الأضحية إذا انتشر في الحيوانات مرض وبائي

الأضحية إذا انتشر في الحيوانات مرض وبائي

ما حكم الأضحية إذا انتشر في الحيوانات مرض وبائي؟ نظرًا لانتشار أمراض جنون البقر والحُمَّى القلاعية في البلاد التي نعيش فيها حيث من الممكن أن تصاب الأضحية بهذه الأمراض التي تؤثر على الإنسان وتصيبه؛ هل من الممكن إخراج ثمن هذه الأضحية بدلًا من ذبحها، وما هي البدائل المتاحة؟

إذا انتشر مرضٌ وبائيٌّ في بلدٍ ما وشَمِلَ الحيوانات التي تصلح للأضحية، وقرر أهل الطب المتخصصون أن في ذبحها والأكل منها ضررًا يلحق الإنسانَ، فلا تجوز الأضحية بشيءٍ منها؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» رواه أحمد وابن ماجه.
ويمكن للشخص في هذه الحالة أن يتصدق بثمن الأضحية قُربةً إلى الله تعالى مستقلةً بذاتها، وليس عِوَضًا عن الأضحية، وللمسلم ثواب صدقته عند الله.
فإن كان متمسكًا بأداء هذه الشعيرة فيمكنه أن يوكل غيره -من المؤسسات الخيرية ونحوها- في الأضحية عنه في بلدٍ آخر لا تنتشر فيه مثل هذه الأمراض.

التفاصيل ....

المحتويات

 

بيان الحكمة من مشروعية الأضحية في الإسلام

الأضحية في الإسلام شرعها اللهُ تعالى إحياءً لذكرى سيدنا إبراهيم عليه السلام، وتوسعة على الناس يوم العيد؛ كما قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّمَا هِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ للهِ عَزَّ وَجَلَّ» رواه مالك في "الموطأ"، وهي اسم لما يذبح من الإبل والبقر والغنم يوم النحر وأيام التشريق تقربًا إلى الله تعالى، والأصل في مشروعيتها قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ۞ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: 1-2].

بيان حكم الأضحية وبيان ثوابها

حكمها: سنَّة مؤكَّدة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ويُكره تركها لمن قدر عليها؛ لما رواه البخاري ومسلم: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه وَسَلَّمَ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا".
وللأضحية ثواب عظيم عند الله تعالى فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما سأله أصحابه رضي الله عنهم عن الأضاحي: «سُنَّة أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ»، قالوا: فما لنا فيها يا رسول الله؟ قال: «بِكُلِّ شَعْرَةٍ حَسَنَةٌ»، قالوا: فالصوف يا رسول الله؟ قال: «بِكُلِّ شَعْرَةٍ مِنَ الصُّوفِ حَسَنَةٌ» رواه البخاري. وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، إِنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلافِهَا، وَإنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِن اللهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِن الأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا» رواه الترمذي.

بيان شروط صحة الأضحية

الأضحية لا تكون إلا من الإبل والبقر والغنم؛ لقوله تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ [الحج: 34]، فيجزئ من الضأن ما له نصف سنة فأكثر، ومن المعز ما له سنة، ومن البقر ما له سنتان، ومن الإبل ما له خمس سنين، يستوي في ذلك الذكر والأنثى.
ويشترط لصحة الأضحية أن تكون سليمة من العيوب والأمراض؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «أَرْبَعَةٌ لَا يُجْزِينَ فِي الْأَضَاحِيِّ: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالْكَسِيرَةُ الَّتِي لَا تُنْقِي» رواه النسائي في "السنن".
ويشترط لصحتها أيضًا أن لا تُذبح إلا بعد طلوع الشمس من يوم العيد، ويمر من الوقت قدر ما يُصلى العيد، ويصح بعد ذلك في أيِّ يومٍ من أيام التشريق الثلاثة في ليلٍ أو نهارٍ، ويخرج وقتها بانقضاء هذه الأيام، أي بغروب شمس اليوم الرابع للعيد، فعن البراء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا -أي يوم عيد الأضحى- أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، مَنْ فَعَلَهُ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلُ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ» متفقٌ عليه. وعنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاةِ تَمَّ نُسُكُهُ، وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ» متفقٌ عليه.

بيان حكم الإشتراك في الأضحية

الأضحية تجزئ عن الشخص وأهل بيته، ويجوز الاشتراك فيها إذا كانت من بقر أو إبل؛ فكل منهما يجزئ عن سبعة أشخاص بأُسَرِهِم؛ فعن جابرٍ رضي الله عنه قال: "نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ" رواه مسلم.

بيان ما يسن فعله لمن أراد الأضحية

يسنُّ للمضحي أن يأكل من أضحيته، ويهدي الأقارب، ويتصدق منها على الفقراء، ويدخر منها؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم يوم عيد الأضحى لأصحابه رضي الله عنهم: «كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا»، وقال العلماء: الأفضل أن يأكل الثلث، ويتصدق بالثلث، ويدخر الثلث.
كما يُسَنُّ لمن يحسن الذبح أن يذبح أضحيته بيده، ويقول: باسم الله والله أكبر، اللهم هذا عن فلان -ويسمي نفسه-، فإن كان لا يحسن الذبح فليشهده ويحضره؛ فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لفاطمة عليها السلام: «يَا فَاطِمَةُ، قُومِي فَاشْهَدِي أُضْحِيَّتَكِ، فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَكِ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا كُلُّ ذَنْبٍ عَمِلْتِيهِ، وَقُولِي: ﴿إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۞ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ» قَالَ عِمْرَانُ رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا لَكَ وَلأَهْلِ بَيْتِكَ خَاصَّةً، فَأَهْلُ ذَاكَ أَنْتُمْ، أَوْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً؟ قَالَ: «بَل للمُسْلِمِينَ عَامَّةً».
وقال العلماء: يجوز نقل الأضحية من بلد إلى آخر.

بيان حكم الأضحية إذا انتشر في الحيوانات مرض وبائي

في واقعة السؤال وبناءً على ما سبق: فإن الأضحية شعيرةٌ من شعائر الإسلام، وسنةٌ مؤكدةٌ عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولها أجرٌ عظيمٌ عند الله تعالى، ولكنها لا تكون إلا من الأنعام: الإبل والبقر والغنم الصحيحة السالمة من العيوب والأمراض.
فإذا كان الظاهر والغالب في بلدٍ ما انتشار الأمراض الوبائية لكل حيوانات هذا البلد؛ كمرض جنون البقر والحمى القلاعية، وغير ذلك مما يقرر المتخصصون طبيًّا بأن ذبحَ هذه الحيوانات والأكلَ منها ضارٌّ بالإنسان وخطرٌ عليه، ولم يوجد بهذه البلد من الإبل أو البقر أو الغنم ما هو صحيحٌ سليمٌ خالٍ من الأمراض، ففي هذه الحالة لا يجوز الأضحية من هذه الحيوانات المريضة التي في ذبحها والأكل منها خطر على الإنسان؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» رواه أحمد وابن ماجه.
ويمكن للشخص في هذه الحالة أن يتصدق بثمنها قُربةً إلى الله تعالى مستقلةً بذاتها وليس عِوَضًا عن الأضحية، ويكون له ثواب هذه الصدقة عند الله تعالى، والله يضاعف حسناته لمن يشاء، وحصوله على ثواب الأضحية أمرٌ مفوضٌ إلى الله تعالى، والنصوص لا تمنع من ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَة، وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَعَمِلَهَا كُتِبَت لَهُ عَشْرًا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ» رواه مسلم، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» رواه البخاري.
وإذا أراد الشخص في هذه الحالة أن يضحي ويؤدي هذه الشعيرة بذاتها فيمكنه أن يوكل غيره في أن يضحي عنه وعن أسرته في بلدٍ آخر لا تنتشر فيه أمراض الحيوانات التي تضر الإنسان أو تكون خطرًا على حياته.
هذا إذا كان المرض في البلد محل السؤال يشمل جميع الحيوانات من الإبل والبقر والغنم، أما إذا كان المرضُ خاصًّا بصنفٍ واحدٍ من الأصناف الثلاثة؛ كالبقر مثلًا، فإنه يمكن للشخص أن يحقق الشعيرة بالأصناف السليمة ويحصل على الثواب. ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا