر الأمن والسلام لكل مسلم بل لكل إنسان .

وختاما : أشكر فريق العمل من الشرعيين والاجتماعيين الذين بذلوا جهودًا مضنية مشكورة في تحقيق الهدف من تلك الموسوعة، كما أشكر من كتبوا إلينا مصححين وناصحين؛ ليشاركوا في تحسين هذا العمل ليحقق نوعا من الكمال المنشود.

والله أسأل أن ينفع بها كل من اطلع عليها وأراد الارتواء من معينها والاستفادة من بحوثها ومقترحاتها السديدة بإذن الله تعالى ، إنه نعم المولى ونعم النصير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

أ.د/ علي جمعة
مفتي الديار المصرية

 

اقرأ أيضا
;