هل يجوز إخراج زكاة الفطر نقودًا؟

تحدث مشكلة كل عام مع قرب نهاية شهر رمضان المبارك بخصوص إخراج زكاة الفطر، وذلك بسبب قول البعض بعدم جواز إخراج زكاة الفطر نقودًا، ولا يجوز إخراجها إلا من الحبوب، والسؤال: هل يجوز إخراج زكاة الفطر نقدًا؟

إخراج زكاة الفطر طعامًا هو الأصل المنصوص عليه في السنة النبوية المطهرة، وعليه جمهور فقهاء المذاهب المتبعة، إلا أن إخراجها بالقيمة أمر جائز ومُجْزِئ، وهو مذهب طائفة من العلماء يُعْتَدُّ بهم، كما أنه مذهب جماعة من التابعين، منهم: الحسن البصري فروي عنه أنه قال: "لا بأس أن تعطى الدراهم في صدقة الفطر"(1).
وأبو إسحاق السبيعي(2)؛ فعن زهير قال: "سمعت أبا إسحاق يقول: أدركتهم وهم يعطون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام"(3).
وعمر بن عبد العزيز؛ فعن وكيع، عن قرة قال: "جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز في صدقة الفطر: نصف صاع عن كل إنسان أو قيمته: نصف درهم"(4).
وهو مذهب الثوري، وأبي حنيفة، وأبي يوسف.
وهو مذهب الحنفية، وبه العمل والفتوى عندهم في كل زكاة، وفي الكفارات، والنذر، والخراج، وغيرها(5).
وهو أيضًا مذهب الإمام الناصر، والمؤيد بالله من أئمة أهل البيت الزيدية(6).
وبه قال إسحاق بن راهويه، وأبو ثور، إلا أنهما قيدا ذلك بالضرورة، كما هو مذهب بقية أهل البيت(7)، أعني جواز القيمة عند الضرورة، وجعلوا منها: طلب الإمام المال بدل المنصوص.
وهو قول جماعة من المالكية؛ كابن حبيب، وأصبغ، وابن أبي حازم، وابن دينار(8)، وابن وهب(9)، على ما يقتضيه إطلاق النقل عنهم في تجويز إخراج القيم في الزكاة، الشاملة لزكاة المال وزكاة الرءوس، بخلاف ما نقلوه عن ابن القاسم وأشهب، من كونهما أجازا إخراج القيمة في الزكاة إلا زكاة الفطر وكفارة الأيمان.
وعليه، فنرى أن هناك جمعًا لا بأس به من الأئمة والتابعين، وفقهاء الأمة ذهبوا إلى جواز إخراج قيمة زكاة الفطر نقودًا، هذا في عصورهم القديمة وقد كان نظام المقايضة موجودًا، بمعنى أن كل السلع تصلح وسائل للتبادل وخاصة الحبوب، فكان بيع القمح بالشعير، والذرة بالقمح وهكذا، أما في عصرنا وقد انحصرت وسائل التبادل في النقود وحدها، فنرى أن هذا المذهب هو الأوقع والأرجح، بل نزعم أن من خالف من العلماء قديمًا لو أدرك زماننا لقال بقول أبي حنيفة، ويظهر لنا هذا من فقههم وقوة نظرهم.
كما أن إخراج زكاة الفطر نقودًا أَولى للتيسير على الفقير أن يشتري أي شيء يريده في يوم العيد؛ لأنه قد لا يكون محتاجًا إلى الحبوب، بل هو محتاج إلى ملابس، أو لحم، أو غير ذلك، فإعطاؤه الحبوب يضطره إلى أن يطوف بالشوارع ليجد من يشتري منه الحبوب، وقد يبيعها بثمن بخس أقل من قيمتها الحقيقية، هذا كله في حالة اليسر، ووجود الحبوب بكثرة في الأسواق، أما في حالة الشدة وقلة الحبوب في الأسواق، فدفع العين أولى من القيمة مراعاة لمصلحة الفقير.
فالأصل الذي شرعت له زكاة الفطر مصلحة الفقير وإغناؤه في ذلك اليوم الذي يفرح فيه المسلمون، وقد ألَّف العلامة أحمد بن الصديق الغماري كتابًا ماتعًا في تلك المسألة أسماه "تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال"، ورجَّح فيه مذهب الحنفية بأدلة كثيرة، ومن أَوْجه عديدة، وصلت إلى اثنين وثلاثين وجهًا؛ لذا نرى ترجيح قول من ذهب إلى إخراج قيمتها، وهو الأولى في هذا الزمان.
وجدير بالذكر أن ننبه أنه من المقرر شرعًا أنه "إنما ينكر المتفق عليه، ولا ينكر المختلف فيه"، وما دام هناك من الفقهاء من أجاز إخراج زكاة الفطر نقودًا -وهؤلاء ممن يعتد بقولهم ويجوز تقليدهم-، فلا يجوز تفريق الأمة بسبب تلك المسائل الخلافية.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
-------------------------------------
(1) "المصنف" لابن أبي شيبة (2/ 398).
(2) هو الإمام الهمداني الكوفي الحافظ شيخ الكوفة وعالمها، قال الذهبي: وكان رحمه الله من العلماء العاملين، ومن جلة التابعين. وقال -عن نفسه-: ولدت لسنتين بقيتا من خلافة عثمان، ورأيت علي بن أبي طالب يخطب. انظر ترجمته في "سير أعلام النبلاء" للحافظ الذهبي (5/ 392–401).
(3) "المصنف" لابن أبي شيبة (2/ 398).
(4) "المصنف" لابن أبي شيبة (3/ 398).
(5) "بدائع الصنائع" للكاساني (2/ 970-979، ط. زكريا علي يوسف)، و"المبسوط" للسرخسي (3/ 113-114).
(6) "البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار" لأحمد بن يحيى بن المرتضى (3/ 202-203).
(7) "السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار" للشوكاني (2/ 86).
(8) هو الإمام الجليل أبو محمد عيسى بن دينار بن وهب القرطبي، الفقيه العابد، سمع ابن القاسم وصحبه وعول عليه، وله عشرون كتابًا في سماعه عنه. توفي ببلدة طليطلة سنة 212هـ. مختصرًا من "شجرة النور الزكية" (ص: 64، رقم: 47).
(9) هو الإمام الجليل المحدث أبو محمد عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي، مولاهم. أثبتُ الناس في الإمام مالك، حافظ، حجة، خرج عنه البخاري وغيره. وفاته بمصر سنة 197هـ. مختصرًا من "شجرة النور الزكية" (ص: 58-59، رقم: 25).

التفاصيل ....

إخراج زكاة الفطر طعامًا هو الأصل المنصوص عليه في السنة النبوية المطهرة، وعليه جمهور فقهاء المذاهب المتبعة، إلا أن إخراجها بالقيمة أمر جائز ومُجْزِئ، وهو مذهب طائفة من العلماء يُعْتَدُّ بهم، كما أنه مذهب جماعة من التابعين، منهم: الحسن البصري فروي عنه أنه قال: "لا بأس أن تعطى الدراهم في صدقة الفطر"(1).
وأبو إسحاق السبيعي(2)؛ فعن زهير قال: "سمعت أبا إسحاق يقول: أدركتهم وهم يعطون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام"(3).
وعمر بن عبد العزيز؛ فعن وكيع، عن قرة قال: "جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز في صدقة الفطر: نصف صاع عن كل إنسان أو قيمته: نصف درهم"(4).
وهو مذهب الثوري، وأبي حنيفة، وأبي يوسف.
وهو مذهب الحنفية، وبه العمل والفتوى عندهم في كل زكاة، وفي الكفارات، والنذر، والخراج، وغيرها(5).
وهو أيضًا مذهب الإمام الناصر، والمؤيد بالله من أئمة أهل البيت الزيدية(6).
وبه قال إسحاق بن راهويه، وأبو ثور، إلا أنهما قيدا ذلك بالضرورة، كما هو مذهب بقية أهل البيت(7)، أعني جواز القيمة عند الضرورة، وجعلوا منها: طلب الإمام المال بدل المنصوص.
وهو قول جماعة من المالكية؛ كابن حبيب، وأصبغ، وابن أبي حازم، وابن دينار(8)، وابن وهب(9)، على ما يقتضيه إطلاق النقل عنهم في تجويز إخراج القيم في الزكاة، الشاملة لزكاة المال وزكاة الرءوس، بخلاف ما نقلوه عن ابن القاسم وأشهب، من كونهما أجازا إخراج القيمة في الزكاة إلا زكاة الفطر وكفارة الأيمان.
وعليه، فنرى أن هناك جمعًا لا بأس به من الأئمة والتابعين، وفقهاء الأمة ذهبوا إلى جواز إخراج قيمة زكاة الفطر نقودًا، هذا في عصورهم القديمة وقد كان نظام المقايضة موجودًا، بمعنى أن كل السلع تصلح وسائل للتبادل وخاصة الحبوب، فكان بيع القمح بالشعير، والذرة بالقمح وهكذا، أما في عصرنا وقد انحصرت وسائل التبادل في النقود وحدها، فنرى أن هذا المذهب هو الأوقع والأرجح، بل نزعم أن من خالف من العلماء قديمًا لو أدرك زماننا لقال بقول أبي حنيفة، ويظهر لنا هذا من فقههم وقوة نظرهم.
كما أن إخراج زكاة الفطر نقودًا أَولى للتيسير على الفقير أن يشتري أي شيء يريده في يوم العيد؛ لأنه قد لا يكون محتاجًا إلى الحبوب، بل هو محتاج إلى ملابس، أو لحم، أو غير ذلك، فإعطاؤه الحبوب يضطره إلى أن يطوف بالشوارع ليجد من يشتري منه الحبوب، وقد يبيعها بثمن بخس أقل من قيمتها الحقيقية، هذا كله في حالة اليسر، ووجود الحبوب بكثرة في الأسواق، أما في حالة الشدة وقلة الحبوب في الأسواق، فدفع العين أولى من القيمة مراعاة لمصلحة الفقير.
فالأصل الذي شرعت له زكاة الفطر مصلحة الفقير وإغناؤه في ذلك اليوم الذي يفرح فيه المسلمون، وقد ألَّف العلامة أحمد بن الصديق الغماري كتابًا ماتعًا في تلك المسألة أسماه "تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال"، ورجَّح فيه مذهب الحنفية بأدلة كثيرة، ومن أَوْجه عديدة، وصلت إلى اثنين وثلاثين وجهًا؛ لذا نرى ترجيح قول من ذهب إلى إخراج قيمتها، وهو الأولى في هذا الزمان.
وجدير بالذكر أن ننبه أنه من المقرر شرعًا أنه "إنما ينكر المتفق عليه، ولا ينكر المختلف فيه"، وما دام هناك من الفقهاء من أجاز إخراج زكاة الفطر نقودًا -وهؤلاء ممن يعتد بقولهم ويجوز تقليدهم-، فلا يجوز تفريق الأمة بسبب تلك المسائل الخلافية.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
-------------------------------------
(1) "المصنف" لابن أبي شيبة (2/ 398).
(2) هو الإمام الهمداني الكوفي الحافظ شيخ الكوفة وعالمها، قال الذهبي: وكان رحمه الله من العلماء العاملين، ومن جلة التابعين. وقال -عن نفسه-: ولدت لسنتين بقيتا من خلافة عثمان، ورأيت علي بن أبي طالب يخطب. انظر ترجمته في "سير أعلام النبلاء" للحافظ الذهبي (5/ 392–401).
(3) "المصنف" لابن أبي شيبة (2/ 398).
(4) "المصنف" لابن أبي شيبة (3/ 398).
(5) "بدائع الصنائع" للكاساني (2/ 970-979، ط. زكريا علي يوسف)، و"المبسوط" للسرخسي (3/ 113-114).
(6) "البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار" لأحمد بن يحيى بن المرتضى (3/ 202-203).
(7) "السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار" للشوكاني (2/ 86).
(8) هو الإمام الجليل أبو محمد عيسى بن دينار بن وهب القرطبي، الفقيه العابد، سمع ابن القاسم وصحبه وعول عليه، وله عشرون كتابًا في سماعه عنه. توفي ببلدة طليطلة سنة 212هـ. مختصرًا من "شجرة النور الزكية" (ص: 64، رقم: 47).
(9) هو الإمام الجليل المحدث أبو محمد عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي، مولاهم. أثبتُ الناس في الإمام مالك، حافظ، حجة، خرج عنه البخاري وغيره. وفاته بمصر سنة 197هـ. مختصرًا من "شجرة النور الزكية" (ص: 58-59، رقم: 25).

اقرأ أيضا

هل يجوز إخراج زكاة الفطر نقودًا؟

تحدث مشكلة كل عام مع قرب نهاية شهر رمضان المبارك بخصوص إخراج زكاة الفطر، وذلك بسبب قول البعض بعدم جواز إخراج زكاة الفطر نقودًا، ولا يجوز إخراجها إلا من الحبوب، والسؤال: هل يجوز إخراج زكاة الفطر نقدًا؟

إخراج زكاة الفطر طعامًا هو الأصل المنصوص عليه في السنة النبوية المطهرة، وعليه جمهور فقهاء المذاهب المتبعة، إلا أن إخراجها بالقيمة أمر جائز ومُجْزِئ، وهو مذهب طائفة من العلماء يُعْتَدُّ بهم، كما أنه مذهب جماعة من التابعين، منهم: الحسن البصري فروي عنه أنه قال: "لا بأس أن تعطى الدراهم في صدقة الفطر"(1).
وأبو إسحاق السبيعي(2)؛ فعن زهير قال: "سمعت أبا إسحاق يقول: أدركتهم وهم يعطون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام"(3).
وعمر بن عبد العزيز؛ فعن وكيع، عن قرة قال: "جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز في صدقة الفطر: نصف صاع عن كل إنسان أو قيمته: نصف درهم"(4).
وهو مذهب الثوري، وأبي حنيفة، وأبي يوسف.
وهو مذهب الحنفية، وبه العمل والفتوى عندهم في كل زكاة، وفي الكفارات، والنذر، والخراج، وغيرها(5).
وهو أيضًا مذهب الإمام الناصر، والمؤيد بالله من أئمة أهل البيت الزيدية(6).
وبه قال إسحاق بن راهويه، وأبو ثور، إلا أنهما قيدا ذلك بالضرورة، كما هو مذهب بقية أهل البيت(7)، أعني جواز القيمة عند الضرورة، وجعلوا منها: طلب الإمام المال بدل المنصوص.
وهو قول جماعة من المالكية؛ كابن حبيب، وأصبغ، وابن أبي حازم، وابن دينار(8)، وابن وهب(9)، على ما يقتضيه إطلاق النقل عنهم في تجويز إخراج القيم في الزكاة، الشاملة لزكاة المال وزكاة الرءوس، بخلاف ما نقلوه عن ابن القاسم وأشهب، من كونهما أجازا إخراج القيمة في الزكاة إلا زكاة الفطر وكفارة الأيمان.
وعليه، فنرى أن هناك جمعًا لا بأس به من الأئمة والتابعين، وفقهاء الأمة ذهبوا إلى جواز إخراج قيمة زكاة الفطر نقودًا، هذا في عصورهم القديمة وقد كان نظام المقايضة موجودًا، بمعنى أن كل السلع تصلح وسائل للتبادل وخاصة الحبوب، فكان بيع القمح بالشعير، والذرة بالقمح وهكذا، أما في عصرنا وقد انحصرت وسائل التبادل في النقود وحدها، فنرى أن هذا المذهب هو الأوقع والأرجح، بل نزعم أن من خالف من العلماء قديمًا لو أدرك زماننا لقال بقول أبي حنيفة، ويظهر لنا هذا من فقههم وقوة نظرهم.
كما أن إخراج زكاة الفطر نقودًا أَولى للتيسير على الفقير أن يشتري أي شيء يريده في يوم العيد؛ لأنه قد لا يكون محتاجًا إلى الحبوب، بل هو محتاج إلى ملابس، أو لحم، أو غير ذلك، فإعطاؤه الحبوب يضطره إلى أن يطوف بالشوارع ليجد من يشتري منه الحبوب، وقد يبيعها بثمن بخس أقل من قيمتها الحقيقية، هذا كله في حالة اليسر، ووجود الحبوب بكثرة في الأسواق، أما في حالة الشدة وقلة الحبوب في الأسواق، فدفع العين أولى من القيمة مراعاة لمصلحة الفقير.
فالأصل الذي شرعت له زكاة الفطر مصلحة الفقير وإغناؤه في ذلك اليوم الذي يفرح فيه المسلمون، وقد ألَّف العلامة أحمد بن الصديق الغماري كتابًا ماتعًا في تلك المسألة أسماه "تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال"، ورجَّح فيه مذهب الحنفية بأدلة كثيرة، ومن أَوْجه عديدة، وصلت إلى اثنين وثلاثين وجهًا؛ لذا نرى ترجيح قول من ذهب إلى إخراج قيمتها، وهو الأولى في هذا الزمان.
وجدير بالذكر أن ننبه أنه من المقرر شرعًا أنه "إنما ينكر المتفق عليه، ولا ينكر المختلف فيه"، وما دام هناك من الفقهاء من أجاز إخراج زكاة الفطر نقودًا -وهؤلاء ممن يعتد بقولهم ويجوز تقليدهم-، فلا يجوز تفريق الأمة بسبب تلك المسائل الخلافية.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
-------------------------------------
(1) "المصنف" لابن أبي شيبة (2/ 398).
(2) هو الإمام الهمداني الكوفي الحافظ شيخ الكوفة وعالمها، قال الذهبي: وكان رحمه الله من العلماء العاملين، ومن جلة التابعين. وقال -عن نفسه-: ولدت لسنتين بقيتا من خلافة عثمان، ورأيت علي بن أبي طالب يخطب. انظر ترجمته في "سير أعلام النبلاء" للحافظ الذهبي (5/ 392–401).
(3) "المصنف" لابن أبي شيبة (2/ 398).
(4) "المصنف" لابن أبي شيبة (3/ 398).
(5) "بدائع الصنائع" للكاساني (2/ 970-979، ط. زكريا علي يوسف)، و"المبسوط" للسرخسي (3/ 113-114).
(6) "البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار" لأحمد بن يحيى بن المرتضى (3/ 202-203).
(7) "السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار" للشوكاني (2/ 86).
(8) هو الإمام الجليل أبو محمد عيسى بن دينار بن وهب القرطبي، الفقيه العابد، سمع ابن القاسم وصحبه وعول عليه، وله عشرون كتابًا في سماعه عنه. توفي ببلدة طليطلة سنة 212هـ. مختصرًا من "شجرة النور الزكية" (ص: 64، رقم: 47).
(9) هو الإمام الجليل المحدث أبو محمد عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي، مولاهم. أثبتُ الناس في الإمام مالك، حافظ، حجة، خرج عنه البخاري وغيره. وفاته بمصر سنة 197هـ. مختصرًا من "شجرة النور الزكية" (ص: 58-59، رقم: 25).

التفاصيل ....

إخراج زكاة الفطر طعامًا هو الأصل المنصوص عليه في السنة النبوية المطهرة، وعليه جمهور فقهاء المذاهب المتبعة، إلا أن إخراجها بالقيمة أمر جائز ومُجْزِئ، وهو مذهب طائفة من العلماء يُعْتَدُّ بهم، كما أنه مذهب جماعة من التابعين، منهم: الحسن البصري فروي عنه أنه قال: "لا بأس أن تعطى الدراهم في صدقة الفطر"(1).
وأبو إسحاق السبيعي(2)؛ فعن زهير قال: "سمعت أبا إسحاق يقول: أدركتهم وهم يعطون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام"(3).
وعمر بن عبد العزيز؛ فعن وكيع، عن قرة قال: "جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز في صدقة الفطر: نصف صاع عن كل إنسان أو قيمته: نصف درهم"(4).
وهو مذهب الثوري، وأبي حنيفة، وأبي يوسف.
وهو مذهب الحنفية، وبه العمل والفتوى عندهم في كل زكاة، وفي الكفارات، والنذر، والخراج، وغيرها(5).
وهو أيضًا مذهب الإمام الناصر، والمؤيد بالله من أئمة أهل البيت الزيدية(6).
وبه قال إسحاق بن راهويه، وأبو ثور، إلا أنهما قيدا ذلك بالضرورة، كما هو مذهب بقية أهل البيت(7)، أعني جواز القيمة عند الضرورة، وجعلوا منها: طلب الإمام المال بدل المنصوص.
وهو قول جماعة من المالكية؛ كابن حبيب، وأصبغ، وابن أبي حازم، وابن دينار(8)، وابن وهب(9)، على ما يقتضيه إطلاق النقل عنهم في تجويز إخراج القيم في الزكاة، الشاملة لزكاة المال وزكاة الرءوس، بخلاف ما نقلوه عن ابن القاسم وأشهب، من كونهما أجازا إخراج القيمة في الزكاة إلا زكاة الفطر وكفارة الأيمان.
وعليه، فنرى أن هناك جمعًا لا بأس به من الأئمة والتابعين، وفقهاء الأمة ذهبوا إلى جواز إخراج قيمة زكاة الفطر نقودًا، هذا في عصورهم القديمة وقد كان نظام المقايضة موجودًا، بمعنى أن كل السلع تصلح وسائل للتبادل وخاصة الحبوب، فكان بيع القمح بالشعير، والذرة بالقمح وهكذا، أما في عصرنا وقد انحصرت وسائل التبادل في النقود وحدها، فنرى أن هذا المذهب هو الأوقع والأرجح، بل نزعم أن من خالف من العلماء قديمًا لو أدرك زماننا لقال بقول أبي حنيفة، ويظهر لنا هذا من فقههم وقوة نظرهم.
كما أن إخراج زكاة الفطر نقودًا أَولى للتيسير على الفقير أن يشتري أي شيء يريده في يوم العيد؛ لأنه قد لا يكون محتاجًا إلى الحبوب، بل هو محتاج إلى ملابس، أو لحم، أو غير ذلك، فإعطاؤه الحبوب يضطره إلى أن يطوف بالشوارع ليجد من يشتري منه الحبوب، وقد يبيعها بثمن بخس أقل من قيمتها الحقيقية، هذا كله في حالة اليسر، ووجود الحبوب بكثرة في الأسواق، أما في حالة الشدة وقلة الحبوب في الأسواق، فدفع العين أولى من القيمة مراعاة لمصلحة الفقير.
فالأصل الذي شرعت له زكاة الفطر مصلحة الفقير وإغناؤه في ذلك اليوم الذي يفرح فيه المسلمون، وقد ألَّف العلامة أحمد بن الصديق الغماري كتابًا ماتعًا في تلك المسألة أسماه "تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال"، ورجَّح فيه مذهب الحنفية بأدلة كثيرة، ومن أَوْجه عديدة، وصلت إلى اثنين وثلاثين وجهًا؛ لذا نرى ترجيح قول من ذهب إلى إخراج قيمتها، وهو الأولى في هذا الزمان.
وجدير بالذكر أن ننبه أنه من المقرر شرعًا أنه "إنما ينكر المتفق عليه، ولا ينكر المختلف فيه"، وما دام هناك من الفقهاء من أجاز إخراج زكاة الفطر نقودًا -وهؤلاء ممن يعتد بقولهم ويجوز تقليدهم-، فلا يجوز تفريق الأمة بسبب تلك المسائل الخلافية.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
-------------------------------------
(1) "المصنف" لابن أبي شيبة (2/ 398).
(2) هو الإمام الهمداني الكوفي الحافظ شيخ الكوفة وعالمها، قال الذهبي: وكان رحمه الله من العلماء العاملين، ومن جلة التابعين. وقال -عن نفسه-: ولدت لسنتين بقيتا من خلافة عثمان، ورأيت علي بن أبي طالب يخطب. انظر ترجمته في "سير أعلام النبلاء" للحافظ الذهبي (5/ 392–401).
(3) "المصنف" لابن أبي شيبة (2/ 398).
(4) "المصنف" لابن أبي شيبة (3/ 398).
(5) "بدائع الصنائع" للكاساني (2/ 970-979، ط. زكريا علي يوسف)، و"المبسوط" للسرخسي (3/ 113-114).
(6) "البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار" لأحمد بن يحيى بن المرتضى (3/ 202-203).
(7) "السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار" للشوكاني (2/ 86).
(8) هو الإمام الجليل أبو محمد عيسى بن دينار بن وهب القرطبي، الفقيه العابد، سمع ابن القاسم وصحبه وعول عليه، وله عشرون كتابًا في سماعه عنه. توفي ببلدة طليطلة سنة 212هـ. مختصرًا من "شجرة النور الزكية" (ص: 64، رقم: 47).
(9) هو الإمام الجليل المحدث أبو محمد عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي، مولاهم. أثبتُ الناس في الإمام مالك، حافظ، حجة، خرج عنه البخاري وغيره. وفاته بمصر سنة 197هـ. مختصرًا من "شجرة النور الزكية" (ص: 58-59، رقم: 25).

اقرأ أيضا
;