الثلاثاء 16 ديسمبر 2025م – 25 جُمادى الآخرة 1447 هـ
26 يوليو 2017 م

احترام الكبير

احترام الكبير

 أقام الإسلام العلاقات بين الناس على نظامٍ من الاحترام المتبادل والقِيَم النَّبيلة، ويُعدُّ احترامُ الكبير في النَّظر الإسلامي من الأمور المهمة في منظومته الأخلاقيَّة.
بَيَّنَ الله سبحانه وتعالى أنَّ سُنَّته في الخلق مرورُ الإنسان بأطوار متعدِّدة في حياته؛ فإنَّه ينشأُ طفلًا ضعيفًا ثم شابًّا قويًّا ثم يصير شيخًا ضعيفًا؛ فقال تعالى: ﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾ [الروم: 54]، فالإنسان عليه أن يُدرك أنه كما كان طفلًا ضعيفًا يحتاج للرعاية والاهتمام والملاطفة وحسن المعاملة ممن هم أقدر منه وأقوى، ثم بلغ شابًّا فتيًّا يقوى على فعل الكثير من الأشياء دون مساعدةٍ أو معونةٍ كبيرةٍ من غيره، فإنَّه لا يجب أن يفوته أنه بعد حين سيصير شيخًا ضعيفًا مفتقرًا لمساعدة الآخرين ومعونتهم، فعليه أن يقدِّرَ هذا المآلَ، ويُقدم من أعمال الخير والبرِّ، ومنها حسن معاملة غيره من كبار السن، حتى إذا ما انتهى إلى هذه المرحلة العمريَّة وجد من يقدِّره ويحترمه؛ فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ» رواه الترمذي، أي يجد من يكرمه حين يكبر كما كان يفعل مع كبار السن وهو صغير، والوالدان من هذا الباب الخاص باحترام الكبير وتقديره، وقد قال الله تعالى في حَقِّهما: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ۞ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: 23-24].
لقد أكَّدَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم على هذا الأمر في أحاديثه التي أرشد بها المسلمين لأهمية قيمة احترام الكبير؛ فقال: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا» رواه الترمذي.
وأرشدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أنَّ عامل السِّنِّ له اعتباره في تحديد مكانة الأشخاص، وأنه يجب أن يُراعى، وجعل إكرام الكبير بمنزلة إجلال الله تعالى؛ فقال: «إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ» رواه أبو داود، ولذلك جعل النبيُّ لعامل السِّنِّ دوره في أولويَّة الإمامة، فإذا وُجدَ من يتساوى في الفقه وقراءة القرآن مع غيره، قُدِّمَ الأكبر سنًّا؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم لمالك بن الحويرث رضي الله عنه وصاحب له: «أَذِّنَا، وَأَقِيمَا، وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا» رواه البخاري، وهذا من المنزلة التي وضعها الإسلام للكبير؛ فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم هو القائل: «أَنْزِلُوا النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ» رواه أبو داود، ومن المواقف ذات الدلالة على هذا التكريم والتوقير للكبير، ما وقع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين فتح مكة، فلمَّا دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة، ودخل المسجد، أتاه أبو بكر بأبيه، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «هَلَّا تَرَكْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا آتِيهِ فِيهِ» رواه أحمد.
يحافظ الإسلام أيضًا على اجتماع المجتمع بكلِّ تنوُّعاتِه، خاصةً في أداء العبادات، وإذا كان أداء الكبار لهذه العبادات قد يتضمَّنُ مشقَّةً وكُلفَةً فإنَّ الرَّسول صلى الله عليه وآله وسلم نبَّهَ إلى خطورةِ الأفعال التي تؤدِّي إلى حرمانهم من نَيْلِ ثواب حضور الجماعات وتحوُل دونَ اجتماعهم لأداء هذه العبادات، مثل الإطالة في الصلاة، التي ترهق الكبار والمرضى والضعفاء، وبإمكان من يرى في نفسه قدرةً على التَّطويلِ في أداء الصَّلاة أن يُطَوِّلَ كيفما شاء في صلاة التَّطوع بمفرده أو مع من يتَّفق معهم على هذا التَّطويل؛ فقد جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: "والله يا رسول الله إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان ممَّا يُطيل بنا"، قال ابن مسعود: "فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في موعظةٍ أشد غضبًا منه يومئذٍ"، ثم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ وَالكَبِيرَ وَذَا الحَاجَةِ» وفي رواية أيضًا: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ، فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ مِنْهُمُ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالكَبِيرَ، وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ» رواهما البخاري.
لقد أحاط الإسلام الكبير بالعناية اللازمة وأنزله المنزلة اللائقة به، ووجَّهَ أتباعه لصيانة هذه المنزلة ومنحه ما يستحقُّ من تقديرٍ واحترامٍ.

الله سبحانه وتعالى رفيقٌ بعباده؛ يحب منهم الطاعة التي أوجب عليهم، ويكره لهم المعصية التي حرَّم عليهم، يحب لهم النَّعيم الذي وعد به الصالحين، ويكره لهم النار التي توعَّد بها المفسدين، والله تعالى يَغَار، وغيرتُه تعالى أن ينتَهِكَ العبدُ ما حرَّم الله عليه.


اليقين من الأخلاق التي ينبغي أن يتحلى بها المسلم، وبه يزداد المسلم قربًا من الله تعالى متوكلًا عليه زاهدًا فيما عند الناس، كما أنه يجعل صاحبه عزيز النفس، صادقًا مع الله مخلصًا في عبادته، مترفعًا عن مواطن الذلة والهوان، ومن علاماته: قلة مخالطة الناس رغبة فيهم واحتياجا إليه، وترك مدحهم عند العطاء، وترك ذمهم عند المنع، والتوكل عليه سبحانه والرجوع إليه في كل أمر. وقد ورد في السنة النبوية المطهرة ما يدعونا إلى اليقين وأن ثوابه الجنة إن شاء الله، فعن شَداد بْن


يعد الاختلاف من سنن الله تعالى في الكون، فكل مظاهر الكون والحياة تُعبِّر عن هذه الحقيقة، فالكون كله في تنوع واختلاف وتباين، سماء وأرض ونجوم وكواكب وجبال وسهول وصحاري ووديان وبحار وأنهار وأنواع لا تعد ولا تُحصى من الأشجار والنباتات والثمار والكائنات الحية على اليابسة أو في المياه، والإنسان كذلك مختلفة أجناسه وأعراقه وألوانه ولغاته، وهو ذكر وأنثى، وينتقل في أطوار مختلفة، من الطفولة إلى المراهقة، إلى الشباب والفتوة، إلى الكهولة إلى الشيخوخة، وعلى مستوى التفكير والإدراك يشعر الإنسان في خاصة نفسه بتغير أطوار فكره ومعرفته وإدراكه لحقائق الأمور وتباين وجهة نظره إزاءها حينًا بعد آخر.


من الأخلاق الفاضلة التي جاء بها الإسلام، خفض الصوت؛ ومعناه ألَّا يرفع الإنسان صوته عن القدر المعتاد خاصَّة في حضور من هو أعلى منه مكانة. وقد ورد في وصايا لقمان الحكيم ما سجَّله القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ [لقمان: 19]. ومن صفاته صلى الله عليه وآله وسلم أنه ليس بالذي يرفع صوته في الأسواق من أجل بيع أو شراء؛


يعد الكرم من الأخلاق الحميدة التي تؤلف بين القلوب، وتوثق عُرَى المجتمع، وتخلصه من الضغائن والأحقاد، ولقد حث الإسلام على هذا الخلق العظيم، وضرب المسلمون عبر العصور أمثلة رائعة في تطبيق هذا الخلق السامي.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 16 ديسمبر 2025 م
الفجر
5 :11
الشروق
6 :44
الظهر
11 : 51
العصر
2:39
المغرب
4 : 57
العشاء
6 :20