الفرشاة المصنوعة من الشعر الطبيعي

تاريخ الفتوى:10 أبريل 2014 م

.يجوز بالإجماع استعمال الشعر الطبيعي المأخوذ من الحيوان الطاهر المأكول اللحم حال حياته، أو بعد تذكيته الذكاة الشرعية، وكذلك الحكم بالنسبة للصوف والوبر والفرو، بما يشمل كافة أنواع الاستعمال واتخاذ الأدوات المتنوعة منها؛ وذلك لقوله تعالى: ﴿وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ﴾ [النحل: 80]، وقد ساق الله تعالى ذلك مساق الامتنان علينا، فدل على طهارة المذكور، وعلى جواز أن نتخذ من الأصواف والأوبار والأشعار ما نشاء من أثاث ومتاع. والمتاع: يشمل كل ما يتمتع به الإنسان من أدوات ووسائل ومصنوعات.
وقد نقل الإجماعَ على ذلك الإمامُ أبو بكر بن المنذر فى كتابه "الأوسط" (2/ 273، ط. دار طيبة) قال: [وأجمعوا على أن الانتفاع بأشعارها وأوبارها وأصوافها جائزٌ إذا أخذ منها ذلك وهي أحياء] اهـ.
أما شعر الحيوان الطاهر غير المأكول؛ حيًّا كان أو ميتًا، أو المأكول غير المُذَكَّى، فقد اختلف العلماء فيه، فذهب الشافعية إلى نجاسة شعر الميتة إلا ما يطهر جلده بالدباغ ودُبِغَ، وكذلك الشعر المنفصل من الحيوان غير المأكول وهو حي.
جاء في "المهذب" للشيخ أبي إسحاق الشيرازي و"شرحه" للإمام النووي من كتب الشافعية (1/ 230-342، ط. دار الفكر، بتصرف واختصار) عند قول صاحب "المهذب": (كل حيوان نَجُسَ بالموت نَجُسَ شعرُه وصوفُه على المنصوص): [لأنه جزء متصل بالحيوان اتصال خلقة فينجس بالموت كالأعضاء: قال القاضي أبو الطيب وآخرون: الشعر والصوف والوبر والعظم والقرن والظلف تحلها الحياة وتنجس بالموت، هذا هو المذهب الصحيح: أنه نجس...، ومنهم من جعل في الشعور قولين، أحدهما: ينجس؛ لما ذكرناه. والثاني: لا ينجس؛ لأنه لا يحس ولا يتألم فلا تلحقه نجاسة الموت...، وإن جز الشعر من الحيوان نظرت فإن كان من حيوان يؤكل لم ينجس، بل هو طاهر بنص القرآن وإجماع الأمة؛ لأن الجز في الشعر كالذبح في الحيوان، ولو ذبح الحيوان لم ينجس فكذلك إذا جز شعره ...، وكان القياس نجاسته كسائر أجزاء الحيوان المنفصلة في الحياة، ولكنْ أجمعت الأمة على طهارتها؛ لمسيس الحاجة إليها في ملابس الخلق ومفارشهم...، وإذا جز الشعر والصوف والوبر والريش من حيوان لا يؤكل أو سقط بنفسه أو نتف فاتفق أصحابنا على أن له حكم شعر الميتة؛ لأن ما أُبِينَ مِنْ حي فهو ميت، وحينئذ يكون فيه الخلاف السابق في شعر الميتة، والمذهب نجاسته من غير الآدمي، وطهارته من الآدمي] اهـ.
وذهب أكثر أهل العلم إلى طهارة ذلك؛ منهم: الحنفية والمالكية والحنابلة. وانفرد المالكية بالقول بطهارة شعر الخنزير والكلب؛ لأنهما طاهران عندهم حال الحياة.
قال الإمام أبو بكر بن المنذر في كتابه "الأوسط" (2/ 272-274): [اختلف أهل العلم في الانتفاع بشعور الميتة وأصوافها وأوبارها، فأباحت طائفة الانتفاع بذلك كله، وممن أباح ذلك الحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وبه قال حماد بن أبي سليمان إذا غسل، وقال الأعمش: كان أصحاب عبد الله يرَون أن غسل صوف الميتة طهوره، وبه قال مالك بن أنس، والليث بن سعد، وأحمد، وإسحاق، وقالوا: يغسل. وقال الأوزاعي: الريش والعصب والصوف ذكي كله...، وأجمع أهل العلم على أن الشاة أو البعير أو البقرة إذا قطع من أي ذلك عضو وهو حي؛ أن المقطوع منه نجس، وأجمعوا على أن الانتفاع بأشعارها وأوبارها وأصوافها جائز إذا أخذ منها ذلك وهي أحياء، ففيما أجمعوا عليه على الفرق بين الأعضاء والشعر والصوف والوبر بيان على افتراق أحوالها، ودل ذلك أن الذي يحتاج إلى الذكاة هو الذي إذا فات أن يذكى حرام، وأن ما لا يحتاج إلى الذكاة ولا حياة فيه طاهر، أخذ منها ذلك وهي أحياء أو بعد موتها؛ إذ لا حياة فيها؛ لأنها لو كانت فيها حياة كانت كالأعضاء التي تحتاج إلى الذكاة، فلا بأس بشعر الميتة وصوفها ووبرها، وهذا قول أكثر أهل العلم، والله أعلم...، وعن أبي واقد الليثي قال: قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة والناس يَجُبُّونَ أسنمة الإبل، ويقطعون ألية الغنم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ما قُطِعَ من البهيمة وهي حية فهو ميت»، وقد أجمعوا على أنه لم يُرِدْ بذلك الشعرَ ولا الصوفَ ولا الوبرَ] اهـ.
وقال الإمام الكمال بن الهمام الحنفي في "فتح القدير على الهداية" (1/ 84-85، ط. إحياء التراث) شارحًا على قول "الهداية": (وشعر الميتة وعظمها طاهر): [كل ما لا تحله الحياة من أجزاء الهوية محكوم بطهارته بعد موت ما هي جزؤه؛ كالشعر والريش والمنقار والعظم والعصب والحافر والظلف...، لا خلاف بين أصحابنا في ذلك، وإنما يؤثر الموت النجاسة فيما تحله الحياة...، وإذا لم يحلها وجب الحكم ببقاء الوصف الشرعي المعهود؛ لعدم المزيل، وفي السنة أيضًا ما يدل عليه، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم في شاة مولاة ميمونة حين مر بها ميتة: «إنما حرم أكلها» في "الصحيحين".
ثم ذكر عدة أحاديث تفيد طهارة شعر الميتة، مشيرًا لما فيها من ضعف، ثم قال: ... فهذه عدة أحاديث لو كانت ضعيفة حَسُنَ المتن، فكيف ومنها ما لا ينزل عن الحسن، وله الشاهد الأول من "الصحيحين"؟...، والحكم الثابت شرعًا حالة الحياة لا يزول بالموت إلا إذا ثبت شرعًا أن الموت يزيله] اهـ بتصرف.
وحاصل ما في "الدر المختار" وحاشيته من كتب الحنفية (1/ 205-209، ط. دار الفكر): [أن ذكاة الحيوان مطهرة لجلده ولحمه إن كان الحيوان مأكولًا، وإن كان غير مأكول فإن كان نجس العين فلا تطهر شيئًا منه، وإلا فإن كان جلده لا يحتمل الدباغة فكذلك؛ لأن جلده حينئذ يكون بمنزلة اللحم، وإلا فيطهر جلده فقط...، (وشعرُ الميتة) غير الخنزير طاهرٌ على المذهب، (وعظمها وعصبها) على المشهور، (وحافرها وقرنها) الخالية عن الدسومة، وكذا كل ما لا تحله الحياة، وهو: ما لا يتألم الحيوان بقطعه؛ كالريش والمنقار والظلف، حتى الإنفَحة واللبن على الراجح؛ لحديث "الصحيحين" من قوله صلى الله عليه وآله وسلم في شاة ميمونة: «إنما حرم أكلها»، وفي رواية «لحمها»، فدل على أن ما عدا اللحم لا يحرم، فدخلت الأجزاء المذكورة، ولأن المعهود فيها قبل الموت الطهارة، فكذا بعده؛ لأنه لا يحلها] اهـ.
وقال الإمام القرافي المالكي في "الذخيرة" (1/ 183-184، ط. دار الغرب الإسلامي): [والأصواف والأوبار والشعور طاهرة، قاله في الكتاب ووافقه أبو حنيفة وتردد قول الشافعي. حجتنا أنها طاهرة قبل الموت، فتكون طاهرة بعده؛ عملًا بالاستصحاب. واستحسن في الكتاب غسلها؛ لأن الجلد قد يعرق بعد الموت. قال صاحب "الطراز": قال ابن المواز: ما نتف منها فهو غير طاهر؛ لما يتعلق به من أجزاء الميتة] اهـ.
وحاصل ما في "مختصر الشيخ خليل" -وهو عمدة متأخري المالكية- (ص: 16، ط. دار الحديث) وشراحه؛ كالعلامة المواق في شرحه المسمى "التاج والإكليل" (1/ 125-126، ط. دار الكتب العلمية)، والعلامة الحطاب في شرحه المسمى "مواهب الجليل" (1/ 89، ط. دار الفكر)، والشيخ الدردير في "الشرح الكبير" (1/ 49، مع "حاشية الدسوقي"، ط. دار الفكر)، والعلامة الشيخ عليش (1/ 45-46، ط. دار الفكر): أن من الطاهر (صوف) من غنم، (ووبر) من إبل وأرنب ونحوهما، (وزغب ريش)، وهو ما حول القصبة مما يشبه الشعر، (وشعر) من جميع الدواب (ولو من خنزير) وكلب، وأشار إلى شرط طهارة هذه الأشياء بقوله: (إن جُزَّتْ) في الحياة وبعد الموت ولو بلا ذكاة؛ لأنها مما لا تُحِلُّه الحياة، وما لا تحله الحياة لا ينجس بالموت، ومراده بالجز: ما قابل النتف فيشمل الحلق والإزالة بالنورة، وإن نتفت من مذكًّى -مباح أو مكروه- فجميعها طاهر، ولو نتفت من حي أو غير مذكًّى فأصلها الذي تعلق به جزء من الجلد نجس فإن أزيل فالباقي طاهر. قال ابن عرفة: الشعر والصوف والوبر من أي محلٍّ أخذ من غير قلع من غير مذكًّى طاهر، وكذا شعر الخنزير والكلب عند مالك ، وقال ابن القاسم اللخمي: أجازه مالك للخرازة.
وقال العلامة البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (1/ 56-57، ط. دار الفكر): [(ويكره الخرز بشعر خنزير)؛ لأنه استعمال للعين النجسة، ولا يسلم من التنجيس بها غالبًا، (ويجب غسل ما خرز به رطبًا) لتنجيسه. (ويباح) استعمال (مُنخل) بضم الميم والخاء المعجمة (من شعر نجس في يابس)؛ لعدم تعدي نجاسته، كركوب البغل والحمار، بخلاف استعماله في رطب...، (وعظمها) أي: الميتة (وقرنها وظفرها وعصبها وحافرها وأصول شعرها) إذا نتف. (و) أصول (ريشها إذا نتف وهو رطب أو يابس: نجس)؛ لأنه من جملة أجزاء الميتة، أشبه سائرها، ولأن أصول الشعر والريش جزء من اللحم لم يستكمل شعرًا ولا ريشًا، (وصوف ميتة طاهرة في الحياة)؛ كالغنم طاهر، (وشعرها ووبرها وريشها) طاهر (ولو) كانت غير (مأكولة؛ كَهِرٍّ وما دونها في الخلقة)؛ كابن عرس والفأر؛ لقوله تعالى: ﴿وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ﴾ [النحل: 80]، والآية سيقت للامتنان، فالظاهر شمولها الحياة والموت، والريش مقيس على هذه الثلاثة] اهـ.
وصوفها -يعني الميتة- ووبرها وشعرها وريشها طاهر؛ لأنه لا روح له، فلا يحله الموت؛ لأن الحيوان لا يألم بأخذه، ولا يحس، ولأنه لو كانت فيه حياة لنجس بفصله من الحيوان في حياته؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ما أُبِينَ مِن حَيٍّ فهُو مَيّت» رواه أبو داود بمعناه. وحكم شعر الحيوان وريشه حكمه في الطهارة والنجاسة؛ متصلًا كان أو منفصلًا، في حياة الحيوان أو موته. انظر: "الكافي" للعلامة ابن قدامة الحنبلي (1/ 48-50).
ومن الأدلة على طهارة ذلك أيضًا ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: وَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ شَاةً مَيِّتَةً، أُعْطِيَتْهَا مَوْلاَةٌ لِمَيْمُونَةَ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: «هَلَّا انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا؟» قَالُوا: إِنَّهَا مَيْتَةٌ: قَالَ: «إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا».
ويُستدل من المعقول: بأن المعهود في الميتة حال الحياة الطهارة، وإنما يؤثر الموت النجاسة فيما تحله الحياة، والشعور لا تحلها الحياة، فلا يحلها الموت، وإذا لم يحلها وجب الحكم ببقاء الوصف الشرعي المعهود؛ لعدم المزيل، فالأصل في طهارة شعر الميتة أن ما لا تحله الحياة -لأنه لا يحس ولا يتألم- لا تلحقه النجاسة بالموت.
والمختار للفتوى هو قول الجمهور، وعليه: فإنه يجوز استعمال الفرشاة المتخذة من شعر الحيوان الطبيعي؛ سواء أكان الحيوان مأكول اللحم بالإجماع، أم كان الحيوان طاهرًا غير مأكول اللحم، حيًّا كان الحيوان حال أخذ الشعر منه أو ميتًا.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 12 مايو 2025 م
الفجر
4 :25
الشروق
6 :3
الظهر
12 : 51
العصر
4:28
المغرب
7 : 40
العشاء
9 :7